السبت، 2 ديسمبر 2023

      مَسائِلُ حَديثِيّةٌ (60):

مَتى يُترَكُ حديثُ الراوي؟

بسم الله الرحمن الرحيم

(رَبَّنا: عَلَيْكَ تَوَكَّلْنا، وَإِلَيْكَ أَنَبْنا، وَإِلَيْكَ الْمَصيرُ.

رَبَّنا: لَا تَجْعَلْنا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا، وَاغْفِرْ لَنَا.

رَبَّنَا: إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ).

رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ، وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِين).

في المنشور السابق  (59) قلت: «مَن غلبَ خطؤه الحديثيُّ على صوابِه؛ تُرِكَ حديثُه كلُّه، وأهل الحديثِ هم أصحاب هذا الشأن»!

فعلّق أحدُ السادةِ من الشيعةِ بقوله: «ما هو المستند في قولكم: «مَن غلبَ خطؤه الحديثيُّ على صوابِه؛ تُرِكَ حديثُه كلُّه».

أقول وبالله التوفيق:

أوّلاً: ممّا لا يحتاجُ إلى توثيقٍ أنّ علماءَ الحديثِ متّفقون على أنّ الراوي إذا كان الغالب على حديثه الضعفُ والمنكر؛ غدا متروكاً، لا يحتجّ بحديثِه عند الانفرادِ أو الموافقة، فضلاً عن المخالفة.

أمّا عند موافقتِه الثقاتِ في بعضِ ما روى؛ فالعِبرةُ بحديث الثقاتِ دونه!

ثانياً: يُستدلُّ لهذا المنهج السليمِ بقولِ الله تعالى:

(فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (102) وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ (103).

(فَأَمَّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ (6) فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ (7) وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ (8) فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ (9).

ولا ريبَ في أنّ فسّاقَ المسلمين قد عملوا بعضَ الصالحات، التي قد تصلُ إلى (49%) ومع هذا يدخلون النار، وَفقَ هذه الآية الكريمة، وتَحبطُ أعمالهم الصالحة!

وقال الله تعالى:

(يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ؟

قُلْ: فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ، وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ، وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا (219) [البقرة].

موطن الشاهِدِ في هذه الآية الكريمة؛ عدمُ اعتبارِ منافعِ الخمر الدنيويّة لاستمرار إباحتِها، بل إنّ الشارعَ أهدرَ هذه المنافعَ لغلبةِ مضارّها الدينيّة والدنيويّة.

وكذلك المحدّثُ الذي صنّف كتاباً في الحديث النبويّ، فشحنه بالروايات الضعيفةِ والمنكرةِ والمجهولةِ، حتى غلبت أخطاؤه الحديثيةُ على صوابِه، فيُهدَر صوابُه الأقلُّ في أخطائه الكثيرة (1).

ختاماً: قال الإمام الشافعي رحمه الله تعالى:

«مَنْ كَثُرَ غَلَطُه مِن المحدّثين - ولم يكن له أصْلُ كِتَابٍ صحيح - لم نقبل حديثَه، كما يكون مَنْ أكْثَرَ الغَلَطَ في الشهادةِ؛ لم نَقبلْ شهادَتَه» (2)

واللهُ تَعالى أَعْلَمُ.

(رَبَّنا: ظَلَمْنَا أَنْفُسَنا، وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنا؛ لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ).

هذا.. وصلّى الله على نبيّنا محمّد بن عبدالله، وعلى آله وصحبه وسلّم تسليماً.

والحمد لله على كلّ حال.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) انظر المحدث الفاصل (ص: 406) وشرح مذاهب أهل الأخبار لابن منده (ص: 82) والمدخل إلى علم السنن للبيهقيّ (1: 240) والجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع للخطيب البغدادي (2: 90) وشرح علل الترمذي لابن رجب (1: 394) فما بعد، وما شئت من كتب علوم الحديث.

 (2) الرسالة للشافعي (ص: 380).

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق