مَسائِلُ مِن الفِقْهِ والأُصولِ (11):
الراجِحُ في نِكاحِ المتعة
؟!
بسم الله الرحمن الرحيم
(رَبَّنَا: عَلَيْكَ
تَوَكَّلْنَا، وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا، وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ.
رَبَّنَا: لَا تَجْعَلْنَا
فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا، وَاغْفِرْ لَنَا.
رَبَّنَا: إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ).
(رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا
بِالْحَقِّ، وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ).
طلبَ مني عددٌ من الإخوةِ إبداءَ رأيي في مسألة
«نكاحُ المتعةِ» التي يُعيّر بها أهلُ السنّة الشيعةَ الإماميّة، فيقولون عنهم:
«أبناء المتعة» وهم يعنون أنهم «أبناءُ زنا» لأنّ المتعة عندهم شرٌّ من الزنا.
ومنذ سنواتٍ وأنا أُحجمُ عن الإجابةِ على هذا
السؤال؛ لأنّ إباحةَ المتعة لا تعني في عُقول عوامّ أهل السنة شيئاً، سوى إباحةِ
الزنا!
وقبل أن أورد أدلّةِ القائلين بجواز نكاحِ المتعة؛
أمهّد بهذه المقدمة الطويلةِ نسبيّاً.
أقول وبالله التوفيق:
أوّلاً: الأحكام الشرعيّة تنقسم إلى واجبٍ ومندوبٍ،
وحرامٍ ومكروهٍ، وجائز.
وقد عرّفوا الجائز بنتيجته فقالوا: هو ما لا يُثابُ
فاعلُه، ولا يأثم تاركه لذاته.
مثالٌ على ذلك:
أمامَك عددٌ من أطباق الطعامِ الحلال، الذي أنت
بحاجةٍ ماسّةٍ إليه؛ فمتى خشيتَ على نفسك الهلاكَ، أو الضررَ البالغَ؛ وجب عليك
تناوُل قدْرٍ من الطعام، يصرف عنك الموتَ، أو الضررَ غالباً.
لكنْ من الجائزِ أن تأكُل من الطبقِ (أ) أو من
الطبق (ب) إلى آخر الأطباق، فتناول الطعامش بالمطلق؛ واجبٌ، واختيارُ أحد الأطباق؛ جائز.
ثانياً: أن يكون نكاحُ المتعةِ جائزاً؛ لا يعني أن
يستسيغُه كلّ الرجال، أو تتقبّله جميع النساء!
فمن النساءِ مَن تقبلُ بالزنا تلذّذاً، أو تحت ضغط
الشهوةِ القويّة، ومنهنّ من تفضّل الموتَ مرضاً أو انتحاراً على أن تمارسَ عمليّة
الزنا، أو حتى المتعة؛ لأنها ترى نفسَها أسمى من هذا العملِ وذاك، بمعزلٍ عن حكمه
الفقهيّ.
فإذا قيلَ: إنّ التمتّع جائز؛ فلا يصحّ أن يُقالَ
للمفتي بالجواز: أعطني إحدى محارمك لأتمتّع بها، فهذا من الجهل القبيحِ الوقح؛
لأنّ الجواز كما قدّمت يعني استواءَ الفعلِ والترك، وليس هو بواجبٍ ولا مندوبٍ
إليه!
ثالثاً: لا خلافَ بين أهلِ الإسلامِ بجميعِ فرقهم؛
أنّ نكاحَ المتعةِ كان جائزاً في أيّام الرسولِ صلّى الله عليه وآله وسلّم، إلى
غزوة خيبَر، التي وقعت سنة (7 هـ) يعني في السنة العشرين، من البعثة النبوية
الشريفة!
وما دام كان جائزاً كلَّ تلك المدّة؛ فلا يجوز أن
يقال: إنّ نكاح المتعة زنا، أو هو شرٌّ من الزنا؛ لأنّ الصحابة لم يكونوا يزنون،
ولم يشرع لهم الرسولُ صلّى الله عليه وآله وسلّمَ الزنا قطعاً!
ثمّ اختلفَ الصحابةُ بعد ذلك، أحرّم المتعةُ
الرسولُ صلّى الله عليه وآله وسلّمَ، أم نهى عنها عمر بن الخطّاب، رضي الله عنه؟
رابعاً: للشيخ ابن تيمية كلامٌ مهمٌّ جدّاً في هذه
المسألةِ، أورَدَه مختصراً في مجموع الفتاوى (32: 93) بينما أورَدَه تلميذُه ابنُ
القيّمِ في كتابه «إغاثةُ اللهفان» بتمامه (1: 277) فقال: «سمعت شيخ الإسلام يقول:
نكاحُ المتعة؛ خير من نكاح التحليل، من عشرة أوجه:
أحدها: أن نكاح المتعة؛ كان مشروعاً فى أول
الإسلام، ونكاح التحليل لمُ يشرع فى زمنٍ من الأزمان.
الثانى: أن الصحابة تمتّعوا على عهد النبى صلى الله
تعالى عليه وآله وسلم، ولم يكن فى الصحابة محلّلٌ قَطُّ.
الثالث: أن نكاحَ المتعة؛ مُختلَفٌ فيه بين
الصحابة، فأباحه ابن عباس، وإن قيل: إنه رجع عنه، وأباحه عبد الله بن مسعود.
ففي «الصحيحين» عنه قال: كُنَّا نَغْزُو مَعَ
رَسُولِ اللهِ صلى اللهُ تعالى عليه وآله وسلم، وَلَيْسَ لَنَا نِسَاءٌ،
فَقُلْنَا: أَلا نَخْتَصي؟ (فَنَهانَا عَنْ ذلِكَ!
ثُمَّ رَخّصَ لَنَا أَنْ نَنْكِحَ المَرْأَةَ
بِالثّوْبِ إِلى أَجَلٍ) أخرجه البخاريّ في النكاح (5076) ومسلم في النكاح (1404).
ثم قرأ عبدالله بنُ مسعودٍ: (يَأَيُّهَا الَّذِينَ
آمَنُوا لا تُحَرِّمُوا طيِّبَاتِ ما أَحَلَّ اللهُ لَكُمْ) [المائدة: 87] .
وَفتْوَى ابن عباس بها مشهورة!
قال عُروة بن الزبير: قام عبد الله بن الزبير بمكة
فقال: إنّ ناساً أعمى الله قلوبهم، كما أعمى أبصارهم، يُفتون بالمتعةِ - يُعرِّض
بعبدِالله بن عباس - فناداه ابنُ عبّاس، فقال له: «إنك لجِلْفُ جافٍ، فلعمري لقد كانت المتعة تُفعَلُ
على عهد إمامِ المتّقين!
يُريد رسولَ الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم،
فقال له ابن الزبير: جرّبْ نفسك، فو الله لئن فعلتَها؛ لأرجمنَّك بأحجارك» أخرجه
مسلم في النكاح (1406).
فهذا قول ابن مسعود وابن عباس فى المتعةِ.
الرابع: أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله
وسلم لم يجئ عنه فى لَعن المستمتِع والمُستمتَع بها حرف واحد، وجاء عنه فى (لعن
المُحَلِّلِ والمُحَلَّلِ له) أخرج الإمام أحمدُ وأصحاب السنن هذا اللفظَ عن عددٍ
من الصحابة.
الخامس: أن المستمتِعَ له غرضٌ صحيحٌ فى المرأة،
ولها غرضٌ أن تقيم معه مدة النكاح. فغرضه المقصود بالنكاح مدة، والمحلّل لا غرضَ
له سوى أنه مُستعارٌ للضِرابِ، كالتيس.
فنكاحه غير مقصود له، ولا للمرأة، ولا للوليّ،
وإنما هو كما قال الحسن: «مسمار نار فى حدود الله» أخرجه عبدالرزاق في المصنف (6:
267) وابن أبي شيبةَ في المصنف (3: 553) وهذه التسمية مطابقة للمعنى.
قال شيخ الإسلام: يريد الحسنُ أنّ المسمارَ هو الذي
يُثَبّتَ الشيءَ المسمور، فكذلك هذا يُثَبّت تلكِ المرأةَ لزوجها، وقد حرّمها اللهُ
عليه.
السادس: أن المستمتِعَ لم يَحتَلْ على تَحليل ما حرّم
الله، فليس من المخادعين الذين يخادعون اللهَ، كأنما يخادعون الصبيان، بل هو ناكحٌ
ظاهراً وباطناً، والمحلِّلُ ماكرٌ مخادعٌ، مُتخذٌ آياتِ الله هُزُواً.
ولذلك جاء في وعيدِه ولعنِه؛ ما لم يجئ في وعيدِ
المستمتِع مثلُه، ولا قَريبٌ منه.
السابع: أن المستمتعَ يريدُ المرأةَ لنفسه، وهذا هو
سرُّ النكاحِ ومقصودُه، فيريد بنكاحه حِلَّها له، ولا يَطؤها حَراماً، والمُحلّلُ
لا يُريدُ حِلّها لنفسه، وإنما يريد حِلَّها لغيره، ولهذا سُمّيَ مُحلِّلاً!
فأين مَن يُريد أن يَحِلَّ له وَطءُ امرأة يَخافُ
أن يَطأهاً حَراماً، إلى مَن لا يريد ذلك، وإنما يُريد بنكاحِها أن يُحِلَّ وطأَها لغيره؟
فهذا ضدَّ شرعِ الله ودينِه، وضدَّ ما وُضع له
النكاحُ.
الثامن: أن الفِطَر السليمةَ والقُلوبَ التي لم يَتمكّنْ
منها مَرضُ الجَهلِ والتَقليدِ؛ تَنفِر مِن التَحليل أشدَّ نِفار، وتُعِّير به أعظَم
تَعيير، حتى إنّ كثيراً من النساء تُعَيِّر المرأةَ به أكثرَ ممّا تُعيّرها بالزنا.
ونكاحُ المُتعةِ
لا تَنفِر منه الفِطَر والعُقولُ، ولو نَفَرتْ منه؛ لم يُبَحْ في أوّل الإسلام».
وفي هذا القدر كفايةٌ، من كلام الشيخِ ابن تيمية!
ظهر من كلام الشيخ ابن تيمية؛ أنّ الاعتراضَ على
نكاحِ المتعةِ؛ ينحصرُ في التوقيت، وإلّا فقد كان نكاحاً مشروعاً، فعله الصحابةُ
رضوان الله عليهم، كما سبق.
خامساً: قال الله تبارك وتعالى:
(وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ؛ أَنْ
تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ مُحْصِنِينَ، غَيْرَ مُسَافِحِينَ!
فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ؛ فَآتُوهُنَّ
أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً!
وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَاضَيْتُمْ
بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ، إِنَّ اللهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا (24)
[النساء].
هذا نصٌّ قرآنيٌّ يقول: (فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ
بِهِ مِنْهُنَّ؛ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً).
وقد نقل الإمام الطبريّ في تفسيره (6: 585) فما
بعدُ، بأسانيده عن الإمام عليّ وأبي بن كعبٍ وابن عبّاس ومجاهد وسعيد بن جبيرٍ، أنهم
كانوا يرون هذه الآيةَ في نكاح المتعة.
فالذين يجوّزون هذا النكاح يقولون: أيّ تأويلٍ أو تفسيرٍ
بعد ذلك؛ لا يقوى على تعطيل عموم النصّ، خاصّةً إذا حصل اختلافٌ بين الصحابة في
فهم النصّ وديمومته، أو حصل شكٌّ في اختلاقِ رواياتٍ لتوافقَ فتوى الخَليفةِ!
سادساً: أخرج الإمامُ مسلمٌ في كتاب النكاح (1405)
من طرقٍ عن جابر بن عبدالله الأنصاريّ، رضي الله عنهما قال: (كُنَّا نَسْتَمْتِعُ
بِالْقَبْضَةِ مِنْ التَّمْرِ وَالدَّقِيقِ الْأَيَّامَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبِي بَكْرٍ، حَتَّى نَهَى عَنْهُ عُمَرُ فِي
شَأْنِ عَمْرِو بْنِ حُرَيْثٍ).
وفي رواية أخرى في الموضع نفسه (1405) عَنْ أَبِي
نَضْرَةَ المنذرِ بن مالكٍ العبديّ قَالَ كُنْتُ عِنْدَ جَابِرِ بْنِ عَبْدِاللهِ،
فَأَتَاهُ آتٍ، فَقَالَ: ابْنُ عَبَّاسٍ وَابْنُ الزُّبَيْرِ اخْتَلَفَا فِي
الْمُتْعَتَيْنِ «يريد متعةَ الحجّ ومتعةَ النساء»فَقَالَ جَابِرٌ: «فَعَلْنَاهُمَا
مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ نَهَانَا عَنْهُمَا
عُمَرُ، فَلَمْ نَعُدْ لَهُمَا).
سابعاً: جاء من طرقٍ عن عمر بن الخطّاب؛ أنه قال: «مُتْعَتَانِ
كَانَتَا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَنَا
أَنْهَى عَنْهُمَا، وَأُعَاقِبُ عَلَيْهِمَا».
أخرجه سعيد بن منصور في سننه (852، 853) وأبو عوانة
في مستخرجه على صحيح مسلم (3809) والطحاوي في شرح معاني الآثار (3686) والبيهقيّ
في السنن الكبير (14: 394) وغيرهم.
ثامناً: قال ابن حزمٍ في المحلّى (9: 129) موضحاً
أقوالَ الصحابة في هذه المسألة: «وَقَدْ ثَبَتَ عَلَى تَحْلِيلِهَا بَعْدَ رَسُولِ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَمَاعَةٌ مِنْ السَّلَفِ، مِنْهُمْ
مِنْ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ: أَسْمَاءُ بِنْتُ أَبِي بَكْرٍ
الصِّدِّيقِ، وَجَابِرُ بْنُ عَبْدِاللهُ، وَابْنُ مَسْعُودٍ، وَابْنُ عَبَّاسٍ،
وَمُعَاوِيَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ، وَعَمْرُو بْنُ حُرَيْثٍ، وَأَبُو سَعِيدٍ
الْخُدْرِيِّ، وَسَلَمَةُ، وَمَعْبَدٌ ابْنَا أُمَيَّةَ بْنِ خَلَفٍ.
وَرَوَاهُ جَابِرُ بْنُ عَبْدِاللهِ عَنْ جَمِيعِ
الصَّحَابَةِ مُدَّةَ رَسُولِ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَمُدَّةَ
أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ، إلَى قُرْبِ آخَرِ خِلَافَةِ عُمَرَ.
وَاخْتُلِفَ فِي إبَاحَتِهَا عَنْ ابْنِ
الزُّبَيْرِ.
وَعَنْ عَلِيٍّ «عليه السلام» فِيهَا
تَوَقُّفٌ.
وَعَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّهُ إنَّمَا
أَنْكَرَهَا إذَا لَمْ يُشْهِدْ عَلَيْهَا عَدْلَانِ فَقَطْ، وَأَبَاحَهَا
بِشَهَادَةِ عَدْلَيْنِ.
وأباحَها َمِنْ التَّابِعِينَ: طَاوُسٌ، وَعَطَاءٌ،
وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ، وَسَائِرُ فُقَهَاءِ مَكَّةَ أَعَزَّهَا اللهُ.
وَصَحَّ تَحْرِيمُهَا عَنْ ابْنِ عُمَرَ، وَعَنْ
ابْنِ أَبِي عَمْرَةَ الْأَنْصَارِيِّ.
وَاخْتُلِفَ فِيهَا: عَنْ عَلِيٍّ، وَعُمَرَ،
وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَابْنِ الزُّبَيْرِ».
قال الفقير عداب: هذه خلاصةُ أقوال العلماءِ في
مسألة «نكاح المتعة» فعلى المتنطّعين المتشبّثين بالموروث الفقهيّ؛ التروّي، وعدمُ
الطعنِ بأعراض المسلمين والمسلمات؛ لأنهم درجوا على تقليدِ مذاهبهم بتحريم المتعةِ،
!
تاسعاً: الأحاديثُ التي تنصّ على أنّ الرسولَ صلّى
الله عليه وآله وسلّم؛ هو الذي نهى عن المتعة؛ تقول: إنّه أباحها ثمّ نهى عنها،
ثمّ أباحها، ثمّ نهى عنها!
ومع التسليم بصحة تلك الأحاديثِ؛ فما كان هذا شأنه
يقال فيه: إنّ الحكمَ يدور مع علّته وجوداً وعدماً، ولا يكون تشريعاً مؤبّداً.
ختاماً: ما تقدّم كلّه أقوالُ الذين يفتون بجواز
نكاح المتعة، أمّا أنا الفقير عداب فأقول: إنّ مشكلةَ العنوسةِ، وتأخّر الزواج، وزيادةُ
عدد النساء على الرجال، وصعوبةُ حصول الرجال على مهور النساء المرتفعة جدّاً؛ جعلت
الفقهاء المعاصرين يبحثون عن حلولٍ، فأفتوا بالزواج مع نية الطلاق «زواج
المسافر» وأفتوا في السعوديةِ بنكاح «المسيار» مثلاً، وقد وافقهم أكثر علماء أهل
السنّة عليه.
وقد مضى على تحريم أهل السنة نكاحَ المتعةِ (1420)
عاماً، وهي فتوى مذاهبهم السنيّة كلها، وهم أكثر الأمة، فمن العسير جدّاً؛ قبولُهم
هذا النكاح، حتى لو كان الزواج مع نيّة الطلاق شرّاً منه؛ لأنّ فيه تغريراً
بالمرأة!
فماذا أرى؟
إنّ الإبقاءَ على تحريمِ نكاحِ المتعةِ؛ لا يترتّب
عليه محاذيرُ اجتماعية وقضائيّة، أمّا إباحةُ نكاحِ المتعةِ مجدّداً؛ فيترتّب عليه
إلزاماتٌ والتزاماتٌ، لا بدّ أن تسنَّ لها قوانينُ تكفل صحةَ نسب الولد وكفالته
وأمّه، وتضمن سمعةَ المتزوّجين متعةً، حتى لا يعيشَ ولدُ المتعةِ منبوذاً مجانَباً
مِن المجتمع!
فمجرّد القول بإباحة المتعة، في زماننا هذا؛ ليس
عسيراً على أيّ عالمٍ، بعد أن يعلمَ أنّ
أبا بكرٍ الصديق زوّج ابنتَه أسماءَ من الزبير متعةً، وأنجبت عبدالله بنَ الزبير من
المتعة، فلمّا أنجبته؛ أبّد الزبير النكاح!
انظر أخبار مكة للفاكهيّ (2: 382) والمعجم الكبير
للطبراني (24: 103) والمستخرج على صحيح مسلم لأبي نعيم (3: 341)!
وبعد أن يقرأ ما سبقَ مِن عددِ الذين ثَبَتوا على
القول بمتعةِ الحجّ ومتعة النساء، بعد الرسولِ صلّى الله عليه وآله وسلّم من علماء
الصحابة ومَن بعدهم.
إنّما مَن
مِنّا يتحمّلُ التَبعاتِ الأدبيّة والنسبيّة والماليّة، المترتبة على القول
بإباحتها؟
الذي يتحمّل ذلك؛ هو الحكوماتُ ودوائر الفتوى، وليس
أفراد المفتين!
والله تعالى أعلم.
(رَبَّنا: ظَلَمْنَا
أَنْفُسَنا، وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنا؛ لَنَكُونَنَّ مِنَ
الْخَاسِرِينَ).
هذا.. وصلّى الله على سيّدنا محمّد بن عبدالله،
وعلى آله وصحبه وسلّم تسليماً.
والحمد لله على كلّ حال.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق