الأحد، 11 فبراير 2024

  مَسائِلُ فِكْرِيّةٌ (13):

مَسألةُ خَلْقِ القرآن !؟

بسم الله الرحمن الرحيم

(أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلَامَ اللهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ).

(سَيَقُولُ الْمُخَلَّفُونَ إِذَا انْطَلَقْتُمْ إِلَى مَغَانِمَ لِتَأْخُذُوهَا ذَرُونَا نَتَّبِعْكُمْ يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلَامَ اللهِ، قُلْ لَنْ تَتَّبِعُونَا، كَذَلِكُمْ قَالَ اللهُ مِنْ قَبْلُ).

(وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللهِ، ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْلَمُونَ).

(مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ).

(رَبَّنَا: افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ، وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِين).

كتب إليّ أحدهم يسأل عن مسألةِ (خلق القرآن) ولمّا أجبتُه؛ تبيّن لي أنّ السائل يريد أن يُحاورَ ويتعلّم ويأخذَ دروساً على الخاصِّ، وأنا الفقير ليس لديّ مثلُ هذه الطاقة أبداً!

فوعدتُه أن أنشرَ مقالاً بخصوص هذه المسألة القديمة الجديدة، وأظنني تكلمت عليها في منشورٍ سابقٍ قديم!

أقول وبالله التوفيق:

يُعجبني كثيراً قولُ الإمام جعفرٍ الصادق عليه السلام: «ما بالكم شغلتم أنفسَكم بما لا تُسألون يوم القيامةِ عنه، وتركتم ما أنتم عليه محاسبون»؟

إنّ الله تعالى أضافَ إلى ذاتِه الكلامَ، مثلما أضاف إليها الخلق والرزق والإماتةَ والإحياء، ووصف نفسه المقدسةَ بأنه مع عباده وأنّه يسمع ويرى!

فلو أنّك قلتَ: «القرآن كلامُ الله المحدَثُ» ما استطاعَ مسلمٌ أن يردّ عليك بشيءٍ!

لأنّه سيردُّ عليك بتأويلٍ يقابلُه تأويل!

ومتى تخلّصتَ من عُقدةِ السلفِ، وعقدةِ الصراعِ الطائفيّ؛ سهُلَ عليك أن تحتمل عقولَ الذين يقولون:

- كلامُ الله تعالى قديم غيرُ مخلوق!  

- كلام الله تعالى غيرُ مخلوق!

- كلام الله تعالى محدَثٌ إنْزالُه غيرُ مخلوق!

- كلام الله تعالى محدَثٌ مخلوق!

- كلام الله تعالى مخلوق!

- القرآن كلام الله تعالى ليس بخالقٍ ولا مخلوق!

- القرآن كلام الله تعالى!

إلى كلِّ قولٍ من الأقوال ذهبَ بعضُ علماءِ المسلمين، وللأسفِ الشديد!

وجميعُ ما ذهبوا إليه تكلّفٌ وتعسُّفٌ، ورغبةٌ في الاستعلاء والانتصار!

ما دام المسلم يقول: «القرآن كلام الله تعالى» ويعتقدُ بأنّ ما فيه من الأوامر مطلوبٌ من المسلمين التزامُه على وجه الوجوبِ أو الندبِ، ويعتقد بأنّ ما فيه من النواهي مطلوبٌ اجتنابه على وجهِ التحريم أو الكراهة!

وما دام يعتقد أنّ كلَّ كلمةٍ فيه حقٌّ وصدقٌ، ولها وظيفةٌ في دينِ الله تعالى؛ فهو مسلم مؤمن محسن، وليس مطالباً بعد ذلك بأن يعرف هل لله تعالى كلامٌ قائمٌ بنفسه، أو إنّ معنى إضافةِ الكلامِ إليه؛ لا تعني شيئاً غيرَ أنّه قادرٌ على إفهام عبادَه ما يريده منهم؟

فلِمَ هذا الهوسُ بالاختلافِ والاتّهامِ وسوءِ الظنّ؟

هكذا حقّاً كان كثيرٌ من سلفِكم الصالح!

مثلما كان الأكثرون من سلفكم الصالحِ عبيداً للطاغيةِ المستبدّ، يوجبون طاعتَه حتى لو كان مجرماً قاتلاً ظالماً، ويحرمون الخروج عليه!

انتبه إلى كلامي ولا تتشنّج، فأنت مثلُ سلفك الصالح أيضاً!

أنا أقول: كان كثيرٌ من سلفِكم الصالح هكذا حقّاً، ولا أقول: جميعهم كذلك!

عقيدتي التي أدين الله تعالى بها أنّ (القرآن الكريم كلامُ الله تعالى) وحسب!

لا أكفرّ ولا أضلّل ولا أفسّق ولا أبدّع الذين يقولون (القرآن مخلوق)!

ولا أكفرّ ولا أضلّل ولا أفسّق ولا أبدّع الذين يقولون (القرآن غير مخلوق)!

وإنْ كان الذين يقولون: (القرآن مخلوق) يمكنهم الاستدلالُ بألف آيةٍ في القرآن الكريم على صحّةِ مذهبهم.

أمّا الذين يقولون: (القرآن قديمٌ غير مخلوق) أو (القرآن غير مخلوق) فلن يجدوا في القرآن الكريم آيةً واحدةً صريحةً تؤيّد مذهبهم، إنّما هم يذهبون إلى التأويلِ، والتأويلُ عمل المجتهدِ والباحثِ، ليس ملزماً لأحدٍ غيره.

ولا يخفى على طالبِ علمٍ أنّ الماتريديّةَ يقولون: الخلاف بيننا وبين المعتزلة لفظيّ!

وأنّ الأشاعرةَ يقولون: لفظي بالقرآن مخلوق!

وأن أبا بكرِ ابن القيّم قال في مختصر الصواعق (ص: 512): «البُخَارِيُّ أَعْلَمُ بِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَأَوْلَى بِالصَّوَابِ فِيهَا مِنْ جَمِيعِ مَنْ خَالَفَهُ!

وَكَلَامُهُ أَوْضَحُ وَأَمْتَنُ مِنْ كَلَامِ أَبِي عَبْدِاللهِ «ابنِ حنبلٍ» فَإِنَّ الْإِمَامَ أَحْمَدَ سَدَّ الذَّرِيعَةَ حَيْثُ مَنَعَ إِطْلَاقَ (لَفْظِ الْمَخْلُوقِ) نَفْياً وَإِثْبَاتاً عَلَى اللَّفْظِ، فَقَالَتْ طَائِفَةٌ: أَرَادَ سَدَّ بَابِ الْكَلَامِ فِي ذَلِكَ»

أقول: المسألةُ إذنْ قال أحمدُ، ولم يقل أحمد، وكأنّ أحمدَ هو الوصيُّ على فهم كتابِ الله تعالى ودين الإسلام!

ختاماً: أرجو من جميع الإخوةِ أن يلتزموا بدقّةِ السؤالِ ليكون جوابي لهم دقيقاً أيضاً، وأن لا يسترسلَ أحدٌ منهم بالحوارِ، فليست لديّ طاقةٌ للحوار أبداً!

أنت تسأل وأنا أجيب، فحسب!

إذا كنت تريدُ الجدال والحوارَ؛ فهناك في أهلِ العلم شباب كثيرون، لديهم طاقةٌ جسمية ونفسيّةٌ ليحاوروكَ حتى الصباحِ، كما كنّا في أيّام الشباب!

لولا أنني بحاجةٍ إلى الحسناتِ والدعواتِ؛ كنت انقطعت عن الإنترنيت تماماً؛ لأنّ بعضكم مزعجون حقّاً، ويظنون أنّهم يصوّبون لي ويعلمونني!

لم يعد لديّ القدرةُ على احتمالِ أمثال هؤلاء أبداً، فأرجو أن تفهموني جيّداً.

أنا الفقير أقول ما عندي، وليس ما أقولُه وحيٌ من الله تعالى، ولا إلهامٌ، ولا كشفٌ، إنما هو اجتهادٌ خاضعٌ للتقويم، فما رضيتَ من كلامي؛ فانتفع به، وما لم يعجبك؛ فتذكّر قول الله تعالى دائماً (وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ؛ أَعْرَضُوا عَنْهُ، وَقَالُوا: لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ لَا نَبْتَغِي الْجَاهِلِين) أعرضْ حبيبي أعرضْ، ولا تتفلسف عليّ!

(رَبَّنا: ظَلَمْنَا أَنْفُسَنا، وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنا؛ لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ).

هذا.. وصلّى الله على سيّدنا محمّد بن عبدالله، وعلى آله وصحبه وسلّم تسليماً.

والحمد لله على كلّ حال.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق