مسائل من الفقه والأصول (2):
حُقوقُ الزوجين في الإسلام
(1)!؟
بسم الله الرحمن الرحيم
(رَبَّنَا: عَلَيْكَ
تَوَكَّلْنَا، وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا، وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ.
رَبَّنَا: لَا تَجْعَلْنَا
فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا، وَاغْفِرْ لَنَا.
رَبَّنَا: إِنَّكَ أَنْتَ
الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ).
(رَبَّنَا: افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا
بِالْحَقِّ، وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِين).
كتبت إليّ إحدى طالباتي، تستأذنني بالاتّصال، وقالت: إنّ
الرسائلَ القصيرةَ لا تكفي لشرح ما أريد، خاصّةً وأنّ الحوارَ يُظهر بعضَ ما يكون
خافياً، أو ما يريد الإنسان إخفاءَه!
قلتُ لها: الوقتُ غير مناسبٍ الآن، اتّصلي بعد السابعة صباحاً،
أو بعد التاسعة ليلاً!
فلم تردّ عليّ، لكنني توقّعتُ أن تتصل بعد التاسعةِ ليلاً، بيد
أنها لم تفعل!
في الساعة الثامنة والربع من صباح اليوم الخميس؛ اتّصلت، ودار
بيننا الحوارُ الطويل الآتي!
وقد آثرت كتابةَ الحوار كما حدثَ قبل قليلٍ، مع بعض التكميلات
التي لا بدّ منها، إذْ ثمّة فرق كبيرٌ بين الحوار، وبين الكتابةِ التي تستلزم
التوثيق العلميّ، والتزام اللغة العربية والمصطحات العلمية في كلّ فنّ!
هي: السلام عليكم يا والدي وأستاذي الشيخ عداب الحمش، ورحمة
الله وبركاته!
هو: وعليك السلام ورحمة الله وبركاته، بارك الله بم بنتي
الكريمة.
هي: أنا حضرت عندك ثلاث سنوات دراسيّة، درست عندك أدب البيت
المسلم، مستوىً واحد، وفقه المرأة المسلمة مستويين، والثقافة الإسلاميّة مستويين،
والتفسير مستوى واحد.
ولم تكن معي كريماً في العلامات، كما يُحكى عن كرمك في الأمور
الأخرى!
هو: هل كنت كريماً مع غيرك من البنات، أكثر منك؟
هي: الحقيقةُ أنّ التقصير مني، وبعض الزميلاتِ حصلن عندك على
امتياز.
هو: هل أعرفهنّ أنا، أو هنّ قرابتي؟
هي: معاذ اللهِ، حتى لو كنّ من قرابتك، فأنت لن تجاملهنّ، هذا
معروف عنك شيخنا!
[قلت في نفسي: حسبنا الله ونعم الوكيل... ومتى استقام مع النساء
حساب!].
هو: تفضلي يا بنتي، لننتقل إلى الموضوع المهمّ الذي ترغبين
الحديث عنه!
هي: نعم شيخي، أنا متزوّجة، ولديّ ولدان وبنتان، جميعهم
متزوّجون، وأنا اقترب عمري من ستين سنة!
وقبل أن أشرح لكم الموضوع، هل حديث (أيما امرأةٍ سألت زوجها
طلاقَها من غير بأسٍ؛ لم تدخل الجنة) أو (لم تشمَّ رائحة الجنة، وإن ريحها ليعرف
من مسافة كذا وكذا)؟!
هو: بإسنادي إلى الإمام أحمد ابن حنبل في باقي مسند الأنصار (22440)
قال رحمه الله تعالى: حَدَّثَنَا عَبْدُالرَّحْمَنِ بن مَهديٍّ: حَدَّثَنَا
حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ أَيُّوبَ السَختيانيِّ، عَنْ أَبِي قِلَابَةَ الجَرميّ،
قَالَ «أيّوب»: وَذَكَرَ «أبو قلابةَ» أَبَا أَسْماءَ الرحبيّ، وَذَكَرَ «أبو
أسماء» ثَوْبَانَ مولى الرسول قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: (أَيُّمَا امْرَأَةٍ سَأَلَتْ زَوْجَهَا الطَّلَاقَ - في غَيْرِ مَا
بَأْسٍ؛ فَحَرَامٌ عَلَيْهَا رَائِحَةُ الْجَنَّةِ) باختلاف يسير بين
الإسنادين.
وأخرجه الدارميّ في كتاب الطلاق من سننه (2270) قال: حَدَّثَنَا
مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ
أَبِي قِلَابَةَ عَنْ أَبِي أَسْمَاءَ عَنْ ثَوْبَانَ، مثلَه.
وأخرجه ابن ماجه في سننه (2055) من حديث محمد بن الفضل السدوسيّ
عن حمّاد بن زيدٍ، بمثل إسناد الدارميّ ولفظه.
وأخرجه أبو داود في سننه (2226) من حديث سليمان بن حربٍ عن
حمّاد، به مثله.
وأخرجه الترمذي في جامعه (1187) قال: أَنْبَأَنَا بُنْدَارٌ «محمد
بن بشار العبديّ» أَنْبَأَنَا عَبْدُالْوَهَّابِ «الثقفيّ»: أَنْبَأَنَا أَيُّوبُ
عَنْ أَبِي قِلَابَةَ عَمَّنْ حَدَّثَهُ عَنْ ثَوْبَانَ، مثلَه، ورواية الترمذيّ هذه؛ هي الرواية الثانية عند الإمام أحمد في المسند (22379).
ثمّ قَالَ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ، وَيُرْوَى هَذَا الْحَدِيثُ
عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ أَبِي قِلَابَةَ، عَنْ أَبِي أَسْمَاءَ، عَنْ ثَوْبَانَ،
وَرَوَاهُ بَعْضُهُمْ عَنْ أَيُّوبَ، بِهَذَا الْإِسْنَادِ، وَلَمْ يَرْفَعْهُ.
وقد صححه الشيخان الألبانيّ والأرناؤوط، وهو عندي حسن الإسناد.
هي: إذنْ الحديثُ يُحتجّ به، بقي أن أشرح لك قصّتي لترى أنت إن
كان هناك بأسٌ، أو ليس هناك بأس!
تزوجتُ هذا الرجل، من دون معرفةٍ، وفي بيئاتنا لا يمكن للبنت أن
تعرف طباعَ الرجل وأخلاقه وعيوبَه قبل الزواجِ، كما تعلمون.
وقد قرّرت منذ الأسبوع الأوّل لزواجنا؛ أن أنفصل عنه، لكنني لم
أفعل!
هو: كم كان عمرك عندما تزوجت؟
هي: قريبا من اثنتين وعشرين سنة!
هو: ولماذا لم تنفصلي عنه إذنْ؟
هي: للأسف أجبرني أهلي على الصبر، وطلبوا مني أن أفاتحه
بانتقاداتي عليه، ولكنه كان خشناً غضوباً، لم أتجرّأ على مفاتحته أبداً!
هو: ما دمت تريدين الطلاقَ منه، والطلاقُ شرّ ما تخافه المرأة،
فما وجه الخوف؟!
هي: هو أنفق على زواجنا كثيراً من المال، وذبح أكثر من عشرة
خراف، في حفلة الزفاف، فخفت أن يبطش بي، وأنا لا أحتمل الضربَ، ولم يضربني أحدٌ من
أهلي قطّ!
هو: ثمّ ماذا؟
هي: ثمّ لم يمض الشهر الأوّلُ حتى ظهرت عليّ آثارُ الوَحمِ،
ففرحَتْ والدتي، وفرح هو كثيراً، فوجدت نفسي مضطرةً للسكوت، فسكتُّ!
هو: سكتّ أربعين سنةً، والآن تريدين أن تتحرّري؟!
هي: ربما أموتُ غداً، وربما أعيش عشرين عاماً أخرى يا شيخي،
أريد أن أشعر بنفسي، أريد أن أحسّ بأنني حرّةٌ، ولست أمةً له!
هو: عدّدي لي أبرز خمسةَ عيوبٍ في نظرك، حتى أفهم جوانبَ
الموضوع!
هي: أنا لا أقول: إنها عيوب، إنّما هي صفات راسخة لدى زوجي، لم
أستطع تقبّلها من لدن ليلة زفافنا إلى اليوم!
هو: طيّب هل هي أسرار خاصّةٌ، أو يمكن التحدّث بها للوالدِ والشيخ
والمستشار والمفتي؟
هي: لن أذكر الأمورَ الخاصّة جدّاً، لكنني سأقتصر على ما يمكنُ
قوله لكم:
- الصفة المكروهة الأولى: أنّ رائحة جسم زوجي كريهةٌ للغاية،
حتى لو خرج من الحمّام الآن، تظلّ رائحة جسمه كريهةً جدّاً، وكذلك رائحة فمه وأنفه.
وقد راجعتُ طبيبة اختصاصيّة بالجلديّة، وطلبت منها أن تصف لي
دواء لذلك، فوصفت لي دواءً مناسباً لجسمه، ودواءً لفمه، وآخر لأنفه، لكنه رفض أن
يستعمل أيّ دواءٍ طيلة هذا العمر، وقد استعمل والدي وأخي تلك الأدوية، فأحبّاها
كثيراً!
وكان كلّما راجعته بالأمر؛ صرخ عليّ وأنّبني، وعدّ ذلك مني
وقاحةً واعتراضاً على خِلقةِ اللهِ تعالى.
وهو يستعمل السواك كثيراً، لكنّ السواك لم يُزِلْ تلك الرائحة
المنتنة التي تخرج من فمه وأنفه!
- الصفة المكروهة الثانية: زوجي ليس طالبَ علمٍ شرعيٍّ، ومع هذا
طول لحيته يقرب من عشرين سنتيمتر، وهو لا يقصّ منها، ولا يهذّبها، ولا يزيل شعرَ
وجهه، ولا شعرَ رقبته، ولا شعرَ أذنيه، ولا شعر أنفه، ولا يحلق شعر رأسه، ويقول:
هذه كلّها سننٌ، لن أتركها من أجل خاطرك أبداً!
- الصفة الثالثة: زوجي غنيٌّ جدّاً، وينفق في سبيل الله تعالى -
كما يقول هو - كثيراً جدّاً، لكنّه مقتّرٌ على البيت بالنسبة لوضعه الماليّ، ولا
يفطن إلى المناسباتِ أبداً، فلا يفطن لذكرى ميلادِه، أو ميلادي، أو ميلاد ولدٍ أو
بنتٍ له، وقد صار أكثر الناس في هذه الأيّام يجبرون بخواطر أولادهم وبناتهم،
ويقدّمون لهم الهدايا، أمّا أنا فلم يقدّم لي هديّةً قطّ!
وقد ذكّرته مراراً بذلك، فكان يقول لي: أنت خرّيجة شريعة، وعقلك
كعقل العامياتِ الجاهلات!
هل طلبتُ يوماً منك شيئاً من مرتّبك، وهل سألتُ يوماً أين
تنفقينه؟
- الصفة الرابعة: هو كما قلت: لم يحلق رأسه ولا لحيته ولا رقبته
ولا وجهه، منذ تزوّجته إلى هذا اليوم، لكنه يجبرني أن أحلق له بنفسي المواضع التي
يحلقها الإنسان، أو يزيلها عادة!
ولكي أتفادى القرفَ والضيق الذي يسببه لي هذا الموضوع؛ أحضرت له
مزيلاً ممتازاً للشعر؛ ليقوم باستعماله، فرفض، ونهرني، وعاب عليّ أنني امرأة،
ولديّ من المقرفاتِ الشيءُ الكثير، وهو لا يذكر لي من هذا شيئاً، كما قال.
- الصفة الخامسة: زوجي اليوم في حدود السبعين من عمره، وجميعُ
الأمور المقزّزة السابقة وغيرها مما لا يليق أن أذكرها؛ قد زادت كثيراً، إضافةً
إلى كثرةِ نزقِه، وسرعة غضبه، وكثرة ضجره، وأنا لم أعد أحتمله أبداً!
هو: أنا الآن أفترض أنّ كلامك صدقٌ (100%) وبناءً على ذلك أقدّم
مشورتي إليك، أمّا الخُلعُ؛ فلا يحتاج إلى شيءٍ من هذا الكلام كلّه!
هي: الله يشهد أنني صادقة (100%) وما كتمته أكثر مما قلته لكم!
هو: استمعي، ولا تعجلي، لو استشرتني في أيامِ خطوبتك مثلاً؛
لقلت لك: بقاؤك بنتاً كريمةً في بيت والدك طيلةَ عمرك؛ خيرٌ لك من هذا الزواج
المدمّر!
وحتى عندما ظهر أنّك حاملٌ في الشهر الأوّل؛ أصرّي على فراقِه،
ماذا سيصنع لك أهلك؟
هي: لم يرَ أهلي هذه الأشياءَ مما يستدعي الطلاق والفراق،
وكانوا يقولون لي: غداً متى أحبّك، سينفّذ لك رغباتك كلّها عن طيب خاطر!
لكنّ زوجي لا يعرف شيئاً اسمه الحبّ، بل لا يقيم أيّ وزنٍ
لمشاعر المرأة وأحاسيسها.
هو: أنت زوجته الآن، وما زلتِ على عصمتِه؛ فكيف تريدين أن
أُشيرَ عليك بالخلعِ منه، أليس هذا تخبيباً يا بنتي؟
هي: أليس الله تبارك وتعالى يقول: (لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ
نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا) ويقول: (لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا
مَا آتَاهَا) وأنا لم يعد لديّ قدرةً على التحمّل، يا والدي، أنتهى لديّ الصبر
والاحتمال.
هو: الرجل كما تقولين في حدود السبعين من عمره، إلى
مَن تتركينه، بعد أربعين سنةً من الزواج، هل لديه امرأة غيرك ترعاه؟
هي: لا ليس لديه امرأةٌ أخرى سواي، لكنه غني يستطيع أن يستأجر
عدداً من الخدمِ وعدداً من الممرضاتِ ليقوموا على خدمته ورعايته!
هو: أنا لا أشير عليك بشيءٍ، إنّما أقول لك: إنْ كان كلامك
دقيقاً في وصف زوجك؛ فكان عليك أن تنفصلي عنه منذ الشهر الأوّل، وليس عليك أدنى
إثمٍ في ذلك!
لكنْ قد صبرت أربعين سنة، ولديكما أحفادٌ وأسباطٌ، لو صبرتِ حتى
يأخذ الله أمانةِ أحدكما؛ أليس أولى بك يا بنتي، وأحرى أن لا تلوكك ألسنة الناس؟
هي: راحت تبكي، وقالت: يا والدي تعبتُ، يا شيخي أعصابي تلفت، يا
سيّدي كرهتُ حتى كلمةَ لك أجر الصابرين، والله والله، إنّ الله تعالى أرحم منكم
أجمعين!
ختاماً: أرى من الضروريّ أن أنشر عدداً من المقالاتِ عن حقوق
الزوجين، وأنقل إليكم بعضَ المآسي التي تحدث في بيوت بعض المسلمين، للعبرة والعظة،
وليس لنشر غسيل الآخرين.
والله المستعان
(رَبَّنا: ظَلَمْنَا
أَنْفُسَنا، وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنا؛ لَنَكُونَنَّ مِنَ
الْخَاسِرِينَ).
هذا.. وصلّى الله على
سيّدنا محمّد بن عبدالله، وعلى آله وصحبه وسلّم تسليماً.
والحمد لله على كلّ حال.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق