اجتماعيات (64):
مَوقفُك من تعدّد الزوجاتِ !؟
بسم الله الرحمن الرحيم
(رَبَّنَا: عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا، وَإِلَيْكَ
أَنَبْنَا، وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ.
رَبَّنَا: لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلَّذِينَ
كَفَرُوا، وَاغْفِرْ لَنَا.
رَبَّنَا: إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ).
(رَبَّنَا: افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا
بِالْحَقِّ، وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِين).
كتبت إليّ إحدى طالباتي تقول: نحن بناتُك، نرجوك أن
لا تذكر بأنك تزوّجت مرّاتٍ متعددة، فإنّ هذا يؤذينا ويخيفنا بأن يقول أزواجنا:
هذا شيخكنّ وقدوتكنّ تزوّج خمسَ مرّات!؟
وإذْ إنّك من دون زوجةٍ، منذ سنواتٍ كثيرة، فما
الذي استقرّ عليه موقفك من هذا المباحِ البغيضِ إلينا نحن النساء؟
أقول وبالله التوفيق:
سأجيبكنّ بكلّ وضوحٍ وصراحةٍ وواقعيّةٍ، باختصار
شديد، إذ ليس لديَّ همّة لشيء!
أوّلاً: قال الله تعالى في كتابه الكريم: (وَإِنْ
خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ
النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا
فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا (3)
[النساء].
وأنا أفهم من هذه الآيةِ إباحَة تعدّد الزوجاتِ،
بمعزلٍ عن سبب التعدّد!
والذين يقيّدون دلالةَ الآيةِ؛ فإنما يفعلون ذلك
بدافعِ المصلحةِ، أو سدّ الذريعةِ، أو ضغطِ العُرْف، ونحو ذلك!
وليس في الآيةِ سوى قيدٍ واحدٍ (ذَلِكَ أَدْنَى
أَلَّا تَعُولُوا) فإذا كان خوفُ الفقر، أو خوفُ كثرة العِيالِ، الذي يقود إلى
الفقر أحياناً، يُعَدُّ قيداً قرآنيّاً، فلأن يكونَ الفقر ذاتُه مانعاً من
التعدّد؛ أولى وأدلّ!
ثانياً: يتعيّنُ على الراغب بالتعدّد - في ظروفنا
الحاضرة على الأقلّ - أن تكونَ أهدافُ التعدّدِ واضحةً لديه، في ضوءِ موقعِه الاجتماعيّ،
وفي ضوءِ عملِه وتخصّصه، وفي ضوء قُدرتِه الجسميّة والنفسيّة والماليّة!
فليس كلُّ راغبٍ بالزواجِ قادراً نفسيّاً، أو
جسميّاً، أو ماديّاً عليه!
ثالثاً: أحذّرُ طالبَ العلمِ الشرعيِّ والداعيةَ
إلى الله تعالى، والشاعرَ وكثيرَ السفرِ، من التعدّد!
إنّ التعدّد بحدّ ذاتِه مشكلةً من أصعبِ مشاكِل
الحياةِ البيتيّة، وأنا أعدّ استقرار بيت الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم، على
الرغم من كثرة زوجاتِه؛ أحدَ دلائل نبوّته!
ليس لدى العالمِ وقتٌ يضيّعه في فضِّ خصوماتٍ
صغيرة، بل تافهةٍ لديه، بينما هي مشاكل كبيرةٌ وخطيرةٌ لدى النساء!
وقلبُ الشاعر مرهفٌ، سريع التأثّر بالمواقف
الإنسانيّة، فربما أحسنت إحدى زوجاتِه عرضَ ألمها النفسيّ من ضرّتها، فضخّمت في
عينه الصغير، فكان هذا سبباً في طلاق زوجته الأخرى، أو الشكِّ بها، أو ظُلمها
وهجرها!
والداعيةُ إلى اللهِ، الذي من مبادئ دعوتِه الخروج
في سبيلِ الله شهوراً عديدةً؛ قد تصبر عليه الزوجة الواحدة لوفائها وحبّها له،
لكنّ حبّ الزوجة الأولى ينخرم، بل ينهدم عندما يتزوج عليها، وتمسي مضطرّةً للبقاءِ
على عصمته، من أجلِ أولادها منه غالباً!
فإذا سافر زوجها وأطال غيبته؛ ربما انتقمت منه
زوجتُه الأولى بإباحةِ شرفها، خاصّةً إذا كان فقيراً أو بخيلاً، وتركها وأولادَها
طمعاً بأن يهيّء الله لهم من يساعدهم!
وقد وقفتُ على شواهدَ عديدةٍ لمثل هذه الحالات
المأساويّة، وللأسف!
رابعاً: على الراغب بالتعدّد أن يوقن بأنّ مصروفَه
لن يتضاعف مرّةً ثانيةً، بل سيتضاعف ليصبحَ أربع مرّاتٍ في الحدّ الأدنى، ولم أعرف
امرأة تخاف الله تعالى، عندما يتزوّج زوجها عليها!
كنتُ جاهلاً حقّاً بنفسيّة المرأة وطباعِها
وأشواقِها، وكنتُ أحسبُ - كما يحسب أكثرُ أهل الخليج اليوم - أنّ غايةَ ما تبغيه
المرأة؛ هو النفقة والجنس!
ولأنّ المرأة تظنّ أنّ الرجل يفكّر بهذه الطريقةِ؛
فهي ترهقه ماليّاً وجسديّاً قبل قيامِه بالتعدّد في واقع الأمر!
وإذا قام الرجل بالتعدد فعلاً؛ فهي تكتشفه منذ
الأسبوع الأوّل!
إنّ أغلبَ رجالِ اليوم؛ لا يحتاجون إلى التعدد
أبداً؛ لأنّ مجتمعاتنا أضحت كاثوليكيّةَ التوجّه في علاقة المرأة بالرجل!
وأكثر من يحتاجون إلى التعدّد؛ هم الملوك والأمراء،
الذين يعنيهم توطيدُ علاقاتهم بشيوخ قبائلهم، في مجتمعاتٍ عربيّةٍ، ما تزالُ قبليّةَ
الأعرافِ الاجتماعيّة!
ختاماً: حدّثني الدكتور محمّد بن عبدالقادر، وهو
ممن يحبّ النساء كثيراً، وقد عدّد غيرَ مرّةٍ قال: سئل الراجحيّ - صاحب مصرف الراجحي
في الرياض - عن رأيه بالتعدّد، بعد عدّةِ أشهرٍ من قيامِه به؟
فقال: التعدّد زين جويّد للقويِّ الواجدِ!
وأزيد أنا عليه: ولمن كان عقلانياً، يغلبُ عقلُه
عواطفَه!
ولمن كانت له من التعدّد أهدافٌ أسمى، من متعة
الجنس، أمّا مَن يعدّد من أجل متعةِ الجنسِ وحسب؛ فأنا لا أقول: جميع النساء في المتعةِ
سواء، لكنّني أقول: الفوارق بينهنّ من هذه الزاوية؛ لا تستحقُّ العناءَ والإرهاق
ومضاعفة الإنفاق!
ولا حولَ ولا قوّةَ إلّا بالله العليّ العظيم!
(رَبَّنا: ظَلَمْنَا
أَنْفُسَنا، وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنا؛ لَنَكُونَنَّ مِنَ
الْخَاسِرِينَ).
هذا.. وصلّى الله على
سيّدنا محمّد بن عبدالله، وعلى آله وصحبه وسلّم تسليماً.
والحمد لله على كلّ حال.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق