مِنْ عِبَرِ التاريخِ (15):
زيارَةُ الإمامِ الحُسَينِ
عليه السلام !؟
بسم الله الرحمن الرحيم
(رَبَّنَا: عَلَيْكَ
تَوَكَّلْنَا، وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا، وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ.
رَبَّنَا: لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلَّذِينَ
كَفَرُوا، وَاغْفِرْ لَنَا.
رَبَّنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ).
(رَبَّنَا: افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا
بِالْحَقِّ، وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِين).
كتب إليّ يقول: يجب عليكم معاشِرَ العلماءِ أن
تبيّنوا للناس بأنّ ما يدعوه الرافضة «زيارة الأربعين» وما يسوقونه من فضلِها؛
كلّه باطل، ما أنزل الله به من سلطان!
خاصّةً أولئك الجهّال الذين يعتقدون بأنّ ثوابَ
زيارَةِ الحُسَين أعظم من ثوابِ الحجِّ إلى بيت الله تعالى؟
أقول وبالله التوفيق:
لا يَقولُ بأفضلِيّة زيارةِ قبرِ الإمامِ الحسين،
عليه السلام عالمٌ من أهل السنّة، ولا عالم من الزيدية، ولا عالم من الإباضيّة،
إنّما هذه الزيارةُ خاصّةٌ بالشيعة الإماميّة!
وفي سالِفِ الأيّام وجدَ علماءُ الإماميّةِ ضرورَةَ
ابتداعِ أعيادٍ ومناسباتٍ وشعائرَ ومخالفاتٍ، للمحافظة على الطائفة، وهم يعلمون
أنّها ليست من الدين في شيء!
وأنا لا أشكّ في أنّ جميعَ كتب الزياراتِ كذبٌ
وافتراءٌ، وليس فيها نصّ واحد ثابتٌ عن أحدِ أئمةِ آل البيت عليهم السلام.
إذ لا يخفى على طالبِ علمٍ أنّه لا يوجد في
الإسلامِ حِدادٌ ممتدٌّ على مدار تاريخ البشريّة!
وأقصى إحدادٍ هو إحدادُ المرأةِ المتوفّى عنها
زوجها، وليس هو إحداداً للحزن والبكاء والعويل أبداً، إنّما هو إحدادٌ لبلوغِ
اليقينِ من براءةِ رحم المرأةِ من الحملِ، وحتى تتخلّص جميع أجهزتها ومشاعرها من
أيّ صلةٍ مع الزوجِ المتوفّى!
قال الله تعالى:
(وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ
ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ.
وَلَا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ
اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ.
إِنْ كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ
الْآخِرِ (228) [البقرة].
وقال الله جلّ وعزّ:
(وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ
أَزْوَاجًا؛ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا.
فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ؛ فَلَا جُنَاحَ
عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ، وَاللَّهُ بِمَا
تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (234) [البقرة].
استشهد ساداتنا الحمزة، وعبيدة بن الحارث، وجعفر بن
أبي طالب، في حياةِ الرسولِ صلّى الله عليه وآله وسلّم، وحزن عليهم الرسول، وواسى
أهلَهم، مثلما واسى أهاليَ غيرهم من شهداء الصحابةِ في حياة الرسول.
لكنْ لم يُنقَلْ إلينا أنّ الرسول صلّى الله عليه
وآله وسلّم جعل ذكرى وفاةِ أيِّ واحدٍ من الشهداءِ عيداً، يزورون فيه أولئك
الشهداء، ويمكثون عند قبورهم، ويجتمعون ثمّةَ يتلون أدعيةً مزعومةً ويعتقدون أنّ
تلك الزيارةَ مطلوبةٌ شرعاً، وأنّ ثوابَها يفوق ثوابَ الحجّ إلى بيتِ الله الحرام.
إنّ مقتلَ الإمام الحسين فاجعةٌ عظمى، من دون شكٍّ،
لكنّها ليست أعظمَ من وفاةِ الرسولِ صلّى الله عليه وآله وسلم، إذ إنّ الوحيَ قد
انقطع عن تسديد الأمّة وتربيتها بوفاته.
ومع هذا؛ فالمسلمون جميعاً، سنّةً وشيعةً؛ لا
يحتفلون بذكرى وفاة الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم، ولا بذكرى وفاةِ أيّ
صحابيٍّ من صحابةِ الرسول وأهل بيته.
إنّ الشيعةَ الإماميّةَ يرون «الإمامةَ» ركنٌ من
أركان الإيمان، بل يرونها أعظم أركانه، إذ لا يصحّ إيمان المسلم إلّا باعتقاده
بها.
وليس لديهم على هذا الركنِ آيةٌ قرآنيّة واحدة،
ظاهرة الدلالة عليها!
ومعنى أنّ الإمامةَ أهمّ ركنٍ من أركان الإيمان؛
أنّ بقيةَ الأركان لا تعرف إلّا عن طريق الإمام المعصوم!
وهذا يعني أنّ الجانب السياسيَّ في العقيدةِ
الإماميّة؛ هو الجانب الأهم في مذهبهم!
ولأجل أن يحافظوا على وحدةِ هذه العقيدةِ
السياسيّة؛ اخترعوا عقائدَ العصمةِ والإمامةِ والنصِّ والتعيين والرجعة والمهديّ!
ولك أن تستغرب أخي الفاضل، عندما تعلمُ أنّ الصلاةَ
والزكاةَ من أركان الإسلام، وهما دون أركان الإيمان مرتبة عند المسلمين، ومع هذا
تجد جملة (وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ) قد وردت في القرآن العظيم
مرات، فوردت في سورة البقرة: (43، 83، 110) وفي سورة النساء (77، 103) وفي سورة
الحجّ (78) وفي سورة النور (56) وفي سورة المجادلة (13) وفي سورة المزمّل (20).
ووردت بصيغة المضارعة (يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ
وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ) مرّاتٍ أيضاً، ووردت بصيغةَ (أَقَامُوا الصَّلَاةَ
وَآتَوُا الزَّكَاةَ).
لكنّ ركنَ الإمامةِ المزعومَ هذا؛ لم يرد فيه آيةٌ
قرآنيّة واحدة!
إنما وردت كلمة «الأئمّة» بمعنى القادة من
الأخيارِ، والقادة من الأشرار.
قال الله تعالى في وصف الأنبياء عليهم السلام:
(وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا
وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءَ
الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ (73) [الأنبياء].
وقال الله تعالى عن فرعونَ وقومه:
(فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي
الْيَمِّ فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ (40) وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً
يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ لَا يُنْصَرُونَ (41) [القصص].
وكما وصف الأنبياء بأنهم أئمّة وقادةٌ روحيّون؛ وصف
بعضهم بأنّه ملك!
قال الله تعالى:
(وَقَتَلَ دَاوُودُ جَالُوتَ وَآتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ
وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاءُ) [البقرة:251].
(وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ
سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا) [البقرة:
102].
ولو أنّنا نظرنا بعينِ الإنصافِ، بعيداً عن النصبِ
والرفضِ والعواطف، فأين العلومُ التي تدلُّ على إمامة سيّدنا الحسن، وسيّدنا
الحسين، بحيث يكونان أفضل حتى من الأنبياء جميعاً، سوى الرسول صلّى الله عليه وآله
وسلّم!
لم تَنْقُلْ كتبُ الشيعةِ، فضلاً عن كتبِ السنّة
أنّ الحسن والحسين كانا من أئمّة الصلاةِ، ولا من خطباء الجُمَع، ولا من المعلّمين
الرسميّين في مسجد المدينة!
وإمامتُهما هي إمامةُ قدوةٍ ذاتيّةٍ وسلوكٍ قويم،
في المجتمع الذي كانوا يعيشون فيه، ليس غير!
ولم يكن الشيعةُ يحتفلون بذكرى وفاة الإمام الحسن
عليه السلام!
حتى جاءَ العام (1444 هـ) الذي نحن فيه؛ رأوا من
المناسبِ أن يجعلوا يوم السابعِ من صفرٍ موعداً يحييون فيه ذكرى استشهادِ الإمامِ
الحسن، فيذهبون إلى النجف؛ ليعزّوا أمير المؤمنين عليه السلام بهذه الذكرى!
أيّ عقولٍ لدى هؤلاء القوم؟ لا أدري والله!
ختاماً: لا يثبتُ في فضلِ زيارةِ أيِّ قبرٍ من
القبورِ آيةٌ قرآنيّةٌ، تكافئ هذه الدعاوى المزعومة، ولا أيُّ حديثٍ صحيح صريحٍ!
وسأتناول في المنشور التالي نقداً علميّاً لكتاب
كامل الزيارات لابن قُولَويه القميّ (ت: 368 هـ) فهو أهمّ كتب الزيارات، عند
الشيعة الإماميّة، إن شاء الله تعالى.
(رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ
تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ).
هذا.. وصلّى الله على سيّدنا محمّد بن عبدالله،
وعلى آله وصحبه وسلّم تسليماً
والحمد لله على كلّ حال.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق