التَصَوُّفُ العَليمُ (3):
الصوفيّةُ بَينَ الاتّباعِ والابتداع !؟
بسم الله
الرحمن الرحيم
(رَبَّنَا: عَلَيْكَ
تَوَكَّلْنَا، وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا، وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ.
رَبَّنَا: لَا تَجْعَلْنَا
فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا، وَاغْفِرْ لَنَا.
رَبَّنَا: إِنَّكَ أَنْتَ
الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ).
(رَبَّنَا: افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا
بِالْحَقِّ، وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِين).
أيها الصوفيّة الأحبّة:
(يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا: اتَّقُوا اللهَ،
وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ.
وَاتَّقُوا اللهَ؛ إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِمَا
تَعْمَلُونَ (18).
وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللهَ،
فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ.
أُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (19) [الحشر].
(يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا: إِنْ تُطِيعُوا
فَرِيقًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ؛ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ
كَافِرِينَ (100) [آل عمران].
(يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا: أَطِيعُوا اللهَ،
وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ.
فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ؛ فَرُدُّوهُ إِلَى
اللهِ وَالرَّسُولِ،إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ.
ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا (59)
[النساء].
(يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا: كُونُوا
قَوَّامِينَ للهِ، شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ.
وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا
تَعْدِلُوا.
اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى، وَاتَّقُوا اللهَ؛
إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (8).
وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا
الصَّالِحَاتِ، لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ (9) [المائدة].
أيها الإخوةُ المؤمنون: إنّ التصوّفَ العليمَ؛ يعني
القيامَ لله تعالى في مرتبة الإحسان:
(أن تعبدَ الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه؛ فإنّه
يراك) أخرجه البخاريّ في كتاب الإيمان (50) ومسلم في الإيمان (9).
تعبدُ الله تعالى بتوحيده، فلا تشركُ معه أحداً من
خلقِه، لا في ذاته، ولا في صفاته، ولا في أفعاله.
والأنبياء والأولياء والصالحون والشهداء، جميعهم
عبيدٌ لله تعالى، وجميعهم مفتقر إلى عفوِ الله تعالى ورحمته!
تعبدُ الله تعالى بالفروض العينية التي افترضها
الله تعالى عليك: من طهارة وصلوات وصيام وزكاة وحجّ وجهادٍ وأمرٍ بالمعروفِ ونهيٍ
عن المنكر.
وتعبدُ الله تعالى فيما ندبك إليه، من تلاوة القرآن
الكريم، وقيام الليل والأذكار المتنوعة الواردة في كتاب الله تعالى، والأدعية
الواردِة في كتاب الله تعالى وصحيح السنة!
قال الله تعالى: (اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ
الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ
وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ
(45) [العنكبوت].
أيها الصوفيّ السالك: ليكنْ همُّك مجموعاً على
عبوديّة الله تعالى، ولا تتطلّع إلى الكشف والفتح والتسخير والتصريف والعروج،
وأمثالِ هذه الكلمات التي يضلّ بتخيّلها كثيرٌ من الناس!
واعلم أنّ الله تعالى طالبك بالعبادةِ، ووعدك
بالثواب، ووعدُه بالثوابِ حقّ نافذ، لكنّ الأصل فيه النجاةُ يوم القيامةِ!
وقد يتلطّف الله تعالى ببعض عبادِه، فيكشف لهم أشياءَ؛
ليزدادوا إيماناً ويقيناً.
وربما كشف لبعضهم عن أشياءَ لطفاً بهم ليبعِدَ عنهم
الشكّ ووساوس الشيطان!
فلا تظنّن هذا الذي كُشِفَ له؛ هو خيرٌ ممن لم يكشف
له، ولا تتطلّع إلى الكشف والفتح وغيرهما مما تقدّم؛ لأنك إذا تطلّعت إلى الجزاءِ؛
افترضتَ أنّ عملك قد قُبل حتماً، ثم اعتقدتَ أنّ على الله تعالى أن يكافئك، وهذا
اعتقادٌ باطل!
إذ جميع ما نستطيع القيامَ به من الطاعات طيلةَ
أعمارنا؛ لا يعادل نعمةَ الحياةِ التي منحنا الله تعالى إياه؛ لنتشرّف بأن نكون فيها
من عبيده!
أيها الشيخ الصوفي الكريم:
أيها السالك الصوفيّ الكريم:
إيّاك أن تتقرّب إلى الله تعالى بغير ما شرع اللهُ،
وأراد منّا التزامَه!
فالتزم بما جاء في القرآن العظيم، وفق ما فهمه
علماء الأمّة المتخصّصون.
والتزم بما جاء في كتاب «رياض الصالحين» وكتاب «الأذكار»
للإمام النوويّ، رحمه الله تعالى.
ولا تعدوهما إلى أيّ كتابٍ آخر، من الكتب الكثيرة
المتداولة بين الناس؛ فإنّ هذين الكتابين اختيار عالم محدّث أصوليٍّ فقيه صوفيٍّ
ربّاني، وليتني أنا قبلَك أستطيعُ المواظبةَ على قراءةِ كتابِ الله تعالى وقراءة
هذين الكتابين، والعملَ والامتثال لما فيها.
ولستَ بحاجةٍ في سلوكك إلى الله تعالى، إلى أيِّ
حديثٍ خارجَ هذين الكتابين، حتى لو وجدتَ الحديثَ في كتبٍ مشهورةٍ متداولةٍ بين
السادةِ الصوفيّة؛ لأنّ السادة الصوفية عُنوا بالتربية والتزكية وتقويم الأخلاق، واختاروا
أن يكونوا من الذاكرين الله كثيراً والذاكرات، ومن محبّي رسول الله صلّى الله عليه
وآله وسلّم، فأشغلوا ما لديهم من وقتٍ، في ليلهم ونهارهم بذكر الله تعالى، وكثرة
الصلاة والسلام على الرسول، ولم يصرفوا همّتهم إلى التخصّص العلميّ في الكلام
والتفسير والحديث والأصول والفقه واللغة.
ولَعَمْري إنّ ما التزموه، وأشغلوا أنفسهم به؛ خير
عظيمٌ، واختيار سليم، لا يسلكه إلّا المهتدون الموفّقون!
أيها الأحباب الذاكرون: الزموا التصوّف العليم،
الذي تقدّم ذكر معالمه النبيلة الكريمة!
واحذروا ثم احذروا ثم احذروا التصوّف الفلسفيّ
المقيتَ، فهو بجميع مدارسه يقود إلى الضلال؛ لأنّ الصوفيّ المتفلسفَ، متى تبحّر في
تصوّفه الفلسفيّ؛ يصبح يرى الوهم حقيقةً، والخيالَ واقعاً، وحديثَ النفس وأمنياتها
كشفاً وفتحاً وعروجاً!
وأنا لا يسوؤني أبداً أن يكون الحلّاج والسرّاج وابن
عربيّ، وابن الفارض، والسهروريّ، وابن سبعين، وأمثالهم من أرباب التصوّف
الفلسفيّ... أن يُدْخِلَهم الله تعالى في رحمته، هذا لا يسوؤني أبداً!
مثلما لا يسوؤني أن يُدخل الله تعالى في رحمته سلفَكم
الصالح من المجسّمة والمشبهة المهووسين بحدّثنا وأخبرنا، من دون عقلٍ ولا وعي، من
أمثال عبدالله بن أحمد، والبربهاريّ، وابن بطّة، ومئاتٍ من أضر ابهم!
احذروا كتب الحلّاج، وكتب ابن عربيّ، وقصائد ابن
الفارض، والوحدة المطلقة لابن سبعين، فإنّ أحسنَ أحوالها - إذا افترضنا فيها حسناً
- أنّها ليست مما طالب الله تعالى عبادَه بمضامينها.
ولا تغترّوا بثناءِ مشايخ الصوفية على هؤلاء الفلاسفةِ
وأمثالهم، فنحن أمّة اعتادت تقديس المتقدّم في التاريخ، والمشهورَ من الخلق، والقاتل
الفاتح!
والتزموا تصوّف الإمامَ عليّاً الرضا عليه السلام،
الذي ورّثه معروفاً الكرخيّ وغيره، ثمّ ورّثه معروفٌ الكرخيّ السريَّ السقطيَّ،
ثمّ ورثه السريُّ الجنيدَ البغداديّ!
تصوّف اقتداء واتّباع، لا تصوّف أهواءٍ وابتداع!
وأسألُ اللهَ أنْ يوفقني وإياكم إلى طاعته وحسن
عبادته.
(رَبَّنا: ظَلَمْنَا
أَنْفُسَنا، وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنا؛ لَنَكُونَنَّ مِنَ
الْخَاسِرِينَ).
هذا.. وصلّى الله على
سيّدنا محمّد بن عبدالله، وعلى آله وصحبه وسلّم تسليماً.
والحمد لله على كلّ حال.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق