فَضائِلُ الصَحابَةِ رضي الله عنهم:
من فضائلِ أبي بكر الصحيحة!؟
بسمِ اللهِ الرَحمنِ الرَحيمِ
(وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ
الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ، وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ؛ رَضِيَ
اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ،
وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ، خَالِدِينَ فِيهَا
أَبَدًا، ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (100) [التوبة].
(لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ
أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ، يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللهِ
وَرِضْوَانًا، وَيَنْصُرُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ، أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ
(8).
وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ
مِنْ قَبْلِهِمْ؛ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ، وَلَا يَجِدُونَ فِي
صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا، وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ - وَلَوْ
كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ - وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ؛ فَأُولَئِكَ هُمُ
الْمُفْلِحُونَ (9) [الحشر].
أمّا بعد: أخرج البخاري في جامعه الصحيح - كتابِ
فضائلِ أصحاب النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلم ستّةً وعشرين حديثاً، من فضائل أبي
بكر رضي الله عنه (3652 - 3678) فيها عددٌ من الأحاديثِ المكرّرة، حتى في الكتاب
نفسه!
بينما أخرج مسلم في فضائل أبي بكر عشرةَ أحاديثَ (1028،
2381 - 2388).
وافقه البخاريّ عليها، ما عدا ثلاثةً (1028، 2383،
2385) فقد انفرد بها مسلم عن البخاري.
واختصاراً للوقتِ؛ فقد رأيتُ تخريج خمسة أحاديث من
فضائل أبي بكرٍ، التي أخرجها البخاريّ ومسلم، أو أحدهما، ونبّهتُ على بعض عللِ
الأحاديثِ؛ ليعلمَ القارئ الكريم أنّه لا يوجد حديث واحدٌ في الفضائل، يخلو من
علّة!
وقد خرّج البخاريّ ومسلم في فضائل الصحابة وغيرهِم
أحاديثَ؛ لا تصحّ أسانيدها بحالٍ من الأحوال، إنّما كان القومُ يتساهلون برواية
أحاديثِ الفضائل، ترغيباً للناسِ باحترام الصحابة رضي الله عنهم، ولم يكونوا
يظنّون - فيما أحسب - أنّ الناس سيعدّون أحاديثَ الفضائل هذه عقائدَ، يوالون
ويعادون عليها!
(1) أبو بكر أوّل من أسلم:
بإسنادي إلى الإمام البخاري في كتاب فضائل أصحاب
النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلم، باب فضل أبي بكرٍ بعدَ النبيّ (3660) قال رحمه
الله تعالى: حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ أَبِي الطَّيِّبِ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ
بْنُ مُجَالِدٍ، حَدَّثَنَا بَيَانُ بْنُ بِشْرٍ، عَنْ وَبَرَةَ بْنِ عَبْدِ
الرَّحْمَنِ، عَنْ هَمَّامٍ، قَالَ: سَمِعْتُ عَمَّارًا، يَقُولُ: «رَأَيْتُ
رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَا مَعَهُ، إِلَّا خَمْسَةُ
أَعْبُدٍ، وَامْرَأَتَانِ وَأَبُو بَكْرٍ» يريد البخاريّ أنّ أبا بكر أوّلُ من
أسلم من الرجال الأحرار.
قال الفقير عداب: هذا الحديثُ أعاده البخاريّ في
كتاب مناقب الأنصار (3857) من طريقِ عبدالله بن حمّاد الآمُليّ عن إسماعيل بن
مجالد، و هو من أفراده، لم يخرّجه من أصحاب الكتب التسعة سواه، وفي إسناده إسماعيل
بن مجالدٍ الكوفي، أثنى عليه بعض نقّاد الحديث، وضعّفه بعضهم:
قال أبو زرعة: « ليس هو ممن يكذب بمرة هو وسط»
الضعفاء (2: 521).
وقال النسائيّ في الضعفاء (35): ليس بالقويّ.
وقال العقيلي في الضعفاء (1: 94): لا يتابَع على
حديثِه.
ونقل الحاكم عن الدارقطنيّ قوله: «ليس ثمّةَ شكّ في
أنّه ضعيف» المغني في الضعفاء (701).
وساق ابن عدي في الكامل (1: 519) حديثَه هذا، ثم
قال: « وَهَذَا الْحَدِيثُ لا أَعْلَمُ رَوَاهُ عَنْ بَيَانٍ، غَيْرُ إِسْمَاعِيلَ
بْنِ مُجَالِدٍ» يريدُ ابن عديّ أنّه لا يحتجّ بما ينفرد به.
(2) أبو بكر أمنُّ الناس على الرسول صلّى الله عليه
وآله وسلم.
بإسنادي إلى الإمام البخاريّ في كتاب فضائل أصحاب
النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلم
باب سدّ الأبواب، إلّا بابَ أبي بكر (3654) قال: حَدَّثَنِي
عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا أَبُو عَامِرٍ حَدَّثَنَا فُلَيْحٌ
قَالَ حَدَّثَنِي سَالِمٌ أَبُو النَّضْرِ عَنْ بُسْرِ بْنِ سَعِيدٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ
الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ خَطَبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النَّاسَ وَقَالَ إِنَّ اللَّهَ خَيَّرَ عَبْدًا بَيْنَ
الدُّنْيَا وَبَيْنَ مَا عِنْدَهُ فَاخْتَارَ ذَلِكَ الْعَبْدُ مَا عِنْدَ اللهِ!
قَالَ
فَبَكَى أَبُو بَكْرٍ فَعَجِبْنَا لِبُكَائِهِ أَنْ يُخْبِرَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ عَبْدٍ خُيِّرَ فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُوَ الْمُخَيَّرَ وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ
أَعْلَمَنَا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ
مِنْ أَمَنِّ النَّاسِ عَلَيَّ فِي صُحْبَتِهِ وَمَالِهِ أَبَا بَكْرٍ وَلَوْ
كُنْتُ مُتَّخِذًا خَلِيلًا غَيْرَ رَبِّي لَاتَّخَذْتُ أَبَا بَكْرٍ وَلَكِنْ
أُخُوَّةُ الْإِسْلَامِ وَمَوَدَّتُهُ لَا يَبْقَيَنَّ فِي الْمَسْجِدِ بَابٌ
إِلَّا سُدَّ إِلَّا بَابَ أَبِي بَكْرٍ).
وأخرجه البخاري في كتاب الصلاة (466) الصلاة، باب الخَوخَةِ
والممرّ في المسجد (466) من طريق مُحَمَّدُ بْنُ سِنَانٍ قَالَ حَدَّثَنَا
فُلَيْحٌ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو النَّضْرِ عَنْ عُبَيْدِ بْنِ حُنَيْنٍ عَنْ بُسْرِ
بْنِ سَعِيدٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، وفي هذا الإسناد خطأ نبّه عليه
البخاريّ والدارقطنيّ وابن حجر في فتح الباري، وفي متنه زياداتٌ تفرّد بها فليح بن
سليمان، قال فيه ابن حجر في التقريب: صدوق كثير الخطأ، وقال ابن معين: ضعيف، وقال
أبو حاتم الرازي: ليس بقويّ.
وأعاده البخاري في كتاب المناقب (3904) من طريق
حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ حَدَّثَنِي مَالِكٌ عَنْ أَبِي
النَّضْرِ مَوْلَى عُمَرَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ عُبَيْدٍ يَعْنِي ابْنَ
حُنَيْنٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.
قال الفقير عداب: وعُبَيْدُ بْنُ حُنَيْنٍ هذا، ليس
له عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، عند البخاري ومسلم سوى هذا الحديث، وهذا
الحديثُ نفسه، رواه سالم بن أبي أميّة عن عُبَيدِ بْنِ حُنَيْنٍ، عن بُسر بن
سعيدٍ، عن أبي سعيد الخدريّ، وهي علّةٌ لا تضرّ أبداً.
وللحديث شاهدٌ من حديث عكرمة البربريّ عن عبدالله
بن عبّاس مرفوعاً، بنحو حديث أبي سعيدٍ، أخرجه البخاريّ في الصلاة (467) وأعاده 3656، 3657، 6738
وهيب عن أيوب عن عكرمة عن ابن عبّاس مرفوعاً مختصراً:
(لَوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا مِنْ أُمَّتِي خَلِيلًا لَاتَّخَذْتُ أَبَا بَكْرٍ
وَلَكِنْ أَخِي وَصَاحِبِي) بينما لفظ حديثِ يعلى بن حكيم عند البخاري (467) قريب
من حديث أبي سعيدٍ المتقدم، وفي إسناده مقال.
وحديثا ابن عبّاس وأبي سعيدٍ، رضي الله عنهم؛ يحتملان
من النقدِ الحديثيّ أكثرَ ممّا ذكرتُ، ولا
غرضَ لي في نقدِ أحاديث الفضائل!
(3) أبو بكر صاحبُ الرسول صلّى الله عليه وآله
وسلّم في الغار، ورفيقه في الهجرة:
بإسنادي إلى الإمام البخاري في فضائل أصحاب النبيّ،
باب مناقب المهاجرين (3653) قال: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سِنَانٍ حَدَّثَنَا
هَمَّامُ بنُ يحيى العَوذيُّ عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسٍ عَنْ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قُلْتُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وَأَنَا فِي الْغَارِ لَوْ أَنَّ أَحَدَهُمْ نَظَرَ تَحْتَ قَدَمَيْهِ
لَأَبْصَرَنَا فَقَالَ مَا ظَنُّكَ يَا أَبَا بَكْرٍ بِاثْنَيْنِ اللَّهُ
ثَالِثُهُمَا).
وأعاده البخاري في هجرة النبيّ وأصحابه (3922) من
طريق مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ التبوذكيّ: حَدَّثَنَا هَمَّامٌ به، ولفظه مقارب.
وأعاده البخاري في تفسير القرآن (4663) باب قوله
(ثانيَ اثنينِ) من طريق عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الجُعفيّ: حَدَّثَنَا
حَبَّانُ بنُ هلالٍ: حَدَّثَنَا هَمَّامٌ به، ولفظه مقارب أيضاً.
وأخرجه مسلم في فضائل الصحابة، بابٌ من فضائل أبي
بكر الصدّيق (2381) من طريقِ حَبّانِ بن هلالٍ عن همّام به، نحوه.
وهمّامٌ ليس بالمتين في ثابتٍ البُنانيّ، لم يرو
البخاريّ ومسلم له عن ثابتٍ، سوى ثلاثة أحاديث اتّفق البخاري ومسلم على حديثين (3393،
3653) وانفرد البخاريّ بالحديث الثالث (3805) بينما أخرجا لهمّام عن قتادة أكثرَ
من تسعين حديثاً!
(4) أبو بكرٍ وعائشة؛ أحبّ الخلق إلى رسول الله:
بإسنادي إلى الإمام البخاريّ في كتاب فضائل الصحابة،
باب فضل أبي بكر (3662) قال: حَدَّثَنَا مُعَلَّى بْنُ أَسَدٍ: حَدَّثَنَا عَبْدُ
الْعَزِيزِ بْنُ الْمُخْتَارِ قَالَ: خَالِدٌ الْحَذَّاءُ حَدَّثَنَا عَنْ أَبِي
عُثْمَانَ قَالَ: حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ؛ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَهُ عَلَى جَيْشِ ذَاتِ السُّلَاسِلِ، قال عمرُو:
«فَأَتَيْتُهُ فَقُلْتُ: أَيُّ النَّاسِ أَحَبُّ إِلَيْكَ؟ قَالَ: عَائِشَةُ!
فَقُلْتُ: ومِنْ الرِّجَالِ؟ فَقَالَ: أَبُوهَا.
قُلْتُ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: ثُمَّ عُمَرُ بْنُ
الْخَطَّابِ، فَعَدَّ رِجَالاً».
وأعاده البخاريّ في المغازي، باب غزوة ذي السلاسل
(4358) من طريقِ خالد بن عبدالله المزنيّ عن خالدٍ الحذّاء، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ
أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ عَمْرَو بْنَ
الْعَاصِ عَلَى جَيْشِ ذَاتِ السُّلَاسِلِ. قَالَ عمرُو: فَأَتَيْتُهُ، فَقُلْتُ:
أَيُّ النَّاسِ أَحَبُّ إِلَيْكَ؟
قَالَ: عَائِشَةُ؟ قُلْتُ: مِنْ الرِّجَالِ؟ قَالَ:
أَبُوهَا!
قُلْتُ: ثُمَّ مَنْ ؟ قَالَ عُمَرُ) فَعَدَّ
رِجَالًا، فَسَكَتُّ مَخَافَةَ أَنْ يَجْعَلَنِي فِي آخِرِهِمْ».
وأخرجه مسلم في صحيحه (2384) من طريق خالد بن
عبدالله المزني به، وبمثل لفظ حديثه!
وأخرجه أحمد في مسنده (17811) من طريق عبدالعزيز بن
المختار عن خالدٍ الحذّاء، به، وبمثل لفظ حديثِ المزنيّ.
ومن طريقِ أحمد ولفظ حديثه؛ أخرجه الترمذي في جامعه (3885) وقال: حديث حسن صحيح.
وأخرجه الترمذي بعد الحديث السابق (3886) من طريق
إِسْمَعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ، بنحوه، وقال: «هَذَا
حَدِيثٌ حَسَنٌ، غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، مِنْ حَدِيثِ إِسْمَعِيلَ عَنْ
قَيْسٍ» وحديثٌ يرويه ناصبيٌّ عن ناصبيّ؛ إنّما يعتدّ به النواصب!
وكيف يتصوّر مخلوقٌ أن يحبَّ الرسولُ صلّى الله
عليه وآله وسلّم زوجتَه أكثر من ابنته سيّدة نساء العالمين، رضي الله عنهما؟
أو يحبّ رجلاً يبكي إشفاقاً على رسول الله صلّى
الله عليه وآله وسلّم؛ أكثرَ من رجلٍ زلزل أركان الشركِ، وفرّج الكروبَ عن وجه
الرسول، أكثر من جميع المهاجرين والأنصار والأعراب؟
ويجب أنْ لا تنسوا أبداً أنّ عمرَو بن العاص، قايضَ
دينَه معاويةَ بولاية إفريقيّةَ وخراجها.
قال الإمام الذهبيّ في النبلاء (3: 90): «قُلْتُ:
وَرِثَ عَبْدُاللهِ «بن عمرو» مِنْ أَبِيْهِ قَنَاطِيْرَ مُقَنْطَرَةً مِنَ
الذَّهَبِ المِصْرِيِّ، فَكَانَ مِنْ مُلُوْكِ الصَّحَابَةِ» هنيئاً لعبدالله بهذه
القناطير!
(6) أبو بكر أفضل هذه الأمّة:
بإسنادي إلى الإمام البخاريّ في فضائل الصحابة، باب
فضل أبي بكر بعد النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم (3655) قال: حَدَّثَنَا عَبْدُ
الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ
عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: .كُنَّا
نُخَيِّرُ بَيْنَ النَّاسِ فِي زَمَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
فَنُخَيِّرُ أَبَا بَكْرٍ، ثُمَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ، ثُمَّ عُثْمَانَ بْنَ
عَفَّانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ)
وأعاده البخاريّ في كتاب المناقب، باب مناقب عثمان
بن عفان رضي الله عنه (3697)
من طريق عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي سَلَمَةَ
الْمَاجِشُونُ عَنْ عُبَيْدِاللهِ بنِ عمرَ بن حفصٍ العمريّ عَنْ نَافِعٍ عَنْ
ابْنِ عُمَرَ قولَه، بنحوه.
وأخرجه ابن حبّان في صحيحه (7251) من طريق مُحَمَّدَ
بْنِ الْمُتَوَكِّلِ بْنِ أَبِي السَّرِيِّ: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ
الضَّرِيرُ عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ
مرفوعاً، نحوَه.
وأخرجه الحارث بن أبي أسامة - كما في زوائد مسنده
(960) من طريق أَبي النضر هاشم بن القاسم: ثنا اللَّيْثُ بن سعدٍ عَنْ يَزِيدَ
بْنِ أَبِي حَبِيبٍ, عَنِ الزُّهْرِيِّ , عَنْ سَالِمٍ , عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ:
كُنَّا «نُفَاضِلُ بَيْنَ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ,
فَنَقُولُ: إِذَا ذَهَبَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ اسْتَوَى النَّاسُ,
فَيَسْمَعُ ذَلِكَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَا يُنْكِرُهُ
عَلَيْنَا».
أقول: يزيد بن أبي حبيب ثقة عندهم، لكنه لم يسمع من
الزهريّ، والزهريّ نفسه ناصبيّ، كانت أحاديث الإمام عليّ معروفةً لديه، لم يحدّث
هو ولا تلميذه مالك ابن أنس بحديثٍ واحدٍ منها، كما يقول الإمام ابن حبّان في
المجروحين (1: 258): «لَسْتُ أَحْفَظُ لِمَالِكٍ وَلا لِلزُّهْرِيِّ فِيمَا
رَوَيَا مِنَ الْحَدِيثِ شَيْئًا مِنْ مَنَاقِبِ عَلِيٍّ عَلَيْهِ السَّلامُ
أَصْلا».
فقوله: «فَيَسْمَعُ ذَلِكَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَا يُنْكِرُهُ عَلَيْنَا» جملة منكرة تفرّد بها يزيد عن
شيخه الناصبيّ.
وأخرج الحارث بن أبي أسامة - كما في زوائد مسنده
(959) من طريق عُمَرَ بْنِ عُبَيْدٍ الْخَزَّازُ عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي
صَالِحٍ, عَنْ أَبِيهِ, عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: كُنَّا مَعْشَرَ أَصْحَابِ
رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَحْنُ مُتَوَافِرُونَ
نَقُولُ: «أَفْضَلُ هَذِهِ الْأُمَّةِ بَعْدَ نَبِيِّهَا أَبُو بَكْرٍ ثُمَّ
عُمَرُ ثُمَّ عُثْمَانُ ثُمَّ نَسْكُتُ» وبمعزل عن سنده؛ فإنّ أبا هريرةَ لم يكن
له شأنٌ يذكر في عهد الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم، وهو لم يصحبه إلّا قليلاً،
قيل: ثلاثَ سنين، وقيل: بل ذهب مع العلاء ابن الحضرميّ إلى البحرين مؤذّناً، ولم
يرجع إلى المدينة إلّا بعد وفاة الرسول، وهو كان يقول عن نفسه: إنّه كان يعترضُ
كبار الصحابة بأسئلته ليطعموه!
وقال ابن عمر أم لم يَقل، فهو يجلب لنفسه ولوالده
نفعاً وفضلاً!
فقد عدَّ نفسَه مع أصحابِ القولِ والرأي من كبار
أصحاب الرسولِ صلّى الله عليه وآله وسلّم، بينما كان عمره عند هجرة الرسول عشرَ
سنينَ، أو دون ذلك، فأيّ قيمة لقول إنسانٍ ابنِ عشر سنين، أو عشرين سنةً في مجتمع
قبليّ، يعظّم الأكبرَ سنّاً؟
وجعل والدَه ثاني أفضلِ رجال هذه الأمّة، رضي الله
تعالى عنهم أجمعين!
ولحديث ابن عمر شاهدٌ أخرجه البخاري في فضائل أبي
بكر (3671) من حديث محمّد بن عليّ المعروف بابن الحنفيّة قال: قُلْتُ لِأَبِي
«عليّ بن أبي طالب»: أَيُّ النَّاسِ خَيْرٌ بَعْدَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَ: أَبُو بَكْرٍ، قُلْتُ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: ثُمَّ
عُمَرُ.
وَخَشِيتُ أَنْ يَقُولَ: عُثْمَانُ، قُلْتُ: ثُمَّ
أَنْتَ؟ قَالَ: مَا أَنَا إِلَّا رَجُلٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ).
قال الفقير عداب: حديث ابن الحنفية عن أبيه عليهما
السلام؛ صحيح الإسنادِ، لا غبار عليه، وهو منسجم مع أخلاق الإمام عليٍّ في
السماحةِ، وخفض الجناحِ، ومراعاةِ المعروف لدى العوامّ، فيم لا يترتّب عليه حكم.
ولا يخفى حتى على المغفّلين؛ أنّ عداب الحمش لو
قال: أنا أعلم بالحديثِ من جميع علماء سوريا، بمن فيهم السيّد بدر الدين الحسنيّ،
والشيخ ناصر الألباني، والشيخ شعيب الأرناؤوط.. إلخ، فلن تجد ذا مِسكَةِ عقلٍ لا
يقول: إنّ عداب الحمش مغرور، معجبٌ بذاته، متكبّر، والعياذ بالله تعالى، بمعنى أنّ
عداب الحمش أمسى مرتكباً كبيرةً أو كبائر!
لكنّ الجميع من علماء وجهلاء وسخفاء، يعجبهم كثيراً
أن يقول عداب: أستغفر الله العظيم، لا يا ولدي، أنا رجل مسكين، من أين لي أن أفهم
كلامَ هؤلاء العلماء الفطاحل، فضلاً عن مجاراتهم في العلم؟!
ما أنا إلّا رجلٌ من عامّة المسلمين، ذنوبي كثيرةٌ،
وطاعاتي قليلة، وأسأل الله تعالى العفو والعافية وحسن الختام!
أليس هذا سلوكَكم في هذه الحياة، أليس هذا الذي
يرضي (الأنا) المتضخّمةَ لديكم؟
هكذا تكلّم الإمام عليّ عليه السلام عندما سئل، وهو
الخبير بنفوسِ الناس، والقائل:
« حَدِّثُوا النَّاسَ بِمَا
يَعْرِفُونَ، أَتُحِبُّونَ أَنْ يُكَذَّبَ اللهُ وَرَسُولُهُ) أخرجه البخاري (127).
والله تعالى أعلم.
والحمد لله على كلّ حال.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق