مَسائِلُ مِن الفِقْهِ والأُصولِ (10):
صِفةُ الطَهارةِ الكُمْلَى !؟
بسم الله الرحمن الرحيم
(رَبَّنَا: عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا، وَإِلَيْكَ
أَنَبْنَا، وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ.
رَبَّنَا: لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلَّذِينَ
كَفَرُوا، وَاغْفِرْ لَنَا.
رَبَّنَا: إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ).
(رَبَّنَا: افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا
بِالْحَقِّ، وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِين).
كتب إليّ أحد الإخوة الأفاضل يطلبُ مني منشوراً يصف
صلاة أهل البيت عليهم السلام، وأنا أعلم أنه لا يوجد في كتب أهل السنةِ شيئاً يخصّ
صفةَ صلاة آل البيت، فلم يكن علم وفقه آل البيت في القرون الأولى، من اهتماماتِ
أهل السنّة على الإطلاق!
فأخبرته
بذلك، فطلب أن أصف له كيف أصلي أنا الفقير عداب.
أقول وبالله التوفيق:
من المناسب أن أقول: إنني منذ خمس سنواتٍ في حال
ضعفٍ جسمانيّ كبيرٍ، فليس من المناسب أن أصف صلاةَ الشيخوخة للشباب، لكنّني سأصفها
على كلِّ حالٍ لأكون أبعدَ عن الرياءِ والتسميعِ، نعوذ بالله تعالى من ذلك!
الطهارة الصغرى:
جميعكم يعلم كيف يغتسِل من الجنابةِ، وكيف يتوضّأ
وضوءَه للصلاة، إنّما أحبّ التأكيدَ هنا على الاستنزاه من البول، قبل الشروع بأيٍّ
من الطهارتين!
قرأت لأحدِ المثقفين كلاماً مفادُه أنّ الإنسان ليس
مطالباً بالاستنزاه من البول، إنما عليه أن ينتظر حتى يشعر بأنّ المثانةَ قد فرغت،
فيقوم بصبّ الماء على قضيبه وما أصابَه البولُ من محاشمه، ثم يقوم فيتوضّأ!
يقول هذا المثقف: وهو ليس مطالباً بأن يُخرج ما في
قضيبه من البول، وهذا من أغرب ما سمعتُ في حياتي من فقه!
في مجتمعنا الأُسريّ، لا يعلّمنا الوالدان شيئاً من
أمورِ الطهارة، فضلاً عمّا هو أكبرُ؛ لأنهم يستحييون من ذلك، إنما يلفتون أنظارَ
مشايخنا ليعلّمونا ما يستحيي آباؤنا من تعليمنا إيّاه.
وقد علّمني سيّدي وشيخي الشريف عارف النوشيّ
السبسبيّ دقائقَ الطهارة، وأنا في سنّ الخامسةِ، وربما قبلَ ذلك، لكنّه ظلّ يؤكّد
عليها ويذكّرني بها حتى السابعةِ من عمري!
كنتَ في صغري حادَّ المزاج جدّاً، وكانت ذاكرتي
قويّةً، تقرب من جهاز التسجيل، فكنت أتضايق من تكرار أيّ شيءٍ، حتى تكرار آياتِ
القرآن العظيم ليحفظها التلامذة الصغار في الخامسة والسادسة.
فذكّرني مرّةً بفروض الطهارة وآدابها، فاعترتني
الحدّةُ، وقلت له: يكفي شيخي، في كلّ حين تذكّرني بما يُقرِف، واللهِ مللتُ من هذه
القصّة!
فسردت عليه فروضَ الطهارة وآدابَها التي علّمني
إياها، وقلت له: أتراني حفظتُ؟
قال: أنا أعلم أنك حفظتَ، لكنني أخاف عليك من
النار، وعذاب القبر؟
قلت له: ما علاقة النار وعذاب القبر بالبول والغائطِ،
والطهارة منهما؟
قال: أمّا عذاب النار؛ فلأنّ من لا يستنزه من بوله؛
لا صلاةَ له، فيلقى الله تعالى وفي ذمّته صلوات عمره، وأمره إلى الله تعالى، إن
شاء سامحه، وإن شاء عذّبه.
وأمّا عذاب القبر؛ فقد مَرَّ سيدنا رسول الله صلّى
الله عليه وآله وسلّم على قبرين في مقبرة البقيعِ بالمدينة المنوّرة، فشاهدهما، أو
أوحي إليه أنّهما يعذّبان في قبريهما، فقال لمن معه:
أمّا أحدهما؛ فكان لا يستنزه من بوله.
وأمّا الآخر؛ فكان يمشي في النميمة!
فهمت لماذا؟
قلت له: ماذا تعني كلمة (يستنزه)؟
قال: عند الفقهاء العلماء: الاستنزاه والاستبراء.
أمّا الاستنزاه؛ فهو يعني الاطمئنان إلى انتهاء رشح
البول، وذلك بأن يمسح الرجل قضيبه بيسراه، بهدوءٍ ولين، ثم يمسح رأسَ ذكره بمنديل
صغير، ويعيد ذلك ثلاثَ مرّاتٍ، فإذا اطمأنّ إلى أنه لم يعد في الإحليلِ شيءٌ؛ صبّ
الماء باقتصادٍ حتى يطهر المكان ويتنظّف تماماً، وهذا يسمّى الاستبراء، يقولون: «طلبُ
براءة المخرج».
لقول أمّنا السيّدة عائشة رضي الله عنها للنساء
المسلمات: (مُرنَ أزواجَكنَّ أنْ يستطيبوا بالماء - فإنّي أستحييهم - فإنّ رسول
الله صلّى الله عليه وآله وسلّم كان يفعله) أخرجه جمع من العلماء، والترمذيُّ (19)
وقال: حديث حسن صحيح.
وفي رواية عند الإمام أحمد في المسند (24639) قالت:
(مُرْنَ أَزْوَاجَكُنَّ يَغْسِلُوا عَنْهُمْ أَثَرَ الْخَلَاءِ وَالْبَوْلِ،
فَإِنَّا نَسْتَحْيِي أَنْ نَنْهَاهُمْ عَنْ ذَلِكَ، وَإِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَفْعَلُهُ) ويجب عليه عدم الإسراف. هذه الرواية
من عندي للتوضيح.
قال شيخي: الماء هو الماء المعروف، والحجَرُ لم
يعُدْ يُستعمَل، إذ صار في بيوت الناس مراحيضُ، فصار الناس يستعملون مناديل الورق،
الزهيدةَ الثمن» انتهى كلام شيخي.
أحببت التوكيدَ على هذه المسألةِ لأنني سعمتُ عدداً
من تلامذتي يقولون: إنّهم لم يسمعوا بهذه الكيفيّة من الاستنزاه والاستبراء في
بيئاتهم، إنما يكتفون بصبّ الماءِ.
ولن أناقشَ أنا ههنا المسألةَ هذه، أهي على الوجوبِ
أم الندب، لأنّ مطلوبَ الإخوة أن أصفَ لهم صلاتي، وأنا أقوم بذلك، وأذهب إلى وجوب
الاستنزاه، وسنيّة الاستبراء السابقِ ذكرهما.
وإلى منشورٍ تالٍ جديدٍ، نوضح فيه صفة الصلاة
الكُملى، من وجهة نظر الفقير عداب.
والله تعالى أعلم
(رَبَّنا: ظَلَمْنَا
أَنْفُسَنا، وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنا؛ لَنَكُونَنَّ مِنَ
الْخَاسِرِينَ).
هذا.. وصلّى الله على
سيّدنا محمّد بن عبدالله، وعلى آله وصحبه وسلّم تسليماً.
والحمد لله على كلّ حال.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق