الأحد، 22 مايو 2022

اجتماعيات (63):

الكَرَمُ والبُخْلُ !؟

بسم الله الرحمن الرحيم

(رَبَّنَا: عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا، وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا، وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ.

رَبَّنَا: لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا، وَاغْفِرْ لَنَا.

رَبَّنَا: إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ).

(رَبَّنَا: افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ، وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ).

كتب إليّ أحدُهم يطلب مبلغ (1000) دولارٍ أمريكيّ؛ لأنّه مضطرٌّ إليها، ولم يقل: إنها قرضٌ أم هبة!

فأجبته: مَن أنتَ عفواً؟

قال: الكريمُ لا يَستفسرُ عن شخصيّة طالب العَون منه، وقد قيل لي: إنّ عدابَ الحمش رجل كريمٌ، فتبيّن لي منذ اللحظة الأولى أنك لست كذلك!

أقول وبالله التوفيق:

البُخلُ في أيسر معانيه: إمساكُ المُقتنياتِ عمّن وعمّا لا يحقّ حبسها عنه.

يقال: بخِلَ فهو باخِلٌ، والبخيلُ من يكثر منه البخل، كالرحيم من راحم!

قال الراغب بعد هذا الكلام: البخل ضربان:

- بُخلٌ بمقتنياتِ نفسه.

- وبخلٌ بمقتنيات غيره، وهو أكثرهما ذمّاً، دليلنا على ذلك قول الله تعالى:

(الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ (37) [النساء].

والفقير عداب قطعاً لا يبخلُ بشيءٍ، ممّا تعارف المسلمون أنّ منعَه من البخل!

فأنا ربما أجود بدراجة هوائيّة، أو حتى دراجة ناريّة، أو أجود بأجرة بيت، لكنني قطعاً لم أَجُدْ على أحدٍ بسيّارةٍ، أو شقّةٍ، أو عشرة آلاف دولار مثلاً!

سوى مرّة واحدة، استعان بي أحدهم لإجراء عمليّة جراحيّة له، وكنتُ لا أملك دولاراً واحداً، فبعت سيارتي، وأوصلتُ إليه ثمنها

وبقيت سنواتٍ بعدها، من دون سيارة!

فأظنّ أنني لست بخيلاً، في عرف أكثر المسلمين.

ولننتقل إلى معرفة الكريم من هو؟

وصف الله تعالى نفسه المقدّسة بالكريم مُعرّفاً في موطن واحد من القرآن الكريم: (يَاأَيُّهَا الْإِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ (6) [الانفطار] ولذلك قالوا: الكريم اسم من أسماء الله تعالى.

وقال جلّ وعزّ (وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ (40) [النمل].

قال الراغب: «إذا وُصف اللهُ تعالى بالكريم؛ فهو علمٌ على إحسانِه وإنعامه المتظاهر».

فقد وصف الله رسوله بالكريم.

ووصف القرآن بالكريم.

ووصف الله عرشه بالكريم.

ووصف رزقه بالكريم.

ووصف النبات بالكريم.

وفاضل بين كرام خَلقِه بالتقوى، فقال: (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (13) [الحجرات].

قال الراغب: «إذا وُصف الإنسان بالكرم؛ فهو علم على الأخلاق والأفعال المحمودة التي تصدر عنه».

وهذا يعني أنّ الكَرمَ اسم جنسٍ للمكارم كلهّا، وليس خاصّاً بالإنفاق المالي.

فالكرمُ المالي؛ ألصقُ بمسألة الإنفاق، منه بالصفات الذاتية والسلوك.

قال الله تعالى: (لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ (92) [آل عمران].

وقال عزّ شأنه: (قُلْ لَوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ خَزَائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي إِذًا لَأَمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الْإِنْفَاقِ وَكَانَ الْإِنْسَانُ قَتُورًا (100) [الإسراء].

وقد قال بعض أهل العلم: «مَن أدّى زكاتَه؛ فقد أدّى حقّ الله عليه».

وقال بعضهم: «من أنفق في كلّ عام عُشر ماله؛ فهو كريم».

وقال بعضهم: «من أنفق على نفسه وأسرته بالمعروف، ثم أنفق جميع ما فَضَل عن حاجته في سبيل الله؛ فهو الكريم حقّ الكريم»!

أنا الفقير عداب: أفهم الكرمَ الإنفاقيَّ بصورة أخرى، أفهم الكرمَ بتوظيفِه اجتماعيّاً !

إنَّ إطعامَ الطعام؛ كرم.

وإنّ إهداءَ الإخوة؛ كرم.

وإنّ صلةَ الرحم؛ كرم، وهكذا.

لكنّ الفقير عداباً، يرى الإنفاقَ على الأسرةِ باعتدالٍ وتوسّط، ولا يرى جوازَ الإغداقِ عليهم، خشيةَ إفسادهم!

ثم يرى توظيفَ ما يملك في مساعدة الأرامل أوّلاً، والفقيراتِ ثانياً، والأيتام ثالثاً، والتعليم رابعاً.

هذا إذا كان لدى عدابٍ مال!

أنا الفقير ليس لديّ أي موردٍ مالي منذ (1/ 1/ 2018) ولم أكنْ قبل هذا التاريخ، أملك سوى (150) ليرةً تركيّة!

فمِن أينَ أكرمُ؟

ومن أين أنفقُ؟

ومن أين أهدي؟

ومن أين أكفل؟

إنّ الله تعالى لا يُطالبني بشيءٍ ممّا تقدّم كلّه، فالله تعالى قال:

(لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا (286) [البقرة].

وقال تبارك وتعالى: (وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ؛ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا (7) [الطلاق].

ومع أنني لا أمتلك أيَّ دخل ماليٍّ ثابتٍ أو متحرّك؛ فأنا أقترضُ وأنفق بالمعروف!

ختاماً: أنا لا أزعم أنني من أصحاب الكرم الإنفاقيّ أبداً أبداً !

أنا أكرم الضيفَ، وأُغيث الملهوفُ بما يردّ لهفته، وأوفّر الخبزَ والماءَ لعددٍ من العائلات السوريّة النازحة.

وقد جاوزت ديوني (110) آلاف دولار، حتى هذه الساعة!

ولا يَسُرّني أبداً أن يقال عني: كريم الإنفاق، فأنا لست كذلك.

إنما يعنيني كثيراً؛ أن لا يقال عني: بخيل، والعياذ بالله تعالى.

والله المستعان، وعليه التكلان.

(رَبَّنا: ظَلَمْنَا أَنْفُسَنا، وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنا؛ لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ(.

هذا.. وصلّى الله على سيّدنا محمّد بن عبدالله، وعلى آله وصحبه وسلَّم تَسليماً

والحمد لله على كلّ حال.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق