مِنْ عِبَرِ التاريخ (4):
بَراءَةُ
الإمامِ الأوزاعيِّ مِن النِفاقِ، رضي الله عنه!؟
بسم الله
الرحمن الرحيم
(رَبَّنَا:
عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا، وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا، وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ.
رَبَّنَا: لَا
تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا، وَاغْفِرْ لَنَا.
رَبَّنَا:
إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ).
(رَبَّنَا:
افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ، وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِين).
أرسل إليّ أحد
الإخوة الأحبّة يقول: «إذا كان لديكم الوقت للنظر في هذه الروايةِ، والحكم عليها،
ولكم من الله الثواب والأجر العظيم، وجزاكم الله خير الجزاء.
في سير أعلام
النبلاء (7: 131) ما نصّه: «أَبُو فروة يزيد بْن محمد الرهاوي: سَمِعْت أَبِي يَقُولُ:
قلت لعيسى بْن يونس: أيّهما أفضل الأوزاعي أو الثوري؟ فَقَالَ لِي: وأين أنت من
سفيان؟
قُلْتُ: ذهبت
بِهِ العراقية؟ الأوزاعيُّ وفقهه وفضله وعلمه!؟
فغضب، وقال:
أتراني أؤثر عَلَى الحق شيئًا؟!
سَمِعْت
الأوزاعي يَقُولُ: مَا أخذنا العطاء حَتَّى شهدنا عَلَى عليّ بالنفاق، وتبّرأنا
مِنْهُ، وأُخِذ عَلينا بذلك العتاقُ والطلاقُ وأَيْمانُ البيعة!
قَالَ
«الأوزاعيُّ»: فلما عَقلت أمري؛ سَأَلْتُ مكحولاً، ويحيى بْنَ أَبِي كثير،
وَعَطَاءَ بنَ أَبِي رَبَاحٍ، وَعَبْدَالله بنَ عُبَيْد بْن عمير؟
فقالوا: ليس
عليك شيء إنما أنت مُكْرَهٌ!
قال: فلم تَقَرَّ
نفسي حَتَّى فارقت نسائي، وأعتقت رقيقي، وخرجت من مالي، وكفّرت أَيْماني!
فأَخْبِرْني:
أَسُفْيان كَانَ يفعل ذَلِكَ» انتهت الرواية بنصّها.
وأرسل إليّ أخ
كريم آخر النصَّ السابقَ ذاته، فأجبته ارتجالاً:
«هذا الكلام لا
يصحّ بتاتاً في حقّ الإمام الأوزراعيّ، محمّد بن يزيد بن سنان الرهاوي، والد يزيد:
واهي الحديث!
وحاشا للإمام
الأوزاعي من هذا الضلال»!
كأنه أرسل
جوابي إلى صديق له آخر، فأجاب ذاك الآخر قال:
«أخي ليكن
معلولاً، مَن صححوه، له شواهد أخرى، وقد عدّوا هذا الموقف كان في أيّام شباب
الأوزاعيّ!
ثمّ هذه القصّة
لو صحّت؛ فهي منقبةٌ عظيمةٌ للإمام الأوزاعيّ؛ لأنه رجع إلى الحقّ بتكلفة باهظة!
كثيرٌ من
الحقائق محرّفة، وهناك مَن يضعّف بعضَ الرواة في قضية معاوية، ثمّ تجده يقوّيه في
مكان آخر» انتهى كلام مَن لا أعرف مَن هو، ولأنني لا أعرف من هو؛ فلن أقبّح عليه،
مع استحقاقه!
أقول وبالله
التوفيق:
هذا النصّ هو
كذلك في سير أعلام النبلاء، لكنّ الذهبيّ زاد في تاريخ الإسلام (4: 120) على ما تقدّم:
«سمعها الحاكم من أَبِي علي الحافظ قال: أخبرنا مكحول ببيروت، قال: حدثنا أَبُو
فروة».
فصار الإسناد
على النحو الآتي:
قال الحاكم أبو
عبدالله النيسابوريّ في كتابه تاريخ نيسابور، في أغلب الظنّ: سمعتُ أَبا عليٍّ
الحافظَ قال: أخبرنا مكحولٌ «محمد بن عبدالله» ببيروت، قال: حدثنا أَبو فروة يزيدُ
بْن محمد الرهاوي قال: سَمِعْت أَبِي يَقُولُ: قلت لعيسى بْن يونس: أيّهما أفضل
الأوزاعي أو الثوري؟ فَقَالَ لِي: وأين أنت من سفيان؟ وساق الرواية.
دراسةُ إسنادِ
هذه الحكاية:
الحاكم
النيسابوري إمام.
أبو عليّ
الحافظ إمام.
مكحول
البيروتيّ إمام ترجمه الذهبيّ في تذكرة الحفاظ (3: 25) وقال: الحافظ المحدّث، كان
من الثقات العالمين بالحديث (ت: 321 هـ).
قال عداب: وهو
شيخ الإمام محمد بن حبّان، صاحب الصحيح، وقد روى عنه في صحيحه، وفي الثقاتِ، وفي
المجروحين، وفي روضة العقلاء!
أمّا أبو فروة الأصغر
يزيد بن محمّد الرهاوي؛ فقد ترجمه الذهبيّ في تاريخ الإسلام (6: 450) ولم يذكره
بجرح أو تعديل.
وترجمه في
النبلاء (12: 555) وقال: المحدّث، ولم ينقل فيه جرحاً، وأرخ وفاته (269 هـ).
ويزيدُ بن محمد
الرهاويُّ هذا وأبوه محمّد بن يزيد بن سنان (ت: 220 هـ) ليسا من رواة الكتب التسعة
أصلاً!
ويزيد بن سنان
جدّ يزيد الأصغر؛ روى له ابن ماجهْ والترمذيّ أحاديث.
وفي أحد هذه
الأحاديث عند الترمذيّ (2694) قال: «قال محمدٌ البخاريُّ: أبو فروة يزيد بن سنان
مقارب الحديث، إلّا أنّ ابنه محمد بن يزيد، يروي عنه مناكير»!
وترجم الذهبيّ
محمد بن يزيد بن سنان (ت: 220 هـ) في تاريخ الإسلام (5: 454) ونقل عن أبي حاتم
قوله: «كان رجلاً صالحاً، ولم يكن من أحلاس الحديث» وقال النسائيّ: ليس بالقويّ،
وقال الدارقطنيّ: ضعيف!
قال عداب: لو
كان تضعيفهم إيّاه لهواه؛ لما قال أبو حاتم: «كان رجلاً صالحاً» فدلّ على أنّ
تضعيفهم إيّاه؛ لأنه كان يروي أحاديث مناكير، كما قال البخاريّ.
والإمامان
النسائيّ والدارقطنيّ ليسا ممن يحبّ معاويةَ بن سفيان أصلاً، بل إنّ نواصب دمشق؛
هم مَن قَتلوا الإمام النسائيّ أصلاً!
وما ظنَّه ذاك
الرجل من أنّ توبةَ الأوزاعيّ منقبةٌ عظيمة؛ فعدم صحّة التهمةِ من أساسها منقبةٌ
أعظم!
وأهل الحديث لا
يثبتون أو ينفون بالتشهّي كما يفعل صاحبُ هذا الكلامِ الساقطِ!
ونحن نعيذ
إمامنا الأوزاعيَّ رحمه الله تعالى من مثل هذه التهمة الخطيرة على عقيدته!
واللهُ تعالَى
أَعلَمُ
(رَبَّنا: ظَلَمْنَا
أَنْفُسَنا، وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنا؛ لَنَكُونَنَّ مِنَ
الْخَاسِرِينَ).
هذا.. وصلّى الله على سيّدنا محمّد بن عبدالله، وعلى آله وصحبه وسلّم تسليماً.
والحمدُ للهِ على كلّ حال.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق