الأحد، 6 يونيو 2021

 مَسائل فكرية (13):

عائشة من جديد!؟

بسم الله الرحمن الرحيم

(رَبَّنا: عَلَيْكَ تَوَكَّلْنا، وَإِلَيْكَ أَنَبْنا، وَإِلَيْكَ الْمَصيرُ.

رَبَّنا: لَا تَجْعَلْنا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا، وَاغْفِرْ لَنَا.

رَبَّنَا: إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ).

(رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ، وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِين).

كتب إليّ أحدُ إخواني الشوام القدامى يقول:

«قرأت لك منشوراتٍ كثيرةً، لم أقرأ فيها أنك تطعن في أمّ المؤمنين عائشة رضي الله عنها .

لكنني سمعت عدداً من العلماء يقولون: إنك تطعن في أمّ المؤمنين رضي الله عنها.

فأرجو بيان موقفك من عائشة خاصّةً، دون تشتيت الموضوع في الحديث عن سائر الصحابة»!؟

أقول وبالله التوفيق:

إخواني القدامى الذي عشت وإياهم مرحلة طلب العلم والتربية والتأسيس الفكريّ؛ لهم في نفسي منزلةٌ خاصّة، لا يسعني معها سوى إجابةِ ما يطلبون، وإن كان مكرّراً، أو من الإشاعات الخبيثة المغرضة!

أوّلاً: كلّ من يعتقد بصحة حديث الإفك في صحيحي البخاري ومسلم؛ يلزمه التصديقُ بأنّ آيات صدر سورة النور نزلت في تبرئة أمّ المؤمنين عائشة رضي الله عنها.

وأنا أعتقد بصحة حديثِ الإفك، وأنّه صالح لتفسير المقصودة ممن اتهمن من نساء المؤمنين في ذلك العصر، وأنها عائشة رضي الله عنها.

وبناء على هذا؛ فأنا أفتي بأنّ كلّ من يتّهم عائشة رضي الله عنها بالزنا؛ فهو كافر كفراً ناقلاً عن الملّة، ولا يجوز أن يُعدّ من أمّة الإسلام، للأسباب الآتية:

(1)   لأنّ الذي يتهم عائشة بالزنا؛ مكذّبٌ لكلام الله تبارك وتعالى، الذي يقول:

(إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ، بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ!

لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ، وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ (11).

لَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْرًا وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُبِينٌ (12).

لَوْلَا جَاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ؛ فَأُولَئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ (13) وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ لَمَسَّكُمْ فِي مَا أَفَضْتُمْ فِيهِ عَذَابٌ عَظِيمٌ (14) إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ (15).

وَلَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ مَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهَذَا سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ (16) يَعِظُكُمُ اللَّهُ أَنْ تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَدًا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (17).

فانظر أخي المؤمن كم مخالفةً للقرآن العظيم، يرتكب ذلك المفتري الكاذب الملعون، بعد هذا البيان القرآني.

فحكمي عليه بالكفر؛ لأنه يكذّب كلام الله تبارك وتعالى، ويخالف أوامره في التعامل مع إشاعاتِ المنافقين والحاقدين.

ثانياً: إنّ الله تبارك وتعالى وصف أزواج الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم بأنهنّ أمهات المؤمنين، ووصف «الإيمان» من الأوصاف الجليلة التي يخاطب بها الله تعالى عباده المؤمنين.

فهل يقول الحقّ تعالى: إنّ أزواج الرسول صلّى الله عليه وآله وسلم أمّهات المؤمنين، وواحدة من أمهاتهم زانيةٌ فاجرة؟

هل يتناسب الوصف بأمّ المؤمنين، بوصفها بما يصفها به الكفار والمنافقون؟

وهل نسي الله تبارك وتعالى حين وصفها بذلك؟

حاشا لله وكلّا (وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ لَهُ مَا بَيْنَ أَيْدِينَا وَمَا خَلْفَنَا وَمَا بَيْنَ ذَلِكَ وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا (64) [مريم].

ثالثاً: فخّم الله تعالى منزلة أزواج الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم، وجعلهنّ في صدارة نساء الأمة، في آياتٍ عديدة، منها:

(وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صَالِحًا نُؤْتِهَا أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ وَأَعْتَدْنَا لَهَا رِزْقًا كَرِيمًا (31).

يَانِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا (32).

وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى.

وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا (33) [الأحزاب].

ومنها قوله تعالى:

(يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا (28) وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا (29) [الأحزاب].

رابعاً: إيذاء الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم؛ كفر!

قال الله تبارك وتعالى:

(وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (61) [التوبة].

وزواج المؤمنين من أزواج الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم؛ محرّم على كلّ مسلم؛ لأنه يؤذي رسول الله، فكيف الزنا ببعضهنّ؟

(وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلَا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَدًا إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمًا (53) [الأحزاب].

لكلّ هذه الأدلة وغيرها؛ لا أرتاب أبداً في كفر من يرمي عائشة بالزنا، عليه لعنة الله وملائكته ورسله والناس أجمعين.

أمّا الاعتراض على تدخّل عائشة بالسياسة، ومحاربتها للإمام الشرعيّ عليٍّ عليه السلام؛ فهو من جملة الأخطاء البشرية.

وأمّا الاعتراض على ما تتضمّنه الروايات التي تنسب إليها العظائم؛ فلا أظنّ شيئاً منه يصحّ عن عائشة رضي الله عنها إنما هو من اختلاق النواصب الأنجاسِ، الذين كانوا يبغضون عائشة، بدعوى أنها كانت تحرّض على قتل عثمان رضي الله تعالى عنه.

وإنّ من أخطر المسائل التي أغفلها علماء الحديث؛ التنقير عن آفات المحدثين والرواة البصريين والشاميين النواصبِ اللئام، الذين نسبوا إلى عائشة وغيرها من الصحابة العظائم!

والله تعالى أعلم.

(رَبَّنا: ظَلَمْنَا أَنْفُسَنا، وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنا؛ لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ).

هذا.. وصلّى الله على سيّدنا محمّد بن عبدالله، وعلى آله وصحبه وسلّم تسليماً

والحَمْدُ للهِ على كلِّ حالٍ.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق