مَسائلُ حَديثيّةٌ (34):
التَخفيفُ عَن أبي طالب (3)!؟
بسم الله الرحمن الرحيم
(رَبَّنا: عَلَيْكَ تَوَكَّلْنا، وَإِلَيْكَ
أَنَبْنا، وَإِلَيْكَ الْمَصيرُ.
رَبَّنا: لَا تَجْعَلْنا فِتْنَةً لِلَّذِينَ
كَفَرُوا، وَاغْفِرْ لَنَا.
رَبَّنَا: إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ).
(رَبَّنَا: افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا
بِالْحَقِّ، وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِين).
في المنشور الأسبق (32) درسنا حديثَ العبّاس بن
عبدالمطّلب رضي الله عنهما في التخفيف عن أبي طالب، رضي الله عنه، وتبيّن لنا أنّ
إسناده ضعيف جدّاً.
وفي المنشور السابق (33) درسنا حديثَ أبي سعيدٍ
الخدريّ المخرَّجَ في الصحيحين، وتبين لنا أنّ في إسناده راوٍ مجهولٌ، وأنّ توثيق
المجهولِ، لا قيمةَ له عندي البتّة!
وتبيّن لنا أنّ متني الحديثين مخالفان لعددٍ من
الآيات القرآنية الكريمة، التي تثبتُ أنّ العذابَ لا يخفّف عن الكافر، إذا دخل
نارَ جهنّم.
وفي هذا المنشور (34) سأدرسُ حديثَ عبدالله بن العباس رضي الله عنهما، الذي ينطقُ بعذابِ أبي طالبٍ في ضحضاح، وخرّجه مسلم شاهداً لحديث أبي سعيد.
بإسنادي إلى الإمام مسلم في الإيمان (212) قال رحمه
الله تعالى: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ: حَدَّثَنَا عَفَّانُ:
حَدَّثَنَا حَمَّادُ بن سلمةَ قَالَ: أَخْبَرَنَا ثَابِتٌ البُنانيّ، عَنْ أَبِي
عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (إِنَّ أَهْوَنَ أَهْلِ النَّارِ عَذَاباً؛ أَبُو
طَالِبٍ، وَهُوَ مُنْتَعِلٌ بنَعْلَيْنِ مِنْ نَارٍ، يَغْلِي مِنْهُمَا
دِمَاغُهُ).
وأخرجه الإمام أحمد في مسنده الكبير (2636) من
حديثِ عَفَّانَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، به مثلَه.
وأخرجه عبدُ بن حميد في مسنده (711) من حديث الحسن
بن موسى الأشيب عن حمّاد بن سلمة، به مثلَه.
وأخرجه أبو عوانة في المستخرج (352) من طرقٍ عن
حمّاد بن سلمة، به مثله.
وأخرجه الحاكم في المستدرك (8735) من طريق آدَمَ
بْنِ أَبِي إِيَاسٍ، عنّ حَمَّادٍ، به مثلَه، وقال: «هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى
شَرْطِ مُسْلِمٍ وَلَمْ يُخْرِجَاهُ» وأخرجه غير هؤلاء كثيرون، من طريق حمّادٍ عن
ثابت.
أقول: أبو عثمان النهديّ شُرَطيٌّ من شرطة بني
أميّة!
قال أَبُو نُعَيْمٍ الفضلُ بن دكين: حَدَّثَنَا
أَبُو طَالُوْتَ عَبْدُ السَّلاَمِ قال: رَأَيْتُ أَبَا عُثْمَانَ النَّهْدِيَّ
شُرْطِيّاً، انظر النبلاء (4: 178).
وليس له في كتب السنة عن ابن عبّاسٍ، سوى هذا
الحديث الواحد!
بل ليس في كتب السنة كلها «حمّادُ بن سلمةَ عن ثابت
البناني، عن أبي عثمان النهديّ، عن ابن عبّاسٍ، سوى هذا الحديث!
فأين أصحابُ ابن عبّاسٍ الكثيرون جدّاً، لم يروه
أحدٌ منهم، سوى هذا الذي ليس له معرفة بحديثِ ابن عبّاس، ولا بغير حديثِ ابن
عبّاس، فهو رجلٌ زاهدٌ قليلُ الحديث جدّاً.
ومعلومٌ لدى أهل الحديثِ أنّ المحدّثَ المُكثِرَ،
الذي يُجمَع حديثُه، إذا انفرد عنه راوٍ ليس من أخصّ تلامذته بحديثٍ؛ فحديثه شاذٌّ،
إن كان هذا المتفرّد ثقةً، ويكون حديثه منكراً، إذا كان المتفرّد ضعيفاً!
عِلاوةً على أنّ حمّاد بن سلمةَ قد روى حديث أبي
سعيد الخدريّ، الذي ليس فيه تسميةُ أبي طالبٍ، كما سيأتي!
ختاماً: إسنادُ حديثِ ابن عبّاسٍ ضعيفٌ شاذٌّ،
ومتنه منكرٌ، لمخالفته عددً من الآيات القرآنية الكريمة، التي تثبتُ أنّ العذابَ
لا يخفّف عن الكافر، إذا دخل نارَ جهنّم (وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نَارُ
جَهَنَّمَ لَا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ
عَذَابِهَا كَذَلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ (36) [فاطر].
والله تعالى أعلم.
(رَبَّنا: ظَلَمْنَا أَنْفُسَنا، وَإِنْ لَمْ
تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنا؛ لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ).
هذا.. وصلّى الله على سيّدنا محمّد بن عبدالله،
وعلى آله وصحبه وسلّم تسليماً.
والحَمْدُ للهِ على كلِّ حالٍ.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق