مَسائلُ حَديثيّةٌ (50):
حَديثُ الثَقَلين (2)!؟
بسم الله الرحمن الرحيم
(رَبَّنا: عَلَيْكَ تَوَكَّلْنا، وَإِلَيْكَ
أَنَبْنا، وَإِلَيْكَ الْمَصيرُ.
رَبَّنا: لَا تَجْعَلْنا فِتْنَةً لِلَّذِينَ
كَفَرُوا، وَاغْفِرْ لَنَا.
رَبَّنَا: إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ).
(رَبَّنَا: افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا
بِالْحَقِّ، وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِين).
حديثُ الثقلين - كما أسلفتُ في المنشور السابق (49)
صحيح متواتر عن زيد بن أرقم، وقولي: متواترٌ عن زيدٍ؛ لا يستلزم تواترَه عن الرسول
صلّى الله عليه وآله وسلم!
بل قد يكون غريباً لم يصحَّ عن أحدٍ من الصحابةِ
غير زيدٍ رضي الله عنه.
ولأنّ الفقيرَ عداباً ينفرُ من التهويلِ والتضخيم
وحشدِ المؤيّدات مهما كانت ضعيفة؛ فلزم أن نخرّج أبرزَ الأحاديثَ الواردةَ في
الباب نفسه، ونحكم عليها بما تستحقّه، في ضوء قواعدِ علم الحديثِ، وليس بالتشهّي
والأمنيات!
أوّلاً: حديثُ أبي سعيدٍ الخدريّ، رضي الله عنه:
بإسنادي إلى الإمام عليّ بن الجعد الجوهريّ (ت: 230
هـ) في مسنده (2711) قال رحمه الله تعالى: حَدَّثَنا بِشْرُ بْنُ الْوَلِيدِ:
حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ طَلْحَةَ عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ عَطِيَّةَ، عَنْ أَبِي
سَعِيدٍ؛ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (إِنِّي
أُوشِكُ أَنْ أُدْعَى فَأُجِيبَ، وإِنِّي تَارِكٌ فِيكُمُ الثَّقَلَيْنِ: كِتَابَ اللهِ،
حَبْلٌ مَمْدُودٌ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ وَعِتْرَتِي أَهْلَ بَيْتِي،
وَإِنَّ اللَّطِيفَ الْخَبِيرَ أَخْبَرَنِي أَنَّهُمَا لَنْ يَفْتَرِقَا حَتَّى
يَرِدَا عَلَيَّ الْحَوْضَ، فَانْظُرُوا بِمَا تَخْلُفُونِي فِيهِمَا).
مدار حديث أبي سعيدٍ الخُدريِّ على عَطيّةَ بن سعدٍ
العَوْفيِّ، رواه عنه:
إسماعيل بن أبي إسحاق الملائيّ، عند أحمد في المسند
(11104) و في فضائل الصحابة (1382) والشجري في الأمالي الخميسيّة (702).
وجَبر بنُ الحُرّ، عند الشجري في الأمالي الخميسيّة
(754).
وزكريا بن أبي زائدة، عند ابن أبي شيبة، في المصنف
(30081) وابن أبي عاصم في السنة (1554).
وسليمان بن مهران الأعمش، عند علي بن الجعد، في
مسنده (2711) وأحمد في المسند (11131) وفضائل الصحابة (1383) وأبي يعلى في مسنده
(1021).
وعبدالملك بن أبي سليمان، عند أحمد في المسند
(11211) وابن أبي عاصم في السنة (1553).
وكثير أبو إسماعيل النوّاء، عند الطبراني في الأوسط
(3439، 3542) وفي الصغير (363).
وهارون بن سعيد، عند الطبراني في الصغير (376)
وأبو مريم الأنصاري، عند الطبراني في الأوسط (3542)
وعطيّةُ بن سعدِ بنِ جُنادةَ العوفيّ، ترجمه المزيّ
في تهذيب الكمال (20: 145) ونقل تضعيفه عن عددٍ من الحفّاظ.
ونقل ابن حجر في التهذيب (7: 226) عن محمد بن سعدٍ
قوله: «كان ثقةً، إنْ شاء اللهُ، وله أحاديثُ صالحةٌ، ومِن الناس من لا يَحتَجُّ
به».
وقال أبو زرعة في ضعفائه (155): فيه لين.
وترجمه العقيلي في ضعفائه (3: 359) ونقل تضعيفه عن هشيم
بن بشير، وسفيان الثوريّ، وأحمد ابن حنبل، ويحيى بن معين، ولم ينقل توثيقه عن
أحدٍ!
وترجمه ابن حبّان في المجروحين (807) وقال: لا يحلّ
الاحتجاجُ به، وقال في موضع آخر منه (963): ليس بشيءٍ في الحديث!
وترجمه ابن عديٍّ في الكامل (1530) ونقل تضعيفه عن عددٍ
ممن نقل العقيلي تضعيفه عنهم، وختم ترجمته بقوله: «هو مَعَ ضعفه، يكتب حديثه، وكان
يُعَدُّ من شيعة الكوفة».
وترجمه الذهبيّ في المغني في الضعفاء (4139) وقال:
تابعيّ مشهورٌ، مجمع على ضعفه، وقال الدارقطنيّ في سننه: ليس بالقويّ.
قال الفقير عداب: تقدّم معنا في تخريج حديثِ زيدِ
بن أرقم؛ أنّ عطيةَ العوفيّ ممّن روى هذا الحديثَ عن زيدِ بن أرقم!
فربما وهم عطيّةُ، فرواه مرّةً عن زيدٍ على الصواب،
ورواه مرّة وهماً عن أبي سعيدٍ.
إذ ليس هو ممّن يحتجّ به، عند أكثر الحفّاظ.
وبذلك يكون حديثُ أبي سعيدٍ ضعيفاً، والله تعالى
أعلم.
ثانياً: حديث زيد بن ثابتٍ، رضي الله عنه:
بإسنادي
إلى الإمام أبي بكرِ بنِ أبي شيبةَ (ت: 235 هـ) في كتابه المصنّف (31679) وفي
مسنده (135) قال رحمه الله تعالى: حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ سَعْدٍ أَبُو دَاوُدَ
الْحَفَرِيُّ عَنْ شَرِيكِ بن عبدالله، عَنِ الرُّكَيْنِ بن الربيع الفزاريّ، عَنِ
الْقَاسِمِ بْنِ حَسَّانَ، عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنِّي تَارِكٌ فِيكُمُ الْخَلِيفَتَيْنِ مِنْ
بَعْدِي: كِتَابَ اللهِ وَعِتْرَتِي أَهْلَ بَيْتِي , وَإِنَّهُمَا لَنْ
يَتَفَرَّقَا، حَتَّى يَرِدَا عَلَيَّ الْحَوْضَ ).
مدار
حديثِ زيدِ بن ثابتٍ على شريك بن عبدالله النخعيّ القاضي، رواه عنه:
الأسود
بن عامر الشاميّ «شاذان» عند أحمد بن حنبل في المسند (21578) وفي فضائل الصحابة
(1032).
وعصمة
بن سليمان الخزّاز، عند الطبراني في الكبير (4921).
وعمر
بن سعد الحَفَريّ، عند ابن أبي شيبةَ في مسنده (135) وفي المصنّف (31679) ومن
طريقه أخرجه ابنُ أبي عاصمٍ في السنة (754، 1548) والطبراني في الكبير (4922).
والفضلُ
بن دُكين [أو الفضل بن موسى، لم يتبيّن لديّ] عند عبدالله بن أحمد، في زوائد فضائل
الصحابة (1403)
ومحمد
بن عبدالله أبو أحمد الزبيريّ، عند أحمد في المسند (21654).
والهيثم
بن جميل البغداديّ، ثم الإنطاكيّ، عند الطبراني في الكبير (4921).
ويحيى
بن عبدالحميد الحِمّاني، عند الطبراني في الكبير (4921) وغيرهم.
فالحديثُ
مشهورٌ عن شريك القاضي.
وشريك القاضي، ترجمه ابن حجر في التقريب (2787)
وقال: «صدوق يخطئ كثيراً، تغيّر حفظه منذ وَلِيَ القضاء».
وشريك
لم يروِ بهذا الإسنادِ، سوى هذا الحديثِ الواحد!
وفي
إسناد الحديث القاسمُ بن حسّان، ترجمه ابن حجر في تهذيبه (8: 311) وقال: ترجمه ابن
حبان في ثقات التابعين، وفي أتباع التابعين، وقال العجليّ: ثقة، وقال ابن القطّان
في الوهم والإيهام (3: 266): لا تُعرَف حاله» وقال في التقريب (5454): «مقبول»
يعني عند المتابعةِ، ولم يتابَع في حديثه عن زيدِ بن ثابت!
فالحديث
ضعيفٌ كسابقِه.
ثالثاً:
حديث جابر بن عبدالله الأنصاريّ رضي الله عنهما:
بإسنادي
إلى الإمام أبي عيسى الترمذيّ في جامعه الكبير المختصر (3786) قال رحمه الله
تعالى: حَدَّثَنَا نَصْرُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الكُوفِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا
زَيْدُ بْنُ الحَسَنِ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَابِرِ
بْنِ عَبْدِاللهِ قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فِي حَجَّتِهِ يَوْمَ عَرَفَةَ، وَهُوَ عَلَى نَاقَتِهِ القَصْوَاءِ يَخْطُبُ،
فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ: إِنِّي تَرَكْتُ فِيكُمْ مَا إِنْ
أَخَذْتُمْ بِهِ لَنْ تَضِلُّوا: كِتَابَ اللهِ، وَعِتْرَتِي أَهْلَ بَيْتِي)
قال
الترمذيّ: «هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الوَجْهِ، وَزَيْدُ بْنُ
الحَسَنِ، قَدْ رَوَى عَنْهُ سَعِيدُ بْنُ سُلَيْمَانَ، وَغَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ
أَهْلِ العِلْمِ.
وَفِي
البَابِ عَنْ أَبِي ذَرٍّ، وَأَبِي سَعِيدٍ، وَزَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ، وَحُذَيْفَةَ
بْنِ أَسِيدٍ.
وأخرجه الطبراني في الكبير (2680) من حديث محمد بن
عبدالله الحضرميّ عن نصرٍ الوشّاء.
وأخرجه الطبراني في الأوسط (4757) من حديث عبدالرحمن
بن الحسين الصابونيّ عن نصر، وقال: «لَمْ يَرْوِ هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ جَعْفَرِ
بْنِ مُحَمَّدٍ، إِلَّا زَيْدُ بْنُ الْحَسَنِ الْأَنْمَاطِيُّ».
وزيدُ بن الحسن هذا؛ ترجمه المزي في تهذيبه (10:
51) ونقل عن أبي حاتم الرازي قوله: منكر الحديث.
وترجمه الذهبي في ميزان الاعتدال (2: 102) وزاد على
المزيّ قوله: وقوّاه ابن حبّان.
وترجمه ابن حجر في تهذيبه (3: 406) وفسّر كلام
الذهبي بأنّ ابن حبان ترجمه في الثقات (6: 314).
قال عداب: مجرّد ترجمة ابن حبّان له في الثقات؛
ليست تقويةً لحاله، فقد ترجم ابن حبان في ثقاته عشرات المجاهيل، ونصّ على عشراتٍ
بأنه لا يعرفهم!
بينما قال ابن حجر في التقريب (2127): «ضعيف من
الثامنة».
فالحديث ضعيفٌ أيضاً لتفرّد زيد بن الحسن به عن
جعفر الصادق، وليس زيدٌ بأهلٍ لقَبولِ مفاريده.
رابعاً:
حديثُ حُذيفةَ بن أسيدٍ الغِفاريّ، رضي الله عنه:
بإسنادي
إلى الإمامِ سليمانَ بن أحمدَ الطبرانيِّ (ت: 360) في معجمه الكبير (2683) قال
رحمه الله تعالى: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ السَّقَطِيُّ: حدّثنا
سَعِيدُ بْنُ سُلَيْمَانَ (ح). وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ
الْحَضْرَمِيُّ، وَزَكَرِيَّا بْنُ يَحْيَى السَّاجِيُّ قَالَا: حدّثنا نَصْرُ
بْنُ عَبْدِالرَّحْمَنِ الْوَشَّاءُ: حدّثنا زَيْدُ بْنُ الْحَسَنِ
الْأَنْمَاطِيُّ: حدّثنا مَعْرُوفُ بْنُ خَرَّبُوذَ عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ عامرِ
بن واثلةَ، عَنْ حُذَيْفَةَ بْنِ أَسِيدٍ الْغِفَارِيِّ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (أَيُّهَا النَّاسُ: إِنِّي فَرَطٌ
لَكُمْ، وَارِدُونَ عَلَيَّ الْحَوْضَ، حَوْضٌ أَعْرَضُ مَا بَيْنَ صَنْعَاءَ
وَبُصْرَى، فِيهِ عَدَدُ النُّجُومِ قِدْحانٌ مِنْ فِضَّةٍ، وَإِنِّي سَائِلُكُمْ
حِينَ تَرِدُونَ عَلَيَّ عَنِ الثَّقَلَيْنِ، فَانْظُرُوا كَيْفَ تَخْلُفُونِي
فِيهِمَا؟
السَّبَبُ
الْأَكْبَرُ؛ كِتَابُ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، سَبَبٌ طَرَفُهُ بِيَدِ اللهِ، وَطَرَفُهُ
بِأَيْدِيكُمْ، فاسْتَمْسِكُوا بِهِ، وَلَا تَضِلُّوا وَلَا تُبَدِّلُوا.
وَعِتْرَتِي
أَهْلُ بَيْتِي، فَإِنَّهُ قَدْ نَبَّأَنِيَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ أَنَّهُمَا
لَنْ يَنْقَضِيَا حَتَّى يَرِدَا عَلَيَّ الْحَوْضَ»
وأخرجه
الطبرانيّ في موضع آخر من المعجم الكبير (3052) وقال: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ
عَبْدِ اللهِ الْحَضْرَمِيُّ وَزَكَرِيَّا بْنُ يَحْيَى السَّاجيّ، قَالَا: ثنا
نَصْرُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْوَشَّاءُ (ح).
وَحَدَّثَنَا
أَحْمَدُ بْنُ الْقَاسِمِ بْنِ مُسَاوِرٍ الْجَوْهَرِيُّ: حدّثنا سَعِيدُ بْنُ
سُلَيْمَانَ الْوَاسِطِيُّ، قَالَا: ثنا زَيْدُ بْنُ الْحَسَنِ الْأَنْمَاطِيُّ»
به مثلَه.
وأخرجه
أبو نعيم في حلية الأولياء (1: 355) قال: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ
حَمْدَانَ: حدّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ سُفْيَانَ: حَدَّثَنِي نَصْرُ بْنُ عَبْدِ
الرَّحْمَنِ الْوَشَّاءُ» به مثلَه.
وما
قلته في الحديثِ السابق؛ يقال في هذا الحديثِ أيضاً، فعلّة الحديث؛ هي ضعف زيد بن
الحسن الأنماطيّ.
وهناك
بعض الأحاديثِ الأكثرَ ضعفاً، لم أرَ حاجةً إلى ذكرها.
وخلاصة
ما تقدّم: إنّ حديثَ الثقلين؛ لا يصحّ عن الرسولِ صلّى الله عليه وآله وسلّم، إلّا
مِن حديثِ زيد بن أرقم، وهو متواتر عنه لديّ، وبقيّة الأحاديثِ ضعيفةٌ كلّها.
وكلامي
في تخريج هذه الأحاديثِ اليوم؛ ينسخ أيّ حكمٍ سابقٍ مني على أحاديثِ الثقلين.
ختاماً:
وردَ على لسانِ ذاك الصحفيّ الناصبيّ الجاهل؛ كلامٌ فيه تنقيصٌ من سيدة نساء
العالمين فاطمة، ومن سيد المسلمين عليّ، ومن سيّدي شباب أهل الجنّة، عليهم السلام؛
لا أراه يستحقّ مناقشة كلامه، فما هو إلّا رويبضة جاهل وقح!
(رَبَّنا: ظَلَمْنَا أَنْفُسَنا، وَإِنْ لَمْ
تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنا؛ لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ).
هذا.. وصلّى الله على سيّدنا محمّد بن عبدالله،
وعلى آله وصحبه وسلّم تسليماً.
والحَمْدُ للهِ على كلِّ حالٍ.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق