مسائل فكرية (٤4):
مَنزلةُ
الصحابةِ في القرآن العظيم!؟
بسم
الله الرحمن الرحيم
(رَبَّنَا: عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا، وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا،
وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ.
رَبَّنَا: لَا تَجْعَلْنَا
فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا، وَاغْفِرْ لَنَا.
رَبَّنَا: إِنَّكَ أَنْتَ
الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ).
(رَبَّنَا: افْتَحْ
بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ، وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ).
سمعت كما سمع غيري؛ ما
ردّده ويردّده جهّالٌ سفهاءُ، من ألأم البشر وأحطّهم سلوكاً وحُمقاً، انتقاصاً
لأصحاب الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم!
وأنا لا أستغرب ذلك
لأمرين:
الأمر الأوّل: لأنّ
الطائفةَ التي ينتمي إليها أولئك الأوغاد؛ لا يحبّون أصحاب رسول الله صلّى الله
عليه وآله وسلّم قولاً واحداً!
وأحسنهم طريقةً؛ هو
المُبغِضُ الذي لا يجاهر ببغضِه، ولا يطيل لسانَه عليهم!
والأمر الثاني: أنّ أولئك
السفهاء الجاهلين؛ لا يقرؤون القرآن العظيم، وإذا قرأه بعضهم؛ فليس له في نفوسهم
ذاك الاحترام الرادع!
1- خاطب الله تعالى صحابةَ
الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم بأجمل نداءٍ وأعذب صفة: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ
آمَنُوا) تسعاً وثمانينَ مرّةً!
أفكان يخاطبُ الحمزة
وعليّاً وجعفراً، عليهم السلام، على مدى ثلاثٍ وعشرين سنّة؟
2- وصف الله تعالى صحابةَ
الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم بوصفين جميلين، فقال:
(مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ
وَالَّذِينَ مَعَهُ، أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ، رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ
تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا، يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللهِ وَرِضْوَانًا.
سِيمَاهُمْ فِي
وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ، ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ.
وَمَثَلُهُمْ فِي
الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى
عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ، وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ
آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا (29)
[الفتح].
3- عظّم الله تعالى شريحةً
من الصحابة رضوان الله عليهم، فسمّاها شريحةَ السابقين الأوّلين، فقال:
(وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ
مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ
رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي
تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ
(100) [التوبة].
هذا نصّ صريح واضح بأنّ
جمهرةً من الصحابةِ، من المهاجرين والأنصار؛ هم من السابقين، وليس عليّاً عليه
السلام وحدَه!
4- ميّز الله تعالى بين
المؤمنين والأعراب، فقال:
(سَيَقُولُ لَكَ
الْمُخَلَّفُونَ مِنَ الْأَعْرَابِ شَغَلَتْنَا أَمْوَالُنَا وَأَهْلُونَا
فَاسْتَغْفِرْ لَنَا؟
يَقُولُونَ
بِأَلْسِنَتِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ!
قُلْ: فَمَنْ يَمْلِكُ
لَكُمْ مِنَ اللهِ شَيْئًا، إِنْ أَرَادَ بِكُمْ ضَرًّا، أَوْ أَرَادَ بِكُمْ
نَفْعًا، بَلْ كَانَ اللهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا (11).
بَلْ ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ
يَنْقَلِبَ الرَّسُولُ وَالْمُؤْمِنُونَ إِلَى أَهْلِيهِمْ أَبَدًا، وَزُيِّنَ
ذَلِكَ فِي قُلُوبِكُمْ، وَظَنَنْتُمْ ظَنَّ السَّوْءِ وَكُنْتُمْ قَوْمًا بُورًا
(12) [الفتح].
فهناك مؤمنون مع الرسول
صلّى الله عليه وآله وسلّم، كانوا يقاتلون الكفّار، ويحمون الرسول والدين، وليس
عليّاً عليه السلام وحده!
5- إنّ علم الله تعالى
أزليّ أبديّ لا يتبدّل ولا يتغيّر، وقد أخبرنا في غير آيةٍ أنّه رضي عن الصحابة،
فقال:
(لَقَدْ رَضِيَ اللهُ عَنِ
الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي
قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا
(18) وَمَغَانِمَ كَثِيرَةً يَأْخُذُونَهَا وَكَانَ اللهُ عَزِيزًا حَكِيمًا (19)
[الفتح].
(إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا
وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ (7) جَزَاؤُهُمْ
عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ
فِيهَا أَبَدًا رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ
رَبَّهُ (8) [البيّنة].
هؤلاء أصحاب رسول الله
صلّى الله عليه وآله وسلّم في القرآن العظيم.
وهؤلاء أصحاب رسول اللهِ،
عند الإمام عليّ عليه السلام، في نهج البلاغة الأنيق (ص: 211):
«أَيْنَ الْقَوْمُ الَّذِينَ دُعُوا إِلَى
الاِسْلاَمِ، فَقَبِلُوهُ؟ وَقَرَأُوا الْقُرْآنَ فَأَحْكَمُوهُ؟ وَهِيجُوا إِلى
الْجِهَادِ فَوَلَّهُوا اللِّقَاحَ أَوْلاَدَهَا؟
وَسَلَبُوا السُّيُوفَ أَغْمَادَهَا، وَأَخَذُوا بِأَطْرَافِ الاَْرْضِ زَحْفاً
زَحْفاً، وَصَفّاً صَفّاً، بَعْضٌ هَلَكَ، وَبَعْضٌ نَجَا.
لاَيُبَشَّرُونَ
بِالأحْيَاءِ، وَلاَ يُعَزَّوْنَ عَنِ الْمَوْتَى، مُرْهُ الْعُيُونِ مِنَ الْبُكَاءِ، خُمْصُ الْبُطُونِ مِنَ الصِّيَامِ، ذُبُلُ الشِّفَاهِ مِنَ
الدُّعَاءِ، صُفْرُ الاَْلْوَانِ مِنَ السَّهَرِ، عَلَى وَجُوهِهمْ غَبَرَةُ
الْخَاشِعيِنَ، أُولئِكَ إِخْوَاني الذَّاهِبُونَ، فَحَقَّ لَنَا أَنْ نَظْمَأَ
إِلَيْهِمْ، وَنَعَضَّ الاَْيْدِيَ عَلَى فِرَاقِهمْ»!
لست
أدري - أيها الجهّال الحمقى - أيتحدّث الإمامِ عن نفسه، أم يتحدّث عن قومٍ صحبهم
وآخاهم في الله تعالى؟ أليسوا هم أصحابَ الرسول؟
رضي
الله عن أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، الذين صحبوه فأحسنوا صحبتَه،
ونصروه فأحسنوا نصرتَه، وواسوه بأنفسهم وراحتهم، ما استطاعوا إليه سبيلاً.
مجتمع
الصحابةِ؛ مجتمعٌ بشريّ، يتفاوتُ فيه البشر، في ذكائهم ونباهتهم وعلمهم وشجاعتهم
وتقواهم، فهم ليسوا كؤوساً للشراب، صُبّت على قالَبٍ واحدٍ!
فطبيعيٌّ
أن يحدثَ بينهم خلافٌ واختلاف، في فهمهم عن الله تعالى، وفي شؤون حياتهم الدنيا
على السواء!
والله
تعالى أخبرنا أنّ في ذلك المجتمع أناساً منافقين، وأناساً في قلوبهم مرضٌ، وأناساً
متشككين!
فهؤلاء
هم الذين صدرت عنهم عداوةُ آل الرسولِ صلّى الله عليه وآله وسلّم.
وليسوا
السابقين الأوّلين من المهاجرين والأنصار، وليسوا المخاطبين من الله تعالى بقوله:
(يا
أيها الذين آمنوا) وليسوا الذين رضي الله عنهم ورضوا عنه!
فما
كان الله ليقرّر رضاه عن قوم، ثم يبدو له، فيغيّر قرارَه، فليست هذه من صفات الله
تعالى ذي الكمالاتِ المطلقة، إنما هي من صفاتِ بعضِ البشر!
ختاماً:
إنني أعلم بأنّ كلامي هذا؛ لن يفيد رافضيّاً واحداً؛ لأنّ الله تعالى طمس على
قلوبهم، فهم لا يفقهون سوى الحقدِ واللؤم والضغينة!
إنّما
كلامي موجّه إلى شيعتِنا آلَ البيت، الذين جعل الله في قلوبهم الرحمةَ، وفي عيونهم
الدمعةَ، وهداهم إلى الصراط المستقيم.
أولئك
الذين خصّهم الله تعالى بقوله الخالد العظيم:
(وَكَذَلِكَ
أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ
وَلَا الْإِيمَانُ.
وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ
نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا، وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى
صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (52) صِرَاطِ اللهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا
فِي الْأَرْضِ، أَلَا إِلَى اللهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ (53) [الشورى].
والله تعالى أعلم.
(رَبَّنا: ظَلَمْنَا
أَنْفُسَنا، وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنا؛ لَنَكُونَنَّ مِنَ
الْخَاسِرِينَ(.
هذا.. وصلّى الله على
سيّدنا محمّد بن عبدالله، وعلى آله وصحبه وسلَّم تَسليماً.
والحمد لله على كلّ حال.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق