التصوّف العليم (24):
سُجودُ المُريدِ الصوفيّ لشيخِه!؟
بسم الله الرحمن الرحيم
يُثير بعضُ الناسِ إشكالاتٍ على بعضِ السادةِ
الصوفيّة، ومن أبرز هذه الإشكالاتِ؛ سجودُ المريدين لشيخهم!
وأعترف ابتداءً أنّ من الفقهاء الكبارِ القدامى
مَنْ لم يفرّق بين المظهر الشركيّ «السجود لغير الله
تعالى بقصد التحيّة والتعظيم» وبين الشرك نفسِه «السجود
لغير الله تعالى بقصد العبادة»وعدّوا ذلك كلَّه شركاً، وأخرجوا فاعله من
الملّة، سواءٌ كانت نيّته عبادَةَ المَسجودِ له، أم كانت نيّته تحيّةَ المسجود له
وإكرامَه، وعلى هذا كثيرٌ من علماءِ السادةِ الحنفيّة!
بيد أنّ في هذا الإطلاقِ نظراً كبيراً، هذا بيانُه:
قال الذهبيّ في معجم شيوخه (1: 73): «أَلا تَرَى
الصَّحَابَةَ فِي فَرْطِ حُبِّهِمْ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، قَالُوا: أَلا نَسْجُدُ لَكَ؟ فَقَالَ: «لا»!
فَلَوْ أَذِنَ لَهُمْ؛ لَسَجَدُوا لَهُ سَجُودَ
إِجْلالٍ وَتَوْقِيرٍ، لا سجود عبادة، كما سجد إخوةُ يوسفَ عليه السلام ليوسفَ
وكذلك القول في سجود المسلم لقبر النبي صلى الله
عليه وسلم على سبيل التعظيم والتبجيلِ؛ لا يكفر به أصلاً، بل يكون عاصياً،
فليُعرَفْ أنّ هذا مَنهيٌّ عنه، وكذلك الصلاةُ إلى القبر» انتهى كلام الذهبيّ.
قال الشوكاني في السيل الجرار: «اعلم
أن الحكم على الرجل المسلم بخروجه من دين الإسلام، ودخوله في الكفر؛ لا ينبغي
لمسلمٍ يؤمن بالله واليوم الآخر أَن يُقْدِم عليه إلا ببرهان أوضح من شمس النهار.
فلا اعتبار بما يقع من طوارق عقائد الشر، لا سيما
مع الجهل بمخالفتها لطريقة الإسلام، ولا اعتبار بصدورِ فِعْلٍ كُفريٍّ لم يرد به
فاعله الخروجَ عن الإسلام إلى ملة الكفر.
وأما قوله: «ومنها السجود لغير الله» فلا بد مِن
تقييدِه بأن يكون سجودُه هذا قاصداً رُبوبيّةَ مَن سَجَدَ له، فإنّه بهذا السجود
قد أشرك باللهِ عزّ وجلَّ، وأثبت معه إلهاً آخر.
وأما إذا لم يَقْصِدْ إلا مُجرَّدَ التَعظيمِ، كما
يَقعُ كثيراً لمن دَخل على مُلوكِ الأعاجمِ؛ أنه يُقبّل الأرض تعظيماً له؛ فليس
هذا من الكفر في شيء، وقد علم كل من كان من الأعلام أن التكفير بالإلزام من أعظم
مزالق الأقدام» انتهى.
وقال البجيرمي في تحفة الحبيب: مجرد السجود
بين يدي المشايخ لا يقتضي تعظيم الشيخِ كتعظيم الله عز وجل، بحيث يكون معبوداً،
والكفر إنما يكون إذا قصد ذلك.
وقال الرملي في نهاية المحتاج: قال ابن
الصلاح: ما يفعله عوام الفقراء من السجود بين يدي المشايخ فهو من العظائم، ولو كان
بطهارة وإلى القبلة، وأخشى أن يكون كفراً. انتهى.
وعلق على ذلك الشرواني في حاشيته على تحفة المحتاج فقال: إنما قال ذلك
ولم يجعله كفراً حقيقة؛ لأن مجرد السجود بين يدي المشايخ لا يقتضي تعظيم الشيخ
كتعظيم الله عز وجل بحيث يكون معبوداً، والكفر إنما يكون إذا قصد ذلك. انتهى.
وقال النووي في المجموع وفي
الروضة: ما يفعله كثير من الجهلة من السجود بين يدي المشايخ
حرامٌ قطعاً بكل حال سواء كان إلى القبلة أو غيرها»
ختاماً: أجمع علماءُ أهل السنّة على أنّ السجودَ
لمخلوقٍ بقصدِ العبادَةِ؛ يُخرج فاعلَه من الإسلام.
وأجمعوا على أنّ الساجدَ لمخلوقٍ بقصدِ تحيّته
وتعظيمه بما دون العبادةِ؛ قد ارتكب معصيةً من المعاصي، وفعلاً من المحرّمات.
فأنهى إخواني من الصوفيّةِ السالكينَ إلى الله
تعالى عن ارتكابِ هذه المعصيةِ في حقِّ وليٍّ صالحٍ مُتوفّىً، أو في حقّ عالمٍ أو
مرشدٍ أو شيخِ الطريق؛ فإنّ المعاصي أكبرُ العوائقِ في الوصولِ إلى مرضاة الله
تعالى.
والله تعالى أعلم
والحمد لله على كلّ حال.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق