التَصَوُّفُ العَليمُ (20):
الدَعوةُ إلى عِمارَةِ القُبورِ وتشييدها!؟
بِسْمِ اللهِ الرَحْمَنِ الرَحيمِ
(رَبَّنا: عَلَيْكَ تَوَكَّلْنا، وَإِلَيْكَ
أَنَبْنا، وَإِلَيْكَ الْمَصيرُ.
رَبَّنا: لَا تَجْعَلْنا فِتْنَةً لِلَّذِينَ
كَفَرُوا، وَاغْفِرْ لَنَا.
رَبَّنَا: إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ).
(رَبَّنَا: افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا
بِالْحَقِّ، وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِين).
استمعتُ إلى إحدى القنوات الفضائية العراقية،
بتاريخ (16/ 9/ 2022) فوجدتُ شطرَ الحلقة موجّهاً إلى ضرورةِ إعمارِ ضريحِ
الصحابيّ الجليل، خادم الرسولِ صلّى الله عليه وآله وسلّم أنس بن مالك، في محافظة
البصرة!
وسمعتُ أحدَ المتواصلين مع القناةِ، يَبكي أو يكاد
يبكي على الخراب والإهمال الذي أصابَ ذاك الضريحَ، بسبب الحرب الأهليّة التي حدثت
في العراق، عافى الله العراق وأهل العراق، وسائرَ بلاد المسلمين، من الحروب كلّها.
وعدّ أحدُ المتواصلين مع القناةِ إعمارَ قبر أنس بن
مالكٍ تعظيماً لرسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم!
وعتبَ أحدُ المتواصلين - وهو ليس بعراقيّ - مع
القناةِ على الوقفِ السنيّ، لعدم قيامِه بواجبه تجاه ذلك القبر، وغيرِه من قبور بعضِ
آل البيت والصحابة والأولياء والصالحين.
ما يدلُّ على جهلٍ سابغٍ فاضحٍ لدى مدير البرنامج،
والمتواصلين معه، ممّن وصفهم بالعلماءِ والمفكرين، ولا والله ليسوا بطلبة علم،
فضلاً عن أن يكونوا علماء!
وألفتُ إلى أنّ أحدَ هؤلاء العلماء «كذا» وضعَ على
رسولِ الله صلّى الله عليه وآله وسلّم حديثاً، وعلى عمر بن الخطاب حديثاً آخر، اخترعهما في لحظته، ليس لهما وجود
حتى في كتب الموضوعات!
أعوذ بالله من شرّه!
وأنا أدعو دائرةَ الوقفِ السنيّ في كلّ مكانٍ؛ أن تقوم
حقيقةً بحمايةِ مراقدِ أئمة آل البيت والصحابة وكبار العلماء والأولياء والصالحين،
على النحو الآتي:
(1) إذا كان الضريحُ مشيّداً، مثلَ ضريح سادتنا أبي
حنيفةَ، وعبدالقادر الجيلاني، والجنيدِ البغداديّ، وعمر السهرورديّ، رحمهم الله
تعالى؛ فلتقتصر عنايةُ الوقف السنيّ على نظافة المراقد، وحمايتها من عَبث
العابثين، وتركها كما هي، حتى لا تُثارَ فتنةٌ لدى العوامّ، خاصّةً مع وجود
الحساسيّة الطائفيّة الجاهلةِ في العراق.
(2) إذا كان الضريح مهدّماً، ومهملاً، لأيّ سبب من
الأسباب؛ فالمطلوب من الوقف السنيّ تنظيفُ الضريحِ، وإزالةُ الركام ومخلّفات
البناء عنه، وإبرازُ ترابِه بوصفِه قبراً.
ويُحاطُ بسياجٍ من حديدٍ قويٍّ، يمنع من إلحاق الضرر
والأذى به، ويكتب عليه بخطّ واضح: «هذا قبرُ الصحابيّ
الجليل أنس بن مالكٍ الأنصاريّ، رضي الله عنه» مثلاً.
ثمّ يَستفيدُ الوقف السنيّ من الأراضي الكبيرةِ
المعدّةِ لتشييد ذاك الضريح، في عمارةِ مدرسة شرعيةٍ، أو دارٍ لتحفيظ القرآن
الكريم، أو أيّ مرفق دينيّ، تراه دائرة الوقف السنيّ مناسباً!
عندما كنت أعيشُ في العراق (1992 - 2002) بلغني
أنّ الرئيس صدّام حسين، رحمه الله تعالى، أمر بتخصيص (100) كيلو غرام، أو (1000)
كيلو غرام، من الذهب الخالصِ، لتزيين قبّة الإمام عليّ عليه السلام، أو أحدِ
الأئمة - نسيت! - وأقرأني مَن بلّغني هذا الخبر، التوجيهَ الرئاسيَّ في إحدى صحف
العراق!
فأرسلتُ إلى الرئيس صدام حسين رسالةً خطيّة
مضمونها:
السيد الرئيس صدام حسين المجيد:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
قرأتُ في الجريدة العراقية الفلانية أنّكم
خصّصتم كميّة معينة من الذهب الخالص؛ لتزيين القبّة المقامة على ضريح فلانٍ من
الأئمة - نسيت اسم الإمام كما قدمت -!
فإنْ كان هذا صحيحاً؛ فقد أخذ الله تعالى على
أهل العلم بيانَ الحقّ، ونصيحةَ أولي الأمر.
وإنّ عمارةَ القبورِ أكثرَ من شبرٍ واحدٍ؛ هي
حرام، ومنهي عنها في أكثر من خمسةِ أحاديث صحيحة، فكيف بهذه القِباب الضخمةِ، والأماكن
الواسعةِ التي تخصّص لهذه المراقد؟
أمّا تزيين هذه القبور وتلك القباب بالذهب
الخالص؛ فلا أجد له أيَّ وجهٍ مأذون به شرعاً.
وإني أوصيك يا سيادةَ الرئيس أن توصي أهلك
وصيّةً واجبةً - بعد عمر طويل بالخير والعافية - بأن لا يَعمروا قبرَك حتى بشبرٍ
من حجر، إنما يتركوه قبراً ترابيّاً، تُزرَع في وسطه شجرة وَرْدٍ، أو شجرة آس،
ويحاطُ بشبك حديديّ، يمنع من تسلّل الضواري إليه.
فهذا والله أقرب إلى الله زلفى، وأنت قائد
وقدوة، ولعلّ الله تعالى يجعل صنيعَك هذا سنّةً حسنةً، في هذا العراقِ المليءِ
بهذه القبور والمقامات غير الشرعيّة.
وإذا كان يمكنك العدولُ عن هذا التوجيهِ الرسميّ
غير الشرعيِّ؛ فيجب عليك شرعاً العدولُ عن إنفاق هذه الأموال الهائلة، فيما هو
محرّم شرعاً أصلاً، والله تعالى أعلم.
ختاماً: ليتَ دائرة الوقف السنيّ، تنهج هذا
المنهجَ المشروع، وتحاولُ هدمَ ما يمكنها هدمه من عمائر قبور الرموزِ السنيّة
الآيلةِ للسقوط، وإعادةَ تقديمها بما يحقّق المقصد الشرعيّ (كنتُ نهيتُكم عن
زيارةِ القبورِ، فزوروها، فإنها تذكّر بالآخرة) حديث صحيح.
الشيخ المعمّم الجاهل زعم أن الرسول صلّى الله عليه وآله وسلم قال: (يا عباد الله أصلحوا فيما بينكم، فإنّ الله يصلح بين عباده يوم القيامة) وقال: (عندما كان يوزع عمر بن الخطاب العطاء (رواتب الناس) أعطى الحسين عشرةَ آلافٍ، وأعطى ابنَه ألفاً، فلما سأله ابنه عن ذلك؛ قال له: كذا وكذا وكذا) والحديث الأول والثاني كذبٌ على الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم، وعلى عمر بن الخطاب، رضي الله عنه.
جهل قبيح، ووقاحة من دون أدنى حياء!
والله المستعان وعليه التكلان.
(رَبَّنا: ظَلَمْنَا
أَنْفُسَنا، وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنا؛ لَنَكُونَنَّ مِنَ
الْخَاسِرِينَ).
هذا.. وصلّى الله على
سيّدنا محمّد بن عبدالله، وعلى آله وصحبه وسلّم تسليماً
والحَمْدُ للهِ على كلِّ حالٍ.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق