مَسائل من التفسير وعلوم القرآن (7):
قَولِ الشيعةِ بتحريف
القرآن الكريم!؟
بسم الله الرحمن الرحيم
(رَبَّنَا: عَلَيْكَ
تَوَكَّلْنَا، وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا، وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ.
رَبَّنَا: لَا تَجْعَلْنَا
فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا، وَاغْفِرْ لَنَا.
رَبَّنَا: إِنَّكَ أَنْتَ
الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ).
(رَبَّنَا: افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا
بِالْحَقِّ، وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِين).
كتب إلي يقول: قولك: إنّ كلّ إنسان يشهد (أن لا إله
إلّا الله محمدٌ رسولُ اللهِ) هو مسلمٌ، لا يخرجه عن هذا الإسلامِ، إلّا ثبوتُ قولٍ
أو فعلٍ ناقضٍ عنه، ألا يجعل هذا القولُ الحكمَ على جميع الفرق المنحرفة بأنهم
مسلمون؟
الشيعة الزيدية والإمامية والإسماعيليّة والعلويّة
«النصيرية» والإباضيّة، جميعهم يشهد (أن لا إله إلّا الله محمدٌ رسولُ اللهِ) فمن
الكافرُ إذنْ؟
وقول الرافضة قاطبةً بتحريف القرآن الكريم؛ ألا
يخرجهم من الإسلام جملةً وتفصيلاً؟
أقول وبالله التوفيق:
لست في وضعٍ صحيٍّ يسمحُ بكتابةِ كلامٍ علميٍّ
صحيح، فإذا وجدتم خطأً في هذا المنشور بالذات؛ فهذا هو سببه، وقد أجّلْت كتابةَ
هذا المنشور أيّاماً، ريثما أستعيد قوايَ الجسمية والعقليّة، ولكنّ الأخَ صاحبَ
السؤال لم يكتف بإجابتي المختصرة له على الهاتف، وأراد منشوراً موثّقاً بإلحاحٍ،
فأقول:
أوّلاً: أنا الفقير عداب لا يسرّني أبداً تكفير
واحدٍ يشهد (أن لا إله إلّا الله محمدٌ رسولُ اللهِ) حتى لو كان نصيريّاً، أو
درزيّاً أو إسماعيليّاً!
وقولي بضرورة وجود (الناقض) قيد احترازيٌّ، لا بدّ
منه، حتى لا يقع الخلق بتكفير بعضهم بعضاً على الشبهةِ والمزاج!
كلّ الذي تنكره على الجعفريّ.
وكل الذي تنكره على الإسماعيليّ.
وكلّ الذي تنكره على النصيريّ؛ اعْرِضْه على القرآن
الكريم وحسب، فإنْ وجدتَ معارضاً حقيقيّاً للقرآن الكريم؛ فأمسك به، ثم جادل
القائل به حتى تقيم عليه الحجة!
لكنْ لا تحتجّ عليه بمعارضةِ قوله لما في البخاري
وما في مسلم، فهو يرى رواياته أصحَّ من رواياتِ البخاريّ ومسلمٍ، وهو وأنت مقلّدان
جاهلان!
ثانياً: أنا الفقير عداب بن محمود الحمش؛ لست
رافضيّا قطعاً، فأنا أترضى عن أصحابِ رسولِ الله صلّى الله عليه وآله وسلّم،
وأتولاهم، سوى الطلقاءِ فلا أحبهم ولا أتولاهم أبداً، وعدداً آخر لا يتجاوز عددهم
أربعةَ عشر منافقاً، همّوا بقتلِ الرسولِ صلّى الله عليه وآله وسلّم في عقبةِ
تبوكَ، كما في صحيح مسلم (2779).
ولست سنيّاً أترضّى عن جميع جيلِ الصحابة: من
الطلقاءِ البغاةِ، والأعرابِ، ومنافقي أهل المدينةِ ومن حولها والمجهولين، فأنا
لا أرى هذا من الدين أصلاً، فضلاً عن أن
يكون هو السنّة!
بمعنى آخر: أنا لا يعنيني أن ينتصر أهلُ السنة
سياسيا وعسكرياً على الشيعة، ولا العكس، فالساسة المعاصرون من الطرفين، بعضهم شرّ
من بعضٍ، والبعض الآخر أخسّ من بعضٍ، لا بارك الله بهم أجمعين.
وبالتالي، فلا يهمني أن يكون المنتصرُ في معركة «تحريف
القرآن» السنّةَ أو الشيعةَ!
فأنا في هذه المعركةِ لست من هؤلاء ولا أولئك
تماماً، ومن دون أيِّ مجاملة!
لأنني باختصارٍ أتّهم السنةَ والشيعة بالقول بتحريف
القرآن الكريم!
ثالثاً: أهل السنّة يتّهمون الشيعةَ بنصوصِ التحريف
الموجودة في بعض كتبهم!
والشيعة يتّهمون أهل السنة بنصوص التحريفِ الموجودة
في بعض كتبهم!
مع أنّ معتمدَ أهلِ السنّة؛ هو أنّ القرآن الكريم
الذي بين أيدينا اليوم؛ هو القرآن الكريم الذي أنزله الله تعالى على رسولِه محمّدٍ،
في صورته الأخيرةِ التي عرضها الرسول محمّد على جبريل عليهما الصلاة والسلام.
وأنّ معتمدَ الشيعةِ؛ هو أنّ القرآن الكريم الذي
بين أيدينا اليوم؛ القرآن الكريم الذي أنزله الله تعالى على رسولِه محمّدٍ، ليس
فيه زيادةُ آياتٍ نقصان آياتٍ أبداً، إنما هو مرتب على غير ترتيب النزول!
فنصوص التحريفِ
الكثيرةِ، عند أهل السنة يفسّرونها تفسيراً يرونه مُرضياً لهم، بينما لا
يقبلون من الشيعةِ أيَّ تفسيرٍ، وهذا هو الهوى، من دون أدنى شكٍّ!
رابعاً: إنّ أهل السنّة يقولون بنسخ القرآن الكريم،
وبعض علمائهم يوصلِ دعاوى النسخِ إلى أكثرَ من (300) آية منسوخة، وإذ لا تصحّ دعوى
نسخٍ واحدةٍ؛ فهم يقولون بالتحريف في (300) موضع من القرآن، وهم لا يشعرون!
والشيعة لا يقولون بالنسخ، والذين قالوا بالنسخ؛
تردّدوا في نسخ آيةٍ واحدةٍ منه!
فالشيعة الإماميّة لا يقولون بتحريف القرآن الكريم
في (299) آية قال أهل السنة بتحريف القرآن فيها!
خامساً: الشيعة أفضل من أهل السنّة أيضاًَ برفضهم
القولَ بنسخ التلاوة!
وأهل السنة يقولون بنسخ التلاوة، ويستدلّون على
قولهم هذا برواياتٍ صحّحوها، وبنوا عليها القول بنسخ التلاوة، من مثل:
- قول عمر وأُبيّ وزيدِ بن ثابتٍ (الشيخ والشيخة
إذا زنيا؛ فارجموهما البتّة نكالاً من الله) أخرجه مالك (1560) وأحمد (20613)
والدارمي (2323) وغيرهم كثيرون.
- قول أبي موسى الأشعريّ (لو كان لابن آدم واديان
من ذهبٍ؛ لابتغى إليهما ثالثاً، ولا يملأ جوفَ ابن آدم إلّا الترابُ، ويتوب الله
على من تاب) أخرجه البخاري (6436) ومسلم (1049).
وقال أبيّ بن كعب: (كنّا نرى هذا من القرآن حتى
نزلت (ألهاكم التكاثر) أخرجه البخاري (6439).
- (لا ترغبوا عن آبائكم، فإنه كفرٌ بكم أن ترغبوا
عن آبائكم) أخرجه البخاري (6830) .
- وقال عبدالله بن أحمد في زوائده على مسند أبيه
(20260): حَدَّثَنِي وَهْبُ بْنُ بَقِيَّةَ: أَخْبَرَنَا خَالِدُ بْنُ عَبْدِ
اللَّهِ الطَّحَّانُ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي زِيَادٍ، عَنْ زِرِّ بْنِ حُبَيْشٍ،
عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ قَالَ:
«كَمْ تَقْرَءُونَ سُورَةَ الْأَحْزَابِ؟ قَالَ زِرٌّ:
بِضْعًا وَسَبْعِينَ آيَةً.
قَالَ أُبَيٌّ: لَقَدْ قَرَأْتُهَا مَعَ رَسُولِ اللهِ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلَ الْبَقَرَةِ أَوْ أَكْثَرَ مِنْهَا،
وَإِنَّ فِيهَا آيَةَ الرَّجْمِ».
- عائشة تقول: «كَانَ فِيمَا أُنْزِلَ مِنْ
الْقُرْآنِ عَشْرُ رَضَعَاتٍ مَعْلُومَاتٍ يُحَرِّمْنَ ثُمَّ نُسِخْنَ بِخَمْسٍ
مَعْلُومَاتٍ فَتُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وَهُنَّ فِيمَا يُقْرَأُ مِنْ الْقُرْآنِ». أخرجه مسلم (1452).
- وتقول عائشة أيضاً: (إِنَّ اللَّهَ وملائكته
يصلون على النبي يأيها الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا
وَعَلَى الَّذِينَ يَصِلونَ الصُّفُوفَ الْأُوَلَ) قَالَتْ: هذا قَبْلَ أَنْ
يُغَيِّرَ عُثْمَانُ الْمَصَاحِفَ».
- عثمان يقول: «أَرَى فِيهِ شَيْئًا مِنْ لَحْنٍ
سَتُقِيمُهُ الْعَرَبُ بِأَلْسِنَتِهَا» أخرجه الفاكهي في أخبار مكة، وابن أبي
داود في كتاب المصاحف (ص: 120).
- عبدالله بن عمر يقول: «لَا يَقُولَنَّ
أَحَدُكُمْ: قَدْ أَخَذْتُ الْقُرْآنَ كُلَّهُ، وَمَا يُدْرِيهِ مَا كُلُّهُ؟
قَدْ ذَهَبَ مِنْهُ قُرْآنٌ كَثِيرٌ، وَلَكِنْ
لِيَقُلْ: قَدْ أَخَذْتُ مِنْهُ مَا ظَهَرَ».
الإتقان في علوم القرآن (3: 82).
- أنس يقول: «بعدما غَدروا بالقرّاء الذين أرسلهم
معهم وَقَتَلُوهُمْ؛ قَنَتَ الرسول صلى الله عليه وآله وسلّم شَهْراً يَدْعُو
عَلَى رِعْلٍ وَذَكْوَانَ وَبَنِي لَحْيَانَ.
قَالَ قَتَادَةُ: حَدَّثَنَا أَنَسٌ أَنَّهُمْ
قَرَءُوا بِهِمْ قُرْآنًا: (أَلَا بَلِّغُوا عَنَّا قَوْمَنَا بِأَنَّا قَدْ
لَقِيَنَا رَبَّنَا فَرَضِيَ عَنَّا وَأَرْضَانَا) ثُمَّ رُفِعَ ذَلِكَ بَعْدُ»
أخرجه البخاري (3064)
هذه النصوصُ، وفي كتب أهل السنّة أضعافُها، لو ثبتت
حقّاً عن الصحابةِ رضي الله عنهم؛ فتلك كارثةٌ، وليست مصيبةً فحسب!
ولو أنّ طالبَ علمٍ ذهبَ، فتصفّح مبحث «نسخ
التلاوةِ» في كتاب الإتقان للسيوطي؛ لرأت عيناه العجَبَ، ولقامَ ورقصَ، ليس من
الطربِ، إنما من بابة «الطير يرقص مذبوحاً من الألم».
ما أريد أنْ أصلَ إليه؛ أنّ متقدّمي الشيعةِ خيرٌ
من متأخّريهم، وأنّ متأخريهم نسبوا إلى متقدميهم كثيراً من الكذبِ والباطل، الذي
لا علم لهم به!
وإنّ متأخري أهل السنة أعلم من متقدميهم، بيد أنهم
أرادوا أن يعظموهم، فنسبوا إليهم أشياءَ تحطّ من أقدارهم، وتجعلهم جهالاً على الحقيقةِ،
ومبحث نسخ التلاوةِ شاهدٌ جليّ على ذلك.
ختاماً: لدى الشيعة الإمامية رواياتٌ في التحريف،
وقال به جمهور الأخباريين، وبعض علمائهم من المحدثين والأصوليين.
قال الشيخ محمد جميل حمّود في شرحه على عقائد
الإماميّة للشيخ محمد رضا المظفّر (1: 717): «وممن قالوا بالتحريفِ جُمهورَ
تأخباريين، وبعضُ المحدّثين من أمثال الكليني والقمّي والنوري الطبرسيّ، وقليلٌ من
الأصوليين، منهم المحقّق القمّي، واآخوند الخراساني صاحب الكفاية، وتلميذه
المشكيني».
وقال في الصفحة التي قبلها أيضاً: «من معتقداتِ
الإماميّةِ عدمُ القول بتحريف القرآن الكريم، وأنّ الموجود بأيدينا هو ما نزل على
النبيِّ الأعظم صلّى الله عليه وآله وسلّم، ومن قال بالنقيصةِ؛ فله رأيُه ودليلُه
- بل شبهاتٌ وليست أدلّة - ولكنّه لا يُعبّر عن الإجماع الإماميّ القائل بعدم
النقيصة».
ومذاهبُ أهل السنّة قاطبة؛ يقولون بعدم وقوع
التحريف، فلا خلاف إذنْ بين مذاهب أهل السنّة ومذهب الإماميّة في مسألةِ التحريفِ
(القرآن الذي بين أيدينا اليوم؛ هو القرآن الذي أنزله الله على رسولنا محمّد صلّى
الله عليه وآله وسلّم، ليس فيه نقصان وليس فيه زيادة).
والأقوالُ الشاردة ههنا وههنا؛ ليست أقوالاً معتمدةً
لدى الشيعة الإمامية.
فلا معنى لاتّهام الشيعةِ بأنهم يقولون بتحريف
القرآن، وأنتم تقولون بما شرٌّ من قولهم وأقبح!
والله تعالى أعلم.
(رَبَّنا: ظَلَمْنَا
أَنْفُسَنا، وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنا؛ لَنَكُونَنَّ مِنَ
الْخَاسِرِينَ).
هذا.. وصلّى الله على
سيّدنا محمّد بن عبدالله، وعلى آله وصحبه وسلّم تسليماً.
والحمد لله على كلّ حال.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق