التَصَوُّفُ العَليمُ (23):
إسقاطُ التكاليفِ الشرعيّةِ عند السادةِ الصوفيّة!؟
بِسْمِ اللهِ الرَحْمَنِ الرَحيمِ
(رَبَّنا: عَلَيْكَ تَوَكَّلْنا، وَإِلَيْكَ
أَنَبْنا، وَإِلَيْكَ الْمَصيرُ.
رَبَّنا: لَا تَجْعَلْنا فِتْنَةً لِلَّذِينَ
كَفَرُوا، وَاغْفِرْ لَنَا.
رَبَّنَا: إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ).
(رَبَّنَا: افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا
بِالْحَقِّ، وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِين).
بتاريخ (8/ 5/ 2022) نشر أحدُ الوهّابيةِ الحاقدين على
شبكةِ الألوكة مقالاً بعنوان (الخروج عن التكاليف الشرعيّة، عند الصوفيّة).
وكان مما قال: (من
دين الصوفية الباطلِ؛ ما يسمونه بالأحوال التي تنتهي بصاحبها إلى الخروج عن
التكاليف الشرعية(.
وقال: (وقد زعمت الصوفية أنَّ
التكليف ينتهي حين يحصل العلم والمعرفة؛ فإذا حصل ذلك؛ سقط التكليف الشرعيّ).
وختم مقاله بقوله: (ونخلص ممَّا سبق ذِكره إلى أنَّ الصوفية
فِرقةٌ مبتدِعة في الدِّين على النحو الذي ذكرناه، وأنها تفرَّعت إلى مئات الفِرق
والطُّرق التي اتَّبعت كلُّ واحدةٍ منها هواها، ومع ذلك فإنّهم أجمعين قد تشابهوا
في هجر السنة النبوية، وإعراضهم عنها، وجهلهم بها؛ فكان ذلك سببَ ضلالهم).
أقول وبالله التوفيق: إنّ ذنبَ الصوفيّة الأكبر لدى أتباع
الفرقة الوهابيّة النجديّة؛ هو حبّ الصوفيّة لآل البيت صلوات الله وسلامه وعليهم!
وإذ إنّ الدولة الوهابيّة قامت على سفكِ دماء آل البيت
وأعوانهم؛ فمن الضروريّ أن تدوم حروبُ الوهّابيةِ على الشيعة وعلى الصوفيّة، وعلى
كلّ ما يذكّر الناس بآل البيتِ، وأنهم ظلّوا يحكمون الحجازَ ألف سنةٍ من تاريخ
الإسلام!
مَن لم يفهم هذه المسألة؛ لن يستطيع فهمَ تحامل الوهابية على
جميع فرق المسلمين، سوى فرقةِ الحنابلة، الذين يوالون الحاكم ويعظمونه، مهما بلغ
من الفسوق والعصيان والعمالةِ للكافرين!
طريقةُ أهلي الصوفيّة؛ هي الطريقةُ الخلوتيّة، التي كان يسلك
على منهاجها كثيرٌ من علماء الحنابلة الكبار، كما بيّنت في منشور سابق!
لكنّ هذه الطريقة انتهت من بيتنا، بوفاة جدّي السيد إبراهيم بن
محمد الحمش (ت: 1968م) ولم يكن جدي يعطي الطريق إلى أحدٍ.
سلكتُ الطريقة الشاذليّة على يدي شيخي عبدالقادر عيسى الحلبيّ،
عام (1961).
ثم سلكت الطريقة النقشبنديّة على يدي شيخي محمد الحامد الحمويّ،
عام (1964).
ثمّ جدّدت البيعة لشيخي محمد علي المراد، بعد وفاة شيخنا الحامد
(1970).
ثمّ سكنتُ مصر عام (1976) وصحبت شيخي وسيدي محمد الحافظ التجاني
يوميّاً ما عدا يوم الجمعة.
ثم سكنتُ السعوديّة منذ عام (1978) حتى العام (1991) وصحبت
مشايخ الصوفية فيها.
ثم سكنت الأردنّ والعراق، منذ العام (1992) حتى العام (2014)
وصحبت عدداً من مشايخ الصوفيّة، وأخذت الطريق الرفاعيّ والطريق القادريّ على
بعضهم.
لم أسمع شيخاً واحداً في هذه البلادِ كلّها، يتحدّث عن سقوط
التكاليف، بل كلّ الذي شاهدته هو تفاوتهم في زيادةِ التكاليفِ!
حتى إنني عندما أخذت الطريق القادريّ على سيّدي الشيخ محمد
الكسنزانيّ؛ أعطاني أحد مريديه أوراقاً، فيها أوراد الطريقة القادريّة:
(100) ألف (لا إله إلّا الله).
(100) ألف (لا حول ولا قوة إلّا بالله).
(100) ألف (سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم).
وعلى هذا المنوال أكثر من (40) خانةً فيها (100) ألف مرة - فيما
أتذكر!
ممّا دعاني أن أرجع إلى الشيخِ محمد، وأقول له: أنا رجل طالب
علم، لا أقوى على هذه الأوراد والأذكار، فإمّا أن تقيلني بيعتي، وإمّا أن تخوّلني
أن أختار أورادي بنفسي!
إذا كان وُجدَ في العصور السالفةِ قبل ألف سنةٍ، أو قبل سبع
مائة سنة؛ شخصٌ أو نفرٌ ممن انتسب إلى التصوّف، يقول بسقوط التكاليف في حالٍ ما من
أحواله؛ فهذا لا يعني أنّ الصوفيّة يقولون بسقوط التكاليف قديماً وحديثاً.
ولا والله ثم لا والله ثم لا والله؛ إنّ الذين ينسبون مسألة
(سقوط التكاليف) إلى السادةِ الصوفيّة كاذبون مفترون!
ولا والله ثم لا والله ثم لا والله؛ لم أسمع واحداً من مشايخي
الصوفيّة، أو واحداً من زملائي السالكين طريقَ التصوّف؛ تكلّم بما يوحي إلى أنّه
يترخّص بالتكاليف، أو يفتي بسقوطها عن أحد!
نعم سمعتُ في غير دائرةٍ من دوائر التصوّف مَن يروي حكايةً عن
سيدي عبدالقادر الجيلانيّ الحنبليّ الصوفي (ت: 568 هـ) أنّ إبليس ناداه: يا
عبدالقادر، أنا ربّك، وقد أسقطت عنك التكاليف الشرعيّة!
فردّ عليه سيدي عبدالقادر فوراً: كذبتَ يا عدوَّ الله، لو سقطت
التكاليف عن مُكلَّفٍ؛ لسقطت عن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم!
ونحن في دوائر الصوفيّة كلّها؛ يَزنُ الواحدُ منّا حالَه مع
الله تعالى بيقينه الإيمانيّ، ثمّ بالمواظبة على الفرائض، ثم بالمواظبة على
الرواتب، ثمّ بالمبالغةِ في نوافل الصيام والصلاة والأذكار وتلاوة القرآن الكريم.
ومن المشهور لدى السادةِ الصوفيّة جميعهم مقولة: (مَن ليس له
وِرْدٌ؛ ليس له واردٌ).
ختاماً: إنّ التصوّف العليم؛ هو المنهج الأمثل لتحقيق العبوديّة
الخالصة لله ربّ العالمين.
وإنّ السادةَ الصوفيّةَ السالكين هذا المنهجَ العلميّ الملتزم
بـ(كتاب الله وسنّة رسوله وفتوى فقيه) هم خير خلقِ الله أجمعين، من دون أيّ
استثناء في نظري!
والله تعالى أعلم.
(رَبَّنا: ظَلَمْنَا
أَنْفُسَنا، وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنا؛ لَنَكُونَنَّ مِنَ
الْخَاسِرِينَ).
هذا.. وصلّى الله على سيّدنا محمّد بن عبدالله، وعلى آله وصحبه وسلّم تسليماً.
والحَمْدُ للهِ على كلِّ حالٍ.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق