السبت، 22 أبريل 2023

 مَسائِلُ مِن الفِقْهِ والأُصولِ (6):

صلاةُ الشيعةِ أم صلاة السنّة !؟

بسم الله الرحمن الرحيم

(رَبَّنَا: عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا، وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا، وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ.

رَبَّنَا: لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا، وَاغْفِرْ لَنَا.

رَبَّنَا: إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ).

(رَبَّنَا: افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ، وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِين).

سألني أحد الإخوة عن صفةِ صلاة أهل البيت؟

وسألني أخ ثانٍ عن حكمِ صلاةِ الشيعةِ المعروضةِ على مواقع التواصل الاجتماعيّ؟

وسألني أخٌ آخرُ عن صفةِ صلاتي أنا؟

وسألني عدد من الإخوة قال: أيّهما أصحُّ صلاة أهل السنة، أم صلاة الشيعة؟

أقول وبالله التوفيق:

من المعلوم لدى الناس جميعاً أنّ صلاةَ الجماعةِ هي الصلاةُ التي يُشاهدها المراقب، فيحكم لها أو عليها.

وإذا كان الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم؛ هو الذي حثَّ إمامَ الصلاةِ على تخفيفِ صلاته، بقوله: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ: إِنَّ مِنْكُمْ مُنَفِّرِينَ، فَأَيُّكُمْ أَمَّ النَّاسَ؛ فَلْيُخَفّف؛ فَإِنَّ مِنْ وَرَائِهِ الْكَبِيرَ وَالضَّعِيفَ وَذَا الْحَاجَةِ) أخرجه البخاري في العلم (90) ومسلم في الصلاة (466) من حديثِ أبي مسعودٍ الأنصاريّ، وأخرج البخاريّ (703) ومسلم (467) من حديثِ أبي هريرة مرفوعاً: (إِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ لِلنَّاسِ؛ فَلْيُخَفِّفْ، فَإِنَّ مِنْهُمُ الضَّعِيفَ وَالسَّقِيمَ وَالكَبِيرَ، وَإِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ لِنَفْسِهِ؛ فَلْيُطَوِّلْ مَا شَاءَ) فلا يكون تخفيفُ الصلاةِ بحدِّ ذاته مدعاةً للّوم والانتقاص!

ومن المعلوم لدى طلبةِ العلم؛ أنّ جمهورَ العلماءِ يذهبون إلى أنّ قراءةَ الفاتحةِ وحدَها، وأنّ تسبيحةً واحدةً في الركوع والسجود؛ تجزئ في الصلاة، ومن اقتصر على الحدّ الأدنى هذا؛ فصلاته صحيحة.

إذا كان هذا واضحاً؛ فلا يُعابُ أحدٌ بسُرعةِ صلاتِه!

لكنْ هل هذه الصلاةُ هي الصلاةُ الكملى؟

لا ريبَ في أنّ صلاةَ الجماعةِ على هذه الصورةِ؛ ليست هي الصلاةَ الكملى، إنما هي صلاةُ تراعي أوضاعَ كِبارِ السنّ والمرضى وأصحاب الحاجات وعوامّ الناسِ الذين لا يعنيهم سوى إجزاءِ فريضة الصلاة!

لكنها ليست هي الصلاةَ التي قال الله تعالى في وصفها:

(وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ (45) [البقرة].

(قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (1) الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ (2) [المؤمنون].

وأنا الفقير صلّيت مرّاتٍ عديدةً في مساجد الشيعة الإماميّة في العراق، وفي مساجد الزيديّة في صنعاء، وصلّيت صلواتٍ كثيرةً جدّاً في مساجد تركيّا؛ فمن النادرِ أن تَتِمَّ لي صلاةٌ وراءَ إمام منهم!

إذْ إنني أنا الفقير أذهبُ إلى رُكنيّةِ قراءة الفاتحةِ، منفرداً ووراءَ الإمامِ على حدٍّ سواء. وهيهاتَ هيهاتَ أن يستطيع مأمومٌ أن يقرأ الفاتحةَ وراءَ هؤلاء الأئمة، خاصّة في ركعة المغربِ الثالثة، والثالثة والرابعة من الصلوات الرباعيّة.

ولأجل هذا؛ فقد تركتُ صلاةَ الجماعةِ في مساجدِ تركيّا منذ سنوات، إنما أحرصُ على أداء صلاة الجمعةِ، مع ذهابي إلى ضرورة عدالةِ الإمامِ والخطيب!

ولأجلِ هذا وأمورٍ أخرى؛ ذهبَ عددٌ من علماءِ الشافعيّةِ إلى أنّ صلاةَ المَرْءِ مُنفرداً؛ أفضلُ من صلاته جماعةً وراء إمامٍ حنفيٍّ!

والإشكالُ القائم لديّ حقّاً؛ هو: إذا كانت (صَلاةُ الجماعةِ تفضُلُ على صلاةَ الرجلِ وحدَه بسبع وعشرين درجةً) أخرجه البخاريّ (645) ومسلم (650) والترمذيّ في الصلاة (215) من حديثِ عبدالله بن عمر، وهذا لفظه، ثمّ قال: «حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَهَكَذَا رَوَى نَافِعٌ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: (بِسَبْعٍ وَعِشْرِينَ دَرَجَةً) وَعَامَّةُ مَنْ رَوَى هذا الحديثَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّمَا قَالُوا: (بخَمْسٍ وَعِشْرِينَ) إِلَّا ابْنَ عُمَرَ، فَإِنَّهُ قَالَ: (بِسَبْعٍ وَعِشْرِينَ).

أقول: إذا كانت (صَلاةُ الجماعةِ تفضُلُ على صلاةَ الرجلِ وحده بسبع وعشرين درجةً) وهي سنّةُ مؤكّدةٌ عند جمهور الفقهاء، بينما هي فرضُ عينٍ، عندَ الحنابلةِ وأكثرِ أهل الحديث، فكيف سيكون التوفيق بين صلاةِ الجماعةِ التي أمرنا الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم بتخفيفها، وبين الأحاديث الصحيحةِ الواردةِ بإتمامِ الركوع والسجود؟

وهل تسبيحةٌ واحدةٌ تنسجم مع قول الرسول: (أقيموا الركوع والسجود) ؟

أخرجه البخاري (742) ومسلم (425) ومع قوله الآخر: (إِنَّ أَسْوَأَ النَّاسِ سَرِقَةً الَّذِي يَسْرِقُ صَلَاتَهُ) قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ: وَكَيْفَ يَسْرِقُ من صَلاتِه؟

قَالَ: (لَا يُتِمُّ رُكُوعَهَا وَلَا سُجُودَهَا) أخرجه أحمد والدارميّ مرفوعاً، وأخرجه مالك مرسلاً.

وكم بين قوله تعالى (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (1) الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ (2) وبين الأحاديثِ الواردةِ بتخفيف صلاة الجماعةِ من تفاوت؟

وهل أداءُ صلاةِ الجماعةِ على النحو الذي وصفتُه؛ يجعلُ صلاةَ الجماعةِ هذه صلةً بين العبد وربّه تبارك وتعالى؟

إذا صحّتْ أحاديثُ التخفيفِ هذه؛ فما عليّ سوى التسليم، ويكون هدفُ صلاةِ الجماعة في الإسلامُ هو إظهارَ عظمةِ الإسلام، وهيبةِ أهله باجتماعهم، مثلما تكون سبيلاً إلى التعارفِ، الذي يقود إلى التكافل، وتكون صلاةُ النوافلِ هي التي تُربّي شخصيّةَ المسلم وتهذّبها، وهي التي تكون صلةً بين العبدِ وربّه، وإليها أشار الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم بقوله الشريف (إنّ أفضلَ الصلاةِ؛ صلاةُ أحدكم في بيته، إلّا الصلاةَ المكتوبة) أخرجه البخاريّ (731) ومسلم (781).

بيد أنّ ما يُعابُ على كثيرٍ من أئمّة الرافضة في صلاة جماعتهم؛ البِدَعَ التي يبتدعونها فيها، ويستحسنونها عقليّأ، بَدْءاً من الأذان والإقامةِ، وانتهاء بأدعيةِ ما بعد التشهّد الأخير!

وسبب ذلك في نظري؛ هو هل يمكن للعقل أن يستقلَّ بإدراكِ بعضِ الأحكامِ الإلهيّةِ التي لم يَرِدْ فيها عن الشارعِ نصٌّ من كتابٍ أو سنّة؟

قال الدكتور الشيخ أحمد كاظم البهادليّ في كتابه مفتاح الوصولِ إلى علم الأصول (1: 97) وهو يَعرِض اختلاف المذاهب في هذه المسألة: «إنّ إدراك العقلِ للحكمِ الشرعيّ - إذا لم يكن هناك نصٌّ يعارض هذا الإدراك - يُعامَلُ معاملةَ ما دلَّ عليه الدليلُ القطعيُّ من الأحكام، ويترتّب على إدراك العقل هذا حُجّيتُه على المكلَّفِ، حجيّةً، يترتّب على امتثالها مَدْحُ العقلاءِ لمن امتثل، وذمّهم لمن خالف، كما يترتّب عليها ثوابُ الله وعقابه.

وهذا الرأيُ لمعظم الأصوليين من الإماميّةِ، ورأيُ جميع المعتزلةِ».

وبمعزلٍ عن رأيِ الشيخِ البهادليّ، الذي رجّحه بعد مناقشةٍ مستفيضة (1: 102 - 111) فمَن عمل بما تقدّمَ؛ فليس بمذمومٍ ولا مُلامٍ عند علماء الإماميّة!

إنّ أئمةَ الإماميّة الأوائل يقولون: إنّ الشهادة الثالثة في الأذان (أشهد أنّ عليّاً وليّ الله) بدعة!

بعد أن ساق الشيخ الصدوق جُمَلَ الأذان في كتابه «من لا يحضره الفقيه» (1: 290) قال: «هذا هو الأذانُ الصحيحُ، لا يُزاد فيه، ولا يُنقَص منه، والمفوّضةُ لعنهم الله قد وضعوا أخباراً، وزادوا في الأذان: «محمد وآل محمد خير البرية» مرّتين، وفي بعض رواياتهم، بعد (أشهد أن محمداً رسولُ اللهِ): أشهد أن عليّاً وليُّ الله مرّتين، ومنهم مَن روى بدلَ ذلك: أشهد أنّ عليّاً أميرُ المؤمنين حقّاً، مرتين!

ولا شكَّ في أنَّ عليّاً وليُّ اللهِ، وأنّه أميرُ المؤمنين حقّاً، وأن محمداً وآلَه صلواتُ الله عليهم خيرُ البَريّةِ، ولكنْ ليس ذلك في أصل الأذان، وإنما ذكرتُ ذلك ليُعرَف بهذه الزيادةِ المُتّهمونَ بالتفويضِ، المدلّسون أنفُسَهم في جُملتنا».

وحين عدّ المحقّق الحليّ جُملَ الأذان في كتابه شرائع الإسلام (1: 65) لم يذكر فيها الشهادةَ الثالثة!

لكنّ محقّق الكتاب السيّد صادق الحسينيّ الشيرازيّ في الحاشية (7) من (ص: 65) استحبّ الشهادةَ الثالثةَ، مع عدم ورود روايةٍ صحيحةٍ بذلك؛ لكفاية مثل ذلك في الاندراج تحت عمومات «التسامح في أدلّةِ السنن».

والشيخ باقر الإيروانيّ في كتابه «دروس تمهيدية في الفقه الإسلاميّ» (1: 171) قال:

«وأمّا أنّ الشهادةَ الثالثةَ ليست جزءاً - من الأذان والإقامة - فلاتّفاق أرباب المذهب على ذلك».

لكنّه مع ذلك رجّح اعتمادَها في الأذان والإقامة، فقال: «أجل هي لا بقصد الجزئيّة؛ راجحةٌ، وشعارٌ للشيعةِ».

وهذا من دون شكٍّ استحبابٌ عقليّ، يجدون له مسوّغاته الواقعيّة!

وبناءً على ما تقدّم من استقلال العقل في التشريع، عند سكوتِ الشارعِ عن المعارض؛ تجد إحدَ المؤذّنين والمقيمين الرافضةَ يستظرف أن يقول: «أشهد أنّ أمير المؤمنين عليّاً وليّ الله .. أشهد أنّ عليّاً أمير المؤمنين وفاطمة الزهراء والمعصومين من ذريتهما حُججُ الله».

وتجد أحدَ الأئمة يقول في قنوته: «والعن أعداءهم وخصوصاً أبا بكر وعمر وعثمان وعائشة» فما دام جاء في الروايات أنّ الرسولَ صلّى الله عليه وآله وسلم دعا على بعض قبائل العرب؛ فهو يستحسن عقليّاً أن يقنت على أبي بكر وبقيّة الصحابة باللعن!

وهكذا شأنهم في كلّ الزياداتِ والإضافات التي يخترعونها في صلواتهم، تسويغ القيام بها لديهم؛ أنّ الشارعَ سكتَ ولم يرد عنه نهيٌ عنها.

وقد صلّيتُ خلفَ شيخي العالم السيّد محمد مهدي الخرسان غيرَ مرّةٍ، فلم ألحظ في صلاته مخالفاتٍ ولا أحقاداً، بيد أنني ما صليّت خلفَ شيعيّ إماميّ يتجاوز سورة (والضحى) وليس فيهم أحدٌ يجيد تلاوةَ القرآن العظيم بالتجويد على الإطلاق!

أمّا عن صلاتي أنا؛ فقد كتبت كلاماً بهذا الخصوص، بيد أنني وجدت عرضَه عليكم تزكيةً لنفسي، والله تعالى يقول: (فَلَا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ، هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى).  

وما أستطيع قولَه إجمالاً: إنّ معالمَ صلاتي الظاهريّة أفضلُ بما لا يقاس من صلاة جميع مَن صلّيت خلفهم من الحنفية والزيدية والإماميّة، ولم أصلِّ في حياتي كلّها، حتى عندما كنت طفلاً صلاةً تشبه هذه الصلوات العجلى، التي ليس فيها خشوعٌ ولا طمأنينةٌ ولا خشوع!

أمّا عن قبولِ الله تعالى ذلك مني؛ فأسأله بأسماءِ الحسنى أن يقبلها.

والله تعالى أعلم

(رَبَّنا: ظَلَمْنَا أَنْفُسَنا، وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنا؛ لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ).

هذا.. وصلّى الله على سيّدنا محمّد بن عبدالله، وعلى آله وصحبه وسلّم تسليماً.

والحمد لله على كلّ حال.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق