الأحد، 30 مارس 2025

  في سَبيلِ العِلْمِ:

هل الشيعةُ الإماميّة مَجوس؟!

بسم الله الرحم الرحيم

أعتذرُ عمّا وقع في منشور فجرِ هذا اليوم (الشيعة مجوس هذه الأمّة) من أخطاءَ كتابيّةٍ سببها أنني غَفَوْت وأنا أكتبُه عِدّةَ مرّاتٍ!

مرّاتٍ كثيراتٍ قلت لكم: إنني عايشتُ الشيعةَ الإماميّة عن قُربٍ تسعَ سنواتٍ!

ومرّاتٍ عديداتٍ قلت لكم: إنني التقيتُ بكبار مَن يلقّبونهم بآياتِ الله العظمى!

ومرّاتٍ أقلّ قلت لكم: إنني مجازٌ إجازةً حديثيّة عامّةً، من أحدِ أكبر علمائهم ومحقّقيهم وهو المسندُ السيّد محمّد مهدي  الخرسان الموسويّ، رحمه الله تعالى.

لم أقُلْ هذا الكلامَ افتخاراً ولا تشبّعاً، فأنا لست مؤمناً بعقائدهم السياسيّة (نظريّةِ الإمامةِ) ولا بسلوكيّاتهم  الاجتماعيّة من (اللطم والتطبير والنواح والصراخ وتجديد الأحزان والزيارات) إلخ بتاتاً.

إنّما أكرّر ذكرَ مثل هذه الكلماتِ؛ ليوقنَ القارئُ السنّيُّ والشيعيُّ أنّني أعرف (الفكرَ الإماميّ) مثلما أعرف (الفكرَ السنيَّ) تقريباً.

والهدفُ من وراءِ قراءةِ مئاتِ الكتبِ والرسائلِ الإماميّة؛ هو معرفةُ مواطنِ إصابتهم ومواطن أخطائهم، فنُشيدُ بمواطنِ الإصابةِ، وننبّه إلى مواطن الخطأ، ولا نفتري على القومِ بما يزيدُ من عداوتهم تجاهنا، ولا نغضّ الطرفَ عمّا لديهم من الخيرِ، وهو كثيرٌ كثير!

وبسبب موقفي العلميِّ ذاك؛ نالني من جهّالِ الإماميّة وجهّال أهل السنّة؛ ما لا يخفى على متابعي صفحتي القدماءِ والجُدد!

وسأنقل إليك أخي القارئ الكريم نماذجَ توضحُ نظرةَ الشيعة الإماميّة إلى المجوسِ، باختصارٍ شديدٍ، من كتب التفسير والحديث والفقه والعقائدِ.

أوّلاً: من كتب التفسير:

قال أبو الحسن عليُّ بنُ إبراهيمَ القُميُّ في تفسيره سورةَ الصمد:

حدّثنا الحسنُ بنُ عليِّ بنِ حمّادِ بنِ مِهرانَ قال: وساق إسناده إلى عبدالله بن عبّاسٍ، رضي الله عنهما قال: قالت قريش للنبي صلى الله عليه وآله بمكة: صِفْ لنا ربّك لنعرفه فنعبده؟

فأنزل الله تبارك وتعالى على النبي صلى الله عليه وآله (قُلْ: هُوَ اللهُ أَحَدٌ) يعني غيرَ مُبَعّضٍ ولا مُجَزّئٍ ولا مُكُيَّفٍ، ولا يقع عليه اسم العَددِ ولا الزيادةُ ولا النقصانُ (اللهُ الصَّمَدُ) الذي قد انتهى إليه السؤددِ، الذي يَصمَد أهل السماوات والأرض بحوائجهم إليه.

لم يَلِدْ منهُ عُزَيرٌ كما قالت اليهودُ عليهم لعائنُ اللهِ وسَخَطُه، ولا المسيح كما قالت النَصارى عليهم سَخطُ اللهِ، ولا الشمسُ والقمرُ ولا النجومُ، كما قالت المجوسُ عليهم لعائنُ اللهِ وسَخَطُه».

وأورد هذا الكلام ذاتَه العلّامةُ المحدثُ المفسِّرُ السيدُ هاشمٌ الحُسينيُّ البحرانيُّ

(ت: 1107 هـ) في تفسير سورة الصمد من تفسيره «البرهان في تفسير القرآن».

ثانياً: من كتب الحديث:

قال شيخ الطائفة أبو جعفرٍ الطوسيُّ في كتابه الأمالي، رقم (993): ابن عقدةَ الحافظُ قال: حدثني عبدُالله بنُ إبراهيمَ بنِ قُتيبةَ، وساق سنده إلى أبي عبدالله جعفرٍ الصادق عليه السلام قال: (لا تَسْتَعِنْ بالمجوسِ، و لو على أخذِ قوائمِ شاتِك، وأنت تريدُ ذَبحَها).

وقال السيّد محمد رضا الحسينيُّ الجلاليّ في كتابه تدوين السنّة الشريفة (ص: 402): «الشيعة كانوا ولا يزالون - بفضل اتّكالهم على الله، والتزامهم بالقرآن، واعتمادهم على السنّة... وبفضل اتّباعهم لأئمّة أهل البيت عليهم السلام ـ على أفضل ما يكون عليه المسلم المؤمن من الإيمان الخالص الذي لا يشوبه شركٌ ولا إلحاد ولا جبر ولا تفويض ولا تشبيه ولا تجسيم ولا تعجيز ولا حلول».

إلى أن يقول: «ويتركون المحرّمات، فيحرّمون الخمرَ، حتّى النَبيذَ، والزنى، والظلمَ، والتَعاونَ مع الظالم, ويَبرؤون من اليهودِ والنصارىِ والمجوسِ، وكلِّ مَن لا يَنتمي إلى الإسلامِ».

وقال الشيخ أمين ترمس العاملي في كتابه «ثلاثيات الكافي» رقم (112): عليُّ بن إبراهيمَ عن هارونَ بنِ مُسلم، عن مَسعدةَ بن زيادٍ، عن أبي عبدِاللهِ «جعفر الصادق» أنّه سُئل عن الشطرنج ؟ فقاذ: (دَعوا المجوسيّةَ لأهلها، لعنها الله) يعني لعن المجوسيّة!

ثالثاً: من كتب الفقه:

قال آيةُ اللهِ العُظمى الشيخُ محمّدٌ الفاضلُ اللّنكرانيُّ في كتابه «كتاب الطلاق والمواريث» (بابٌ في ميراث المجوس وغيرهم من الكفّار): «المجوسُ وغيرهم من فرق الكفّار قد يَنكحون المحرّماتِ عندنا، بمقتضى مذهبهم - على ما قيل - وقد ينكحون المحلّلات عندنا.

العلّة في إيراد هذا الفصلِ؛ ما هو شائعٌ من أنّ المجوسَ قد ينكحون المحرّماتِ كالبنت والاُخت والاُمّ.

مع أنّك عرفت فيما تقدّم (ص: 342) أنّي رأيت في بلدة «يَزْدَ»  التي هي مَركز المجوسِ «في إيرانَ» حين إقامتي فيها بالإقامة الإجبارية في زمن الطاغوت «يقصد شاه إيران» كتاباً ألّفه بعضُ فُضلائهم، قد أنكر فيه أشدّ الإنكار ذلك، وقال: إنّ المجوسَ لا ينكحون المحرّمات النَسبيّة المَعُروفة كالاُمّ والاُخت والبنت.

وزعم أنّ هذا بهتان عليهم وإيراد غيرُ صحيحٍ على مذهبهم الفاسد .

وكيف كان؛ فلا إشكال في أنّ المجوس وغيرهم من فرق الكفّار ، إذا لم يَكُنْ نِكاحهم صحيحاً في مذهبهم - ولو كان باطلا عندنا - لا يَتحقّق بينهم توارث».

وقال الشيخُ المفيدُ في كتابه «المُقنعة» (ص: 508): «لا بأس أن ينكح الحرُّ المسلمُ بملكِ اليَمين ما شاء من العددِ، على أربع حرائر عنده.

ويَنكِح بملكِ اليمين النصرانيةَ واليهوديةَ، و لا يجوز له ذلك بعقد نكاحٍ، ولا يَجوز له وطءُ المجوسيّة و الصابئيّة والوثنيةِ على حال».

رابعاً: من كتب العقائد:

قال السيد علي الحسيني الميلانيُّ في كتابه «العصمة» (ص: 43):

« قولنا بأن الائمة معصومون حتى من السهو والخطأ، والنسيان، هذا ليس غلوّاً في حقهم، إنّهم - سلام الله عليهم - يُبغضون الغالي، ويكرهون الغلو، وإنه قد ورد عنهم: «احذروا على شبابكم الغلاةَ، لا يُفسدوهم؛ فإنّ الغُلاةَ شرُّ خلق الله، يُصغّرون عظمةَ اللهِ، ويَدّعون الربوبية لعباد الله!

وإنّ الغُلاةَ لشرٌّ مِن اليهود والنصارى والمجوسِ والذين أشركوا».

وقال الشيخُ شيثُ بن إبراهيمَ في كتابه «حَزُّ الغَلاصم في إفحامِ المُخاصِم» (ص: 29): « وما أحسنَ الذي جرى بين مجوسيٍّ وقدريٍّ «معتزليّ» وهما في اعتقاد هذه الأمة سواءٌ؛ لأن المجوسَ يقولون بآلهين، ويُسَمَّون الثَنويةَ لذلك.

وقد جاء حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم يَقول فيه: (القدرية مجوس هذه الأمّة) (1) مِن حيث إنّهم جعلوا مع الله شركاءَ كثيراً!

فالخَلْق عندهم خالقون لأفعالهم - حسَنها وقبيحِها - والمجوس يجعلون مع الله شريكاً واحداً، يخلق الشرَّ لا غير!

وهؤلاء القدريّةُ يقولون: إنّ الخلقَ يَخلقون إيمانَهم وكفرهَم وطاعتَهم وعصيانهم».

قال الفقير عداب: أظنّ فيما تقدّم غُنيةً عن التطويلِ بخطأ نِسبةِ الشيعة الإماميّة إلى المجوسِ، بل هي افتراءٌ عليهم، وسيحاسب الله تعالى من يتّهمهم بها يوم القيامة!

وسببُ إطلاقِ مثلِ هذه التُهم على الشيعةِ الإماميّة (مجوس - عبّاد البشر - يتّهمون أمّهاتِ المؤمنين بأعراضهّن - تحريف القرآن الكريم) عدمُ اطّلاعِ المُتَّهِمينَ على كتبهم، وعدمُ حوارهم مع علمائهم.

وثمّةَ شيء آخر سمعتُه من كثيرين من أهل السنّة - وأنا معهم في هذا - وهو أنّ الشيعةَ الإماميّة يحكمون إيرانَ والعراقَ، ويَستطيعون أن يدافعوا عن الحقّ، ويدمغوا الباطل!

فنحن نشاهد على القنواتِ الفضائيّةِ أهل الغلوّ السفلةِ منهم، من أمثال القبانجيّ الذي يكفر صراحاً، ومثل ياسر الحبيب، ومثل أمير القرشيّ، وعبدالحليم الغزي، وأمثالِهم.

لماذا لا يأخذون على أيدي هؤلاء الغلاةِ حتى الثمالةِ، إذا كانوا ينكرون ما ينشرونه من الغلوّ الباطل؟

هم بين خيارين:

إمّا أنهم عاجزون عن ردع هؤلاء السفلةِ، وهذا باطل !

أو إنّ ضلالات هؤلاء الأوباش العقدية والفكريّة، لا تهتمّ لها السلطاتُ والمراجع أصلاً!

والذي يعنيهم استمرارُ اسم التشيّع - ولو كان فارغاً من مضمونه - ما دام الحكمُ والسلطة في أيديهم.

والله تعالى أعلم.

والحمد لله على كلّ حال.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 

(1) حديث (القدرية مجوس هذه الأمة) أخرجه أحمد في مسنده (5227) وأبو داود (4691) من حديث عبدالله بن عمر مروفاعاً، وأخرجه أحمد (22359) وأبو داود (4692) من حديث حذيفة بن اليمان مرفوعاً، وأخرجه ابن ماجه (92) من حديث جابر بن عبدالله مرفوعاً.

وثلاثتها أحاديثُ ضعيفةٌ، ولا يصحّ في هذا الباب شيءٌ!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق