في سَبيلِ العلم:
الخطابُ العَقديُّ والخطابُ الدَعَويُّ!؟
بسم الله الرحمن الرحيم
(يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ، وَمَنْ يُؤْتَ
الْحِكْمَةَ؛ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو
الْأَلْبَابِ (269) [البقرة].
(ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ
وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ، وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ.
إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ
سَبِيلِهِ، وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (125) [النحل].
(قُلْ: هَذِهِ سَبِيلِي، أَدْعُو إِلَى اللهِ عَلَى
بَصِيرَةٍ - أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي - وَسُبْحَانَ اللهِ!
وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (108) [يوسف].
(وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا
أَنْهَاكُمْ عَنْهُ، إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ، وَمَا
تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللهِِ، عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ، وَإِلَيْهِ أُنِيبُ (88)
[هود].
(اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى (43)
فَقُولَا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً، لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى (44) [طه].
قال لي صاحبي: قرأتُ لك كلاماً لم أفهمْه، تَقول:
هناك خطابٌ عقديٌّ، وخطابٌ قضائيٌّ، وخطابٌ دعويّ، كيف أفرّق بين هذه الخطاباتِ
الثلاثةِ التي تدّعيها؟
أقول وبالله التوفيق:
أوّلاً: الخطاب العقديّ: هو الخطابُ الإيمانيّ،
الذي تتميّز به إحدى الجماعاتِ الإنسانيّةِ عن غيرها.
فهناك خطابٌ إسلاميٌّ عامُّ، يدخل تحتَه جميعُ من
يؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر.
وهناك خطابٌ إسلاميٌّ سنّيٌّ، يدخل تحته جميعُ من
يؤمن بما تقدّم، مضافاً إليه «القدر، خيره وشرّه من الله
تعالى، إلى جانبِ اعتقادهم بعدالةِ جميع من ثبتت صحبتُة مع النبيّ صلّى الله عليه
وآله وسلّم.
وهناك خطابٌ إسلاميّ شيعيٌّ، يؤمن أتباعُه بأركان
الإيمان الخمسةِ السابقةِ، ويؤمنون بالعدل والتوحيد، بدلاً من «القَدَرِ».
وفي ضوء تلك المعتقداتِ؛ يكون الفَصْلُ بين
المؤمن بها، وغيرِ المؤمن بها، ويسمّي القرآنُ الكريم غيرَ المؤمن بها ضالّاً
وكافراً.
يقول الله تبارك وتعالى: (قُلْ يَاأَيُّهَا
الْكَافِرُونَ (1) لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ (2) وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ
مَا أَعْبُدُ (3) وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ (4) وَلَا أَنْتُمْ
عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ (5) لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ (6) [الكافرون].
ويقول تعالى: (وَمَنْ
يَكْفُرْ بِاللهِ وَمَلَائِكَتِهِ
وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ
ضَلَالًا بَعِيدًا (136) [النساء].
ويقول جلَّ شأنُه: (لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ
قَالُوا: إِنَّ اللهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ.
قُلْ: فَمَنْ يَمْلِكُ مِنَ اللهِ شَيْئاً، إِنْ أَرَادَ أَنْ يُهْلِكَ الْمَسِيحَ
ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً (17) [المائدة].
(لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا: إِنَّ اللهَ ثَالِثُ
ثَلَاثَةٍ، وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا إِلَهٌ وَاحِدٌ!
وَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ؛
لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (73) [المائدة].
هذا خطابٌ عقديّ صريحٌ واضح، لا يحتاجُ إلى بيانٍ،
ويوجَّه هذا الخطابُ إلى المؤمنين المسلمين، في درسِ العقيدة، ودروس التعليم، ولا
يواجَه به المدعّوون ابتداءً.
ثانياً: الخطابُ القضائيّ: هو الخطابُ الذي يُظهرُ
صاحبَ الحقِّ من المتخاصمَيْن، أو المتخاصِمِينَ، من الذي عليه أداءُ الحقِّ له.
قال الله تعالى: (وَهَلْ أَتَاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ
إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرَابَ (21) إِذْ دَخَلُوا عَلَى دَاوُودَ فَفَزِعَ
مِنْهُمْ!
قَالُوا: لَا تَخَفْ خَصْمَانِ بَغَى بَعْضُنَا عَلَى
بَعْضٍ، فَاحْكُمْ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ، وَلَا تُشْطِطْ!
وَاهْدِنَا إِلَى سَوَاءِ الصِّرَاطِ (22) إِنَّ
هَذَا أَخِي، لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً، وَلِيَ نَعْجَةٌ وَاحِدَةٌ؛
فَقَالَ: أَكْفِلْنِيهَا، وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ (23) قَالَ: لَقَدْ ظَلَمَكَ
بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ إِلَى نِعَاجِهِ، وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ الْخُلَطَاءِ
لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ، إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا
الصَّالِحَاتِ، وَقَلِيلٌ مَا هُمْ!
وَظَنَّ دَاوُودُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ،
فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ، وَخَرَّ رَاكِعاً وَأَنَابَ (24) فَغَفَرْنَا لَهُ ذَلِكَ،
وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنَا لَزُلْفَى وَحُسْنَ مَآبٍ (25) يَادَاوُودُ: إِنَّا
جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ، فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ،
وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ، إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ، بِمَا نَسُوا يَوْمَ
الْحِسَابِ (26) [سورة ص].
(وَدَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي
الْحَرْثِ، إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ، وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ
شَاهِدِينَ (78) فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ، وَكُلّاً آتَيْنَا حُكْماً وَعِلْماً
(79) [الأنبياء].
هذه أحكامٌ قضائيّةٌ يُوجّهها القاضي - وهو الحاكمُ
- أو المفتي إلى المتخاصمَين.
ثالثاً: الخطابُ الدعويُّ: هو الخطابُ المتّسقُ مع
المصلحة الشرعيّة، ويشمل مقاصدَ الشريعةِ ومكارمها وسدَّ الذرائع، وإليك بعضُ أمثلةِ
ذلك:
(1) عندما تُحاورُ أناساً غير مسلمين؛ فلا يصحّ في
الخطابِ الدعويّ أن تقول لهم: (يا أيها الكافرون) أو (لقد كفر الذين قالوا: إنّ
الله هو المسيح بن مريم) ابتداءً.
إنّما عليك ضبطَ أعصابك تماماً، فلا تتسرّع بسبِّ
معظّميهم، لأنك متى فعلتَ ذلك؛ أنهيتَ الحِوارَ بينك وبينهم من جهةٍ، ومن جهة أخرى
قد تتسبّبُ بسبِّهم أعظمَ مُعظّم لديك.
قال الله تعالى: (وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ
يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ، فَيَسُبُّوا اللهَ
عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ.
كَذَلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ،
ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ مَرْجِعُهُمْ، فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ
(108) [الأنعام].
(2) يتعيّن عليك توظيفَ معاني الحكمةِ، كلَّ معنىً
منها في موطنه الصحيح.
قال الله تعالى:
(ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ
وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ، وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ!
إِنَّ
رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ، وَهُوَ أَعْلَمُ
بِالْمُهْتَدِينَ (125) [النحل].
(قُلْ: هَذِهِ سَبِيلِي، أَدْعُو إِلَى اللهِ عَلَى
بَصِيرَةٍ - أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي - وَسُبْحَانَ اللهِ، وَمَا أَنَا مِنَ
الْمُشْرِكِينَ (108) [يوسف].
(3) تتخيّر من معاني الحكمةِ ما يناسب دينَ
المدعوّين، وأفكارهم.
فإذا كنت تخاطب المسيحيين مثلاً، فتقول لهم:
(آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَأُنْزِلَ
إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (46)
[العنكبوت].
(لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً
لِلَّذِينَ آمَنُوا؛ الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا، وَلَتَجِدَنَّ
أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا، الَّذِينَ قَالُوا: إِنَّا نَصَارَى.
ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَاناً،
وَأَنَّهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ (82) [المائدة].
رابعاً: إذا كنت تحاور مسلماً مُنحرفاً - في نظرك -
فيجب أن تتذكّر أمرين:
الأوّل: قول الرسول صلّى الله عليه وآله وسلم: (وَ اللهِ
لَأَنْ يَهْدِيَ اللهُ بِكَ رَجُلاً وَاحِداً، خَيْرٌ لَكَ مِنْ أَنْ يَكُونَ لَكَ
حُمْرُ النَّعَمِ) أخرجه البخاري في صحيحه (2942) ومسلم في صحيحه (2406)
ويجب أن يكون قصدُك هدايةَ أخيك المسلم الضالّ،
وليس إهانَتَه، ولا الانتصارَ عليه!
والأمر الثاني: أنْ تفهَم نفسيّةَ المخاطَبِ، ومنزلته
من العلم، فتخاطِبَه على حسب مستواه العقلي والعلميّ.
قال الإمام عليّ عليه السلام: (حَدِّثُوا النَّاسَ
بِمَا يَعْرِفُونَ، أَتُحِبُّونَ أَنْ يُكَذَّبَ اللهُ وَرَسُولُهُ) أخرجه البخاري
(127).
وقال الصحابيّ الجليل عبدالله بن مسعودٍ، رضي الله
عنه: (مَا أَنْتَ بِمُحَدِّثٍ قَوْماً حَدِيثاً لَا تَبْلُغُهُ عُقُولُهُمْ،
إِلَّا كَانَ لِبَعْضِهِمْ فِتْنَةً) أخرجه مسلم في مقدمة صحيحه (ص: 11).
ومن الجميلِ أن تُفتّشَ عن جسورٍ بينك وبين
محاورِك، الذي ترغب بهدايته.
أمثلة ذلك:
بين جميعِ فرق المسلمين مشتركاتٌ كثيرة، يمكنك أن
توظّفها بجملة واحدة: نحن إخوةٌ مسلمون، بيننا مشتركاتٌ كثيرةٌ، وما يجمعنا أكبر
بكثيرٍ ممّا يفرّقنا، وحسبنا أنّ جميعنا يشهد أن لا إله إلّا الله وأنّ محمّداً
رسول الله، وجميعنا نؤمن بهذا القرآن العظيم.
فإنْ كان محاورُك شيعيّاً إماميّاً مثلاً، وسبق لك
أن تعرّفت إلى بعض شيوخ الإمامية، فقل له: نحن يجب أن لا يكون بيننا حواجزُ
وحدودٌ، ويجب أن لا يتربّص بعضنا ببعض!
أنا حضرتُ على السيّد فلانٍ، والسيّد علّان، وبيننا
حوارات كثيرةٌ، وأنا أعدّه شيخي، ونحن المسلمين جميعنا شيعةُ آل بيت الرسولِ صلّى
الله عليه وآله وسلّم، بل إنّ أهلَ السنّة أكثرُ تشيّعاً لآل البيت من الشيعة
الإماميّة أنفسهم؟
سيقول لك مستغرباً: كيف ذلك؟
قل له: أنتم تعظّمون الرسولَ صلّى الله عليه وآله
وسلّم والسيدة خديجة والسيدة فاطمة والحسن والحسين، وتسعةً من ذرية الحسين، عليهم
السلام!
ولو أنّك تصفّحت «سيرَ أعلام النبلاء» للإمام
الذهبيّ السنيّ؛ لوجدته عظّم هؤلاء الأئمة الذين تعظّمون، وزاد عليكم تَعظيم مثلِ
الإمام زيد بن عليّ بن الحسين، والإمام يحيى بن زيد، والإمام محمّد بن عبدالله بن
الحسن، المعروف بالنفس الزكيّة، وعشراتٍ من أئمة آل البيت سواهم.
وليس هذا فحسب، بل إنّ أهل السنّة يحترمون ذريّة
الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم؛ ويصلّون عليهم؛ لأنهم وصيّة الرسول!
فقد أخرج البخاري (3369) ومسلم (407) - وهما أجلّ
كتابين من كتب الحديثِ، عند أهل السنةّ؛ أنّ الرسول صلّى الله عليه وآله وسلم قال:
(قُولُوا: اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ
وَأَزْوَاجِهِ وَذُرِّيَّتِهِ، كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ وَبَارِكْ
عَلَى مُحَمَّدٍ وَأَزْوَاجِهِ وَذُرِّيَّتِهِ، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى آلِ
إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ) وأنتم لا تصلّون على أزواجه ولا على ذريّته،
فمن أكثر حبّاً لآل البيتِ نحن أم أنتم؟
وأنا الفقير أستخدم هذا الأسلوبَ في خطابي الدعويّ،
وفي خطابي الاجتماعيّ.
عندما كنتُ معلّماً في سلطنة عُمان، التي ينتشر
فيها المذهبُ الإباضيّ؛ كنت أقول لطلّابي: ليس بيني وبينكم كبير خلافٍ، لو أنّكم
غيّرتم موقفَكم من الصحابة رضي الله عنهم، وخاصّة موقفَكم من عثمان وعليٍّ، رضي
الله عنهما.
وعندما كنت في العراق وخارج العراق؛ أكثرُ من قولي:
«أنا شيعيّ» وأقصد المعنى المتقدّم!
وأقول: «بيد أنني لست رافضيّاً، فأنا لا أؤمن
بالنصّ والتعيين والعصمة وانحصار الإمامة في ذرية الحسين، ولا أؤمن بالبداء ولا
بالرجعة ولا بالمهديّ».
فإذا كنت لا أؤمن بكلّ مُعتقدات الشيعةِ الإماميّة
هذه، فماذا بقي؟!
بقيَ أنّك أدخلتَ نفسَكَ في مسمّى التشيّعِ العامّ!
ألا ترى أنّ الشيعةَ الإماميّةَ يتعاطفون كثيراً،
حتى مع الذين يكفّرونهم ممّن يُحشَر تحت عنوان الشيعة؟
هم يُكفّرون الإسماعيليّةَ، وما تفرّع عنها من القرامطةِ
السبعيّةِ، ومن الفاطميين، ومن البُهرةِ، ومن النزاريّة (آغا خان) ومن الدروزِ، ويكفّرون
«النصيريّة»
لكنهم
يصطفّون معهم إذا خاصموا أهلَ السنّةِ، وينصرونهم بالحقِّ وبالباطلِ على حدٍّ
سواء!
وهؤلاء الإماميّةُ ينطبق عليهم الحديثُ الواردُ عن
رسولُ الله صلّى الله عليه وآله وسلّمَ أنّه قال: (مَثَلُ الَّذِي يُعِينُ
قَوْمَهُ عَلَى غَيْرِ الْحَقِّ؛ كَمَثَلِ بَعِيرٍ رُدِّيَ فِي بِئْرٍ، فَهُوَ
يَنْزِعُ مِنْهَا بِذَنَبِهِ) أخرجه الإمام أحمد (3801) وحسّنه بعض أهل العلم، وله
عدّة شواهد.
خامساً: يجب وجوباً علميّاً - لا عقائديّاً ولا
قضائيّاً - على من يقرأ صفحتي هذه أن ينتبه إلى أنّ العالمَ مطالَبٌ دائماً أن
يكون خطابُه دعويّاً، يَجمع ولا يفرّق، حتى في أشدّ الأزماتِ بين فِرَق المسلمين؛
لأنّ كلامَ العالم عند من يُتابعه أو يتّبعه «فتوى» وأكثر العوامّ لا يفهمون من
كلمة «هذا كافر» إلّا أنّه حلالُ الدم، يجوز قتلُه من قِبَل أيِّ مسلم!
وربما تشجّع ذلك العاميُّ، وذهب فقتل ذلك
المكفَّرَ، فيكون العالمُ شريكَ هذا الجاهلِ في قتلِ إنسانٍ، لا يَحلّ قتلُه؛ لأنّ
القتلَ لا يكون إلّا بعد محاكمةٍ شرعيةٍ عادلةٍ، ثمّ يقوم بالتنفيذ رجال الأمن
المختصّون، وليس ذلك لكلّ واحد!
وحتى لا يتزيّد عليَّ بعضُ الجهّال الموتورين؛ فأنا
من أكثر المتضرّرين من النظامِ المجرم السابق، ففي معارك الثورة الأخيرة (2012 -
2025) قتلَ النظامُ المجرم:
شقيقي الشهيد غازي.
وولدي الشهيد علي.
وابن شقيقي الشهيد حسام بن غسّان.
وابن شقيقيّ الشهيد محمود بن غسّان.
وابن عمي أحمد بن عدنان.
وابن عمي عمر بن نصر.
وابن عمي ماهر بن ضرار.
وآخرين لا تحضرني أسماؤهم.
سادساً: مفهوم «الثأر» ليس مفهوماً إسلاميّاً،
إنّما هو مفهوم جاهليّ باطل !
قَتلَ النظامُ المجرمُ المارقُ من أسرتي اثني عَشر
شهيداً، في معارك الثورة هذه، فهل أقومُ أنا فأقتلُ اثني عشر رجلاً، أو أكثرَ أو
أقلَّ من موظفي النظامِ السابق، بدعوى أنّ لي ثأراً عند النظام؟
ربما هناك من يفعل ذلك، بيد أنّ هذا ليس مشروعاً،
وفاعلُ ذلك سيحاسبُ في الدنيا والآخرة!
أمّا في الدنيا؛ فلأنّ القِصاصَ تقوم به السلطةُ
التنفيذيّة، ولست أنا.
وأمّا في الآخرة؛ فلأنّك قتلتَ رجلاً، لا تدري أهو
قاتلُ ابنِكَ أو شقيقكَ أم لا، على افتراض أنّك وليُّ الدم؟
ختاماً: يجب على العوامّ أن يَتّبعوا العلماءَ، لا
أن يقوموا هم بتصنيفِ العلماء: هذا صديقٌ وهذا عدوٌّ.
من حقّ العاميّ أن يقول: أنتَ قلتَ كذا وكذا يا
عداب، ما تقصد بهذا؟
فأقول له: أقصد كِيتَ وكِيتَ!
ولأنْ أكونَ مخطئاً في سبيلِ جمعِ الكلمةِ، وتخفيفِ
الاحتقانِ؛ خير ألفَ مرّةٍ من أن أقول كلاماً يقودُ إلى قتلِ مَن لا يستحقّ
القتلَ، أو يُشعلُ فتنةً، في بلدنا الذي لا يحتمل مزيداً من الخراب والقتل
والدمار.
مَع أنّ قلبي يَمتلئ قهراً وغيظاً وألماً من هذه
الطائفةِ «النصيريّة» التي قتلت أحبابي
ظلماً وعدواناً وعنصريّةً وقرمطيّة، ولا يَدينُ أكثرُ المنتسبين إليها بأيّ دينٍ!
ألا ترى كيف يرفضُ جميعُهم الحكمَ الإسلاميَّ،
ويفضّلون الحكمَ العلمانيَّ الكافر؟
إنّا للهِ وإنّا إليه راجعون.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق