الجمعة، 21 مارس 2025

  مَسائِلُ مِن الفِقْهِ والأُصولِ:

هَلْ يُخْرِجُ زكاةَ فِطْره نقداً ؟!

بسم الله الرحمن الرحمن الرحيم

ذهب جمهور العلماءِ إلى أنّ زكاةَ الفطر فريضةٌ، لما أخرجه البخاريّ (1503) ومسلم (984) من حديث عبدالله بن عمر، رضي الله عنهما قال: عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، قَالَ: (فَرَضَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَكَاةَ الفِطْرِ صَاعاً مِنْ تَمْرٍ، أَوْ صَاعاً مِنْ شَعِيرٍ عَلَى العَبْدِ وَالحُرِّ، وَالذَّكَرِ وَالأُنْثَى، وَالصَّغِيرِ وَالكَبِيرِ مِنَ المُسْلِمِينَ، وَأَمَرَ بِهَا أَنْ تُؤَدَّى قَبْلَ خُرُوجِ النَّاسِ إِلَى الصَّلاَةِ) وظاهر قوله «فرض» للوجوب.

وأخرج البخاريّ (1506) ومسلم (985) من حديث أبي سعيدٍ الخدريِّ، رضي الله عنه قال: (كُنَّا نُخْرِجُ زَكَاةَ الفِطْرِ صَاعًا مِنْ طَعَامٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ أَقِطٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ زَبِيبٍ).

والراجح عندي أنّ المقصود بالطعامِ؛ القمحُ، أو البُرُّ!

والأقِط: ويسمى في بلادنا: الهِقط، ويقال له: الكشك والجَميد.

والصاع: يَقرُبُ من ثلاثةِ كيلو غرامات، فمن أخرج زكاةَ فطره بهذا المقدار؛ فقد برئت ذمّته، إن شاء الله تعالى.

وأفضل وقتٍ لإخراجها قُبيلَ العيدِ بيومٍ أو يومين، ولا يصحُّ تأخيرها إلى ما بعدَ صلاة العيد، وأنا أخرجها يوم السابع والعشرين، أو بعده.

وهل الأفضلُ إخراجُ زكاةِ الفِطرِ من قوتِ أهل البلدِ الذي يُقيم فيه، أو الأفضل أن يخرجها من قوتِ نفسه؟

وجهان صحيحان يُجزئان، إن شاء الله تعالى، والأفضلُ أن يخرج زكاةَ فطره من قوتِ نفسِه.

توضيح ذلك: طعامي الرئيسُ منذ ستين عاماً تقريباً هو «الأرُزّ».

والأرزّ أنواع كثيرةٌ، منها ما يساوي «الكيلو» منه أربعين ليرةً تركيّة!

ومنه ما يساوي سبعين ليرةً تركيّة!

فإنْ كان طعامي «الأرزّ» الأغلى، الذي يساوي سبعين ليرةً تركية؛ فالأفضل أن تكون صدقتي من هذا «الأرزّ» الأغلى.

والذي أفتي به دائماً مراعاةُ حال المتصدّق «المزكّي» وحال الفقير!

ولا يخفى على أصحاب البيوتِ أنّ بعضَ أنواع الأقط، الكيلو الواحد منه يساوي (100) دولارٍ أمريكيّ، وبعضه يساوي عَشرَ دولاراتٍ!

وأنّ قيمةَ كيلو الزبيب؛ أضعافُ قيمة كيلو «الأرزّ» فيحسن أن ينظُرَ كلُّ امرئٍ إلى وضعِه الماليّ، وإلى سخاوةِ نفسه، وقوّةِ يقينه (ما نقصَ مالُ عبدٍ من صدقة) أخرجه أحمد والترمذيّ (2325) وقال: حديث حسن صحيح.

وهل يجوزُ إخراجُ قيمةِ صاعٍ من شعير أو من تمرٍ، أو يجبُ إخراج زكاة فطره من قوتِ أهلِ بلده، أو من قوتِ نفسه؟

لا خلافَ بين أهل العلمِ أنّ إخراجَ زكاةِ فطره عيناً (صاع من بُرٍّ، أو صاعٌ من شعير...) إلخ؛ مشروعٌ ومجزئٌ.

وجوّزَ السادةُ الحنفيّةُ إخراجَ زكاةِ الفطر نقداً (بالقيمة) ورأوا أنّ هذا أفضلُ.

والأفضل في نظري؛ ما كانَ أوفقَ لحالِ الفقيرِ، الذي ستُدفع إليه زكاة الفِطر، فإن كانت حاجتُه إلى العين «الأرزّ» أكثرَ؛ دُفِعت إليه زكاةُ الفطر عيناً، وإن كانت حاجته إلى القيمة «النقد» أكثرَ؛ دُفعت إليه نقداً.

وعندما كنتُ ذا مالٍ؛ كنتُ أخرجُ زكاةَ فطري وزكواتِ فطرِ أسرتي (صاعين من رزّ) وقيمتهما نقداً، أمّا الآن؛ فالله المستعان.

ولأنّ أكثرَ الذين يعارضون إخراجَ زكاةِ الفطر نقداً؛ هو سلفيّةُ اليوم؛ فيحسن أن أنقل إليهم كلام الشيخ ابن تيمية رحمه الله تعالى في مجموع الفتاوى (25: 82) إذ قال: «وَأَمَّا إخْرَاجُ الْقِيمَةِ فِي الزَّكَاةِ وَالْكَفَّارَةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ؛ فَالْمَعْرُوفُ مِنْ مَذْهَبِ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ، وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ يَجُوزُ، و قَدْ مَنَعَ أَحْمَدُ، رَحِمَهُ اللهُ، الْقِيمَةَ فِي مَوَاضِعَ، وَجَوَّزَهَا فِي مَوَاضِعَ.

فَمِنْ أَصْحَابِهِ مَنْ أَقَرَّ النَّصَّ، وَمِنْهُمْ مَنْ جَعَلَهَا عَلَى رِوَايَتَيْنِ.

وَالْأَظْهَرُ فِي هَذَا: أَنَّ إخْرَاجَ الْقِيمَةِ لِغَيْرِ حَاجَةٍ وَلَا مَصْلَحَةٍ رَاجِحَةٍ؛ مَمْنوعٌ مِنْهُ» وكلامُه ظاهرٌ في مراعاةِ مصلحة المُزكّي والفقير في ذلك.

والله تعالى أعلم.

والحمد لله على كلّ حال.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق