إلى سوريّا مِن جديدٍ:
ما فائدةُ الفِدْراليّة؟
بسم الله الرحمن الرحيم
الدولةُ الفدراليّةُ: هي الدولةُ الاتّحاديّةُ، أو
دولةُ الأقاليم غير المركزيّة، التي تتقاسم فيها السلطة المركزية العليا السيادةَ
والصلاحيّات، مع رؤساء الأقاليم، أو مع المحافظين، فيكون للمحافظِ فيها صلاحيّاتٌ
أكبرُ بكثير من صلاحيّات المحافظ في الدولة المركزيّة.
والدولةُ الفدراليّة: مثلُ الولايات المتحدة
الأمريكية، وألمانيا، والإمارات العربية المتّحدة!
أمّا الدولة المركزيّة الأُحاديّةُ، فتتركّز معظم
الصلاحيّاتِ في يد رئيس الدولة، وتكون صلاحيات المحافظ؛ تنفيذ القرارات الرئاسيّة
والحكوميّة!
ومثال الدولةِ المركزيّة: سوريّا السابقة
والحاليّة، والأردنّ ولبنان وغيرها من الدول.
أمّا الدولةُ الكونفدراليّةُ: فهي تسمّى دولةً
مجازاً، إذ يكون الإقليم مستقلاً تماماً، إنما يكون بين تلك الأقاليم «الدول»
اتّحادٌ تعاونيٌّ، أو هيئةٌ تشاوريّة، أو تنسيقٌ دفاعيٌّ أو حربيٌّ.
ومن أمثلة الكونفدراليّات هذه «مجلس التعادون
الخليجي» الذي يضمّ دول الخليج العربيّ، أو «اتّحاد المغرب العربيّ» الذي يضمّ موريتانيا
ومملكة المغرب، والجزائر وتونس وليبيا، أو «الجمهوريّة العربية المتّحدة» التي
كانت تضمّ مصر وسوريا، وهكذا، فما فائدةُ الفدراليّةِ في دولةٍ مثل سوريّا؟
أقول وبالله التوفيق:
عندما كنتُ في «كردستان» العراق؛ سمعتُ بعضَ
موظّفي الدولة هناك يقولون: إنّ السلطات الحاكمة تحوز أكثر من (80%) من ورادات
إقليم كردستان، ومجموع الشعب الكرديّ حظّه أقلُّ من (20%) من مجموع وادرات الإقليم
سنويّاً.
واستمعتُ إلى أحدِ السفّاحين المجرمين من قادة
مليشيات النظام البعثيّ الساقط في سوريّا يقول على برنامج «المشهد» مع الإعلاميّ
طوني خليفة يقول: «إنّ المستفيدين ماليّاً من النظام السابق؛ أقلُّ من (3%) من
الشعب «النصيريّ» - وهو واحدٌ من كبار المستفيدين - وباقي الشعب تحت خطّ الفقر،
وقد يكون هذا صحيحاً!
بينما سمعتُ أحدَ وجهاء النصيريّة يقول لمحافظ
اللاذقيّة: منطقتنا الجبليّة فقيرة الموارد، ليس فيها أسواق تجارية، ولا ثروات
معدنية، ولذلك فإنّ أكثرَ من (80%) من شباب «العلويين» يعملون في الحكومة: في
الجيش والأمن والمخابرات والشرطة المدنية والعسكرية وشرطة المرور وغيرها، فهل
نعطيكم أولادنا هؤلاء كلَّهم لتقتلوهم، بدعوى أنهم من فلولُ النظام؟
وقد لا يكون ثمّةَ تناقضاً بين القولين: إذ إنّ
رواتب موظفي الدولة السورية قليلة جدّاً، منذ القدم، فمنذ العام (1971 - 1975) كنت
مدرّساً مكلّفاً بساعاتٍ كثيرةٍ، قد تصل إلى (21) ساعة أسبوعيّا، لم يكن مرتّبي
الشهري تلك السنوات يصل إلى (100) دولاراً في الشهر.
وكان مرتّب زملائي المدرّسين في المدارس
الابتدائيّة (210) ل. س، يعني يقرب من خمسين دولاراً في الشهر، وربما أقلّ!
فالقادةُ المجرمون الكبار؛ هم الذين ينهبون
خيرات البلاد ويتقاسمونها، ويضغطون على التجّار ليقاسموهم ثمرات تجاراتهم، ويستغلّون
جرائمَهم ذاتها ليبتزّوا الناس، مدّعين أنّهم سيطلقون سراح أولادهم المظلومين من سجونهم
المظلمة، كما ضحكوا على زوجتي، ووعدوها بإخراج ولدي «الشهيد علي» من سجن «عدرا» وسجن
«صيدنايا» في مدّةٍ أقصاها شهر، مقابلِ مبلغٍ قدره خمسةٌ وعشرون ألف دولار، فضغطت
عليّ زوجتي وأولادي وبناتي، وأنا أقول لهم: أيها الناس: هؤلاء يكذبون عليكم، هؤلاء
يبتزّونكم، ثم لنفترض أنّهم سيطلقون سراحه حقّاً، هل يجوز أن أعطي خصمي هذا المبلغ
الضخم ليتقوى به عليّ وعلى المسلمين؟
لكنّهم اتّصلوا بأحد تلامذتي، وأقنعوه بفكرتهم،
فأقرضهم هذا المبلغَ، الذي علمت به بعدما استلموه، ولم أستطع تسديد جميع المبلغ
حتى الآن، واللهُ الشاهد!
دُفع هذا المبلغُ لأولئك المجرمين القتلة، ثم
قتلوا ولدي (عليّاً) في السجنِ، ولم نعرف حتى اليوم أين دفنوه، عليهم لعائن الله
تعالى أجمعين!
إذنْ ما فائدة الفدراليّة، إذا كانت ستزيدُ في
غنى الكبارِ، وسيزداد الفقراء فقراً؟
إنّ الشعوبَ مسكينةٌ، يقودها أصحاب النفوذ إلى
حتفها، وهي تأمل الخيرَ والحياةَ الأكرم!
لهذا أصبحت الآن أقول: إنّ «الفيدرالية والكونفدرالية»
لا تصلحان لمجتمعاتنا الساذجة أبداً؛ لأنّ شياطين الإنس يضحكون عليهم؛ للوصولِ إلى
السلطة والثروةِ.
والله تعالى أعلم.
والحمد لله على كلّ حال.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق