مَسائلُ حديثيّةٌ (12):
ضَعْفُ الشيخِ أحمدَ ابنِ تَيميةَ في نَقْدِ الحَديثِ!
بسم الله الرحمن الرحيم
(رَبَّنَا: عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا، وَإِلَيْكَ
أَنَبْنَا، وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ.
رَبَّنَا: لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلَّذِينَ
كَفَرُوا، وَاغْفِرْ لَنَا.
رَبَّنَا: إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ).
(رَبَّنَا: افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا
بِالْحَقِّ، وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِين).
كتب أحدُ الإخوة على صفحته ما نصّه: « لا أجد أيَّ حَرَجٍ ولا غَضاضةٍ من وصف الإمامِ ابن
تيمية أو غيره من المتأخرين؛ بأنه أعلم من الأئمةِ الأربعة، إذا قَدّم على ذلك
دليلًا».
فعلّقت على كلامه بقولي: « من حيث
المَبدأ؛ هذا صحيح، لكن الشيخ ابن تيمية ليس أعلمَ مِن أحد، والرجل مُثقّف واسع
الثقافة، وليس له تميز في أيّ علم.
وهو ضعيف جدا في نقد الحديث».
فكتب إليّ أحدُ الإخوةِ مستغرباً قولي: «إن الشيخ
ابن تيمية ضعيف جدّاً في نقدِ الحديث» وطلب دليلاً واحداً على هذا الكلام!
أقولُ وبالله التوفيق:
العالم في نظري: هو المجتهد ولو في علم واحد!
والمثقّف في نظري: هو طالب العلم الذي قرأ بنفسه أو
على الشيوخ علوماً كثيرة: من المنطق إلى الفلسفة إلى علم الكلام، إلى الأصول
والفقه وعلوم القرآن والتفسير والتاريخ والاجتماع والتربية والأدب والشعر...إلخ!
لكنّه لم يتخصّص في علم واحدٍ، يتميّز به، ويكون له
اجتهاداتٌ كثيرة في هذا العلم!
وأكثر الذين يسمّيهم الناس علماءَ قديماً وحديثاً؛
هم مثقّفون في حقيقةِ الأمر، وليسوا بعلماء!
علماء الحديثِ متّفقون على نُدْرَةِ الأحاديثِ
المتواترة عن الرسول صلّى الله عليه وآله وسلم!
يقول
أبو عمرو ابن الصلاح في علوم الحديث (ص: 372): « ومِنَ المشْهُورِ المتواتِرُ ...
فإنَّهُ عبارةٌ عَنِ الخبرِ الذي يَنْقُلُهُ مَنْ يَحْصُلُ العِلْمُ بِصِدْقِهِ
ضَرُورةً، ولاَ بُدَّ في إسنادِهِ مِنِ اسْتِمرارِ هذا الشَّرْطِ في رُواتِهِ مِنْ
أوَّلِهِ إلى مُنْتَهاهُ، ومَنْ سُئِلَ عَنْ إبْرَازِ مِثالٍ لِذَلِكَ، فيما
يُرْوَى مِنَ الحديثِ؛ أعياهُ تَطَلُّبُهُ.
وحديثُ
(إنَّمَا الأعْمالُ بالنِّيَّاتِ) ليسَ مِنْ ذَلِكَ بِسَبيلٍ، وإنْ نَقَلَهُ
عَدَدُ التَّواتُرِ وزِيادَةٌ؛ لأنَّ ذَلِكَ طَرَأَ عليهِ في وَسَطِ إسْنادِهِ،
ولَمْ يُوجَدْ في أوائِلِهِ.
نَعَمْ حديثُ (مَنْ كَذَبَ عليَّ مُتَعَمِّداً؛
فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ) نراهُ مِثالاً لِذَلِكَ، فإنَّهُ
نَقَلَهُ مِنَ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم العَدَدُ الْجَمُّ، وهوَ في الصحيحينِ
مَرْوِيٌّ عَنْ جَماعَةٍ مِنْهُم» إلخ كلامه.
وذكر مثلَ ذلك النوويّ في الإرشاد (2: 544) واستدرك
الحافظ العراقيّ في التقييد (ص: 272) عدداً من الأحاديثِ، دون العشرة، فانظرها ثمّة!
بينما أطلق الشيخ ابن تيمية كلمة (متواتر، تواتر،
حد التواتر) في كتبه (1368) مرّةً!
وإليك بعض الأمثلة على دعاوي التواتر الباطلة لديه!
قال في الردّ على الإخنائيّ (ص: 275): «وقد ثَبت
بالتواتر وإجماعِ الأمة أن الرسول لا يُشْرَع الوصولُ إلى قبره، لا للدعاءِ له،
ولا لدعائِه، ولا لغير ذلك» انتهى.
أين الأحاديث المتواترة في ذلك، وأين الإجماع؟
وقال في كتاب الاستقامة (1: 166): «كل كَافِر
يُبَاح قَتله، وَلَيْسَ كل من أُبِيح قَتله يكون كَافِراً، فقد يُقتل الدَّاعِي
إِلَى بِدعَةٍ؛ لإضلاله النَّاس وإفساده، مَعَ إِمْكَان أَنّ الله يغْفر لَهُ فِي
الْآخِرَة، لما مَعَه من الْإِيمَان؛ فَإِنَّهُ قد تَوَاتَرَت النُّصُوصُ
بِأَنَّهُ يَخرج من النَّار من فِي قلبه مِثْقَال ذرة من إِيمَان» انتهى.
أين الأحاديث المتواترة في هذا؟ بل لا يصحّ حديث
واحدٌ أصلاً!
وقال في الاستقامة أيضاً (2: 185): «تَوَاتر عَن
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أنّ مَا يُصِيب الْمُسلم من أذى شَوْكَةٍ فَمَا
فَوْقها، إلا حَطّ الله بهَا خطاياه، كَمَا تَحطّ الشَّجَرَة الْيَابِسَة وَرقَها»
وليس في هذا الباب حديث متواترٌ، ولا حديث مشهور، إنما لدينا حديثان غريبان أحدهما
عن عائشة، والآخر عن عطاء بن يسار عن أبي هريرة وأبي سعيدٍ الخدريّ مقرونين!
وقال في الجواب الصحيح (1: 414): «انْشِقَاقُ
الْقَمَرِ؛ قَدْ عَايَنُوهُ وَشَاهَدُوهُ، وَتَوَاتَرَتْ بِهِ الْأَخْبَارُ» انتهى.
وليس في انشقاق القمر حديث متواتر، إنما هو حديثُ
عبدالله بن مسعود، وعنه أخذه ابن عباس وأنسٍ، فيما يترجح لديّ؛ لأنّ الذين يصححون
حديثَ انشقاق القمر، يقولون: إنما كان ذلك في مكة قبل الهجرة، ولم يكن ابن عباس
وأنسٌ مخلوقين بعد !
وفي الجواب الصحيح (2: 366) قال: «وَالْأَخْبَارُ
بِمَعْرِفَةِ أَهْلِ الْكِتَابِ بِصِفَةِ مُحَمَّدٍ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ عِنْدَهُمْ فِي الْكُتُبِ الْمُتَقَدِّمَةِ مُتَوَاتِرَةٌ عَنْهُمْ» انتهى.
أقول: ذلك متواتر عندنا، هذا صحيح؛ لأنه ورد في
القرآن الكريم، لكن أين نجد شاهد ذلك التواتر في كتبهم؟ لا وجود لتواتر أبداً،
إنما هي نصوص في كتبهم محتملة!
وفي كتاب الصارم المسلول (ص: 587) تحدّث عن ضرورة
تعظيم الصحابة لأنهم نقلوا لنا هذا الدين العظيم، ثم قال: «وتواتر النقل بأن
وجوههم تمسخ خنازير في المحيا والممات» انتهى.
أقول: أنا لا أحفظ حديثاً واحداً أنّ الذين ينالون
من الصحابة رضي الله عنهم يمسخون خنازير، فضلاً عن التواتر!
وها هو اللعين ياسر الخبيث، لم يترك قذارةً إلّا
قام بها، ولا نرى على وجهه خيالَ خنزير، وأتمنّى لو أنّ الله تعالى يمسخه؛ ليكون
عبرة !؟
وقال في العقيدة الواسطية (ص: 117): «وَيُقِرُّونَ
بِمَا تَوَاتَرَ بِهِ النَّقْلُ عَنْ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي
طَالِبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ وَغَيْرِهِ، مِنْ أَنَّ خَيْرَ هَذِهِ الْأُمَّةِ
بَعْدَ نَبِيِّهَا: أَبُو بَكْرٍ، ثُمَّ عُمَرُ» انتهى.
أقول: وليس في ذلك تواتر ولا استفاضة!
وقال في الفتاوى الكبرى (3: 490): « أَهْلَ
الْعِلْمِ مُتَّفِقُونَ عَلَى أَنَّ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ أَعْلَمُ مِنْ سَائِرِ
الصَّحَابَةِ، وَأَعْظَمُ طَاعَةً للهِ وَرَسُولِهِ مِنْ سَائِرِهِمْ، وَأَوْلَى
بِمَعْرِفَةِ الْحَقِّ وَاتِّبَاعِهِ مِنْهُمْ!
وَقَدْ ثَبَتَ بِالنَّقْلِ الْمُتَوَاتِرِ
الصَّحِيحِ عَنْ النَّبِيِّ أَنَّهُ قَالَ: (خَيْرُ هَذِهِ الْأُمَّةِ بَعْدَ
نَبِيِّهَا أَبُو بَكْرٍ، ثُمَّ عُمَرُ) رُوِيَ ذَلِكَ عَنْهُ مِنْ نَحْوِ
ثَمَانِينَ وَجْهًا»!؟
أقول: لو اجتمع أهل الأرض جميعهم؛ لما وجدوا حديثاً
واحداً صحيحاً مرفوعاً إلى الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم بمثل هذا المتن، أو
نحوه، فضلاً عن التواتر!؟
إنّما هو صحيح عن الإمام عليه عليه السلام من قوله؛
أخرجه البخاري في مناقب أبي بكر (3671) وأعرض عنه مسلم.
في هذا القدر كفايةٌ، ومثل هذا الموضوع يحتاج إلى
أطروحة دكتوراه، أو بحثٍ علميٍّ كبير، يتفرّغ له من يعنيه مثل هذا الأمر، أمّا
أنا؛ فلا يعنيني!؟
واللهُ تَعالى أعْلمُ.
(رَبَّنا: ظَلَمْنَا أَنْفُسَنا، وَإِنْ لَمْ
تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنا؛ لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ).
هذا.. وصلّى الله على سيّدنا محمّد بن عبدالله،
وعلى آله وصحبه وسلّم تسليماً.
والحمد لله على كلّ حال.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق