الأحد، 28 ديسمبر 2025

 فَضائِلُ الصَحابَةِ رضي الله عنهم:

آلُ البيتِ أفضل الناس أجمعين!؟

بسمِ اللهِ الرَحمنِ الرَحيمِ

(فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (43) وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ (44) [الزخرف].

(وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ (214) وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (215) فَإِنْ عَصَوْكَ فَقُلْ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ (216) [الشعراء].

(ذَلِكَ الَّذِي يُبَشِّرُ اللَّهُ عِبَادَهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْنًا إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ شَكُورٌ (23) [الشورى].

(وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (41) [الأنفال].

(مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (7) [الحَشْر].

أمّا بعدُ: إنّ نَشْرَ فضائلِ أهل البيت، عليهم السلام؛ يُثير حساسيّة مفرطةً لدى النواصبِ وتابعيهم من أهل السنّة عامّةً، والجهّال منهم خاصّة؛ ردودً على أفعال الرافضةِ، الذين قال الله تعالى بأمثالهم من الحاقدين اللئام: (لَا يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلًّا وَلَا ذِمَّةً وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُعْتَدُونَ (10) [التوبة].

وقد شاهدنا، وشاهد العالمُ ماذا فعلوا بالمسلمين في سوريّا والعراق، عندما مُكّنوا من قِبَل أعداءِ الإسلامِ!  

وإذْ إنّ «الفيسبوك» مرتعٌ للعامّةِ والجهّال والسفلة أيضاً؛ فقد قال الحكماءُ: لا يحسن أن يَنشر العالم، أو طالب العلم منشوراتٍ لا تستوعبها هذه الشرائحُ البعيدةِ عن العلم الخاصّ، الذي قد يستوعبه المثقفون وأهلُ العلم، وقد لا يستوعبون، بل قد لا يسيغون!

بيد أنّ لي وُجهةَ نظرٍ أخرى، هي أنّ نسبة العوام تبلغ (95%) في الأمّة، فإذا لم يُصدَمِ العامّةُ بمنشوراتٍ جديدةٍ عليهم؛ سيظلّون يمارسون أحقادَهم على بقيّةِ طوائف المسلمين، ويَصرخون بكفرهم واستحلال دمائهم؛ لأنّ الجهّال والعوامّ لا يحسنون الحوار، إذ ليس لديهم ما يحاورون به أصلاً، سوى كلمتين «نعم، أو لا» ثم تشتغل الأيدي والأرجل بالضرب وقد يتطوّر الأمر إلى القتال والقتل!

فوجودُ صوتٍ أو أصواتٍ، تنبّههم إلى بعضِ ما لديهم من غلوٍّ في الأشخاص، وأحقادٍ على غيرهم من المسلمين؛ فلن يَتغيّر في الأمّةِ شيء!

حدّثني ضابط عراقيّ ثقةٌ صالح عندي، قال: كان الجنودُ الإيرانيون يهجمون علينا هجوما عنيفاً بالعشراتِ، بل بالمئات، ليس لهم هدفٌ سوى أن نَقتلهم!

ما الذي يجعل هؤلاء الجنودَ المساكينَ، يُلقون بأنفسهم إلى التهلكةِ، لولا الحقدُ والبغضاءُ التي زرعها في قلوبهم وعقولهم «وعّاظُ» الرافضةِ الجهّالُ الحاقدون.

وأنا أقول لكم بكلِّ صراحةٍ ووضوحٍ أدين الله تعالى به: أنا لست راضياً عن سلوك أهل السنّة الفكريّ والاجتماعيّ، ولست راضياً عن سلوك الشيعة العقديّ والفكريّ والاجتماعيّ، وإنّ لي رأيي الخاصّ في كلّ مسألة أقدّمها إليكم!

وبكلّ صدقٍ وأمانةٍ أقول: أنا لست مقدّساً للصحابةِ أجمعين - من دون استثناءِ أحدٍ - مع عرفاني بفضل كثيرين منهم، وخاصّةً الأبطالَ الذين قدّموا أرواحَهم في سبيلِ نُصرةِ هذا الدين الحنيف في جزيرة العرب، وأسهموا في قيام دولة الإسلام.

إنّ المقرئ والمفتي والقاضي والعابد الزاهد - إذا لم يكونوا فرساناً ابتداءً- هم يحتاجون إلى مَن يحميهم من كيد الأعداء ولؤمهم، ولا يَستطيعونَ إقامةَ دولةٍ، وتمكينَ دين!

الذي أريدُ أنْ أخلص إليه أنّ ألفَ رجلٍ مثلِ أبي بكرٍ وعمر وعثمان وعبدالرحمن بن عوف وعبدالله بن مسعودٍ وأبيّ بن كعبٍ وزيد بن ثابتٍ - على فضلهم - رضي الله عنهم أجمعين - لا يستطيعون أن يُؤمّنوا قريةٍ واحدةٍ، تدين بمعتقداتهم وأفكارهم.

ولم يذكر لنا التاريخُ أنّه كان لهؤلاء الأفاضل وأمثالهم أثرٌ في معارك الإسلامِ الكبرى، في عهد الرسولِ صلّى الله عليه وآله وسلّم، ولم يكن في قدرتهم أن يُواجهوا صناديد المشركين واليهود، وقد ظهر هذا جليّاً في جميع المعاركِ الكبرى!

والذين كان لهم الأثر الحقيقيّ في انتصار الصحابةِ على المشركين، في معارك الإسلام في عهد الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم؛ ثُلّةٌ من الصحابة الشجعان الأبطال: أمثالِ الزبير بن العوامّ وطلحةِ بن عبيدالله وسعد بن أبي وقّاص وأبي دجانة سماك بن حرب، وأمثالهم.

وفي طليعة هؤلاء جميعها السادةُ: حمزةُ بن عبدالمطّلب وجعفرُ وعليُّ ابنا أبي طالبٍ، عليهم الصلاةُ وأزكى السلام، وعلى كَواهلِ هؤلاء قامت دولةِ الإسلام، رضي الله تعالى عنهم، وأرضاهم أجمعين.

 ومع ما تقدّمَ كلِّه؛ ترى فريقاً من المسلمين يخترعون فضائلَ ومناقبَ وخصائصَ لعددٍ من الصحابةِ مِن وهم الخيالِ، ويتجاهلون ذكر أولئك الأبطالَ البواسل!

ترى شبابنا اليوم يصرخون مبتهجين قائلين: يا أحفادَ خالدٍ والقعقاع والمثنى!

ولم يكن لواحدٍ من هؤلاء أثرٌ في نصرةِ الإسلام وإقامةِ دولته، في عهد الرسولِ صلّى الله عليه وآله وسلّم، بل كان خالدٌ من أشدّ أعداء الإسلامِ والمسلمين، وأبرزهم في هزيمةِ الصحابةِ في معركة «أحُد» ولم يؤمن بالرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم، إلّا بعدما دان أكثرُ عربِ الجزيرة بالإسلام، قبيلَ فتح مكّةَ المكرّمة.

أخرج ابن الجوزي في كتابه المنتظم (5: 129) وفي كتاب الموضوعاتِ (2: 24) عن عبدالله بن أحمد ابن حنبلٍ قال: «سَأَلْتُ أَبِي، فَقُلْتُ: مَا تَقُولُ فِي عَلِيٍّ وَمُعَاوِيَةَ؟ فَأَطْرَقَ ثُمَّ قَالَ: أَيْشٍ أَقُولُ فِيهِما؟

إِنَّ عَلِيًّا عَلَيْهِ السَّلامُ،كَانَ كَثِيرَ الأَعْدَاءِ، فَفَتَّشَ أَعْدَاؤُهُ لَهُ عَيْباً، فَلَمْ يَجِدُوا، فَجَاءُوا إِلَى رَجُلٍ، قَدْ حَارَبَهُ وَقَاتَلَهُ، فَأَطْرَوْهُ كِيَادًا مِنْهُمْ لَهُ».

وأخرج ابنُ الجوزيّ في مناقب أحمد ابن حنبل (ص: 219) من طريق عبدالله بن أحمدَ ابن حنبلٍ قال: حدّث أبي بحديثِ سفينةَ (خلافةُ النبوّة ثلاثون سنة) فقلت: يا أبه: ما تقول في التفضيل؟

قال: في الخلافةِ أبو بكرٍ وعمرُ وعثمانُ «رضي الله عنهم».

فقلت: فعليُّ بن أبي طالب؟ قال: يا بُنيّ: عليُّ بنُ أبي طالبٍ مِن أهل بيتٍ لا يقاس بهم أحد» وأورده ابن الجوزي في التبصرة (1: 458).

وقال الشيخُ ابن تيمية في كتاب منهاج السنّة (7: 244): «مَذْهَبُ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ، يَقُولُونَ: بَنُو هَاشِمٍ أَفْضَلُ قُرَيْشٍ، وَقُرَيْشٌ أَفْضَلُ الْعَرَبِ، وَالْعَرَبُ أَفْضَلُ بَنِي آدَمَ.

وَهَذَا هُوَ الْمَنْقُولُ عَنْ أَئِمَّةِ السُّنَّةِ، كَمَا ذَكَرَهُ حَرْبٌ الْكِرْمَانِيُّ عَمَّنْ لَقِيَهُمْ مِثْلَ أَحْمَدَ ابنِ حنبلٍ، وَإِسْحَاقَ بن إبراهيم «راهويه» وَسَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ الْحُمَيْدِيِّ وَغَيْرِهِمْ.

وَذَهَبَتْ طَائِفَةٌ إِلَى مَنْعِ التَّفْضِيلِ بِذَلِكَ، كَمَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ «ابنُ الطيّب الباقلانيّ» وَالْقَاضِي أَبُو يَعْلَى فِي «الْمُعْتَمَدِ» وَغَيرُهما.

وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ; فَإِنَّهُ قَدْ ثَبَتَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي صَحِيحِ مسلمٍ (2276) أَنَّهُ قَالَ: (إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى كِنَانَةَ مِنْ وَلَدِ إِسْمَاعِيلَ، وَاصْطَفَى قُرَيْشًا مِنْ كِنَانَةَ، وَاصْطَفَى هَاشِمًا مِنْ قُرَيْشٍ، وَاصْطَفَانِي مِنْ بَنِي هَاشِمٍ).  

ختاماً: لا يجوزُ بحالٍ من الأحوالِ؛ أن تبنى المعتقداتُ والمواقفُ الشرعيةُ على ردودِ الأفعالِ، والخصوماتِ والعداواتِ السياسيّة، وإجرامُ الرافضةِ في سوريّا والعراق؛ لا يجوز أن يَتّخذه النواصب اللئامُ ذريعةً لإيقاظِ النصبِ الذي كان شعارَ أهلِ السنّة ودثارَهم، في القرون الستّةِ الأولى من تاريخ الإسلام.

إنّما يجب أن نعرفَ بأنّ «آل البيت» لا يقاس بهم أحدٌ من الناسِ، لا في الجاهية، ولا في الإسلام، وأن نبني عقيدتنا ومواقفنا اعتماداً على كتابِ الله تعالى وسنّة رسوله صلّى الله عليه وآله وسلّم، فيُروَ عن رسول اللهِ أنّه قال: (لَا تَكُونُوا إِمَّعَةً تَقُولُونَ: إِنْ أَحْسَنَ النَّاسُ؛ أَحْسَنَّا وَإِنْ ظَلَمُوا؛ ظَلَمْنَا، وَلَكِنْ وَطِّنُوا أَنْفُسَكُمْ، إِنْ أَحْسَنَ النَّاسُ؛ أَنْ تُحْسِنُوا، وَإِنْ أَسَاءُوا؛ فَلَا تَظْلِمُوا) أخرجه البزّار في مسنده المعلّل (7: 229) والترمذي في جامعه (2007) وقَالَ: «هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ، لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ» وانظر تحفة الأشراف (3: 44).

والله تعالى أعلم.

والحمدُ لله على كلّ حال.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق