في سبيل العلم (5):
مع الشيخ البوطي - شخصيّته
ومواقفه !؟
بسم الله الرحمن الرحيم
(رَبَّنَا: عَلَيْكَ
تَوَكَّلْنَا، وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا، وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ.
رَبَّنَا: لَا تَجْعَلْنَا
فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا، وَاغْفِرْ لَنَا.
رَبَّنَا: إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ
الْحَكِيمُ).
(رَبَّنَا: افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا
بِالْحَقِّ، وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِين).
ليس هذا العُنوانُ من عندي، بل هو عنوان كتابٍ،
ألّفه الدكتور محمد خير موسى، أحدُ تلامذةِ الشيخ محمد سعيد رمضان البوطي، رحمه
الله تعالى وغفر له، في جامعة دمشق، وفي مسجد «تنكز» الذي اعتاد شيخنا الدكتور
محمّد سعيد على إلقاءِ دروسه فيه، ربما من قَبلِ تعرّفي عليه، سنة (1970م).
عرّف الكاتب بنفسِه على غلاف كتابه بأنه «محمد خير
موسى» كاتب وباحثٌ من فلسطين، ولد في سوريا، عام (1979) وعاش فيها، ويقيم الآن في استانبول،
كما هو في كتابه هذا.
وكتب الدكتور محمد خير موسى في كتابه أنّه حصل على درجة
الدكتوراه في الفقه وأصوله، وتخصّصه الدقيق في السياسة الشرعيّة.
قرأتُ له قبلَ هذا الكتابِ، كتابه عن «القبيسيّات»
وعدداً من مقالاتِه على «الفيس بوك» وكان لي موقفٌ من هذا الكتاب، ومن هذا أيضاً.
لم يَسبقْ لي أن التقيتُ بالكاتب، وليس لي به أيّ
صلةٍ اجتماعيّة أو سياسيّة!
قرأتُ كتابه عن شخصيّة شيخي وابن شيخي الدكتور محمد
سعيد بن رمضان الكرديّ البوطيّ بهدوءٍ؛ لأنّه يتناول الجانب السياسيَّ من حياةِ
رجلٍ عالمٍ متنوّع الثقافةِ، فُرضَ عليه الاقترابُ من ساحةِ السياسة السوريّة، وهو
من أبعد الخلق عن السلوك السياسيّ، وأخلاق الساسةِ الوسخة القذرة - إلّا النادر -
سواءٌ في سلوكهم السياسيّ، أو في مواقفهم من الإسلامِ السياسي على وجه الخصوص.
إنّ الكاتبَ الدكتور محمد خير؛ لم يشهد قيامَ دولةِ
البعث، ولم يشهد الصراع السياسيّ والعسكريّ الطويل بين نظام البعث النصيريّ وبين
فصيلٍ من جماعة الإخوان المسلمين، منذ العام (1963) وحتى العام (1982) حيث انتصر
النظامُ على هذا الفصيلِ المعروف بجماعةِ الشهيد مروان حديد، والذي عُرف فيما بعد
بالطليعة المقاتلة للإخوان المسلمين، بينما كان الصراع السياسيّ بين الإخوان
المسلمين والطليعة المقاتلة على أشدّه.
أنا الفقير أسنّ من الدكتور محمّد خير بثلاثين
سنةً، وكنت في جماعة الإخوان المسلمين، ثمّ في جماعة الشهيد مروان حديد، منذ العام
(1962) حتى أواخرِ العام (1974م) ثمّ اعتزلتُ السياسةَ والحزبيّةَ، منذ ذلك
التاريخ، وحتى هذا اليوم!
والشيخُ ملّا رمضان وولده الدكتور محمدّ سعيد
البوطيّ؛ شيخاي منذ بواكير عام (1970م) حيث كنت أحضر على الوالدِ في مسجد الرفاعي،
وأحضر على الولد في جامعة دمشق، وفي جامع «تنكز» وكان يحضر معنا دروسَ والده بعد
صلاة الفجر في بعضِ الأحيان!
العلاقة بيني وبين شيخي محمد سعيد؛ بدأتْ بخطأ غير
مقصودٍ مني في أوّل يومٍ أداوم فيه بجامعة دمشق (14/ 1/ 1970) والله الشاهد، وقد
اعتذرت في اللحظة التي تبيّن لي خطئي فيها من شيخي الدكتور «محمد سعيد» في القاعة
نفسها، وفي المحاضرة ذاتها، لكنه لم يقبلْ عذري حتى آخرِ مرّةٍ التقيتُه بها في
الحرم المكي الشريف، في منتصف الثمانينات (1984 - 1986) شأنه في ذلك شأن والدتي
الكرديّةِ أيضاً، التي قالت لي: إنها لا تنسى من أخطأ في حقّها، حتى لو صارت تحتَ
الترابِ.
وشأنهما شأن شيخ ٍثالثٍ من صغار شيوخي في السنّ،
أوصلَ إليه أحدُ الوشاةِ كلاماً على لساني، فزارني في بيتي وأنّبني، فلم أردّ عليه
بغير ابتسامةٍ هاشميّة، وكلمة: سامحك الله يا شيخي، ولو أردتُ أنْ أعصره يومئذٍ
كنصف ليمونةٍ؛ لاستطعت!
تبيّن له بعد أيّامٍ أنّ ماوصله على لساني كان
كذباً، فجاء إليّ واعتذر مني، وقال لي: أنت أفضل مني وأكرم، لكنْ اعتبرْ العلاقةَ
بيني وبينك منتهيةً مدى الحياة!
أنا لا أستطيعُ أن أتقبّل صداقةَ مَن تعكّر عليه
قلبي أبداً، حتى إذا كنتُ أنا الذي أخطأتُ في حقّه، ثمّ استأذن وانصرف!
وفي هذا المرّةِ لم أزد على ابتسامةٍ هاشميّة،
ونظرةِ تعجّبٍ من هكذا أخلاقٍ وخْشَةٍ!
ما أريد أن أقولَه: كاتب الكتاب الدكتور محمد خير
الموسى، ليس صديقي، ولا أعرفه!
وشيخي الدكتور البوطي؛ ليس صديقي أيضاً، ولم يكن
يحبّني، بل كان يرفض لقائي طيلةَ سنواتِ سكنايَ في مكّة المكرّمة، على الرغم من
محاولاتي المتكرّرة لقاءَه وإكرامَه، وسؤالَه الدعاءَ والمغفرةَ؛ لأنني كنت وما
زلتُ أعدّه من الصالحين، وليس من شرطِ الصلاحِ أن يكون الصالح معصوماً.
ويحسن أن أتناولَ التعريف بجملةِ الكتابِ ومضامينه
في فقراتٍ متسلسلة، قائمة على الاختصار الشديد!
أوّلاً: نشرَتْ كتابَ «د. موسى» مكتبةُ الأسرة
العربيّة، في عامنا هذا (1444 هـ) - (2023م) ولم أتبيّن البلدَ الذي تكون فيه هذه
المكتبة!
يقعُ الكتابُ في (256) صفحة طباعيّة، من القطع
المتوسّط، قياس (17× 24).
لم يُدِرْ «د. موسى» كتابَه على أبوابٍ تحتها
فصولٌ، ولا على فصولٍ تحتها مباحث، مع أنّه أكاديميٌّ وكتابُه وثيقةٌ تاريخيّة
مهمّةٌ غيرَ معصومة!
إنما أدارَ الكتابَ على عنواناتٍ واضحة، على النحو
الآتي:
(1) فهوس الموضوعات.
(2) الساكن في جلباب أبيه.
(3) طباعٌ وسماتٌ نفسيّة.
(4) التناقض بين النقاش العلميّ ومخرجاته
السلوكيّة.
(5) المواقف السياسية إلى ما قبلَ انقلابِ حافظ
الأسد.
(6) من معركة الدستور إلى مجزرة المدفعية.
(7) نقطة التحول في العلاقةِ مع حافظ الأسد.
(8) منهجيّة حافظ الأسد في احتواء الدكتور البوطيّ.
(9) أعطيات حافظ الأسد.
(10) اللواء
محمد ناصيف .. آلية التأثير ولعب الوثائق.
(11) مع جماعة الإخوان المسلمين، هل كان البوطي
عضواً في التنظيم؟
(12) العلاقة الفكرية بمدرسة الإخوان المسلمين.
(13) انتقادات ومآخذ البوطي على العمل الدعوي
والتربويّ عند الإخوان.
(14) توصيف البوطي الثائرين في الثمانينات ضدّ حافظ
الأسد.
(15) الاشتباك مع الفلسطينيين بداية التسعينات.
(16) البوطي وحركة حماس.. سياق العلاقة وتحوّلاتها.
(17) البوطي عند وفاةِ ناعسةٍ وباسل الأسد.
(18) بكاءٌ على حافظ الأسد وبيعة استباقيّة لابنه
بشار.
(19) المعركة مع الأكراد.
(20) موقف البوطي من الشيعةِ ومشاريع التشيّع في
سوريّا.
(21) مسلسل ما ملكت أيمانكم.
(22) وصف الثورة بالفتنة وخلفياته وآثاره.
(23) جباههم التي لا تعرف السجود.
(24) من فتوى السجود على صورة بشار إلى إحراق
الكتب.
(25) قراءةٌ في فتاوى تعامل الجيش مع المتظاهرين السلميين
والمدنيين.
(26) اتّحاد علماء بلاد الشام
(27) الصراع مع د. القرضاوي في ميدان الثورة
ودلالالته.
(28) البوطي وجيش الأسد.. توصيفات وأمنيات ودعوات.
(29) البوطي وعلاقته بعلماء سوريا قبل الثورة
وبعدها.
(30) سؤال النهاية المؤرّق: مَن قتل البوطيّ؟
(31) فهرس المراجع (ص: 253).
ثانياً: هذا ثَبَتُ كتاب الدكتور محمّد خير موسى في
تحليل شخصيّة شيخه الدكتور محمد سعيد بن رمضان البوطي، ومواقفه من الحكام والقضايا
والثورات.
ثالثاً: كان ظاهرُ عمل «د. موسى» أكاديميّاً
توثيقيّاً، لكنّني كنت أحسّ اقتصاراً على بعض النصّ، وإغفالاً لبعضٍ مهمٍ منه في
بعض المواضع.
وإذ ليس لديَّ في مكتبتي التركيّة المتواضعةِ أيُّ
كتابٍ لأستاذنا الدكتور «محمد سعيد» فليس من المنطقيّ ولا العلميّ أنْ أقومَ
بالردِّ على ما لم يَرُقْ لي من مباحثَ، أو تحليلاتٍ في الكتاب!
رابعاً: بيد أنّني على يقينٍ من أمورٍ أخطأ فيها «د.
موسى» لا بدّ من بيانها؛ لأنني أنا مَن عاصرتها وعشتها، يوم لم يكن «د. موسى» قد
وُلد بعدُ، أو كان ما زال طفلاً في الثالثةِ من عمره، في بعضها!
(1) البوطي شخصيته ومواقفه!
كان الأولى بالدكتور موسى أن يترجم كتابه «شيخنا
البوطي - الدكتور البوطي - الشيخ البوطي» فالدكتور بوطي شيخُه وشيخنا، وفضله علينا
باقٍ لا يلغيه اختلافنا معه أبداً، رحمه الله تعالى.
(2)وضع على صفحة الغلاف، وفي مواضع كثيرةٍ من
الكتاب صورةً يبدو فيها شيخنا «د. محمد سعيد» كأنه هَرمٌ أعمى، وإن لم يكن «د.
موسى» يقصد دلالةَ الصورةِ الهرمة العمياء؛ فهو غير موفّقٍ أبداً في هذا الاختيار
المريب!
وفي الصفحة السادسةِ من الكتاب؛ وضع صورةً لشيخنا
د. محمد سعيد في عنفوان شبابه، صورة معبّرةٌ عن حيويّةٍ ونشاطٍ وشبابٍ وجمال!
كان حريّاً بالدكتور موسى أن يجعلها هي «لازمة»
الكتاب الموسيقيّة، لا تلك!
(3) مِثلُ كتاب «د. موسى» أقرؤه في ساعتين إلى أربع
ساعاتٍ عادةً، لكننّي قرأته بهدوءٍ وتروٍّ لأنني عددته بحثاً علميّا ووثيقةً
تاريخيّةً، يؤرّخ فيها رجل عالمٌ لشيخه وشيخنا العالم، فأعطيت الكتابَ من وقتي
ثلاثةَ أيّام تقريباً!
في صفحات الكتاب التي بلغت (256) صفحةً، لم أقفْ
على صفحةٍ واحدةٍ، ذكرَ فيها الدكتور محمدَ سعيداً، أو والده ملّا رمضان قال فيها «د.
موسى» رحمه الله تعالى، أو رضي الله عنه، أو حتى غفر الله له، وأرجو أن أكون
مخطئاً!
خاصّةً وقد أقرَّ بعظمة لسانه باحترام وتقدير شيخنا
د. محمد سعيد، وولده د. محمد توفيق له، وأنه كان يعبّر عن حبّه له (ص: 16).
فما هذا الجفاءُ، وما ذاك الإعراض عمّن أحبّوك، ولا
أدري إن كان «د. موسى» كرديّاً أيضاً!؟
(4) في (ص: 52) قال «د. موسى»: وهو يتحدث عن أحداث
الدستور عام (1973): «واعتُقل في تلكم المظاهراتِ الشيخ سعيد حوّى ومروان حديد
الذي انشقّ عن الإخوان المسلمين؛ ليشكّل الطليعة المقاتلة» رحمهما الله تعالى.
أقول: كانت حادثة الدستور قبل ولادة «د. موسى» بستّ
سنواتٍ، ومع هذا فقد قرّر هذه المعلوماتِ، من دون الرجوع إلى أيّ مصدرٍ، وهو يعلم
أنّ شهادةَ التسامع «الإشاعة» لا قيمة لها عند الفقهاء!
- الشيخ سعيد حوى عام (1973) لم يكن يخرج في
مظاهراتٍ، بل أنا تلميذه لم أخرج في مظاهرةٍ البتّةَ!
إنما خرج طلّاب المدارس بمظاهراتٍ، بتوجيه الشيخ
سعيد حوّى، الذي تبنى فكرةَ مقاومةِ الدستور بكلِّ ما أوتي من قوّة!
أمّا الشهيد مروان حديد؛ فقد خالفه في الرأيِ، ولم
يرَ مسألةَ التنصيصِ على دين الدولة ودينِ رئيسها المتغلّبِ أمراً مهمّاً، وقال له
بحضوري: يا شيخ سعيد، هل أنتَ مقرٌّ بمشروعيّةِ رئاسة حافظ أسد وحزب البعث
العلماني الملحد للبلاد؟
قال له شيخنا سعيد: طبعاً لا شرعيّةَ له ولا لحزبه!
قال الشهيد مروان: إذا لماذا نشغلُ أنفسنا بالفرع
عن الأصل؟
وهبْ أنّه كتب في الدستور شرطَ أن يكون رئيس الدولة
مسلماً؛ فهل نستطيع أن نجهر بقولنا: العلويون ليسوا مسلمين؟
وإذا قلنا: ليسوا مسلمين، ماذا بأيدينا أن نفعل، ما
داموا حاكمين، ومسيطرين على البلادِ طولاً وعرضاً!
كان الشهيد مروان إذن معارضاً لشيخنا سعيد حوى
بيقينٍ، وكان رأيي موافقاً لرأي شيخي الشهيد مروان.
والشهيد مروان وشبابُه؛ لم يشاركوا في أحداثِ
الدستور هذه، ولم يُعتَقلْ الشهيد مروان في تلك المعركة الخاسرة، لكنّه توارى عن
الأنظار؛ لأنه كان مطلوباً بشدّةٍ، مع أنّه لم يَقُمْ بأيِّ مناهضةٍ في تلك
الأيام، وهذا مظهرٌ من مظاهر ظلم أجهزة الأمن المجرمة في بلادنا وغبائها!
والشهيد مروان؛ لم ينشقَّ عن جماعةِ الإخوان
المسلمين قطُّ، حتى يوم (29) حزيران (1975م) يومَ زاره المهندس فاروق طيفور بعد
صلاةِ العصرِ، وكنتُ عند الشهيد مروان في بيتِه، وأبلغه بأنّ الجماعةَ قرّرت فصلَه
من صفوفها، وتخلّت عن مساعدته حتى بالراتب الزهيد الذي كانت تصرفه له!
والشهيد مروان؛ لم يُسمّ جماعتَه بالطليعة المقاتلة
جزماً، إنما قادةُ مجموعاتِ الشيخ مَروان بعد استشهاده؛ هم الذين أسموا مجموعاتهم «الطليعة
المقاتلة للإخوان المسلمين» كما حدّثني بذلك الشهيد عدنان عقلة في مكة المكرمة، عام
(1982م).
- لا علاقةَ للإخوان المسلمين السوريين - من قريبٍ
ولا بعيدٍ - بحادثة المدفعيّة هذه بيقين!
إنّما كانت تصرّفاً من قبل مجموعة المهندس عدنان
عقلة، وهو كان على صلةٍ وثيقة بالنقيب إبراهيم اليوسف!
ولم يكن عدنان عقلة ولا إبراهيم اليوسف من جماعة
الإخوان المسلمين قطّ!
وأنا سألتُ عدنان عقلة قلت: هل التقيتَ شيخنا
الشهيد مروان؟ قال: لا لم ألتقه، ولكنّ الأخ حسني عابو التقاه، وأنا انضممتُ إلى
مجموعة حسني عابو.
وأؤكّد مرّة أخرى على ظلمِ الأجهزةِ الأمنية عندنا،
إذ تأخذ بأسلوب العنف الثوريّ الحقير، فتقتل وتعتقل وتعذّب على الشبهة والظنّ!
(5) في (ص: 95) تحت ترجمةِ «هل كان البوطي عضواً في
التنظيم» يقصد تنظيم الإخوان.
ذكر كلاماً تمهيداً لما في الصفحة التالية (96) إذ
قال: «على الرغم مما
يذكره الدكتور البوطي من تحذيراتِ والده من الانتماءِ لأيّةِ جماعةٍ، لا سيما
جماعةُ الإخوان المسلمين، وحرصه على عدم تسرّب أبنائه إليها، إلّا أنّ المعلومات
تؤكّد بأنّ الدكتور البوطي كان عضواً في تنظيم جماعة الإخوان المسلمين...» وذكر
عدداً من الذين أكّدوا هذه المعلومة، ومنهم الشيخ عبدالرحمن الباني، والأستاذ
فاروق بطل!
أقول: كان على «د. موسى» أن يذكر لنا مصدرَ هذه
المعلومةِ العجيبة الغريبةِ.
وظاهر كلامه
الواضح أنّه لم يسمع هذا الكلام من عبدالرحمن الباني ولا من فاروق بطل!
وحتى لو كان سمع منهما؛ فهذا كلامٌ غير دقيقٍ، بل
غير صحيح!
فأنا سألتُ شيوخي محمّد أديب الصالح، وسعيد حوّى
ومروان حديد، رحمهم الله تعالى: هل كان شيخنا الدكتور البوطيّ من الإخوان
المسلمين؟
جميعاً قالوا - كلٌّ على حِدَتِه - لا ليس من
الإخوان المسلمين!
قلت لشيخنا مروان: ما دامَ ليس من الإخوان
المسلمين، فلماذا تأمرنا بالسفر إلى دمشق لنحضرَ خُطبتَه، بل وتسافر أنتَ أيضاً،
إذا لم تكن مطلوباً أمنيّاً؟
فنظر إليّ بامتعاضٍ وتغيّر وجهه وقال: «هو الإسلام
الإخوانُ المسلمون» هذا الكلام عيب، بل لا يجوز!
ثم دَخْلَك مَن مِن شيوخ الإخوان المسلمين في حماة؛
تستسيغُ أن تحضرَ له خطبةَ جمعة؟
الإسلام أعظم وأكبر من أن ينحصر في جماعة الإخوان
المسلمين، هذه حزبيّة ضيّقة تقود إلى جعل المسلمين منازل وطبقاتٍ، وهم طبقةٌ
واحدةٌ وأمّةً واحدة، استغفرِ الله تعالى، ولا تَعُدْ إلى مثلها!
وأمّا الدكتور أديب الصالح، فعندما كان شيخنا
البوطي حريصاً على فصلي من جامعةِ دمشقَ، عام (1973) وكان وكيل العميد آنئذٍ؛
سألتُ الدكتور محمد أديب الصالح، وكنّا نعدّه مسؤول الإخوان المسلمين في الجامعة:
لماذا يُصرّ الدكتور محمد سعيد البوطيّ على فصلي من الجامعةِ، أليس المفترض العكس؟
أليس هو من الإخوان المسلمين؟
فقال لي كلاماً كثيراً، لا أستحسن ذكرَه، ومنه:
أبداً أبداً ليس من الإخوان المسلمين، ولا كان يوماً من الإخوان المسلمين!
أمّا شيخي وعمّي سعيد حوّى، فدار حوارٌ طويلٌ بيني
وبينه حِيالَ خروجِه من سوريّا عام (1978) وكنت معارضاً لخروجه هذا!
قلت له فيما قلت: أوليس بقاؤك في سوريّا بعد
الإفراج عنك ولقائك بحافظ الأسد؛ كان أنفعَ للأمة، من مطاوعتك للإخوان المسلمين،
الذين لا يحبّونك أصلاً؟
ألا ترى كيف استطاع شيخنا البوطي أن يتألّف قلبَ
حافظ الأسد، وينشئ في كلّ مدينةٍ، بل في كلّ قريةٍ مدرسةً أو معهداً للقرآن
الكريم؟
هل الشيخ البوطي أقدرُ منك علميّاً، أو أقدر منك
سياسيّاً، والله لأنت أقدر منه سياسيّاً بألف مرّةٍ على الأقلّ، ولا أظنّك دونه
علميّاً بأيّ فرعٍ من فروع المعرفة!
أطرقَ شيخُنا سعيد، وهزّ رأسَه عدّةَ مرّاتٍ وقال: إخوانُك
أجبروني يا أبا محمود، إخوانُك أجبروني، والتوفيق من الله تعالى (ليقضيَ الله
أمراً كان مفعولاً)!
قلتُ له: ولماذا لم يجبروا الشيخ محمد سعيد رمضان -
وأنا قصدتُ هذا قصداً - فقال:
ليس للإخوانِ سلطان على الدكتور البوطي، حتى يلزموه
أو يجبروه!
قلت: أليس هو من الإخوان المسلمين؟
قال: لا لا أبداً أبداً، الدكتور البوطي لم يكن
يوماً في جماعة الإخوان، وهو في غاية الخضوع والانقيادِ والطاعةِ لوالده شيخنا
ملّا رمضان، وقد كان ينهانا رحمه الله تعالى عن الانتساب لأيّ حزبٍ، فكنّا نقول في
أنفسنا: مشايخنا لا يزالون على عقليتهم أيّام تركيّا، يخافون من شرطيّ في مخفر
الحيِّ القريب، والحقيقةُ أنهم كانوا ينظرون بنور الله تعالى.
(6) وفي (ص: 97 - 98) قال «د. موسى»: «وأمّا فيما
يتعلق بأبنائه؛ فلا يمكن تأكيد انتماء أحدٍ منهم إلى جماعةِ الإخوان المسلمين، غير
أنّ ممّا يمكن تأكيدُه هو أنّ ابنه الأكبر «محمد توفيق» ... كان معجباً بشدّةٍ في
شبابه بالشيخ مروان حديد، أحد أبرز الشخصيات الإخوانية في سوريا، وكان كثيرَ
الزيارةِ له، مواظباً على لقائه، وغالباً ما كانت هذه اللقاءات تتمُّ خُفيةً عن
أبيه الدكتور البوطي»!؟
أقول وبالله التوفيق: صحبتُ شيخنا الشهيد مروان
صحبةَ مداومةٍ، وأعدّه أكبرَ الشيوخ الذين أثّروا في تربيتي وتكويني، وهو أكثر من
قرأتُ عليه من الشيوخ في حماة، إذ قرأت عليه سبعةَ كتبٍ منها كفايةُ الأخيار في
الفقه الشافعيّ!
ودامت صحبتي له، والتزامي بالتلمذة عليه من بداية
شهر نيسان (1964) حتى تاريخ (3/ 11/ 1974م) في ليلة الرابع من هذا الشهر؛ صاح
عليّ، ورفعت صوتي في حضرتِه، واختلفنا، وتركت العملَ معه تماماً.
بيدَ أنّ زياراتي له وتفقّدي إيّاه لم ينقطع أبداً،
حتى غادرت سوريّا إلى ليبيا في مطلع (1975).
وفي (27) حزيران، عام (1975) طلبَ أن أزورَه أنا
وزوجتي، إذ كانت زميلةَ زوجتِه في الدراسةِ، وقال لي: مضى عليها ثلاثةُ أشهر، أو
أربعةُ أشهر لم تر امرأةً - أو كلاماً كهذا - فتفضّلوا عندنا، ولمّا يحين موعدُ
سفركم إلى ليبيا؛ تغادرون من بيتنا إلى المطار!
قدمنا من حماة عقب صلاة العصر من يوم الجمعةِ،
وبقينا معهم في بيتهم حتى صباح الإثنين (30) حزيران، حيثُ داهمت قوّة أمنيّةٌ
الشقّةَ، واعتقلت الشهيد مروان، ومَن في البيت، وكنت خارجَ البيت أحضر لوازم
الفطور، فأنجاني الله تعالى من الاعتقال.
طيلة هذه السنوات؛ لم أشاهدْ الدكتور محمد توفيق مع
الشهيد مروان قطّ، ولم أسمع شيخنا مروان ذكرَه على لسانه أبداً!
بل إنّه في يوم الجمعة ذاته؛ شكا لي كثيراً من
الدكتور محمد سعيد، وحدّثني بقصّة طويلةٍ جرت بين شيخنا الدكتور محمد سعيد وأخينا
الشهيد عربي جوهر!
وحدّثني أن شيخنا البوطي شتمَ وانتقص من قدر شيخنا
مروان، وقال عنه: متسرع وجاهل و و و!
وختم كلامه بقوله: سبحان الله العظيم، تجد الإنسان
عالماً وخطيباً وأديباً، وإنّه ليخاف من خيالِه، بل كلّ مشايخنا كذلك وللأسف!
أنا أتكلّم عن تجربة دامت أحدَ عشر عاماً مع الشهيد
مروان رحمه الله تعالى، وكلّها قبلَ أن يولد «د. موسى» بسنواتٍ، فليتَه وثّق
كلامَه بمصدر، وإلّا فكلامه ههنا قبض الريح!
(7) في (ص: 99) قال «د. موسى»: «كانت خصومةُ
الدكتور البوطي لجماعة الإخوان المسلمين في مرحلة ما بعدَ الثمانينات؛ أشدّ من
خصومته للسلفيّة «الوهّابية» ولكنّ انفصام عرى العلاقة التنظيميّة وتحوّلها إلى
حالةٍ من العداءِ المتبادَل؛ لا ينفي أنّ هناك علاقةً فكريّةً وتداخلاً منهجيّاً
قويّاً بين الدكتور البوطي وجماعة الإخوان المسلمين» وفي الصفحة التالية (100)
ترجم «د. موسى» (العلاقة الفكرية بمدرسة الإخوان المسلمين).
أقول: هذه الفقرة تستحقّ توضيحاً على وجهٍ خاصٍّ:
(أ) لم يكنْ أحدٌ من الإخوان المسلمين يخاصم
الدكتور محمد سعيد، قبل إعلانِ الإخوان المسلمين مناهضتهم المسلحة للنظام في عام
(1979) وهو العام الذي ولد فيه «د. موسى».
كما لم يكن الدكتور محمد سعيد قبل هذا الإعلان
يخاصم الإخوان المسلمين البتّة، إنما كان له عتبٌ على بعض شخصيّاتهم!
والدكتور محمد سعيد كان يفرّق تماماً بين الإخوان
المسلمين المسالمة، وبين جماعة الشيخ مروان التي كان يحذّر من شيخها منذ العام (1964).
حدّثني شيخي مروان أنّ الدكتور البوطي التقى به عقب
جنازة شيخنا محمد الحامد، عام (1969) وحذّره تحذيراً شديدَ اللهجة، وقال له ما
معناه: «اتّقِ الله
تعالى بشبابك والشباب الصغار الذين حولك من أن يكون خراب سوريّا على أيديكم!
الحكام على مدى تاريخِنا؛ لا يخافون الله تعالى،
ولا يعرفون لغةً سوى لغة البطش والقتل»!
هذا يعني أنّ أوّل خطأٍ ارتكبه الإخوان - في نظر
شيخنا الدكتور محمد سعيد، وفي نظري أيضاً - هو إعلانهم مناهضةَ النظامِ عسكريّا،
وهم ليسوا في العير ولا في النفير، وليس لديهم مشروعٌ عسكريٌّ مطلقاً، إنما هم
حركة دينية سياسيّة، تؤمن بالديمقراطيّة وصناديق الاقتراع!
وهم حتى عندما أعلنوا هذا الإعلانَ المشؤوم عليهم؛
لم يكن لهم أثرٌ في الصراع، سوى الإعلام!
ولقد التقيت الأستاذ عدنان سعد الدين في الكويت، في
آب (1978) وجرى بيننا مشادّةٌ حاميةٌ، انبرى أحد كبارِ الإخوانِ السوريين المقيمين
في الكويت مدافعاً عن الأستاذ عدنان قائلاً: يا أبا محمود الله يرضى عنك، جماعةُ
الإخوان ليست حركةً عسكريّة، بل نحن لم نضع فكرةَ الجهاد والصراع في بالنا أبداً،
لا اليوم ولا أمس ولا غداً.
فاستوقفه الأستاذ عدنان قائلاً: لا لا يا فلان،
الأمر ليس كذلك، فكرة الجهاد لا يجوز أن تغيب عن بال المسلم، لكن ليس هذا وقتها،
حماةُ ليست خارجَ سوريّا، وسوريّا ليست خارج العالم، نحن كجماعة نؤمن بأنّ الجهاد
فريضةٌ، لكنْ توقيت الجهاد، وتوجيهه لم يحن بعد!
قلت له أنا: متى يحين موعده إذن؟
قال: ربما بعد خمسة عشر عاماً، وربما بعد عشرين،
الله تعالى أعلم!
هذا يعني أنّ النظام في سوريّا؛ هو الذي عمّمَ صفةَ
العسكرةِ على جماعة الشهيد مروان وعلى جماعة الإخوان المسلمين، وعاملهم بأقسى ما
تكون معاملة الأنظمة الفاشيّة لرعاياها؛ ما اضطرّهم إلى إعلان الجهادِ ضدّه، وليس
لديهم أدنى استعدادٍ لذلك أصلاً، سوى الجعجعة الإعلاميّة!
أنا لا أدري ربما يُغضب كلامي هذا الإخوانَ
السوريين، لكنْ هذه هي الحقيقةُ التي ألقى الله تعالى عليها.
والدكتور البوطي؛ لم يكن من الإخوان ساعةً واحدةً
في حياته، فيكون كلامه «لكنّ انفصام عرى العلاقة التنظيميّة وتحوّلها إلى حالةٍ من
العداءِ المتبادَل...» كلامٌ لا صحّة له على الإطلاق، وعدم خصومة الدكتور البوطي
للإخوان قبل هذا التاريخ؛ لأنّ أكثرهم - وأنا منهم - كانوا تلامذتَه، ومنهم من
يأتي من دير الزور ومن حلب ومن حماة وغيرها؛ ليحضر خطبةَ الجمعةِ له، أو ليحضر
دروسه، حتى الشهيد مروان نفسه!
وليست علاقته الفكريّة بالإخوان المسلمين ناتجةً عن
انتظامه في الإخوان، لا أبداً أبداً!
إنما فكره وفكر قيادات الإخوان وفكري وفكرك أنت؛ منبثقٌ
من العقائد السنيّة والفكر السنيّ!
إذْ لا يختلف فكر الإخوان المسلمين عن فكر
الأشعريّة والماتريدية بشيءٍ البتّةَ، باستثناء مسألة الخروج على الحاكم الفاسق
الظالم.
ختاماً: ثمّة نقاطٌ عديدةٌ، كنت أرغب أن أوضحها
تعقيباً على كتاب الدكتور محمد خير موسى!
لكنّ المنشورَ طال، وصرفُ وقتي إلى ما أنا منشغلٌ
فيه أولى!
ولعلَّ لي عودةً ثانيةً بعد حينٍ، والله المستعان.
رَبَّنا: ظَلَمْنَا أَنْفُسَنا، وَإِنْ لَمْ
تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنا؛ لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ
هذا..
وصلّى اللهُ على سَيّدنا محمّدِ بن عبدِالله، وعلى آلِه وصحبِه وسلَّمَ تَسْليماً.
والحَمْدُ
للهِ عَلى كُلِّ حالٍ.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق