اجْتِماعِيّاتٌ (111):
فاطمةُ أم عائشة؟
بسم الله الرحمن الرحيم
(رَبَّنَا: عَلَيْكَ
تَوَكَّلْنَا، وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا، وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ.
رَبَّنَا: لَا تَجْعَلْنَا
فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا، وَاغْفِرْ لَنَا.
رَبَّنَا: إِنَّكَ أَنْتَ
الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ).
(رَبَّنَا: افْتَحْ
بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ، وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ).
سألتني إحدى بناتي
(طالباتي) قالت: ما الراجح لديك شيخَنا، أكان الرسولُ صلّى الله عليه وآله وسلّم
يحبُّ ابنته فاطمةَ عليها السلام، أم كان يحبّ عائشة رضي الله عنها أكثر؟
أقول وبالله التوفيق: لأنّ طالبتي أنثى؛ فلم أجبها على الخاص، وإليكم وإليها هذا الجوابِ العامّ!
مع تحفّظي على جميعِ
الأحاديثِ الواردةِ في فضائل الصحابة رضي الله عنهم، لكنني من النواحي الإنسانيّة
أقول:
أرى هذا السؤالَ ذاتَه غير
موضوعيّ أبداً!
إذ إنّهما حبّان لا
يتشابهان!
يقول علماء النفس
البيولوجيّ:
حبّ الزوج لزوجته حبٌّ
شهَويّ، وحبّ الزوجة لزوجها حبٌّ شهويٌّ أيضاً!
ومتى اشتهت الزوجةُ وصالَ
زوجها إيّاها، ولم ينتبه إليها؛ نفرت منه، وغضبت عليه، ونكّدت عليه يومَه أو
ليلته.
فإذا تكرّر هذا منه؛ كرهته،
وربما آذته، وطلبت الطلاقَ منه!
والزوجة الشابّةُ تقيسُ
مدى حبّ زوجها لها، بعددِ المرّاتِ التي يواقعها في كلّ أسبوع!
ثمّ تحسبُ منسوبَ الحبّ
بحساب العددِ، فتقول له: أنت اليوم تحبّني، أو لا تحبّني بهذا المعيار الثابت
عندها، غالباً.
ولعلّ هذا المعيارَ ذاتَه
كان معروفاً لدى الناس البدائيّين، ولدى الناس المتمدّنين على حدٍّ سواء، ومنهم
جيلُ الصحابة!
فقد أخرج الدارميّ في سننه
(80) وابن ماجه (1465) وصحّحه ابن حبّان في صحيحه (6586) وغيرهم، من حديثِ محمّد
بن إسحاق عن يعقوبَ بن عتبةَ، عن ابن شهابٍ الزهريّ، عن عُبيدالله المسعوديّ، عن
عائشة قالت: رَجَعَ إِلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
ذَاتَ يَوْمٍ مِنْ جِنَازَةٍ بِالْبَقِيعِ، وَأَنَا أَجِدُ صُدَاعًا فِي رَأْسِي،
وَأَنَا أَقُولُ: وَا رَأْسَاهُ!
قَالَ: (بَلْ أَنَا يَا
عَائِشَةُ، وَا رَأْسَاهُ) ثُمَّ قَالَ «يعني يمازحها»:
(وَمَا ضَرَّكِ، لَوْ
مِتِّ قَبْلِي، فَغَسَّلْتُكِ، وَكَفَّنْتُكِ، وَصَلَّيْتُ عَلَيْكِ، ثُمَّ
دَفَنْتُكِ)؟
قالت عائشة: قُلْتُ:
لَكَأَنِّي بِكَ أَنْ لَوْ فَعَلْتَ ذَلِكَ، قَدْ رَجَعْتَ إِلَى بَيْتِي،
فَأَعْرَسْتَ فِيهِ بِبَعْضِ نِسَائِكَ!
فَتَبَسَّمَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ بُدِئَ فِي وَجَعِهِ الَّذِي
مَاتَ فِيهِ ».
بروحي أفتديه.
فعائشة بفطرة المرأةِ؛ لم
يخطر في بالها شيءٌ ممكن أن يصنعه الرسولُ بعد وفاتها، سوى أن يستمتع ببعض نسائه!
نعم قد تشذّ بعض النساء عن
ذلك، فيكون لديهنّ معانٍ أعلى من الجنس، لكنّهن نوادر في النساء!
أيضاً كما يقول علماء
النفس، وكما هو معلومٌ من واقعِ حياة الناس.
أمّا حبّ البنتِ؛ فمختلف اختلافاً
بيّناً عن حبّ الزوجة، بل هو لا يشبهه إلّا بشعور العطف والشفقة والرحمة، الذي
يشعر به الرجل السويُّ تجاهَ كلّ امرأةٍ في الدنيا!
وشعورُ العطف والشفقة
والرحمة والخوفِ وأمنياتِ العافية والنجاح والسعادة، تجاهَ البنتِ؛ يَزيدُ أضعافاً مضاعفةً عنه تجاه الزوجة.
يعلم هذا الشعورَ الأبويَّ
كلُّ واحدٍ منّا، بوجهٍ عام!
أمّا أنا الفقيرُ إلى الله
تعالى؛ فقد أكرمني الله تبارك وتعالى بثماني بناتٍ، توفّيت إحداهنّ (ظِلال).
وأكرمني الله تعالى بأحدَ
عشر ولداً، توفّي خمسة منهم (محمّد الأوّل، خالد، أحمد، الحسين، زيد).
والبنت الواحدةُ من بناتي
أغلى من أحدَ عشر ولداً من أولادي، فضلاً عن زوجاتي اللواتي أحترمهنّ كثيراً.
وأظنّ جميعَ خلقِ الله
تعالى مثلي، ولا أظنّ رجلاً من الرجال يحبّ زوجته بمثلِ ما يحبّ ابنته!
ألا ترى أنّ الرجل المسلم قد
يختلف مع زوجته، وقد يختلف مع ابنته!
فإذا اشتدّ الخلاف بينه
وبين زوجته؛ فقد يطلّقها، ويسرّحها سراحاً جميلاً!
لكنْ مهما اشتدّ الخلافُ
بينه وبين ابنته؛ فإنّه لا يخطر في باله قطّ أن يسمح لها بمغادرة منزله يوماً
واحداً!
وهذا يعني أنّ حبّ الوالدِ
لابنته حبٌّ روحيّ وقلبيّ، وليس كذلك حبّ الرجل لزوجته!
وممّا لا ارتياب فيه أنّ
الحبّ الروحيّ والقلبيّ؛ هو الأرقى والأسمى!
أمّا الروايات التي ترويها
عائشة عن نفسها، من أنّ الرسولِ صلّى الله عليه وآله وسلّم كان يحبّها أكثرَ من
بقيّة زوجاته؛ فهذا ينطبق على كلّ امرأة لها ضرائر، إذ كلّ ضرّةٍ تحاول أن تقنع
نفسها بأنّها أحبّ نسوةِ الرجل إلى قلبه!
ولا ريبَ لديّ أبداً أنّ
مَن لم تؤذ الرسولَ صلّى الله عليه وآله وسلّم، من نسائه قطّ؛ هي أحبّ إلى الله
تعالى ممّن آذته مرّةً، أو مرّتين، أو عشرَ مرّات!
وأمّا حديث عمرو بن العاص،
وحديث أنس؛ فيحتاجان إلى تخريجٍ نقديٍّ خاصٍّ!
سأنشره في الوقت المناسب،
إن بقي في العمر متّسع لذلك!
والله حسبنا ونعم الوكيل.
(رَبَّنا: ظَلَمْنَا
أَنْفُسَنا، وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنا؛ لَنَكُونَنَّ مِنَ
الْخَاسِرِينَ(.
هذا.. وصلّى الله على
سيّدنا محمّد بن عبدالله، وعلى آله وصحبه وسلَّم تَسليماً.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق