الجمعة، 24 فبراير 2023

 مَسائِلُ عَقَديّةٌ (2):

بَيتُ العائلةِ الإبراهيميّةِ !؟

بسم الله الرحمن الرحيم

(رَبَّنَا: عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا، وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا، وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ.

رَبَّنَا: لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا، وَاغْفِرْ لَنَا.

رَبَّنَا: إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ).

(رَبَّنَا: افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ، وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِين).

تواصل معي أحدُ الإخوة يقول: «لم نسمع لك صوتاً بمناسبة افتتاح بيت العائلة الإبراهيميّة في دولة الإمارات العربية المتّحدة، ونحن بحاجةٍ إلى معرفة رأيك، بصفتك عالماً، وبصفوتك متصوفاً»!

أقول وبالله التوفيق:

ثمّةَ قاعدةٌ مطّردةٌ لديّ؛ أنني لا أكتبُ في شيءٍ كتب فيه غيري، إذا كان ما كُتبَ موافقاً لما أرى، وكان كافياً في نظري!

وقد تكلّم شيخُ الأزهر الدكتور أحمد الطيّب، وأفادَ بأنّ فكرة وحدةِ الأديان؛ باطلة من جذورها، فليس هناك دياناتٌ إبراهيميّة، لا في كتاب الله تعالى، ولا في واقع الأمر!

- هناك شركٌ ووثنيّة في ديانةِ قومٍ ينتسبون إلى سيّدنا إبراهيم عليه السلام.

- وهناك أبّوةٌ وبنوّة وإله مثلّث في ديانة قوم ينتسبون إلى سيّدنا إبراهيم عليه السلام.

- وهناك ملّة إبراهيم الواحدة، التي لا يتّبعها أحدٌ في هذا الزمان، سوى المسلمين، أتباع الرسول محمد صلّى الله عليه وآله وسلّم.

قال الله تعالى رادّاً ومفنّداً جميع ما تقدّم من دعاوى:

(يَاأَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تُحَاجُّونَ فِي إِبْرَاهِيمَ وَمَا أُنْزِلَتِ التَّوْرَاةُ وَالْإِنْجِيلُ إِلَّا مِنْ بَعْدِهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (65)؟!

هَاأَنْتُمْ هَؤُلَاءِ حَاجَجْتُمْ فِيمَا لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ، فَلِمَ تُحَاجُّونَ فِيمَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ؟

وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (66).

مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيّاً، وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِماً.

وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (67).

إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ، وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاللهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ (68) [آل عمران].

وليس ثمّة بيتٌ يدعى بيتَ العائلةِ الإبراهيميّة؛ لأنّ الولاءَ عند الله تعالى للدين، وليس للدمَ!

قال الله تعالى:

(لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ؛ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ، وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ!

 أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ، وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ.

وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيها.

رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ.

أُولَئِكَ حِزْبُ اللهِ، أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (22) [المجادلة].

وقال تعالى بخصوص علاقةِ إبراهيم بقومه وأهله:

(لَنْ تَنْفَعَكُمْ أَرْحَامُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ!

يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَفْصِلُ بَيْنَكُمْ وَاللهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (3).

قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ:

 إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ!

كَفَرْنَا بِكُمْ، وَبَدَا بَيْنَنا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَداً، حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللهِ وَحْدَهُ (4) [الممتحنة].

دعا سيدنا إبراهيم ربّه تعالى قال: (رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ (35)رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ!

فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي، وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (36).

رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ!

فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ، وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ (37) [إبراهيم].

وقال إبراهيم أيضاً: (رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلَاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ (40) رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ (41) [إبراهيم].

هذا ما أراده إبراهيم عليه السلام، أراد أن يغفرَ الله تعالى لمن يعصي إبراهيمَ، ولا يتّبعه في دينه، لكنّ الله تعالى أوضحَ له أنّ مرادَه هو الواجب الاعتقاد والعمل!

قال الله تعالى: (وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً!

قَالَ: وَمِنْ ذُرِّيَّتِي؟ قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ (124) [البقرة].

لا يمكن أن ترتاح عائلةٌ وتعيش حياةً منسجمةً، وواحد من أفرادها يقول:

إنّ الربّ الذي أعبده؛ واحد لا شريكَ له، كريم، قادر، غفور، رحيم، شديد العقاب!

والآخر يقول: بل الربّ الذي أعبده ضعيف يستطيع واحدٌ من عباده أن يصارعه فيصرعه، وهو بخيل، ويتعب ويرتاح ويمشي ويقعد ويختبئ ويتلصّص على عباده!

والثالث يقول: الربّ الذي أعبده هو مثلّث متساوي الأضلاع (الأب والابن والروح القدس، إله واحد آمين).

لا يمكن التعايش بين إخوةٍ ثلاثةٍ يضمّهم بيت واحد، أحدهم يعتقد (ليس علينا في الأميين سبيل) خذ مال الآخرين بأيّ طريق!

والآخر يقول: لا يوجد حلال ولا حرام أصلاً، افعل ما شئتَ؛ فإنّ الابنَ تكفّل بمحو خطايانا كلّها، وكان هو فداءنا من العقاب!

والثالث يعتقد أنّه (إِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ؛ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللهُ).

ويعتقد أنه (يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتًا لِيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ (6).

فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7).

وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ (8) [الزلزلة].

هؤلاء السفهاء الذين يقومون بهذه الأعمال الخبيثةِ؛ يَكفرون بالله تعالى كفراً ناقلاً عن الملّة؛ لأنّهم يخالفون الآيات السابقة كلّها، ويُعطون لأنفسهم حقّ التغيير الذي لم يعطه الله تعالى للرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم.

(وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ؛ قَالَ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا: ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَذَا أَوْ بَدِّلْهُ!

قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِي!؟

إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ.

إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (15) [يونس].

أمّا أولئك المجرمون؛ فإنهم لا يخافون من (عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ) (كَلَّا بَلْ لَا يَخَافُونَ الْآخِرَةَ (53) [المدّثر].

أمّا ما يُنسبُ إلى بعضِ دوائر التصوّفِ، من العمل على وحدةِ الأديان؛ فذاك تصوّف مُنحرفٌ خارجٌ عن ملّة الإسلام، ومعاذ الله أن أقرّه، أو أجامل أحداً ممن يقول به طرفةَ عين!

بيدَ أنّ بعضَ دوائر الصوفيّةِ؛ يريدون للبشريّة أن تتعايشَ وتتسالمَ، وأن تشيعَ الشعوب والأمم بينها المشتركات في جانب العمل، والمشتركات في جانب الترك.

ولا يجاهر كلّ طرفٍ من الأطراف بما يخالفُ فيه الطرفَ الآخر، من دون أن يتنازل المسلم عن شيءٍ من معتقداته، أو تشريعاتِ دينه، وأخلاقه!

وقد عهدتُ شيخنا السيّد محمد بن عبدالكريم الكسنزان رضي الله عنه يلهج بهذا كثيراً، وكان طيلةَ حياته يطبّق هذا المعنى، ويقول لي: لا يَسعُ الناسَ إلّا هذا!

وقد كانت أعدادُ الشيعةِ في التكيةِ الكسنزانيّة؛ لا يقلّ عن أعداد أهل السنّة، بيد أنّ إثارةَ المسائل الخلافيّة بين الطرفين؛ ممنوع منعاً باتّاً.

وأنا أقول: إنّ هذا المنهج لو أردنا تطبيقَه؛ فلن يطبّقه سوى المسلمين، أمّا غيرهم من الشعوب والأمم بأديانها المختلفة؛ فلا نرى لها توجّها سوى استعبادِ المسلمين، واستباحةِ دمائهم وديارهم وأموالهم!

أمريكا استباحت العراقَ، ودمّرته - ولا يزال مدمّراً - وقتلت من العراقيين قرابةَ مليون مسلمٍ، بدعوى أنّه بصدد امتلاكِ سلاح نوويٍّ، وأسلحة دمارٍ شاملٍ!

مع أنها تمتلك ألوف القنابل الذريّة والنووية والهيدروجينيّة، والأسلحة الجرثوميّة والكيماويّة!

تمتلك هذا وغيرَه مما لا نعرفه، بينما تمنع غيرها من امتلاك سلاحٍ يحمي به شعبه وبلادَه، وتعدّه سبباً يبيح لها قتلَ ذاك الشعب ودمارَ بلاده!

فإذا نحن أشعنا ثقافة «المشتركات» هذه؛ فسيكون نفعها ضئيلاً قليلاً، على مستوى أفرادٍ يؤمنون بذلك، ويطبّقونه في حياتهم!

لكنْ ينسف أصحاب القرار السياسيّ ذلك متى ما أرادوا، وسنكون نحن الخاسرين وحدنا!؟

واللهُ تَعالى أَعلمُ.

(رَبَّنا: ظَلَمْنَا أَنْفُسَنا، وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنا؛ لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ).

هذا.. وصلّى الله على سيّدنا محمّد بن عبدالله، وعلى آله وصحبه وسلّم تسليماً.

والحمد لله على كلّ حال.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق