مَسائلُ حديثيّةٌ:
هل
يتناول سحورَه بعدَ أذان الفجر ؟!
بسم
الله الرحمن الرحيم
(رَبَّنَا:
عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا، وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا، وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ.
رَبَّنَا:
لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا، وَاغْفِرْ لَنَا.
رَبَّنَا:
إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ).
(رَبَّنَا:
افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ، وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِين).
استمعتُ
إلى عددٍ من المسموعاتِ، وشاهدتُ بعض مقاطع «الفيديو» يقول أصحابها الجهّال: «إذا
أذّن المؤذّن لصلاة الفجرِ في رمضانَ؛ فلا تمسك عن الطعامِ والشراب، حتى تكتفي
منهما» ويستدلّون على ذلك بحديثِ أبي هريرةَ الذي أخرجه الإمام أحمد ابن حنبلٍ في
مسنده (10629) قال: حَدَّثَنَا رَوْحُ بنُ عُبادةَ القيسيُّ:
حَدَّثَنَا حَمَّادُ بنُ سلمةَ البصريُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بن علقمةَ
الليثيِّ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بنِ عبدالرحمن بن عوفٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ،
عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (إِذَا سَمِعَ أَحَدُكُمُ
النِّدَاءَ - وَالْإِنَاءُ عَلَى يَدِهِ - فَلَا يَضَعْهُ حَتَّى يَقْضِيَ
حَاجَتَهُ مِنْهُ).
ومن حديثِ عبدالأعلى بن حمّادٍ
الباهليّ عن حمادِ بن سلمة، به مرفوعاً؛ أخرجه أبو داود في كتاب الصومِ من سننه
(2350) والدارقطنيّ في سننه (2182) وأخرجه من حديثِ عبدالواحد بن غياثٍ عن حمّادِ
بن سلمةَ الحاكمُ في المستدرك (729، 740، 1552) والبيهقيّ في السنن الكبير (5106)
وفي الخلافيات (1119) فحمّادٌ مدارُ الحديث!
قال ابن أبي حاتمٍ في العلل (2: 235): «سألتُ أَبِي
عَنْ حديثٍ رَوَاهُ رَوْحُ بْنُ عُبَادة عَنْ حمَّادٍ عن محمد بن عَمْرو، عَنْ
أَبِي سَلَمة، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النبيِّ صلّى الله عليه وآله وسلّم أَنَّهُ
قَالَ: (إِذَا سَمِعَ أَحَدُكُمُ النِّدَاءَ وَالإِنَاءُ عَلَى يَدِهِ؛ فَلاَ
يَضَعْهُ حَتَّى يَقْضِيَ حَاجَتَهُ مِنْهُ).
قلتُ
لأَبِي: وَرَوَى رَوْحٌ أَيْضاً عَنْ حمَّادٍ، عَنْ عَمَّارِ بْنِ أَبِي عَمَّار،
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عن النبيِّ صلّى الله عليه وآله وسلّم، مِثْلَهُ، وَزَادَ
فِيهِ (وَكَانَ المُؤَذِّنُ يُؤَذِّنُ إذا بَزَغَ الفَجْرُ).
فقال
أبو حاتم: «هذانِ الحديثانِ؛ لَيسا بِصَحِيحَينِ:
أمَّا
حديثُ عمَّار: فَ«يُروى» عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَوْقُوفٌ.
والحديثُ
الآخَرُ «يعني حديثَ الباب»؛ لَيْسَ بِصَحِيحٍ».
قال
الفقير عداب: عِلّةُ هذا الحديثِ في ضعف حفظِ محمّد بن عَمرِو بن علقمة الليثيِّ.
ترجمه
الترمذيّ في علله الصغير، ونقل تضعيفه عن يحيى بن سعيدٍ القطّان.
وترجمه
العقيلي في الضعفاءِ (4: 109) ونقل كلامَ يحيى القطّان.
وترجمه
المزيّ في تهذيب الكمال (26: 216) ونقل توثيقه عن النسائيّ، ونقل عن يحيى بن معين
قوله: «ما زال الناس يتقون حديثه» قيل له، وما علة ذلك؟ قال: كان يحدث مرةً عَن
أبي سلمة بالشيءِ من رأيه، ثم يحدث بِهِ مرة أخرى عَن أبي سلمة عَن أبي هُرَيْرة.
وَقَال
إبراهيم بن يعقوب السعدي الجوزجاني: ليس بقويٍّ في الحديث.
وقال
أبو حاتمٍ: « صَالِح الحديث، يكتب حديثه، وهو شيخ».
وترجمه مُغلطاي في إكماله (10: 301) ونقل عن ابن سعدٍ قولُه:
«كان
كثيرَ الحديث، يُستضعف».
قال الفقير عداب: أخرج له البخاريُّ ثلاثَ متابعاتٍ (782،
2040، 2356، 3856) وأخرجَ له مسلمٌ ثماني متابعاتٍ، ولم يحتجَّا به في حديثٍ
واحدٍ!
خلاصةُ القولِ: إنّ حديثَ الباب ضعيفٌ، تفرّد به محمد بن
عمرو بن علقمةَ، وهو ممّن لا يقبلُ ما انفرد به من الحديث.
والضعيفُ من الحديثِ وما لَم يُروَ سيّان، لا يجوز الاحتجاج
به في الدين أبداً!
أمّا فقه المسألةِ؛ فخلاصتُه: قول الله تبارك وتعالى: (وَكُلُوا
وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ
الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْل(.
ونحنُ لسنا من العارفينَ بالمواقيتِ، إنّما هي من مهامِّ
لجانٍ مخصوصةٍ في وزارات الأوقافِ والشؤون الإسلاميّة.
وقد سألتُ عدداً من المسؤولين عن هذه المسألةِ في
السعودية والأردنّ والعراق؟
فقال جميعهم: «إنّنا لا نُوجّه المؤذّنَ بأذان الفجرِ،
إلّا بعد ظهورِ الفجر الصادق».
فيكونُ قد تبيّن لتلك اللجانِ (الْخَيْطُ
الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ)!
ويكونُ
الأذانُ بعد دخولِ وقتِ الفجرِ، لا قبلَه، وهو الوقتُ الذي يجب أن نمسك فيه عن
الطعام والشراب والنساءِ إلى الليلِ.
فليحذَرْ
شبابُنا من متابعةِ أولئك الجهّالِ، الذين لا يحسنون قراءَة الحديثِ، فضلاً عن
تخريجه ونقده، ومع هذا يتطاوَلون ويتجرّأون على الفُتيا، فيُبطلون صيامَ الناسِ،
لمجرّد قراءتهم أو سماعهم «صححه الألباني» أو «حسّنه الأبانيّ» والشيخ
الألبانيُّ ليس حُجّةً في نقدِ الحديثِ ومعرفةِ علله.
والله
تعالى أعلم.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق