مَسائِلُ حَديثيّةٌ (21):
حَديثٌ مَتنه جميل، وإسناده
ضعيف!؟
بسم
الله الرحمن الرحيم
(رَبَّنَا:
عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا، وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا، وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ.
رَبَّنَا:
لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا، وَاغْفِرْ لَنَا.
رَبَّنَا: إِنَّكَ أَنْتَ
الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ).
(رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا
وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ، وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ).
نشر أحدُ الإخوةِ على صفحته
الحديثَ الضعيفَ (اغتنم خمساً قبلَ خمس) وقال: ينبغي أن يُكتبَ بخطٍّ كبيرٍ، ويوعى
وعياً تامّاً، ويُنشر في كلّ مكان... إلخ.
وإذْ إنني لا أجوّز نشرَ
الحديثِ الضعيفِ إلّا مع بيانِ ضعفه، وعدمِ جواز نسبته إلى الرسول صلّى الله عليه
وآله وسلّم؛ رأيتُ أن أكتبَ هذه الإضاءةَ المفيدة!
بإسنادي إلى الإمام أبي بكرِ
بن أبي الدنيا (ت: 281 هـ) في كتابه قِصَرِ الأمل (111) قال رحمه الله تعالى:
حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ: حَدَّثَنَا عَبْدُاللهِ بْنُ
الْمُبَارَكِ: حَدَّثَنَا عَبْدُاللهِ بْنُ سَعِيدِ بْنِ أَبِي هِنْدَ عَنْ
أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ لِرَجُلٍ وَهُوَ يَعِظُهُ: (اغْتَنِمْ
خَمْسًا قَبْلَ خَمْسٍ: شَبَابَكَ قَبْلَ هَرَمِكَ، وَصِحَّتَكَ قَبْلَ سَقَمِكَ،
وَغِنَاكَ قَبْلَ فَقْرِكَ، وَفَرَاغَكَ قَبْلَ شُغْلِكَ، وَحَيَاتَكَ قَبْلَ
مَوْتِكَ).
وأخرجه الحاكم النيسابوريّ في
المستدرك (7846) من طريق عبدان عن عبدالله ابن أبي هندٍ، به مثلَه، وقال: «هَذَا حَدِيثٌ
صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ».
وأخرجه البيهقيّ في شُعَبِ الإيمان (9767) من طريق
عبدالله بن المبارك به، وقال: «هَكَذَا وَجَدْتُهُ فِي كِتَابِ قِصَرِ الْأَمَلِ ,
وَكَذَلِكَ رَوَاهُ غَيْرُهُ عَنِ ابْنِ أَبِي الدُّنْيَا، وَهُوَ غَلَطٌ،
وَإِنَّمَا الْمَعْرُوفُ بِهَذَا الْإِسْنَادِ مَا أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ
الْفَقِيهُ: أَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْقَطَّانُ: نَا
عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ الدَّارَابَجِرْدِيُّ: نَا عَبْدُاللهِ بْنُ عُثْمَانَ
(عبدان): أَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ: أَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ سَعِيدِ بْنِ أبي
هِنْدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (نِعْمَتَانِ مَغْبُونٌ فِيهِمَا كَثِيرٌ مِنَ
النَّاسِ: الصِّحَّةُ وَالْفَرَاغُ).
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ (6412) عَنْ
مَكِّي بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ سَعِيدٍ» به مثلَه.
قال عداب: وليس في الصحيحين
بهذا الإسنادِ، سوى هذا الحديث الفرد.
ومن المعلوم أنّ الراوي
الصدوقَ صاحب الأوهام، إذا تفرّدَ بحديثٍ؛ عُدّ حديثه منكراً.
توضيحُ ذلك أنّ عبدالله بن
سعيد بن أبي هندٍ، وإنْ وثّقه عددٌ من الحفّاظ، إلّا أنّ المزيّ عندما ترجمه في
تهذيبه (15: 39) قال: «قَال أَبُو بَكْر بن خلاد الباهليّ: سألت يَحْيَى
بن سَعِيد القطّان عَنْهُ، فَقَالَ: كَانَ صالحاً، تَعرِفُ وتُنْكِرُ.
وَقَال أبو حاتم الرازيّ: ضَعيفُ الحَديثِ».
وترجمه ابن حبّان في المشاهير (1084) وقال: «كان
يهم في الشيءِ بعد الشيْ».
وقال ابن حجر في التقريب (3358): «صدوقٌ ربما وهم».
قال الذهبيّ في الميزان (3: 140): «إنّ تفرُّدَ
الثِقةِ المُتْقِن؛ يُعَدُّ صَحيحاً غريباً، وإنّ تَفرّد الصَدوقِ ومَنْ دونَه؛
يُعَدُّ مُنكَراً».
ومعنى هذا الكلام: مهما كان
الكلامُ حسناً جميلاً؛ فلا يجوز نسبته إلى الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم، إلّا
إذا كان إسناده صحيحاً متّصلاً، ورواته ثقات.
وقد رُوي متنُ هذا الحديثِ الضعيف عن عمرو بن
ميمون الأودي، عن الرسولِ صلّى الله عليه وآله وسلّم مرسلاً، والمرسل من الحديث
ضعيف!
واللهُ تَعالى أعْلمُ.
(رَبَّنا: ظَلَمْنَا أَنْفُسَنا، وَإِنْ لَمْ
تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنا؛ لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ).
هذا.. وصلّى الله على سيّدنا محمّد بن عبدالله،
وعلى آله وصحبه وسلّم تسليماً.
والحمد لله على كلّ حال.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق