الثلاثاء، 11 مارس 2025

  مسائل فكرية:

نَشر المذهب الوهابي في سوريا!؟

بسم الله الرحمن الرحيم

عايشتُ الشبابَ الوهابيَّ معايشة قريبة، طيلةَ ثلاثةَ عشر عاماً في الحجاز.

منها تسع سنوات في مكة المكرمة، وأربع سنوات في الطائف المأنوس.

فأنا أعرف الوهابيةَ الجاهلةَ الأولى.

وأعرف الوهابية الرسمية من لدن عبدالعزيز ابن سعود.

وأعرف الوهابية المدخلية.

واعرف المدخلية الجامية.

واعرف السلفية التيمية.

وأعرف السلفية الجهادية.

وأعرف السلفية السرورية.

واعرف السلفية العلمية.

جميع هذه الوهابيات، وتلك السلفيات؛ انبثقت عن المذهب البغدادي العاميّ، الذي رقعوه من هنا وهناك وهنالك، ثم أطلقوا عليه عنوان (المذهب الحنبلي).

وأحمد رحمه الله تعالى؛ كان ينهى عن كتابة أقواله وفتاواه، بل كان ينهى عن تأليف الكتب من الأساس.

لكن أتباعه - عامّةَ بغداد - أبوا إلا أن يجعلوا منه إماماً مجتهداً، واجتهدوا في تتبع روايات أصحابه عنه، ومَن لقيه ولو مرة واحدة، أو روى عنه مسألة واحدة، ورتبوا ما وجدوه من كلامه الفقهي على الأبواب الفقهية، وحشدوا له الأدلة النقلية والاجتهاديّة، ثم قدموه إلى الناس، على أنه مذهب أهل السنة والجماعة!

وعندما وجدوا لأحمدَ أقوالا كثيرة متعارضة؛ رجّح كل واحد من أئمتهم أحد تلك الأقوال، أو حكى عن أحمد أبرز الأقوال في المسألة الواحدة، وأعرض عن الباقي.

ولأن كلام أحمد مقدسٌ، لا يجوز إغفاله عند أتباعه؛ فقد قام أبو يعلى الحنبلي الفراء (ت: 458 هـ) فصنف كتابا واسعا أسماه (كتاب الروايتين والوجهين).

ومن المسائل الظاهرية البحتة فيه (٣: ١٣٣): هل يجوز حلقُ الرأسِ في غير حَجٍّ أو عمرة؟

قال أبو يعلى: (اختلفت الرواية عن أحمد في حلق الرأس بغير حج أو عمرة، هل يكره أم لا؟

نقل المروذي والفضل بن زياد كراهية ذلك، ونقل حنبل جوازه).

وذهب يستدل لكلٍ من الروايتين الهزيلتين!

لكن أبا الحسن علي بن سليمان المرداوي الحنبلي (ت: ٨٨٥ هـ) لم يجد كتاب ابي يعلى كافياً في حفظ أقوال أحمد، فصنّف كتاب (الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف)

جاء في اثني عشر مجلداً، قال في خطبته (ص: 3): «أَمَّا بَعْدُ: فَإِنَّ كِتَابَ «الْمُقْنِعِ» فِي الْفِقْهِ تَأْلِيفُ شَيْخِ الْإِسْلَامِ مُوَفَّقِ الدِّينِ ابْنِ قُدَامَةَ الْمَقْدِسِيِّ، مِنْ أَعْظَمِ الْكُتُبِ نَفْعًا، وَأَكْثَرِهَا جَمْعًا... قَدْ حَوَى غَالِبَ أُمَّهَاتِ مَسَائِلِ الْمَذْهَبِ، فَمَنْ حَصَّلَهَا فَقَدْ ظَفِرَ بِالْكَنْزِ وَالْمَطْلَبِ.

فَهُوَ كَمَا قَالَ مُصَنِّفُهُ فِيهِ «جَامِعًا لِأَكْثَرِ الْأَحْكَامِ» وَلَقَدْ صَدَقَ وَبَرَّ وَنَصَحَ، فَإِنَّ مَنْ نَظَرَ فِيهِ بِعَيْنِ التَّحْقِيقِ وَالْإِنْصَافِ؛ وَجَدَ مَا قَالَ حَقًّا وَافِيًا بِالْمُرَادِ، مِنْ غَيْرِ خِلَافٍ!

إلَّا أَنَّهُ - رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى - أَطْلَقَ فِي بَعْضِ مَسَائِلِهِ الْخِلَافَ، مِنْ غَيْرِ تَرْجِيحٍ، فَاشْتَبَهَ عَلَى النَّاظِرِ فِيهِ الضَّعِيفُ مِنْ الصَّحِيحِ.

فَأَحْبَبْت - إنْ يَسَّرَ اللهُ تَعَالَى - أَنْ أُبَيِّنَ الصَّحِيحَ مِنْ الْمَذْهَبِ وَالْمَشْهُورَ، وَالْمَعْمُولَ عَلَيْهِ وَالْمَنْصُورَ، وَمَا اعْتَمَدَهُ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، وَذَهَبُوا إلَيْهِ، وَلَمْ يَعْرُجُوا عَلَى غَيْرِهِ وَلَمْ يُعَوِّلُوا عَلَيْهِ».

وأورد عن أحمد في المسألة الواحدة ثلاث روايات (1: 27، 93، 313) و(2: 38، 133، 135) و(3: 381) و(4: 58، 185) وهكذا إلى نهايةِ المجلّد الثاني عشر من الكتاب!

وأورد عن أحمد في بعض المسائلِ أربع روايات (3: 41، 266) و(5: 67، 144) و(7: 357).

وأورد عن أحمد في بعض المسائلِ خمسَ روايات (7: 187) و(12: 133).

لعلّه لكثرة تلك الرواياتِ في المسألة الواحدةِ؛ لم يعدّه الإمامُ ابن جرير الطبريّ الشافعيّ في الفقهاء، وكتب الإمام ابن عبد البرّ الأندلسيّ كتابه «الانتقاء في فضائل الثلاثةِ الأئمة الفقهاء» وأورد فضائل الأئمة أبي حنيفةَ ومالك والشافعيّ، ولم يذكر فضائل أحمد البتّة!

وابتعاداً عن التطويل أوجّه كلامي إلى الإخوةِ السلفيين في قيادةِ سوريّا الجديدة:

أنا لست مذهبيّاً، لا في الاعتقادِ ولا في الفقه، ولا أحبَّ المذهبيّةَ أبداً، بيد أنّ مثلَ منهجي هذا يصلح لأهل العلم الذي جمعوا بين حفظ القرآن الكريم وتفسيره، وبين أصول الفقه وقواعده ومقاصده، وبين علم تخريج الحديثِ ونقده، وبين متانةٍ في علوم العربيّة (لسان هذا الدين).

أمّا أنْ تكلّفوا شبابكم الذين أدخلتموهم دوراتٍ تثقيفية «من شهر واحدٍ، إلى عدّةِ شهور» بأنْ يذهبوا إلى مساجد المسلمين في بلاد الشام ليعلموهم دينهم؛ فهذا عبثٌ أنزّهكم عنه، وأناشدكم بأن تبتعدوا عن تهييج الناس عليكم، ومذهبكم أضعفُ مذاهب أهل السنّةِ في الاعتقادات والفروع!

بل إنّ إمامكم الأكبر أحمدُ ابن حنبلٍ، ليس بمجتهد أصلاً، وإمامكم الثاني أحمد ابن تيمية ضعيف في علم النقد الحديثيّ تماماً.

أمّا إمامكم الدمويَّ الثالثَ محمّد بن عبدالوهّاب النجديّ؛ فليس بعالم بأيِّ علم من العلوم أصلاً!

فلا تظنّوا أنّكم تمتلكون الحقيقةَ، أو أنّكم أكثرُ من يمتلكها، فيتوجّب عليكم تعليمها!

هذا باطل حتماً في الاعتقادات قبل الفروع!

وإنني أحذّركم من أنّ استمراركم في هذا المنهج (التهييجيّ) سيشرخ بلاد الشام، ويَفضُّ الناسَ من حولكم، وربما تسبّبتم بفتنٍ يتّسع خرقها على الراقع!

عندما تستقرّ لكم الأمورُ، وتتحسّن أحوالُ الناس الاقتصاديّة، ويمسي لديكم فائضٌ من مال؛ فأسّسوا هيئةً لكبار العلماءِ، من شتّى التخصصات، ووظّفوا معهم باحثين أكفاء، ليقوموا بكتابةِ أبحاثٍ علميّةٍ محكّمةٍ في مسائل الخلاف، آنئذٍ سيصلون إلى الصوابِ أو قريباً منه.

وأحيطكم علماً بأنّ الشيخ ناصراً الألباني محدّثٌ، بيد أنّه ضعيف في نقد الحديثِ!

وأضعف منه الشيخ عبدالعزيز ابن باز، والشيخ ابن عثيمين، والشيخ شعيب الأرناؤوط، وإنّ اعتمادَ نقدِ هؤلاء؛ لا يُبرئ الذمّة عند الله تعالى، في نظري.

واسألوا عدداً من السلفيين المتخصصين، من أمثال الدكتور عبدالله الشهرانيّ، والدكتور خالد الدريس، والدكتور متعب بن خلف السلميّ، والدكتور عبدالعزيز بن صالح اللحيدان، وأضرابهم، فسيقولون لكم مثل قولي هذا حتماً، إذا لم يستخدموا التقيّةَ والتوريةَ.

ألا هل بلّغتُ؟

اللهم فاشهد.

والحمد لله على كلّ حال.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق