مَسائل حديثية (100):
هل أعرض البخاريّ عن تخريجِ حديثِ بريدةَ في ولاية
عليّ عمداً !؟
بسم الله الرحمن الرحيم
(رَبَّنا: عَلَيْكَ
تَوَكَّلْنا، وَإِلَيْكَ أَنَبْنا، وَإِلَيْكَ الْمَصيرُ.
رَبَّنا: لَا تَجْعَلْنا
فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا، وَاغْفِرْ لَنَا.
رَبَّنَا: إِنَّكَ أَنْتَ
الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ).
(رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا
وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ، وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِين).
من المسلَّم لدى أهلِ الحديثِ؛
أنّ حديثاً لا يخرّجه البخاريُّ ومسلمٌ أو أحدهما، في بابٍ يَحتاج إلى الحديث؛
يكون في هذا الحديثِ عِلّةٌ في إسناده أو متنه!
وقد أخرج البخاريّ طرفاً من
حديثِ بريدةَ هذا، في فضل الإمام عليٍّ، وأعرض عن سائره، فلِمَ فَعَل هذا؟
بإسنادي إلى الإمام البخاريّ
في المغازي، باب بعثِ عليٍّ وخالدِ بن الوليد إلى اليمن (4350) قال رحمه الله
تعالى: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ: حَدَّثَنَا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ:
حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ سُوَيْدِ بْنِ مَنْجُوفٍ عَنْ عَبْدِاللهِ بْنِ
بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ « بُرَيْدَةَ » رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: بَعَثَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ عَلِيًّا إِلَى خَالِدٍ لِيَقْبِضَ الْخُمُسَ.
وَكُنْتُ أُبْغِضُ عَلِيًّا - وَقَدْ
اغْتَسَلَ - فَقُلْتُ لِخَالِدٍ: أَلَا تَرَى إِلَى هَذَا؟
فَلَمَّا قَدِمْنَا عَلَى
النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ ذَكَرْتُ ذَلِكَ لَهُ!
فَقَالَ يَا بُرَيْدَةُ: (أَتُبْغِضُ
عَلِيًّا)؟ فَقُلْتُ: نَعَمْ!
قَالَ: (لَا تُبْغِضْهُ،
فَإِنَّ لَهُ فِي الْخُمُسِ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ).
قال عداب: روايةُ علي بن سعيد
بن منجوفٍ هذه، أخرجها أحمد في موضعين في مسنده (21958) قال: حَدَّثَنَا رَوْحٌ
حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ سُوَيْدِ بْنِ مَنْجُوفٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ
عَنْ أَبِيهِ قَالَ بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
عَلِيًّا إِلَى خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ لِيَقْسِمَ الْخُمُسَ وَقَالَ رَوْحٌ
مَرَّةً لِيَقْبِضَ الْخُمُسَ قَالَ فَأَصْبَحَ عَلِيٌّ وَرَأْسُهُ يَقْطُرُ قَالَ
فَقَالَ خَالِدٌ لِبُرَيْدَةَ أَلَا تَرَى إِلَى مَا يَصْنَعُ هَذَا لِمَا صَنَعَ
عَلِيٌّ
قَالَ وَكُنْتُ أُبْغِضُ
عَلِيًّا قَالَ فَقَالَ يَا بُرَيْدَةُ أَتُبْغِضُ عَلِيًّا قَالَ قُلْتُ نَعَمْ
قَالَ فَلَا تُبْغِضْهُ قَالَ رَوْحٌ مَرَّةً فَأَحِبَّهُ فَإِنَّ لَهُ فِي
الْخُمُسِ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ.
وأعاده أحمد في مسنده (21979)
سنداً ومتناً.
وسياقة أحمد لمتن هذه الرواية
قريبة من سياقة البخاريّ، لكنها أوضح منها.
ولم يخرّج البخاريّ أيَّ
روايةٍ أخرى من رواياتِ هذا الحديثِ الكثيرة.
بينما ساقه الإمام أحمد من أربع
طرقٍ، سوى الطريق المشتركة مع البخاريّ.
(1) مسند أحمد (22961) حَدَّثَنَا
أَبُو مُعَاوِيَةَ حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ عَنْ سَعِيدِ بْنِ عُبَيْدَةَ عَنِ
ابْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ بَعَثَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَرِيَّةٍ قَالَ لَمَّا قَدِمْنَا قَالَ كَيْفَ رَأَيْتُمْ
صَحَابَةَ صَاحِبِكُمْ قَالَ فَإِمَّا شَكَوْتُهُ أَوْ شَكَاهُ غَيْرِي قَالَ
فَرَفَعْتُ رَأْسِي وَكُنْتُ رَجُلًا مِكْبَابًا قَالَ فَإِذَا النَّبِيُّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ احْمَرَّ وَجْهُهُ قَالَ وَهُوَ يَقُولُ مَنْ
كُنْتُ وَلِيَّهُ فَعَلِيٌّ وَلِيُّهُ).
وهذا حديثٌ إسناده صحيح، وقد
صرّح الأعمش بالتحديث!
(2) مسند أحمد (21934) حَدَّثَنَا
ابْنُ نُمَيْرٍ حَدَّثَنِي أَجْلَحُ الْكِنْدِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ
بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ بُرَيْدَةَ قَالَ بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْثَيْنِ إِلَى الْيَمَنِ عَلَى أَحَدِهِمَا عَلِيُّ بْنُ
أَبِي طَالِبٍ وَعَلَى الْآخَرِ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ فَقَالَ إِذَا
الْتَقَيْتُمْ فَعَلِيٌّ عَلَى النَّاسِ وَإِنْ افْتَرَقْتُمَا فَكُلُّ وَاحِدٍ
مِنْكُمَا عَلَى جُنْدِهِ قَالَ فَلَقِينَا بَنِي زَيْدٍ مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ
فَاقْتَتَلْنَا فَظَهَرَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ فَقَتَلْنَا
الْمُقَاتِلَةَ وَسَبَيْنَا الذُّرِّيَّةَ فَاصْطَفَى عَلِيٌّ امْرَأَةً مِنْ
السَّبْيِ لِنَفْسِهِ قَالَ بُرَيْدَةُ فَكَتَبَ مَعِي خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ
إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُخْبِرُهُ بِذَلِكَ
فَلَمَّا أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَفَعْتُ
الْكِتَابَ فَقُرِئَ عَلَيْهِ فَرَأَيْتُ الْغَضَبَ فِي وَجْهِ رَسُولِ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذَا مَكَانُ
الْعَائِذِ بَعَثْتَنِي مَعَ رَجُلٍ وَأَمَرْتَنِي أَنْ أُطِيعَهُ فَفَعَلْتُ مَا
أُرْسِلْتُ بِهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا
تَقَعْ فِي عَلِيٍّ فَإِنَّهُ مِنِّي وَأَنَا مِنْهُ وَهُوَ وَلِيُّكُمْ بَعْدِي
وَإِنَّهُ مِنِّي وَأَنَا مِنْهُ وَهُوَ وَلِيُّكُمْ بَعْدِي.
وهذا إسناد صحيح بغيره، أجلح
الكنديّ وإن قال بعضهم فيه: صدوق، إلّا أنّه ضبط حديثَه تماماً، كما ضبطه الثقات!
(3) مسند أحمد (23028) حَدَّثَنَا
وَكِيعٌ حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ عَنْ سَعْدِ بْنِ عُبَيْدَةَ عَنِ ابْنِ
بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ مَرَّ عَلَى مَجْلِسٍ وَهُمْ يَتَنَاوَلُونَ مِنْ
عَلِيٍّ فَوَقَفَ عَلَيْهِمْ فَقَالَ إِنَّهُ قَدْ كَانَ فِي نَفْسِي عَلَى
عَلِيٍّ شَيْءٌ وَكَانَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ كَذَلِكَ فَبَعَثَنِي رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَرِيَّةٍ عَلَيْهَا عَلِيٌّ
وَأَصَبْنَا سَبْيًا قَالَ فَأَخَذَ عَلِيٌّ جَارِيَةً مِنْ الْخُمُسِ لِنَفْسِهِ
فَقَالَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ دُونَكَ قَالَ فَلَمَّا قَدِمْنَا عَلَى
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَعَلْتُ أُحَدِّثُهُ بِمَا كَانَ
ثُمَّ قُلْتُ إِنَّ عَلِيًّا أَخَذَ جَارِيَةً مِنْ الْخُمُسِ قَالَ وَكُنْتُ
رَجُلًا مِكْبَابًا قَالَ فَرَفَعْتُ رَأْسِي فَإِذَا وَجْهُ رَسُولِ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ تَغَيَّرَ فَقَالَ (مَنْ كُنْتُ وَلِيَّهُ؛
فَعَلِيٌّ وَلِيُّهُ).
وهذا إسناد صحيح، وقد صرح
الأعمش بالتحديث!
(4) مسند أحمد (23057) حَدَّثَنَا
وَكِيعٌ حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ عَنْ سَعْدِ بْنِ عُبَيْدَةَ عَنِ ابْنِ
بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ (مَنْ كُنْتُ وَلِيَّهُ فَعَلِيٌّ وَلِيُّهُ) وهذا الإسناد هو السابق،
ويبدو أنّ وكيعاً اختصره.
وليست هذه الطرقُ جميع رواياتِ
حديث بريدة، إنما هي طرق روايةٍ واحدة فحسب، وسيأتي في تخريجي حديثَ بريدةَ أنّه
حديثٌ مشهورٌ عنه!
وقد كان مسندُ أحمدَ بين يدي
البخاريّ، وأحمدُ شيخُه، وهذه رواياتٌ أقوى من كثيرٍ من بعض رواياتِ البخاريّ في
صحيحه.
فيكون البخاريّ تعمّد إهمالَ
تخريج بعض هذه الرواياتِ، لما يعلم من دلالتها على ما لا يرغب بتقريره!
والله تعالى أعلم
(رَبَّنا: ظَلَمْنَا أَنْفُسَنا، وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنا؛
لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ).
هذا.. وصلّى الله على سيّدنا محمّد بن عبدالله، وعلى آله وصحبه وسلّم
تسليماً. والحَمْدُ للهِ على كلِّ حالٍ.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق