السبت، 12 يونيو 2021

مسائل حديثيّة (13):

عِقابُ منتهكِ محارم الله تعالى!؟

بسم الله الرحمن الرحيم

(رَبَّنا: عَلَيْكَ تَوَكَّلْنا، وَإِلَيْكَ أَنَبْنا، وَإِلَيْكَ الْمَصيرُ.

رَبَّنا: لَا تَجْعَلْنا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا، وَاغْفِرْ لَنَا.

رَبَّنَا: إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ).

(رَبَّنَا: افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ، وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِين).

كتب إليّ أحد الإخوة الأفاضل، يسأل عن صحة حديث ثَوْبان مرفوعاً (إذا خلوا بمحارم الله؛ انتهكوها)؟!

أقول وبالله التوفيق:

بإسنادي إلى الإمام محمد بن يزيد القزوينيّ، المعروف بابن ماجهْ، في كتاب الزهد من سننه، باب ذِكرُ الذنوب (4245) قال رحمه الله تعالى:

حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ الرَّمْلِيُّ: حَدَّثَنَا عُقْبَةُ بْنُ عَلْقَمَةَ بْنِ خَدِيجٍ الْمَعَافِرِيُّ عَنْ أَرْطَاةَ بْنِ الْمُنْذِرِ، عَنْ أَبِي عَامِرٍ الْأَلْهَانِيِّ، عَنْ ثَوْبانَ، عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ (لَأَعْلَمَنَّ أَقْوَامًا مِنْ أُمَّتِي، يَأْتُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِحَسَنَاتٍ أَمْثَالِ جِبَالِ تِهَامَةَ؛ بِيضاً فَيَجْعَلُهَا اللهُ عَزَّ وَجَلَّ هَبَاءً مَنْثُوراً).

قَالَ ثَوْبَانُ: يَا رَسُولَ اللهِ، صِفْهُمْ لَنَا، جَلِّهِمْ لَنَا، أَنْ لَا نَكُونَ مِنْهُمْ، وَنَحْنُ لَا نَعْلَمُ؟!

قَالَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلهِ وَسَلَّمَ:

(أَمَا إِنَّهُمْ إِخْوَانُكُمْ، وَمِنْ جِلْدَتِكُمْ، وَيَأْخُذُونَ مِنْ اللَّيْلِ كَمَا تَأْخُذُونَ، وَلَكِنَّهُمْ أَقْوَامٌ إِذَا خَلَوْا بِمَحَارِمِ اللَّهِ انْتَهَكُوهَا).

هذا الحديث من أفراد ابن ماجه عن الكتب الستة، وعن الثلاثة الأخرى (ما، حم، مي).

وأخرجه الرويّاني في مسنده (651) والطبرانيّ في مسند الشاميين (680) وفي المعجم الصغير (662) وقال: «لَا يُرْوَى عَنْ ثَوْبَانَ إِلَّا بِهَذَا الْإِسْنَادِ، تَفَرَّدَ بِهِ عُقْبَةُ».

وقال البوصيري في مصباح الزجاجة (4: 246): « هَذَا إِسْنَاد صَحِيحٌ، رِجَاله ثِقَات» وصحّحه الشيخان الألباني وشعيب من المعاصرين.

وعقبة بن علقمة البيروتيّ، ترجمه ابن عساكر في تاريخ دمشق (40: 503) والذهبي في الميزان (3: 87) والمزيّ في تهذيب الكمال (20: 211).

ونقل توثيقه عن ابن خراش والحاكم، وقال ابن معين: لا بأس به.

بينما نقل عن العقيليّ قوله: لا يتابَع على حديثه، وعن ابن عديّ قوله: روى عن الأوزاعيّ ما لم يتابعه عليه أحد، وعن ابن حبّان قوله: «يُعتَبَر بحديثه، من غير رواية ابنه محمد بن عقبة عنه، لأن محمدا كان يدخل عليه الحديث، فيجيب فيه».  

قال عداب: قول العقيليّ وابن عديٍّ وابن حبان؛ يفيد أنّ الرجل مقبولُ الرواية في المتابعاتِ، أمّا إذا انفرد بحديثٍ؛ فحديثه ضعيف.

وبناءً على ما تقدّم، فيحمل توثيق من وثّقه على عدالته الدينيّة وصدقِه، أمّا ضبطُه فيحتاجُ إلى متابِع.

خلاصةُ الحكم على الحديثِ: أنه حديث ضعيف الإسناد، وفي متنه نكارةٌ ظاهرة، فمن انتهك محارم الله تعالى من المؤمنين الذين يقيمون الليل؛ عاقبه الله تبارك وتعالى: السيّئةَ بسيّئةٍ، لكنّه لا يجعل حسناته هباءً منثوراً، إنما ذلك في حقّ الكافر بالله تعالى.

قال الله تبارك وتعالى: (يَوْمَ يَرَوْنَ الْمَلَائِكَةَ لَا بُشْرَى يَوْمَئِذٍ لِلْمُجْرِمِينَ وَيَقُولُونَ حِجْرًا مَحْجُورًا (22) وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا (23) [الفرقان].  

والله تعالى أعلم.

(رَبَّنا: ظَلَمْنَا أَنْفُسَنا، وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنا؛ لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ).

هذا.. وصلّى الله على سيّدنا محمّد بن عبدالله، وعلى آله وصحبه وسلّم تسليماً

والحمد لله على كلّ حال.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق