مَسائِلُ حَديثيّةٌ (22):
حَجْمُ الأفرادِ المُطْلَقَةِ في الصَحيحَيْن !؟
بسم
الله الرحمن الرحيم
(رَبَّنَا:
عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا، وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا، وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ.
رَبَّنَا:
لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا، وَاغْفِرْ لَنَا.
رَبَّنَا: إِنَّكَ أَنْتَ
الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ).
(رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا
وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ، وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ).
ربّ كلامٍ أطلقُه، ويتعذّر ذكر أدلّته في المنشور؛
لطول تلك الأدلة وتكاليفها.
لكنني لا أكتُبه إلّا وأنا متحقّق تماماً مما أقول؛
لأنّ الأمر دينٌ، وليس خصومةً مع الصحيحين!
فيأتي أحد المتابعين، ويتفلسف، فيشكك بكلامي، أو
يرفضه، من دون أن يأتي بدليل، والقارئ الآخر قد يظنّ هذا المشكّك من أهل الاستقراء
التامّ في نقد الحديث، أو الرجال، فربما حدثَ لديه تضارب.
وأنا أحذّر أيّ واحدٍ، يتفلسف بمثل هذا أن أحظره،
وأحرمه الفائدة من صفحتي، المحرّر جميع ما فيها علمياً.
قلت في منشور سابق: «إنّ (90%) من الأحاديث
المروية؛ هي أحاديث أفراد مطلقة، لم
يرو أحدَها عن الصحابيّ المعروف، سوى واحدٍ من التابعين (وهذا تعريف الفرد المطلق).
وقد
تكون مشتهرةً في عصر التابعين، عن ذاك التابعيّ، وقد تكون غريبة في طبقة، أو
طبقتين أدنى!).
فانبرى أحد المعلقين يقول:
(ثم إن القول بأن أكثر الأحاديث مفاريد؛ دعوى عريضة
لا يُسلّم بها!
ولو تَطّلعُ
على صَحيح مُسلمٍ؛ سَترى عَكْسَ ذلك!
فتراه يخرّج في الباب الفقهي المعين أحاديثَ
متضافرة، من رواية عدة من الصحابة.
وعن كل واحد منهم عِدّةٌ من التابعين، فيكون الحديث
مشهوراً «باب الرضاع مثال».
وأنا بالطبع لا أنفي وجود المفاريد، لكنها ليست
بهذه الكثرة المزعومة).
هذا الكلام بهذه الصيغة التقريريّة؛ يشكّك أكثر
القرّاء بكلامي، ويظنّ كثيرون منهم أنّ الرجل محقّق فاهم، ويتحدّث عن علم وثيق!
ولذلك رأيت أن أنقل مدارات الأحاديث العشرة الأوائل
من تخريجاتي على صحيح البخاريّ، وأنقل مدارات الأحاديث العشرة الأوائل من مفاريد
مسلم، إذ لا حاجة بنا إلى تكرار المتفق عليه، إذ وافق مسلمٌ البخاريّ على (70%) من
أحاديث كتابه الصحيح تقريباً.
أوّلاً: تخريج الأحاديث العشرة الأوَل من صحيح
البخاري.
الحديث الأول:
مداره على يحيى بن سعيد الأنصاري، يرويه عن محمد بن
إبراهيم التيمي، عن علقمة بن وقاص الليثيّ، عن عمر، فهو حديث فرد مطلق غريب في أربع طبقات.
الحديث الثاني:
مداره على هشام بن عروة، يرويه عن أبيه، عن عائشة،
فهو حديث فرد مطلق غريب في ثلاث طبقات!
الحديث الثالث:
مداره على الزهريّ: يرويه عن عروة، عن عائشة، فهو
حديث فرد مطلق غريب في ثلاث طبقات.
الحديث الرابع:
مداره على أبي سلمة بن عبدالرحمن، يرويه عن جابر بن
عَبد اللهِ، فهو حديث فرد مطلق غريب في
طبقتين.
الحديث الخامس:
مداره على أبي موسى بْنِ أَبِي عَائِشَةَ، يرويه عن
سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ، عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، فهو حديث فرد مطلق غريب في أربع طبقات.
الحديث السادس:
مداره على الزهري، يرويه عن عُبَيْدُاللَّهِ بْنُ
عبدالله المسعوديّ، عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، فهو حديث فرد مطلق غريب في أربع طبقات.
الحديث السابع:
مداره عن الزهري، يرويه عن عُبَيْدِاللهِ بْنُ
عبدالله بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ، عن عبدالله بْنَ عَبَّاسٍ، عن أَبي
سُفْيَانَ، فهو فرد غريب في أربع طبقات.
الحديث الثامن:
إسناده صحيح مشهور عن عَبد اللهِ بن عمر، عن النبيّ
صلى الله عليه وآله وسلم.
يرويه عن عَبد اللهِ ستة من التابعين.
الحديث التاسع:
مداره على عَبْدِاللهِ بنِ دينارٍ، يرويه عَنْ أبي
صالِحٍ، عَنْ أبي هُرَيْرَةَ، فهو حديث فرد مطلق غريب في ثلاثِ طبقات.
الحديث العاشر:
مداره على عَبد اللهِ بن عمر بن العاص.
رواه عنه ستّة من التابعين، فهو مشهور عن عبدالله
بن عمرو.
ثانياً:
تخريج الأحاديث العشرة الأوَل من أفراد صحيح مسلمٍ.
الحديث الأول:
مداره على كَهْمَس بن الحسن، يرويه عَنِ عَبد اللهِ
بْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ يَحْيى بنِ يَعْمَرَ، عن عَبد اللهِ بن عمر، فهو حديث فرد
مطلق غريب في أربع طبقات.
الحديث الثاني:
مداره على حمّادُ بن زَيْدٍ، يرويه عَنْ مَطَرٍ
الوَرَّاقِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ بُرَيْدَةَ،
عَنْ يَحْيى بنِ يَعْمَرَ، عن عَبد اللهِ بن عمر، فهو حديث فرد مطلق غريب في خمس طبقات.
الحديث الثالث:
مداره على مَالِكِ بنِ أَنَسٍ، يرويه عن عَنْ أَبي
سُهَيْلٍ، عَنْ أَبِيهِ، عن
طَلْحَةَ بنَ عُبَيْدِ اللهِ، فهو حديث فرد مطلق
غريب في أربع طبقات.
الحديث الرابع:
مداره على سُلَيْمَانَ بن المُغِيرَةِ، يرويه عَنْ
ثَابِتٍ البنانيّ، أَنَسٌ، فهو حديث فرد مطلق غريب في ثلاث طبقات.
الحديث الخامس:
مداره على عَمْرُو بنِ عُثْمَانَ الطلحي، يرويه عن
موسَى بن طَلْحَةَ، عن أَبُي أَيُّوبَ الأنصاريّ، فهو حديث فرد مطلق غريب في ثلاث طبقات.
الحديث السادس:
مداره على عُبَيْدِاللهِ بنُ مُوسَى، يرويه عَنْ
شَيْبَانَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبي صَالِحٍ وَأَبِي سُفْيَانَ، عَنْ جَابِرٍ،
فهو حديث فرد مطلق غريب في خمس طبقات.
الحديث السابع:
مداره على سُلَيْمَانَ بنَ حَيَّانَ الأَحْمَرَ،
يرويه عَنْ أَبي مَالِكٍ الأَشْجَعِيِّ، عَنْ سَعْدِ بنِ عُبَيْدَةَ، عَنْ ابْنِ
عُمَرَ، فهو حديث فرد مطلق غريب في أربع
طبقات.
الحديث الثامن:
مداره على حَنظلةَ بْنِ أَبي سُفيانَ الجُمَحيِّ،
يرويه عن عِكْرِمَةَ بنَ خَالِدٍ، عن عبدِاللهِ بنِ عُمَرَ، فهو حديث فرد مطلق
غريب في ثلاث طبقات.
الحديث التاسع:
مداره على سَعيدِ بْنِ أَبي عَروبةَ، يرويه عَنْ
قَتادةَ، عَنْ أَبي نَضرةَ، عَنْ أَبي سَعيدٍ؛ فهو حديث فرد مطلق غريب في أربع طبقات.
الحديث العاشر:
مداره على يَزِيدَ بنِ كَيْسَانَ، يرويه عَنْ أَبي
حَازِمٍ الأَشْجَعِيِّ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ، فهو حديث فرد مطلق غريب في ثلاث طبقات!
أيها الأخ المتابع الكريم:
ليس كلامي وحياً، إنما هو علم نظريّ استدلاليّ، فقد
أخطئ، وقد أسهو، وقد أعتمد على الذاكرة، فتخونني، فمن حقّك أن تسأل، ومن حقك أن
تتحقّق، ثم تخطّئني.
لكن ليس من حقّك أن تتواقح وتتفلسف في صفحتي، وأنت
لست في العير ولا في النفير!
هذه عشرون حديثاً من الصحيحين، ليس فيها سوى حديثين
مشهورين عن الصحابيّ، وبقيّتها أفراد مطلقة في طبقتين وثلاث وأربع وخمس طبقات!
هذا علمنا، فمن جاءنا بأحسن منه؛ تركناه إلى علمه!
لكنْ من يشكّك بكلامي، ويطعن في صدقي؛ فهو أهون
عليّ من خَيطِ عنكبوت!
وحسبنا الله ونعم الوكيل.
واللهُ تَعالى أعْلمُ.
(رَبَّنا: ظَلَمْنَا أَنْفُسَنا، وَإِنْ لَمْ
تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنا؛ لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ).
هذا.. وصلّى الله على سيّدنا محمّد بن عبدالله،
وعلى آله وصحبه وسلّم تسليماً.
والحمد لله على كلّ حال.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق