مَسائلُ حَديثيّةٌ (60):
يجازى الناسُ على قدر عقولهم!؟
بسم الله الرحمن الرحيم
(رَبَّنا: عَلَيْكَ تَوَكَّلْنا، وَإِلَيْكَ
أَنَبْنا، وَإِلَيْكَ الْمَصيرُ.
رَبَّنا: لَا تَجْعَلْنا فِتْنَةً لِلَّذِينَ
كَفَرُوا، وَاغْفِرْ لَنَا.
رَبَّنَا: إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ).
(رَبَّنَا: افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا
بِالْحَقِّ، وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِين).
كتب إليّ أحدُ الإخوة الأفاضل يسألني عن حديث (إنما يجازى الناسُ على قدر عقولهم)؟!
أقول وبالله التوفيق:
بإسنادي إلى الإمام أبي بكرٍ عبدالله بن محمدٍ
البغدادي، المعروف بابن أبي الدنيا (ت: 281 هـ) في كتابه «العَقلُ وفضلُه» (10)
قال: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ السَّهْمِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا
دَاوُدُ بْنُ الْمُحَبَّرِ قَالَ: ثَنَا سَلَامٌ أَبُو الْمُنْذِرِ عَنْ مُوسَى
بْنِ جَابَانَ، عَنْ أَنَسٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قَالَ: (إِنَّمَا يَرْتَفِعُ النَّاسُ فِي الدَّرَجَاتِ، وَيَنَالُونَ الزُّلْفَى
مِنْ رَبِّهِمْ عَزَّ وَجَلَّ؛ عَلَى قَدْرِ عُقُولِهِمْ).
وبإسنادي إلى الإمام أبي محمدٍ الحارث بن محمد
البغداديّ، المعروف بالحارث بن أبي أسامة (ت: 282 هـ) في مسنده، كما في بغية
الحارث في زوائده على الكتب الستة (814) قال رحمه الله تعالى: حدّثنا داود بن
المُحبّر، بالإسناد السابق نفسه إلى أنسٍ قال: أَثْنَى قَوْمٌ عَلَى رَجُلٍ عِنْدَ
رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى أَبْلَغُوا فِي الثَنَاءِ
فِي خِلَالِ الْخَيْرِ!
قَالَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (كَيْفَ عَقْلُ الرَّجُلِ)؟
قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، نُخْبِرُكَ عَنِ
اجْتِهَادِهِ فِي الْعِبَادَةِ وَأَصْنَافِ الْخَيْرِ وَتَسْأَلُنَا عَنْ عَقْلِهِ؟
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: (إِنَّ الْأَحْمَقَ يُصِيبُ بِحُمْقِهِ أَعْظَمَ مِنْ فُجُورِ
الْفَاجِر.
وَإِنَّمَا يُرْفَعُ الْعِبَادُ غَدًا فِي
الدَّرَجَاتِ، وَيَنَالُونَ الزُّلْفَى مِنْ رَبِّهِمْ عَلَى قَدْرِ عُقُولِهِمْ).
وأورده ابن حجر في المطالب العالية (2786) من طريق
داود بن المحبّر.
وأورده السيوطيّ في زياداته على كتابه الموضوعات
(14) وابن عَرّاق في موضوعاته (85) والفِتّني في تذكرة الموضوعات (ص: 29)
والشوكاني في موضوعاته (ص: 412) وملّا علي القاري في موضوعاته (456) وغيرهم.
قال الحافظ ابن حجر في المطالب العالية (13: 725)
بعد أن ساق عدداً من الأحاديث في فضل العقل: «هَذِهِ الْأَحَادِيثُ مِنْ كِتَابِ
«الْعَقْلِ» لِدَاوُدَ بْنِ الْمُحَبَّرِ، كلها مَوْضُوعَةُ، ذَكَرَهَا الْحَارِثُ
فِي مُسْنَدِه عنه».
وداود بن المحبَر مصنّف كتاب العقل هذا؛ متّفق على
ضعفه!
قال البخاريّ في ضعفائه (110): مُنكر الحَدِيث شبه
لَا شَيْء كَانَ لَا يدْرِي مَا الحَدِيث!
وقال أبو زرعة في ضعفائه (2: 509): ضعيف الحديث.
وترجمه العقيلي في الضعفاء (458) ونقل عن ابن معين
قوله:
كان داود قد سمع الحديثَ في البصرة، فلما صار إلى
عبادان؛ صار مع الصوفية، فنسي الحديثَ وجفاه، فجعل يخطئ في الحديث!
وترجمه ابن حبان في المجروحين (326) وقال: «كَانَ
يضع الْحَدِيث عَلَى الثِّقَات، ويروي عَن المجاهيل المقلوبات، كَانَ أَحْمَد ابْن
حَنْبَل رَحمَه اللَّه يَقُول: هُوَ كَذَّاب».
ختاماً: هناك قاعدةٌ عامّة، ذكرها عددٌ من
المحدثين، يمكنك أن تطبّقها على أيّ حديث في «فضل العقل» خلاصتها: «لا يصحّ في فضل
العقل أيُّ حديثٍ».
والله تعالى أعلم.
(رَبَّنا: ظَلَمْنَا أَنْفُسَنا، وَإِنْ لَمْ
تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنا؛ لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ).
هذا.. وصلّى الله على سيّدنا محمّد بن عبدالله،
وعلى آله وصحبه وسلّم تسليماً.
والحَمْدُ للهِ على كلِّ حالٍ.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق