اجتماعيات (53)
تمايزُ الأعراقِ في الأخلاق!؟
بسم الله الرحمن الرحيم
(رَبَّنَا: عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا، وَإِلَيْكَ
أَنَبْنَا، وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ.
رَبَّنَا: لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلَّذِينَ
كَفَرُوا، وَاغْفِرْ لَنَا.
رَبَّنَا: إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ).
(رَبَّنَا: افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا
بِالْحَقِّ، وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِين).
ذات يوم اشتبكتُ في نزالٍ مع أحد أولاد حيّنا «الفرّاية»
صوّب إليّ سكّينَه «الموسى» وطعنني في بطني يريد قتلي، كما كان ظاهراً!
لكنني بفضلٍ من الله تعالى استطعت أن أتّقي
الطعنة بيدي اليسرى، فانهمر الدم غزيراً من عضدي، مما أغضبني، فتمكّنت من تخليص خصمي
الموسى وطيّه ووضعه في جيبي.
ثم رُحتُ أبطش بالمعتدي حتى كسرت ذراعه التي
ضربني بها، وهشمت رأسَه بحائطٍ كان في شارع بيتنا... إلخ.
تحسّبتُ أن يغضبَ أهله لما فعلتُ به، خصوصاً
وأنّ الخصومة كانت بيني وبينه، ولم يكن في شارع بيتنا أحدٌ سوانا، فيسعه أن يكذب
كما يريد!
تركته يئنّ ويتوجّع ويبكي في الشارع، وذهبت إلى
بيتنا، فضمّدت لي والدتي الجرح، وهي تبكي!
غسلت يديّ من الدماء، ووضعت مسدّسي على جنبي،
وخنجري على الجنب الآخر، وخرجتُ ناوياً الشرَّ كلّه!
وقفت على باب منزلنا أتأمّل ماذا سيحدث، بعد رفعه وحمله إلى المشفى، وإذا بعمّي
شيخ الأسرة «محمّد الحمش» قد ظهر من بيته غاضباً، فصرخ عليّ عندما رآني: تعال
لأرى!
دخلنا بيتَه، وقصصتُ عليه القصّةَ، وأقسمت له
أنني لا أعرف لماذا هجم عليّ وطعنني يريد قتلي!
قال: أين الموسى؟
أخرجته له من جيبي، ففتحه، فلم يجد عليه أثراً من
دمي، فاستحلفني أنّ الموسى هو هذا، فحلفت له أيضاً.
فكّ ضمادَ يدي، وأزال القطن والقهوةَ عن الجرح،
وضغط على الجرح، وملأ الموسى بالدم، وتركه عنده ليجفّ، وقال لي: اذهب وضمّد جرحَك
من جديد، وانتبه لنفسك «ألف أمّ تبكي ولا أمّي»!
ذهبت أنا إلى البيت، وأصلحت شأن جرحي الذي كان
يحتاج إلى خياطةٍ في الحقيقة، ثمّ توضّأت وصلّيت وتغديت، ففتر جسمي ونمت!
يبدو أنّ أهل الشابِّ الخصم عرفوا أنه المعتدي،
فجاء وفدٌ منهم إلى بيت عمي، وتفاوضوا معه على المصالحة، فأرسل إليّ عمّي ولده
عبدالكريم يستدعيني.
بلّغني عبدالكريم بالحضور، وقال لي: احذر يا
أخي، رأيتُ شرر النار في عيونهم!
لقّمتُ مسدّسي، ووضعته على جنبي ظاهراً لكلّ أحدٍ،
وأظهرت خنجري الذي كان يزيد طوله على نصف متر أيضاً، ودخلتُ مضافةَ عمّي.
قلت السلام عليكم، وظللت واقفاً!
كان خصمي قد عالجوه في المشفى، وجبروا يده
اليمنى بالجبس، وحزموا رأسَه بشاشٍ أبيضَ مملوءٍ بالدماء، فأشفقت عليه!
قال عمّي: لماذا تخاصمتما يا عداب، أنت شابٌّ
متديّن، لا تستهويك مشاكل السفهاء والزعران، لماذا كسرت ذراع أخيك، وشججتَ رأسَه؟
قلت له: أنا والله إلى هذه اللحظة لا أدري،
اسألوا هذا السفيه الأرعن عمّا فعل !
استغرب أهلُ خصمي، وسأله والده قائلاً: لا شكّ
أنّ ما يقوله عداب صحيح، عداب صاحب دين، لا يعتدي ولا يكذب!
لم يردّ الخصم شيئاً!
قال له عمّي: قم صالح أخاك عداباً، فصرخت: لا
لا أبداً يا عمّ، حتى أعرفَ لماذا أراد قتلي!
انتهره والدُه، وطلب منه أن يقول السبب، فتلجلج
ثم قال: تخاصمت البارحة مع عبدالمنعم الحمش، فأوجعني ضرباً وأهانني، ولم أستطع أن
آخذ ثأريّ، وعداب شيخ، لا يحمل سلاحاً أبداً، فقلت: أعلّم عليه، حتى أردَّ
اعتباري!
قاطعته وقلت لهم: أتشهدون أنه كان يريد قتلي،
وطعنني ليقتلني، أم لا تشهدون؟
قال والده: نشهد والله، ثم التفت إلى ولده،
وبصق في وجهه ولعنه!
أشهرت مسدّسي عندئذٍ وقلت لهم: هل عليّ لومٌ
الآن لو قتلتُه؟
وقف والده في وجهي وقال: يا شيخ عداب، أنت
والله زهرة هذا الحيّ، ويبقى هذا أخاك، ونحن أهل، والحمد لله جرحك يسير بالنسبة
إلى ما فعلتَ به، أرجع مسدسك إلى خصرك، وسامحه لأجلي أنا، وقبّلَ رأسي!
قلت لهم: أنا ابن الحمش، ونحن لسنا أصحابَ غلٍّ
ولا حقدٍ، وأنا أسامحه شَرطَ أن يقبّل رأسي ويدي، ويكتب تعهّداً خطيّا بأنّ دمَه
مهدورٌ، إذا تعرّض لأيّ فردٍ في هذا الحيّ، من آلِ الحمش، وغيرهم.
حاولوا أن أُسقِطَ هذا الشرطَ، لكنني أصررت
عليه، وقد حصل!
قام خصمي، فقبّل رأسي، وتلكّأ بتقبيل يدي،
فصرخت به: قبّل، وقدمي فوق رأسك!
قبّل يدي ثلاث مرّات، ثمّ صافحتُ الباقين،
وشربنا القهوة والشايَ معاً عند عمّي!
عقب صلاة المغرب خرجنا من منزل عمّي، فدعوت
خصمي إلى تناول طعامِ العشاءِ معي وقلت في نفسي: أدعوه إلى الله تعالى، وأحثّه على
الالتزام بالصلاةِ والأخلاق!
عندما علمت والدتي بأنّ الضيف الذي دخل دارها،
هو الذي أراد قتلي؛ راحت تلطم على وجهها، وتقول: يا الله يا الله، ما هذا الولد
الذي جعلتَه ابني، هذا ولد ما عنده قلبٌ أصلاً!
سمعت صوتها، فخرجت من غرفتي، وأومأت إليها أن
تخفض صوتها، فراحت تبكي بكاءً مرّاً وتقول: شيطانٌ أراد قتلك، وشرع بقتلك، تحضره
إلى بيتي لأعدّ له عشاءً؟
لا والله لا عشاء، ولا شاي، ولا قهوة، ولا حتّى
ماء، اطرده من البيت قبل أن أفقد عقلي!
كنت أضحك من تصرّفها لتضحك، وقلت لها: ماما
كرديّة، ماما كرديّة!
قالت: إي والله أنا كردّية وجدي الملك المظفّر،
أنتم يا بيتَ الحمشِ ليس لديكم قلوب أبداً، بسطاء حدَّ الموت!
واحد شرع بقتلك، تحضره لتعشّيه!
إي والله والله، الذي ينظر إليّ نظرةَ إهانة؛
لا أصفح عنه حتى أصيرَ تحت التراب!
والله لأدعونّ عليه في صلاة العشاء!
سألتها بالله تعالى، وبكرامة جدّها المظفّر
عندها أن لا تفعل؛ لأنّها إن دعت عليه؛ ستدمّره بمشيئة الله تعالى.
قامت أختي الكبرى، فحضّرت لنا العشاءَ
والضيافةَ، وظلّ يسهر معي إلى صلاة الفجر!
علّمتُه الوضوءِ والصلاةَ، فتوضّأ عندي، وذهبت
وإيّاه إلى جامع المرابط، حيث فوجئ شيخي السيّد نايف النوشي السبسبيّ بما رأى،
وهزّ رأسَه عجباً!
احتسبتُ طعنتي في سبيلِ الله تعالى، وكنت
أتمنّى لو أنّ خصمي اتّقى الله تعالى، وداوم على صلاته، لكنه رجع شيطاناً يشرب
الخمرةَ والحشيشَ ويعمل موبقاتٍ كثيرة، ولا أدري إن كان ما يزال حيّاً، أم فارق
الحياة !
وأنا لا أجد في قلبي حقداً عليه، أو رغبةً في
الانتقام، لا والله!
إنما أحزن عليه أن يكون ماتَ، وهو يمارس
المعاصي، ويغضب الله تعالى!
رحم الله جميع من ذكرنا في هذا المنشور،
فجميعهم قضى ومضى، وصار في ذمّة الله تعالى.
والله المستعان وعليه التكلان
(رَبَّنا: ظَلَمْنَا
أَنْفُسَنا، وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنا؛ لَنَكُونَنَّ مِنَ
الْخَاسِرِينَ).
هذا.. وصلّى الله على
سيّدنا محمّد بن عبدالله، وعلى آله وصحبه وسلّم تسليماً.
والحمد
لله على كلّ حال.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق