مَسائِلُ عَقَدِيّةٌ (10):
الدعاءُ بالرحمةِ
والاستغفارُ لغير المسلم!؟
بسم الله الرحمن الرحيم
(رَبَّنَا: عَلَيْكَ
تَوَكَّلْنَا، وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا، وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ.
رَبَّنَا: لَا تَجْعَلْنَا
فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا، وَاغْفِرْ لَنَا.
رَبَّنَا: إِنَّكَ أَنْتَ
الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ).
(رَبَّنَا: افْتَحْ
بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ، وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِين).
كلّما توفي إنسانٌ من غير
المسلمين؛ قامت وسائل التواصل الاجتماعيّ، ولم تقعد، وكتب في نجاتِه، أو في جواز
طلب الرحمة والاستغفار له، كثيرون!
بينما عندما يموتُ مؤمن
موحّدٌ شيعيٌّ؛ لا يكترثُ لموتِه أهل السنّة، ومنهم من يشمت بموته!
وعندما يموتُ مؤمن موحّدٌ
سُنّي؛ لا يكترثُ لموتِه الشيعةُ، ومنهم من يشمت بموته!
وإنّ ممّا يحزن حقّاً؛ أن
ترى بعضَ المسلمين يتلمّس لمَن ماتَ على غيرِ الإسلام ظاهراً الرحمةَ والمغفرةَ،
بينما نحنُ - المسلمينَ الملتزمينَ- لا نضمن لأنفسنا النجاةَ من عِقابِ الله تعالى
في الدنيا لنا على ذنوبنا، مثلما لا نضمن النجاةَ من عذابِ الله تعالى يومَ
القيامةِ!
وإذ ستتمّ معالجةُ مسائل
عديدة، في هذا المنشور؛ فسأجعل معالجتي إياها في فقرات متتالية:
أوّلاً: في هذا الوجودِ
خالقٌ هو الله تبارك وتعالى وحده، وفيه مخلوقون من الإنس والجنّ والملائكة، والحجر
والشجر والحيوانات والأحياء.
الخالق الرارزق العليم
الحكيم الرحمن الرحيم، المحيي المميت؛ فرضَ على عِبادِه منهاجاً معيّناً، يجب
عليهم التزامُه، وعدم مخالفتِه!
وعَد من أطاعَه بالمثوبة
والجنة والرحمة، وأوعد مَن عصاه بالعِقابِ والعذابِ، وَفقَ حكمته وعدله.
قال الله تعالى:
(مَنْ يُطِعِ اللَّهَ
وَرَسُولَهُ؛ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ
فِيهَا، وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (13).
وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ
وَرَسُولَهُ، وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ؛ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا، وَلَهُ
عَذَابٌ مُهِينٌ (14) [النساء].
لماذا كانت هذه مشيئتُه؟
(لَا يُسْأَلُ عَمَّا
يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ (23) [الأنبياء].
(وَلِلَّهِ مَا فِي
السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُوا بِمَا عَمِلُوا
وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى (31) الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ
كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ
الْمَغْفِرَةِ هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَإِذْ
أَنْتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ فَلَا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ
أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى (32) [النجم].
ثانياً: من المعلوم علماً،
والمسلّم عقلاً؛ أنّ الله تعالى خلق الإنسانَ قبلَ آلاف السنين، ولم يتركه يفكّر
ويجرّب ويختار، ثمّ يغيّر اختيارَه!
بل فرضَ عليه وألزمه بدينٍ
يريده ويرتضيه سبحانه وتعالى؛ هو دين التوحيد، دين الإسلام.
(إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ
اللَّهِ الْإِسْلَامُ (19) [آل عمران].
(قُلْ آمَنَّا بِاللَّهِ
وَمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ
وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى
وَالنَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ
لَهُ مُسْلِمُونَ (84) وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ
مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ (85) [آل عمران].
(شَرَعَ لَكُمْ مِنَ
الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا
بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا
فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللَّهُ يَجْتَبِي
إِلَيْهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ (13) وَمَا تَفَرَّقُوا
إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ وَلَوْلَا
كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ
وَإِنَّ الَّذِينَ أُورِثُوا الْكِتَابَ مِنْ بَعْدِهِمْ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ
مُرِيبٍ (14) فَلِذَلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَلَا تَتَّبِعْ
أَهْوَاءَهُمْ وَقُلْ آمَنْتُ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنْ كِتَابٍ وَأُمِرْتُ
لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ اللَّهُ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ
أَعْمَالُكُمْ لَا حُجَّةَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ اللَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَنَا
وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ (15) [الشورى].
ثالثاً: كان من سنّة الله
تعالى أنه يرسل في كلّ جماعةٍ من الناس رسولاً يعلّمهم أمورَ دينهم، ويرشدهم إلى
الالتزام بأوامر الله واجتناب نواهيه.
(إِنَّا أَوْحَيْنَا
إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ
وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ
وَالْأَسْبَاطِ وَعِيسَى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ
وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا (163) وَرُسُلًا قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِنْ
قَبْلُ وَرُسُلًا لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا
(164) رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى
اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا (165)
[النساء].
(مَنِ اهْتَدَى
فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَلَا
تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ
رَسُولًا (15) [الإسراء].
(وَمَا كَانَ رَبُّكَ
مُهْلِكَ الْقُرَى حَتَّى يَبْعَثَ فِي أُمِّهَا رَسُولًا يَتْلُو عَلَيْهِمْ
آيَاتِنَا وَمَا كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرَى إِلَّا وَأَهْلُهَا ظَالِمُونَ (59)
[القصص].
(إِنْ أَنْتَ إِلَّا
نَذِيرٌ (23) إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَإِنْ مِنْ
أُمَّةٍ إِلَّا خَلَا فِيهَا نَذِيرٌ (24) [فاطر].
رابعاً: كان من سنّة الله
تعالى؛ وجوبِ الإيمان بالله تعالى وبالكتب والرسل، وأمورٍ أخرى.
(آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا
أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ
وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ
وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ
(285) [البقرة].
(يَاأَيُّهَا الَّذِينَ
آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى
رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي أَنْزَلَ مِنْ قَبْلُ وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ
وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ
ضَلَالًا بَعِيدًا (136) [النساء].
لكنّ الأممَ يصعب عليها
الانتقالُ عمّا اعتادت عليه من دين، وعاداتٍ، أثراً من آثار العزّة بالإثم
والعصبيّة والجهل والاعتزاز بتراث الآباء!
(وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ
آمِنُوا بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا نُؤْمِنُ بِمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا
وَيَكْفُرُونَ بِمَا وَرَاءَهُ وَهُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقًا لِمَا مَعَهُم (91)
[البقرة].
(وَكَذَلِكَ مَا
أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا
إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ
(23) قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكُمْ بِأَهْدَى مِمَّا وَجَدْتُمْ عَلَيْهِ آبَاءَكُمْ
قَالُوا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ (24) فَانْتَقَمْنَا مِنْهُمْ
فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ (25) [الزخرف].
خامساً: النُفور من وَصْف
غير المسلم بالكُفرِ؛ ضلالٌ عن منهج الله تعالى؛ لأنّه هو الذي وَصف غير المسلم
بالشرك والكفر والظلم والفسق والإجرام!
وليس هذا فحسب!
بل إنّ إيمانَ المؤمن لا
يتمُّ حتى يكفرَ بأمور!
(لَا إِكْرَاهَ فِي
الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ
وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ
لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (256) [البقرة].
(إِنَّ الَّذِينَ
يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ
وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ
يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا (150) أُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقًّا
وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا (151) وَالَّذِينَ آمَنُوا
بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ أُولَئِكَ سَوْفَ
يُؤْتِيهِمْ أُجُورَهُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (152) [النساء].
سادساً: نحن - المسلمين -
نعتقد أنّ رسولنا محمّداً صلّى الله عليه وآله وسلّم؛ هو رسولُ الله تعالى إلى
الناس جميعاً، وأنّه يجب على جميع البشَر أن يؤمنوا به؛ ومَن لم يؤمن به؛ فهو كافرٌ
لأنّه مكذّب لله تعالى ولرسوله صلّى الله عليه وآله وسلّم ولكتابه الكريم.
(وَمَا أَرْسَلْنَاكَ
إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا
يَعْلَمُونَ (28) [سبأ].
(قُلْ يَاأَيُّهَا
النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ
السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ فَآمِنُوا
بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ
وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (158) [الأعراف].
سابعاً: من بدَهيّات ديننا
الحنيف؛ أنّ الله تعالى واحدٌ أحدٌ فرد صمد، ليس له شريك ولا ندّ ولا والدٌ ولا
ولد!
وكلّ من يخالف هذا الكلام؛
فهو كافر!
هكذا يقول الله تعالى،
وهكذا يقول رسوله صلّى الله عليه وآله وسلّم!
(مَا اتَّخَذَ اللَّهُ
مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذًا لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا
خَلَقَ وَلَعَلَا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ
(91) عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ (92)
[المؤمنون].
فمن يقول بأنّ لله تعالى
ولداً؛ فهو مشرك، وهو كافر بالحقّ أيضاً!
(يَاأَهْلَ الْكِتَابِ
قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيرًا مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ
مِنَ الْكِتَابِ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ
وَكِتَابٌ مُبِينٌ (15) يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ
السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ
وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (16) لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا
إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ مِنَ اللَّهِ
شَيْئًا إِنْ أَرَادَ أَنْ يُهْلِكَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ وَمَنْ
فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا
بَيْنَهُمَا يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (17)
[المائدة].
(لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ
قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ وَقَالَ الْمَسِيحُ
يَابَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَنْ
يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ
النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ (72) لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ
قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا إِلَهٌ وَاحِدٌ
وَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا
مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (73) أَفَلَا يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ
وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (74) مَا الْمَسِيحُ ابْنُ
مَرْيَمَ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ
صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلَانِ الطَّعَامَ انْظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ
الْآيَاتِ ثُمَّ انْظُرْ أَنَّى يُؤْفَكُونَ (75) [المائدة].
(وَقَالُوا اتَّخَذَ
الرَّحْمَنُ وَلَدًا (88) لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا (89) تَكَادُ
السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ
هَدًّا (90) أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا (91) وَمَا يَنْبَغِي لِلرَّحْمَنِ
أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا (92) إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ
إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا (93) [مريم].
كلّ هذا يقوله الله تعالى
فيمن زعمَ أنّ لله ولداً، ثم أنتَ أيها المسلم تستهين بما استقبحه الله تعالى،
وجعله كافياً لهلاك السموات والأرض؟
تخافُ على كافرٍ عاصٍ
معاندٍ لله تعالى ولرسله، ولا تخافُ من مخالفتك لله تعالى فيما قضى وحكم، وكأنّك
توجّه الله تعالى إلى الأصلح؟
أيّ غباءٍ هذا؟
ثامناً: أُمور الآخرة ليس
لأحدٍ من الخلق فيها رأيٌ ولا حكمٌ ولا اقتدار!
بل الجميع محكومون بقدرة
الله تعالى وحكمته وعدله.
فإذا كنت أنت أيها المسلم
لا تملك لنفسك النجاةَ؛ فكيف تتفلسف على ربك، وتطلب النجاةَ لمن قرّر الله تعالى
أنّه من أصحاب الجحيم؟
(وَالَّذِينَ آمَنُوا
بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ أُولَئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ وَالشُّهَدَاءُ عِنْدَ
رَبِّهِمْ لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا
بِآيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ (19) [الحديد].
(يَسْأَلُكَ النَّاسُ عَنِ
السَّاعَةِ قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللَّهِ وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ
السَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيبًا (63) إِنَّ اللَّهَ لَعَنَ الْكَافِرِينَ وَأَعَدَّ
لَهُمْ سَعِيرًا (64) خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا لَا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلَا
نَصِيرًا (65) [الأحزاب].
(قُلْ إِنَّمَا أَدْعُو
رَبِّي وَلَا أُشْرِكُ بِهِ أَحَدًا (20) قُلْ إِنِّي لَا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا
وَلَا رَشَدًا (21) قُلْ إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللَّهِ أَحَدٌ وَلَنْ
أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَدًا (22) إِلَّا بَلَاغًا مِنَ اللَّهِ
وَرِسَالَاتِهِ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ
خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا (23) [الجن].
(إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا
مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا
أُولَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ (6) [البينة].
بعد هذه المقرّرات التي لا
أعلم فيها خلافاً بين أمّة الإسلام؛ أقول:
يا أيها الإخوةُ المؤمنون:
الآخرةُ بكلِّ ما فيها من
نعيمٍ وعذابٍ؛ ليس لنا من أمرها شيء، قال الله تعالى:
(فَادْعُوا اللَّهَ
مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ (14).
رَفِيعُ الدَّرَجَاتِ، ذُو
الْعَرْشِ، يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ؛
لِيُنْذِرَ يَوْمَ التَّلَاقِ (15).
يَوْمَ هُمْ بَارِزُونَ،
لَا يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ!
لِمَنِ الْمُلْكُ
الْيَوْمَ؟
لِلَّهِ الْوَاحِدِ
الْقَهَّارِ (16).
الْيَوْمَ تُجْزَى كُلُّ
نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ، لَا ظُلْمَ الْيَوْمَ!
إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ
الْحِسَابِ (17) [غافر].
فنحنُ - المسلمينَ، بعد
إيماننا بأركان الإيمان، وقيامنا بأركان الإسلام، وإحلالنا الحلالَ، وتحريمِنا
الحرامَ، ومسارعتنا بالخيراتِ - نرجو من الله تعالى أن يتقبّلَ أعمالنا ويرحمنا
ويدخلنا الجنةَ، ولا نقطعُ لأنفسنا، أو لأحدٍ من المسلمين بدخول الجنّة، إلّا
لأنبياء الله تعالى، ولمن وردَ في حقّه بُشرى خاصّةٍ، أو لمن شهد له أهلُ
الإيمانِ؛ أنه ماتَ على الإيمان ظاهراً.
والمسألةُ محسومةٌ في
ديننا تماماً، فقد قال الله تبارك وتعالى:
(يَاأَيُّهَا الَّذِينَ
آمَنُوا: آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى
رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي أَنْزَلَ مِنْ قَبْلُ.
وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ
وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ؛ فَقَدْ ضَلَّ
ضَلَالًا بَعِيدًا (136) [النساء].
القرآن العظيمُ؛ من الكتبِ
التي يجب على جميعِ البشرِ أن يؤمنوا بها.
والرسول محمّد صلّى الله
عليه وآله وسلّم؛ من الرسلِ التي يجب على جميعِ البشرِ أن يؤمنوا بهم وبه.
قال الله تعالى:
(قُلْ يَاأَيُّهَا
النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ
السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ فَآمِنُوا
بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ
وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (158) [الأعراف].
إنّ رحمةَ الله تشملُ
المؤمنين والكافرين والمشركين وأهل الكتاب، وحتى الحجر والشجر والحيوانات وسائرَ المخلوقات،
في هذه الحياةِ الدنيا.
أمّا في الآخرة؛ فهي
مقصورة حصراً على المذكورين في هذه الآية الكريمة:
(أَنْتَ وَلِيُّنَا
فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الْغَافِرِينَ (155).
وَاكْتُبْ لَنَا فِي
هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ إِنَّا هُدْنَا إِلَيْكَ!!
قَالَ: عَذَابِي أُصِيبُ
بِهِ مَنْ أَشَاءُ، وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ.
فَسَأَكْتُبُهَا
لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ، وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِنَا
يُؤْمِنُونَ (156)
الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ
الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي
التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ
الْمُنْكَرِ، وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ
وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ.
فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ
وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ؛
أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (157) [الأعراف].
المسألة ليست على مزاجنا،
ندخل الجنة مَن أحببنا، وندخل النار مَن أبغضنا!
قال الله تعالى:
(لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ،
وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ!
مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا؛
يُجْزَ بِهِ، وَلَا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا (123) [النساء].
أليس من أعجبِ العجَبِ أنّ
بعضَ قومنا يكفّرون الشيعةَ الإماميّة، بل ويطلبون مني تكفيرهم أيضاً، وهم يعتقدون
بما نعتقد به، ويطبقون الإسلام كما نطبّقه، ثم يأتي بعضهم، ويريد أن يُدخل الجنةَ
حتى الملاحدة؟!
أمّا مسألةُ مَنْ لم تبلغه
الدعوةُ الإسلاميّةُ، أو بلغته مشوّهةً؛ فكان عليه أن يبحثَ عن الحقّ، فإذْ لم
يفعل؛ فقد جنى هو على نفسه؛ لأنّ أمرَ النجاةِ من عذاب الله تعالى ليس أمراً
يسيراً، وعلى كلّ إنسانٍ أن يعدّ له عُدّته!
قال الله تعالى:
(يَاأَيُّهَا النَّاسُ
إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ.
مَتَاعَ الْحَيَاةِ
الدُّنْيَا، ثُمَّ إِلَيْنَا مَرْجِعُكُمْ، فَنُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ
تَعْمَلُونَ (23) [يونس].
(وَأَمَّا الَّذِينَ
كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَلِقَاءِ الْآخِرَةِ فَأُولَئِكَ فِي
الْعَذَابِ مُحْضَرُونَ (16) [الروم].
(وَقَالَتِ الْيَهُودُ
عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ، وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذَلِكَ
قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ
قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ (30) اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ
وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا
أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ
سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ (31) [التوبة].
(وَلَا يَزَالُونَ
يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا وَمَنْ
يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ؛ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ
أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ
فِيهَا خَالِدُونَ (217) [البقرة]
(يَوْمَ يَرَوْنَ
الْمَلَائِكَةَ لَا بُشْرَى يَوْمَئِذٍ لِلْمُجْرِمِينَ وَيَقُولُونَ حِجْرًا
مَحْجُورًا (22) وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ
هَبَاءً مَنْثُورًا (23) [الفرقان].
إنّ الله تبارك وتعالى لا
يقبل أعمالَ الإنسان الصالحة، إلّا إذا كان مؤمناً، يبتغي بذلك وجه الله تعالى!
أمّا من يعمل الصالحاتِ
وهو يقوم بالأعمال الإنسانية أو القومية أو الوطنيّة؛ فلينتظر المثوبة ممّا عمل
الصالحات لأجله!
الإيمان شرطُ قبول العمل
الصالح:
(وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ
الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى (وَهُوَ مُؤْمِنٌ) فَأُولَئِكَ
يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا (124) [النساء].
(مَنْ عَمِلَ صَالِحًا
مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى (وَهُوَ مُؤْمِنٌ) فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً
وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (97) [النحل].
(وَمَنْ أَرَادَ
الْآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا (وَهُوَ مُؤْمِنٌ) فَأُولَئِكَ كَانَ
سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا (19) [الإسراء].
(وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ
الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَا يَخَافُ ظُلْمًا وَلَا هَضْمًا (112) [طه]
(فَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ
الصَّالِحَاتِ (وَهُوَ مُؤْمِنٌ) فَلَا كُفْرَانَ لِسَعْيِهِ وَإِنَّا لَهُ
كَاتِبُونَ (94) [الأنبياء]
(مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً
فَلَا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا!
وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا
مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى (وَهُوَ مُؤْمِنٌ) فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ
يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ (40) [غافر].
هل قيد (وهو مؤمن) جاء
تكملةً بيانيّة لتزيين الكلام؛ أو جاء قيداً شرطيّاً، لا يتحقق قَبول العمل الصالح
إلّا بتحققه؟!
مَن دخل نار جهنّم؛ فلا
تخفيفَ للعذاب عنه أبداً:
(وَقَالَ الَّذِينَ فِي
النَّارِ لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ ادْعُوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْمًا مِنَ
الْعَذَابِ (49) قَالُوا أَوَلَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ
قَالُوا بَلَى قَالُوا فَادْعُوا وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ
(50) [غافر].
(أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ
الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ
إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى
أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (85) أُولَئِكَ
الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالْآخِرَةِ فَلَا يُخَفَّفُ
عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ (86) [البقرة]
(إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا
وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللَّهِ
وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (161) خَالِدِينَ فِيهَا لَا يُخَفَّفُ
عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلَا هُمْ يُنْظَرُونَ (162) [البقرة]
(وَيَوْمَ نَبْعَثُ مِنْ
كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا ثُمَّ لَا يُؤْذَنُ لِلَّذِينَ كَفَرُوا وَلَا هُمْ
يُسْتَعْتَبُونَ (84) وَإِذَا رَأَى الَّذِينَ ظَلَمُوا الْعَذَابَ فَلَا
يُخَفَّفُ عَنْهُمْ وَلَا هُمْ يُنْظَرُونَ (85) [النحل].
(وَالَّذِينَ كَفَرُوا
لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ لَا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلَا يُخَفَّفُ
عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِهَا كَذَلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ (36) وَهُمْ
يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا غَيْرَ الَّذِي
كُنَّا نَعْمَلُ أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ
وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ (37) [فاطر].
هذا قضى الحكمُ العدلُ،
وما قضاه هو الحقّ، ولا حقّ في خلافه!
(إِنَّ جَهَنَّمَ كَانَتْ
مِرْصَادًا (21) لِلطَّاغِينَ مَآبًا (22) لَابِثِينَ فِيهَا أَحْقَابًا (23) لَا
يَذُوقُونَ فِيهَا بَرْدًا وَلَا شَرَابًا (24) إِلَّا حَمِيمًا وَغَسَّاقًا (25)
جَزَاءً وِفَاقًا (26) إِنَّهُمْ كَانُوا لَا يَرْجُونَ حِسَابًا (27) وَكَذَّبُوا
بِآيَاتِنَا كِذَّابًا (28) وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ كِتَابًا (29) فَذُوقُوا
فَلَنْ نَزِيدَكُمْ إِلَّا عَذَابًا (30) [النبأ].
أقول: لو جاء مائة حديثٍ
في الصحاح الستّة عند أهل السنّة، تقول بتخفيف العذاب عن المشركين؛ فليست بصحيحة؛
لأنها تخالف كتاب الله عزّ وجلّ!
فلا يخفّف عن أبي لهبٍ
المشركِ، ولا يخفّف عن أبي طالب لمجرّد قرابته!
(مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ
وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي
قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ (113)
وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ
وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ
مِنْهُ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ (114) [التوبة].
(وَنَادَى نُوحٌ رَبَّهُ
فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنْتَ
أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ (45) قَالَ يَانُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ
عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلَا تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي
أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ (46) قَالَ رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ
أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَإِلَّا تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي
أَكُنْ مِنَ الْخَاسِرِينَ (47) [هود].
أليست هذه الآيات الكريمة
منهاجاً ليسلكه كلّ مسلمٍ في عدمِ الدعاء للكافرين؟
أمّا ما جاء عن بعض
المتكلّمين والفقهاء، من تمييز بين الاستغفار وطلب الرحمة، وطلب التخفيف؛ فسببه
أمران:
الأمر الأول والأهمّ أنّ
جميع المتكلمين والفقهاء والأصوليين والمفسّرين بعد القرن الثامن الهجريّ جهّال
جهالةً تامّة في علم نقد الحديث، وهم يبنون على أنّ حديث التخفيف عن أبي لهبٍ وأبي
طالبٍ صحيحان!
فبدلاً من أن يردّوهما
بمخالفةِ آياتٍ كثيرةٍ بامتناع التخفيف؛ راحوا يخصّصون تلك الآيات، ويستنبطون منها
فلسفة التخفيف!
والأمر الثاني: أنّ لدى
علماء المسلمين رحمةٌ شديدة، وخوف من الله تعالى، ففي أثناء بعض الأحوال الروحية؛
تزداد الشفقةُ لدى العالم الصوفيّ على جميع عباد الله تعالى.
وذات مرّة كنتُ شيخَ مجلسٍ
من مجالس الذكر؛ جاءني هذا الوارد ذاته، فقلت في نفسي: «يا ربّ أنت أرحم الراحمين،
فارحم عبادَك أجمعين، ارحم المؤمنين والمسلمين واليهود والنصارى والوثنيين؛ فكلّهم
متخلّفون جاهلون، لا يعرفون قدرك وقدر رسولك الكريم».
وعندما صحوتُ من هذه
الحال؛ رحتُ أستغفر الله تعالى مئاتِ المرّات وأتوب إليه!
أتدري لماذا أخي المسلم؟
لأنّ من يفعل ذلك؛ يجعل من
ذاته أرحمَ من ذات الله تعالى!
وينتقص من رحمة الله تعالى
وشفقته، من دون أن يدري!
أمّا ما ورد عن العلماء في
مسألة جواز الدعاء وطلب الرحمة للكافرين؛ فسأناقشه في منشور تالٍ، فقد طال هذا
المنشور، حتى صار أربعة منشوراتٍ أو أكثر.
والله تعالى أعلم.
(رَبَّنا: ظَلَمْنَا
أَنْفُسَنا، وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنا؛ لَنَكُونَنَّ مِنَ
الْخَاسِرِينَ).
هذا.. وصلّى الله على
سيّدنا محمّد بن عبدالله، وعلى آله وصحبه وسلّم تسليماً.
والحمد لله على كلّ حال.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق