مَسائِلُ مِن الفِقْهِ والأُصولِ (12):
أحاديثُ صحيحةٌ ليس عليها العَمَلُ !؟
بسم الله الرحمن الرحيم
(رَبَّنَا: عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا، وَإِلَيْكَ
أَنَبْنَا، وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ.
رَبَّنَا: لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلَّذِينَ
كَفَرُوا، وَاغْفِرْ لَنَا.
رَبَّنَا: إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ).
(رَبَّنَا:
افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ، وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِين).
كتب
إليَّ أحد الإخوةِ الأفاضل يقول: «أُعِدُّ تقريراً حول العبارة التي يطلقها فقهاءُ
ومحدّثون، وهي (أحاديث صحيحةٌ ليس عليها العمل) وأودّ أخذَ مشاركةٍ مختصرةٍ منك؛
لتضمينها في التقرير، وفيما يلي أسئلة محددة حول الموضوع:
(1)
من أوّل من أطلق تلك العبارة؟
(2)
وهل يمكن إيضاحُها وشرحها والسياق الذي قيلت فيه؟
(3)
ومتى يُستدلُّ بها؟
(4)
وهل تلك الأحاديثُ التي توصَف بالصحةِ، وليس عليها العمل؛ معلومةُ العدد؟
(5)
أو إنّها تختلف من محدّثٍ لآخر؟
(6)
وما هي مناهج الفقهاء والمحدّثين في التعامل معها»؟
أقول
وبالله التوفيق:
هذا
موضوعٌ يستحقّ أن تُفرَد له رسالةٌ علميّةٌ «ماجستير - دكتوراه» من طالب علمٍ واعٍ
مجتهدٍ حصيف!
وإذ
إنّ منشوري هذا مساهمةٌ وقتيّة، مثلُ لُفافةٍ تُقدَّم إلى جائعٍ لتسكّن جوعتَه؛
فسأقصر الجواب المباشر على التساؤلات الواردةِ في الرسالة السابقةِ مباشرةً!
أوّلاً:
أوّل من وقفتُ له على استعمل هذه الصيغةِ «ليس عليه العمل» من المحدّثين؛ هو
الإمام مالكٌ، في الموطّأ، بتحقيق الدكتور محمد مصطفى الأعظمي (259، 772، 1630،
2047، 2760).
ثانيا:
شَرْحُ هذا المصطلح: المالكيّة والحنفيّة يستعملون مصطلح «ليس عليه العمل» أو
«العمل على خلافه» مع اختلاف الاستعمال بينهم!
فالمالكيّة
يقصدون به أن يأتيَ خبرُ الواحدِ عن الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم، فيَعمل به
مَن جاء أحدُ الخلفاءِ الثلاثةِ الفقهاء بالمدينة (أبي بكرٍ وعمر وعثمان).
بعد
حوار طويلٍ بين الربيع، الذي يمثّل وُجهةَ نظر المالكيّةِ، وشيخه الشافعيّ في كتاب
الأمّ (7: 276) قال الربيعُ: «قُلْت لِلشَّافِعِيِّ: إنَّمَا ذَهَبْنَا إلَى أَنْ
نُثْبِتَ مَا اجْتَمَعَ عَلَيْهِ أَهْلُ الْمَدِينَةِ، دُونَ الْبُلْدَانِ
كُلِّهَا!
فَقَالَ
الشَّافِعِيُّ: هَذِهِ طَرِيقُ الَّذِينَ أَبْطَلُوا الْأَحَادِيثَ كُلَّهَا،
وَقَالُوا: نَأْخُذُ بِالْإِجْمَاعِ!
إلَّا
أَنَّهُمْ ادَّعَوْا إجْمَاعَ النَّاسِ، وَادَّعَيْتُمْ أَنْتُمْ إجْمَاعَ بَلَدٍ،
هُمْ يَخْتَلِفُونَ عَلَى لِسَانِكُمْ!
وَاَلَّذِي
يَدْخُلُ عَلَيْهِمْ؛ يَدْخُلُ عَلَيْك مَعَهُمْ، لَلصَّمْتُ كَانَ أَوْلَى بِكُمْ،
مِنْ هَذَا الْقَوْلِ!
قُلْت:
وَلَمْ؟
قَالَ
الشافعيُّ: لِأَنَّهُ كَلَامٌ تُرْسِلُونَهُ، لَا بِمَعْرِفَةٍ، فَإِذَا
سُئِلْتُمْ عَنْهُ؛ لَمْ تَقِفُوا مِنْهُ عَلَى شَيْءٍ يَنْبَغِي لِأَحَدٍ أَنْ
يَقْبَلَهُ!
أَرَأَيْتُمْ
إذَا سُئِلْتُمْ: مَنْ الَّذِينَ اجْتَمَعُوا بِالْمَدِينَةِ؟
أَهُمْ
الَّذِينَ ثَبَتَ لَهُمْ الْحَدِيثُ، وَثَبَتَ لَهُمْ مَا اجْتَمَعُوا عَلَيْهِ،
وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ حَدِيثٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ، صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؟
فَإِنْ
قُلْتُمْ: نَعَمْ؛ قُلْتُ: يَدْخُلُ عَلَيْكُمْ فِي هَذَا أَمْرَانِ:
-
أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ لَوْ كَانَ لَهُمْ إجْمَاعٌ؛ لَمْ تَكُونُوا وَصَلْتُمْ إلَى
الْخَبَرِ عَنْهُمْ، إلَّا مِنْ جِهَةِ خَبَرِ الِانْفِرَادِ (الواحد) الَّذِي
رَدَدْتُمْ مِثْلَهُ فِي الْخَبَرِ عَنْ رَسُولِ اللهِ.
فَإِنْ
ثَبَتَ خَبَرُ الِانْفِرَادِ؛ فَمَا ثَبَتَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ أَحَقُّ أَنْ يُؤْخَذَ بِهِ!
-
وَالْآخَرُ: أَنَّكُمْ لَا تَحْفَظُونَ فِي قَوْلِ وَاحِدٍ غَيْرِكُمْ شَيْئًا
مُتَّفَقًا «عليه» فَكَيْفَ تُسَمُّونَ إجْمَاعاً، لَا تَجِدُونَ فِيهِ عَنْ
غَيْرِكُمْ قَوْلًا وَاحِدًا؟
وَكَيْفَ
تَقُولُونَ: أَجْمَعَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
وَهُمْ مُخْتَلِفُونَ، عَلَى لِسَانِكُمْ، وَعِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ؟
فَإِنْ
قُلْتُمْ: إنَّا ذَهَبْنَا إلَى أَنَّ إجْمَاعَهُمْ «معناه» أَنْ يَحْكُمَ أَحَدُ
الْأَئِمَّةِ أَبُو بَكْرٍ أَوْ عُمَرُ أَوْ عُثْمَانُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ
بِالْمَدِينَةِ بِحُكْمٍ، أَوْ يَقُولَ الْقَوْلَ !؟
فَقَالَ
الشَّافِعِيُّ: إنَّهُ قَدْ احْتَجَّ لَكُمْ بَعْضُ الْمَشْرِقِيِّينَ «العراقيين»
بِأَنْ قَالَ: مَا قُلْتُمْ: «وَكَانَ حُكْمُ الْحَاكِمِ، وَقَوْلُ الْقَائِلِ
مِنْ الْأَئِمَّةِ؛ لَا يَكُونُ بِالْمَدِينَةِ إلَّا عِلْماً ظَاهِراً، غَيْرَ
مُسْتَتِرٍ، وَهُمْ يُجْمِعُونَ أَنَّهُمْ أَعْلَمُ النَّاسِ بِسُنَنِ رَسُولِ اللهِ،
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَطْلَبُ النَّاسِ لِمَا ذَهَبَ عِلْمُهُ
عَنْهُمْ مِنْهَا، يَسْأَلُونَ عَنْهَا عَلَى الْمِنْبَرِ وَعَلَى الْمَوَاسِمِ
وَفِي الْمَسَاجِدِ وَفِي عُرَامِ النَّاسِ.
وَيُبْتَدِؤونَ
فَيُخْبَرونَ بِمَا لَمْ يُسْأَلُوا عَنْهُ، فَيَقْبَلُونَ مِمَّنْ أَخْبَرَهُمْ
مَا أَخْبَرَهُمْ، إذَا ثَبَتَ لَهُمْ! فَإِذَا حَكَمَ أَحَدُهُمْ الْحُكْمَ؛ لَمْ
تُجَوِّزْ أَنْ يَكُونَ حَكَمَ بِهِ، إلَّا وَهُوَ مُوَافِقٌ سُنَّةَ رَسُولِ اللهِ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَغَيْرُ مُخَالِفٍ لَهَا، فَإِنْ جَاءَ حَدِيثٌ
عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَخَالَفَهُ مِنْ وُجْهَةِ
الِانْفِرَادِ؛ اُتُّهِمَ» ... إلخ كلام الشافعيّ.
-
وأمّا الحنفيّة: فيرَدّون خبرَ الواحدِ، الذي يخالفُ الكتابَ أو السنّة المشهورة
«التي عليها العمل» أو «ما تعمّ به البلوى» أوالقياسَ الجليّ، ويعبّرون بقولهم:
«يخالف الأصول» خاصّةً إذا جاءَ الحديثُ عن صحابيّ غير فقيه، مثل أبي هريرة وأنسٍ
وأبي سعيد الخدريّ على الانفراد، وليس عليه عملُ الصحابةِ؛ فهذا الذي يردّونه،
ويقولون: (ليس عليه العمل) أو نحوها من العبارات.
- وموقف الشافعيِّ من الأحاديث الصحيحةِ التي زَعم
الحنفيةُ والمالكية أنّه لم يُعمَلْ بها؛ ما قاله الربيع في الأمّ للشافعيِّ (7:
211): «فَإِنْ قُلْتُ: لَمْ يَعْمَلْ بِهَذَا أَحَدٌ بَعْدَ النَّبِيِّ، صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟
فَقَالَ الشَّافِعِيُّ: «قَدْ بَيَّنَّا لَك قَبْلَ
هَذَا، مَا نَرَى أَنَّا وَأَنْتُمْ نُثْبِتُ الْحَدِيثَ عَنْ النَّبِيِّ، صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَإِنْ لَمْ يُعْمَلْ بِهِ بَعْدَهُ اسْتَغْنَاءً
بِالْخَبَرِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، عَمَّا
سِوَاهُ فَلَا حَاجَةَ لَنَا بِإِعَادَتِهِ».
وقال الشافعيّ في الأمّ (7: 204): « يُكْتَفَى
بِمَا جَاءَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَا يُوهِنُهُ
إنْ لَمْ يُحْفَظْ أَنَّهُ عُمِلَ بِهِ بَعْدَهُ، وَلَا يَزِيدُهُ قُوَّةً أَنْ
يَكُونَ عُمِلَ بِهِ بَعْدَهُ وَلَوْ خُولِفَ بَعْدُ، وَكَانَتْ الْحُجَّةُ فِيمَا
رُوِيَ عَنْهُ، دُونَ مَا خَالَفَهُ...
ولَمْ نُوهِنْ نَحْنُ وَأَنْتُمْ هَذَا الْحَدِيثَ؛
بِأَنْ لَمْ يُرْوَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ وَلَا عُمَرَ وَلَا عُثْمَانَ وَلَا عَلِيٍّ
«رضي الله عنهم» أَنَّهُمْ فَعَلُوا مِثْلَ هَذَا، وَلَا قَالُوا: مَنْ فَعَلَ
مِثْلَ هَذَا؛ جَازَ لَهُ.
وَاكْتَفَيْنَا بِالْخَبَرِ لمّا ثَبَتَ عَنْ
رَسُولِ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَمْ نَحْتَجْ فِيهِ إلَى
أَنْ يَعْمَلَ بِهِ بَعْدَهُ غَيْرُهُ».
وهذا
يعني أنّ الشافعيَّ ومِن بَعدِه الإمامُ أحمد، وأكثر المحدّثين؛ لا يقيمون وزناً
لدعوى «ليس عليه العمل» لأنّها دعوى عامّةُ الظاهر، لكنها مخصوصةٌ عند المالكية
بمخالفة ما عليه العمل في المدينةِ، كما
يدّعون، وقد بيّن الشافعيّ في كتبه مخالفةَ المالكيّةِ حتى لبعضِ فقهاءِ أهل
المدينة!
وهي
دعوى عامّةٌ عند الحنفيّة أيضاً، وهي مخصوصة بما إذا خالف خبرُ الواحدِ ما هو أقوى
منه، أو خالفَ الأصول - كما تقدّم - وخاصّة إذا كان راويه من الصحابةِ غيرَ فقيهٍ
في نظرهم.
ثالثاً:
قول السائل: «هل تلك الأحاديثُ التي توصَف بالصحةِ، وليس عليها العمل؛ معلومةُ
العدد»؟
جوابُه:
جَميعَ أحاديثِ الأحكام التي زعم الحنفيّة أو المالكية أنْ «ليس عليها العمل»
مبثوثةٌ في تضاعيف كتب الفقه المدلّلة، ولا أعلم أحداً قام بإحصائها.
وأكثرُ
من وجدتُه جمعَ عدداً كبيراً منها في كتاب واحدٍ؛ هو الإمام عليّ ابن حزم، في
كتابه الماتع الإحكام في أصول الأحكام (2: 100) إذ قال: «نسألهم فنقول لهم:
عَمَلَ
مَن تريدون؟ أعَملَ أمةِ محمد صلى الله عليه وسلم كلِّهم، أمْ عَمَلَ عَصْرٍ دون
عصرٍ؟
أم
عَملَ محمّدٍ صلى الله عليه وسلم، أم عمل أبي بكر، أم عمل عمر، أم عمل
عثمان،
ولم يكن في المدينة إمامٌ غيرٌ هؤلاء؟
أم
عَمل صاحبٍ من سكان المدينة بعينه، أم عملَ جميع فقهاء المدينة، أم عمل بعضهم؟ ولا
سبيل إلى وجْهٍ غير ما ذكرنا!
فإن
قالوا: عمل أمة محمد صلى الله عليه وسلم كلّها؛ بان كذِبُهم؛ لأن الخلاف بين الأمة
أشهر من ذلك، وهم دأَباً إنما يتكلمون على من يخالفهم!
فإن
كانت الأمة مجمعةً على قولهم؛ فمع من يتكلمون إذنْ؟
وإن
قالوا: عصراً ما دون سائر الأعصار؛ بان كذِبُهم أيضاً، إذ كل عصر فالاختلاف بين
فقهائه موجود منقول مشهورٍ، ولا سبيل إلى وجودِ مسألة اتّفق عليها أهلُ عصرٍ ما،
ولم يكن تقدّم فيها خلافٌ قبلَهم، ثم اختلف فيها الناس، هذا ما لا يوجد أبداً.
فإن
قالوا: عمل رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ أريناهم أنهم أتركُ الناس لعَمَلِه عليه
السلام، بل لآخرِ عملِه!
فإنهم
رووا أن آخرَ عمله؛ كان الإفطار في رمضان في السفر، والنهي عن صيامه؛ فقالوا هم:
الصوم أفضل!
وكان
آخرَ عمله عليه السلام الصلاةُ بالناس جالساً وهم أصحاءُ وراءَه:
-
إمّا جلوسٌ على قولنا!
-
وإما قيامٌ على قول غيرنا؛ فقالوا هم: صلاة من صلى كذلك باطلة!
ورووا
في الموطأ أنه صلى الله عليه وسلم كان إذا اغتسل من الجنابة؛ أفاض الماء على جسده؛
فقالوا هم: طهور من تَطهّرَ كذلك؛ باطلٌ حتى يَتدلّكَ!
ورووا
أنه صلى الله عليه وسلم كان يرفع يديه في الصلاة إذا ركع وإذا رفع؛ فقالوا «ليسَ عَليهِ
العَمَلُ»!
ورووا
أنه صلى الله عليه وسلم صلى فقرأ بالطور في المغرب بـ]المرسلات[ وكان ذلك في آخر عمره صلى الله عليه وسلم، فقالوا: «ليسَ عَليهِ
العَمَلُ»!
ورووا
أنه صلى الله عليه وسلم، كان إذا أم الناس فأتمَّ أُمَّ القُرآن قال آمين؛ قالوا:
«ليسَ عَليهِ العَمَلُ»!
ورووا
أنه عليه السلام سجد في ]إذا السمآءُ انشقّت[ فقالوا: «ليسَ عَليهِ العَمَلُ»! ورووا أنه صلى الله عليه وسلم
صلى بالناس جالساً وهم جلوس وراءه؛ فقالوا صلاة من صلى كذلك باطلة «ليسَ عَليهِ
العَمَلُ»!
ورووا
أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه: ابتدأ الصلاةَ بالناس، فأتى النبي صلى الله عليه
وسلم فدخل، فجلس إلى جنب أبي بكر رضي الله عنه، فأتم عليه الصلاة بالناس فقالوا: «ليسَ
عَليهِ العَمَلُ» ومن صلى هكذا بطلت صلاتُه!
ومِن
البديع أن بعضهم قال: صلاتُه عليه السلام في غزوة تبوك، خلف عبد الرحمن بن عوف
ناسخةٌ لهذا العمل!
قال
علي: وهذا كلامٌ لو قيل لقائله: أَسِفَّ ما شئتَ واجتَهِدْ؛ ما قدر بأن يأتي بأكثر
مما أتى به «يقصد من الإسفاف!» لوجهين:
أحدهما:
أن صلاتَه عليه السلام خلف عبد الرحمن بن عوف، التي ادّعوا أنها ناسخةٌ؛ كانت في
تبوك، وصلاتُه عليه السلام إلى جنب أبي بكر التي ادّعوا أنها منسوخةٌ؛ كانت قبل
موته عليه السلامُ بخمسِ ليالٍ فقط!
وهي
آخر صلاة صلّاها رسول الله صلى الله عليه وسلم بالناس، فكيف ينسخ أمرٌ كان قبل
موته عليه السلام بأشهرٍ أمر صلاتِه عليه السلام خلف عبد الرحمن بعد صلاته خلف أبي
بكر؟
ورووا
أنه عليه السلام جمع بين الظهر والعصر في غير خوف ولا سفر؛ فقال مالك أرى ذلك كان
من مطرٍ، فقالوا: «ليسَ عَليهِ العَمَلُ» لا في مطرٍ ولا في غيره!
ورووا
أنه عليه السلام أُتِيَ بصبِيٍّ، فبال على ثوبِه، فدعا بماءٍ فأتْبَعَه إيّاه، ونضَحَه،
ولم يَغسلْه؛ فقالوا: «ليسَ عَليهِ العَمَلُ» وهذا لا يطهر الثوبَ، ومن صلى بثوبٍ
هذه صفتُه؛ صلّى بنَجِسٍ، فعلّموا نبيَّهم صلى الله عليه وسلم ما لم يَكُنْ في عِلمِه،
وجعلوه مُصلّياً بثوب نجِسٍ، تعالى الله عما يقولون عُلوّاً كبيراً.
وأورد
ابن حزمٍ عدداً آخر من الأحاديثِ الصحيحةِ التي قالوا: «ليس عليها العمل» ما لو
جمعه طالب علمٍ، وحرّر مذاهبَ العلماءِ فيه؛ لجاء بحثاً قيّماً مفيداً.
ختاماً:
هذا بحثٌ طويلٌ، تجِدُ مختصرَه في كتاب الأم للشافعيّ، تحت ترجمة «كتاب اختلاف
مالكٍ والشافعيّ» (8: 513 - 778) إذْ كثيرٌ من مسائل الخلاف بين الإمامين؛ مردّها
إلى إعراض مالكٍ عن خبر الواحد، بدعوى مخالفته عملَ أهل المدينة!
وانظر
تفصيل ذلك في كتاب «مناقشات الشافعيّ للمالكيّة في موقفهم من السنّة» للدكتور
إسماعيل بن رفعت فوزي عبدالمطّلب المصري.
ويبدو
أنّ هذا الكتابَ؛ هو أطروحةُ الدكتور إسماعيل للدكتوراه (انظر: ص 3، 707).
وقد
جاءت هذه الدراسة في مجلّد ضخمٌ، يقع في (769) صفحة طباعيّة.
والكتاب
بجملته مفيدٌ للمحدّث والأصوليّ والفقيه.
وانظر
أيضاً كتابَ «ردّ الحديث من جهة المتن» للدكتور معتزّ الخَطيب الدمشقيِّ، وأصل
الكتاب؛ أطروحته للحصول على درجة الدكتوراه في الحديث النبويّ، من جامعة أمّ درمان
الإسلامية، عام (2009).
وانظر
منه خاصّةً مبحث «مخالفة الحديث للعمل المتوارث» (ص: 427 - 447) وهو آخر
مبحثٍ في الكتاب قبل الخاتمة.
وفي
مقدمة هذا الكتاب (ص: 17 - 25) تحت عنوان «الدرسات السابقة التي لها صلةٌ
بالموضوع» أورد
المؤلّف أسماءَ عددٍ وافرٍ من الكتب التي تناولت هذا الموضوع أو طرفاً منه،
فانظرها ثمّة.
وانظر
أيضاً كتابَ «علل الأصوليين في ردّ متن الحديثِ والاعتذار عن العمل به» للدكتور
بلال بن فيصل البحر العراقيّ، والكتابُ أطروحتُه للحصول على درجة الدكتوراه، فيما
يبدو (انظر ص: 597).
وخاصّة
منه الفصلَ الثاني «الاعتذار في ردّ الحديث بكونه متروك الظاهر» (ص: 353 - 518).
والله
تعالى أعلم
(رَبَّنا: ظَلَمْنَا
أَنْفُسَنا، وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنا؛ لَنَكُونَنَّ مِنَ
الْخَاسِرِينَ).
هذا.. وصلّى الله على
سيّدنا محمّد بن عبدالله، وعلى آله وصحبه وسلّم تسليماً.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق