مَسائِلُ مِن الفِقْهِ والأُصولِ (5):
مِقْدارُ زكاةِ الفِطْرِ ؟!
بسم الله الرحمن الرحيم
(رَبَّنَا: عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا، وَإِلَيْكَ
أَنَبْنَا، وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ.
رَبَّنَا: لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلَّذِينَ
كَفَرُوا، وَاغْفِرْ لَنَا.
رَبَّنَا: إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ).
(رَبَّنَا: افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا
بِالْحَقِّ، وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِين).
سألني عددٌ من الإخوةِ عن مقدار زكاةِ الفطر، وعن إخراج
قيمتها، وعن موعد إخراجها.
أقول وبالله التوفيق:
أخرج البخاريّ (1503) واللفظ له، ومسلم (986) من
حديث عبدالله بن عمر، رضي الله عنهما قال: (فَرَضَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَكَاةَ الْفِطْرِ صَاعاً مِنْ تَمْرٍ أَوْ صَاعًا مِنْ
شَعِيرٍ، عَلَى الْعَبْدِ وَالْحُرِّ وَالذَّكَرِ وَالْأُنْثَى وَالصَّغِيرِ
وَالْكَبِيرِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَأَمَرَ بِهَا أَنْ تُؤَدَّى قَبْلَ خُرُوجِ
النَّاسِ إِلَى الصَّلَاةِ).
وأخرج البخاريّ (1506) ومسلم (985) من حديث أبي
سعيدٍ الخدريّ قال:
«كُنَّا نُخْرِجُ زَكَاةَ
الفِطْرِ صَاعاً مِنْ طَعَامٍ، أَوْ صَاعاً مِنْ شَعِيرٍ، أَوْ صَاعاً مِنْ تَمْرٍ،
أَوْ صَاعاً مِنْ أَقِطٍ، أَوْ صَاعاً مِنْ زَبِيبٍ» وقد اختلف العلماء في تقدير الصاع
بالغرامات المعاصرةِ، بما لا فائدة من سرده في نظري، والذي أميل إليه قولُ من قال:
إنّ الصاعَ يساوي ثلاثةَ كيلو غرام من قوت البلد.
فإذا كان غالب قوتِ البلد القمحَ؛ فيفضل إخراج
القمح، ويجوز إخراج البرغل والرزّ والشعير واللبن المجفّف «الأقط»
ونحن في بلدنا نسمّيه «الهقط» وفي الأردنّ وفلسطين يسمّونه «الجميد» كما يجوز
إخراج التمر والزبيب.
بيد أنّ مما ينبغي ملاحظتُه؛ أنّ قِيَمَ هذه
الأطعمةِ كانت متقاربةً في زمان الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم، أمّا اليوم؛
فالوضع يختلف تماماً.
فصاع البرّ (3 كيلو غرام) قيمته في استانبول
اليوم في حدود (45) ليرة تركية في الحدّ الأعلى، بينما قيمة (3 كيلو غرام) من
التمر الجيد أو الرطب؛ قد تزيد على (200) ليرة تركية، وأنا الفقير معتادٌ على
تناول الرطب السعوديّ في رمضان، فاشتريت علبةً فيها (500 غ) بخمسٍ وستّين ليرة
تركيّة، وعلى المزكّي أن يراعيَ الوسطَ ممّا يأكلُ ويطعم أهله.
كما أنّ عليه الموازنة بين إخراج زكاةِ فطره إن
كان في المدن الحاضرة، أوالأرياف، أوالبوادي!
فأنت إذا أعطيت زكاة فطرك من القمح أو الشعير
لفقير في استانبول؛ فلن يكون لديه امرأة تحسن صناعةَ الخبز في معظم الأحيان.
وإذا كنت ترغب بإخراج البدل النقديّ في بلدك؛
فعليك أن تراعي مصلحةَ الفقيرِ في ذلك، بمعزلٍ عن تقديرِ وزارة الأوقاف لمقدار
زكاة الفطر.
وخروجاً من الخلافِ بين الأحزابِ المتطاحنة
أمسِ واليومَ وغداً؛ فأنصحك أخي المسلم أن تخرج زكاة فطرك من الأرزّ الفاخر، أو
التمر، وقيمتها من النقدِ معاً، فهذان الصنفان يحتاجهما جميع المسلمين اليوم!
وكلّي أملٌ بمن وسّع الله تعالى عليه؛ أن يوسّع
على فقراء أمتّه، خاصّةً في ظلّ ظروفِ تركيّا وسوريّا، بعد الزلازل الكارثيّة التي
أصابتنا.
ومن باب القُدوةِ بالفعل، ومن باب التحدّث بنعمة
الله تعالى؛ أقول لكم: إنني أخرجت زكاة فطري لهذا العام (200) دولار، طلبت من ولدي
أن يحوّلها إلى محافظة إدلب ليشترى بها هناك أرزّاً وتمراً، وتوزّع على المعوزين
هناك، صباح يوم السابع والعشرين من رمضان، وهذه قدرتي الآن، والحمد لله ربّ
العالمين.
بيد أنني أحبُّ أن أرويَ لكم قصّةَ أكبرِ زكاة فطرٍ
أخرجتها في حياتي، كانت في أواخر عام (1995) أو في الشهر الأوّل من عام (1996) عقب
رفضِ اللجنةِ الناصبيّة الجاهلةِ أطروحتي للدكتوراه!
كان رفضُ أطروحتي عاراً على لجنة المناقشةِ
بأكملها، من دون شكٍّ، لكنه كان عقوبةً لي من وجهٍ آخر!
عَقِبَ طردي من السعودية - بسبب موقفي الرافضِ
لاستقدام القوات الأجنبية لحرب العراق - أكرمني الله تعالى بكراماتٍ، لم أكنْ
أنتظرها، ولم يكن يخطر على بالي أنني أهل لها، والله!
بيد أنّ سيّدي وجدّي عزّ الدين أحمد بن نُعيم - جدّ
السادة النعيم - أمرني بأنْ لا أتكلَّم لأحدٍ بشيءٍ مما يفتح الله به عليّ، لكنّني
لم ألتزم ، فحذّرني، فلم ألتزم، ثمّ في بداية عام (1995) انقطع عني تماماً، وغاب
الكشف والفتح الذي أكرمني الله تعالى به، فتيقّنتُ أنني سأعاقب، وكان العقابُ
المدوّي رفضَ أطروحتي للدكتوراه!
تَكفيراً عن هذا الذنب الروحانيّ الكبيرِ جدّاً
جدّاً؛ رغبتُ أن أتوب توبةً تطبيقيّة!
فاشتريت ثلاثة أطنان (3000) كيلو من الرزّ، وطِنّاً
واحداً من السكّر، وأربعين تنكةً من الدهن الحيواني الفرنسيّ - في غالب الظنّ -
وذبحتُ أربعين خروفاً قرباناً صالحاً للأضحيةِ، وقمتُ وقام معي طلّابي العراقيون،
وبعض طلّابي السوريين، ووزّعناها في أحياء بغداد الفقيرة!
والذي أختاره في إخراج زكاة الفطر أن يكون في ليلة
العيد، ولا بأس في تقديم إخراجها يوماً أو يومين، ولا أرى سوى ذلك!
في ليلة عيد الفطر؛ زارني كثيرٌ من الناس، فلم
يتسنّ لي أن أنام في الليل أبداً، وعليّ في الصباح أن أصلي الفجر بالناس، وأصلي
بهم صلاةَ العيد، لكنني ضعفت، وصلّيت الفجر في البيت!
غفوتُ بعد صلاة الفجر عدّة دقائق؛ فرأيت في المنام
أنني أركب بجوار سائقِ سيّارة «ونيت» وهو ذاهب بي إلى مزرعتي!
ما أن دخلنا شارع المزارع - كذا في المنام -
حتى قرأت على يميني لوحةً خشبيّة صغيرة مكتوباً عليها مزرعة عداب الحمش، وكانت
المزرعة جميعها شجرَ لوزٍ وزهره أبيضَ!
وقفت في الونيت أنظر إلى آخر المزرعةِ، والسائق
يسير بي، حتى قطع مسافةً طويلةً، ولم أستطع رؤية آخر المزرعة إلى جهة يميني، ولا
وصلنا إلى آخرها من جهة الشارع العام، واستيقظت!
توضّأت سريعاً، وغادرتُ إلى جامع المثنّى
المبارك، وعندما علوتُ المنبر؛ جاءني بكاءٌ شديدٌ من دون سببٍ ظاهر، فقصصت على
المصلّين الرؤيا، فنزلت السكينة على المسجد والمصلّين، وفاحت روائحُ العطور، وكثر
الباكون في ذلك اليوم!
ختاماً: أرجو أن توطّنوا أنفسكم إخواني
الأكارم؛ على أن لا تحاسبوا الله تعالى بالمكيال والميزان، وكونوا على يقينٍ من
قول رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: (ما نقص مال عبدٍ من صدقة، وما ظُلِمَ عبدٌ
مظلمةً فصبر عليها؛ إلّا زاده الله عزّاً) حديث صحيح.
(رَبَّنا: ظَلَمْنَا
أَنْفُسَنا، وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنا؛ لَنَكُونَنَّ مِنَ
الْخَاسِرِينَ).
هذا.. وصلّى الله على
سيّدنا محمّد بن عبدالله، وعلى آله وصحبه وسلّم تسليماً.
والحمد لله على كلّ حال.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق