التَصَوُّفُ العَليمُ (4):
مَعالِمُ التَوبةِ
النَصوحِ !؟
بسم الله
الرحمن الرحيم
(رَبَّنَا: عَلَيْكَ
تَوَكَّلْنَا، وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا، وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ.
رَبَّنَا: لَا تَجْعَلْنَا
فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا، وَاغْفِرْ لَنَا.
رَبَّنَا: إِنَّكَ أَنْتَ
الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ).
(رَبَّنَا: افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا
بِالْحَقِّ، وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِين).
طَلَب مني أحدُ الإخوةِ أن أتوبَ إلى الله تعالى،
من التعرّض إلى كبار أوليائه، وخواصّ أحبابه، وأشرافِ محبّيه!؟
أقول وبالله التوفيق:
اللهم إني أستغفرك وأتوب إليك من كلّ ذنبٍ، أو
خطيئةٍ، أو خطأٍ ارتكبتُه عامداً، أو ساهياً، أو ناسياً، أو متوهّماً، أو مجتهداً
فيه!
وأشهدك يا ربي؛ أنني أحبُّ جميعَ المؤمنين، وأكثرُهم
طاعةً لك؛ أحبُّهم إليّ!
وأشهدكَ يا ربي؛ أنني أبغض الكافرين والمنافقين
بأعيانهم وأفعالِهم، وأبرأ إليك من أقوالهم وأعمالهم وآثارهم.
وإنّ آل بيت رسولك محمّدٍ صلّى الله عليه وآله
وسلم؛ أحبُّ الناسِ إليّ بعد النبيين والمرسلين، ومن بعدهم صالحي ذرّيتهم إلى يومِ
الدين.
وإنّ صحابةَ نبيّك السابقين الأوّلين، من الأنصار
والمهاجرين - ما عدا ندرةً من المغيّرين - هم أحبّ الخلقِ إليّ بعد الآل الطيّبين!
وإنّ العلماءَ العاملينَ، والأئمة المجتهدين؛ أحبُّ
إليّ من العبّادِ الصالحين!
وإنني يا ربي عبدُ رقٍّ لأوليائك وعبادِك الصالحين،
الذين يوالون ويعادون فيك!
أيها الإخوةُ المؤمنون: إنّ من عبادِ الله الصالحين
بعد الصحابةِ الكرام؛ مَن اتّفقت كلمة علماءِ الأمة وعبّادها على الشهادة لهم
بالتقوى والصلاح والاستقامة، من أمثالِ معروفٍ الكرخيّ، والسريّ السقطيّ، والجنيد
البغداديّ، وعبدالقادر الجيلانيّ، وأحمد الرفاعيّ، سادتي وقُداتي، وبهم إلى الله
تعالى قربتي، رضي الله عنهم وعن أمثالهم أجمعين!
ومِن عِبادِ الله تعالى بعد الصحابة الكرام؛ من
اختلفت كلمةُ علماءِ الأمّة وعبّادِها في الشهادة لهم بالتقوى والصلاح والاستقامة،
من أمثالِ:
شهاب الدين يحيى بن حَبَش السهرورديّ (ت: 587 هـ).
وشرف الدين عمر ابن الفارض الحمويّ (ت: 632 هـ)
[يعني من بلدنا حماة]!
ومحيي الدين محمّد بن عليّ ابن عربي الحاتمي (ت:
638 هـ).
وقطب الدين عبدالحقّ بن إبراهيم ابن سبعين الإشبيلي
(ت: 669 هـ).
والسيّد أحمدَ بن عليّ البدويّ السطوحيّ الملثّم
(ت: 675 هـ).
وعفيف الدين سليمان بن عليّ التلمسانيّ (ت: 690 هـ)
وأمثالهِم كثيرين.
وأنا الفقيرُ قد اطّلعت على جانبٍ مما كَتَبَ هؤلاء،
أونُقِلَ عنهم، واطّلعت على جانبٍ كبيرٍ
ممّا كُتب عنهم.
وأنا أتوقّف في أحوالِهم، وأكِلُ أمورَهم وأحوالَهم
إلى الله تعالى، لا أكفّر ولا أفسّق ولا أضلّل ولا أزندق أحداً منهم ومن أمثالهم.
بيد أنني أنظر إلى ما ثبتَ عنهم، أو نُقِلَ من
كتبهم، أو نُسبَ إليهم؛ فأحاكمه إلى كتابِ الله تعالى، وإلى صحيح سنّة الرسول صلّى
الله عليه وآله وسلّم، وإلى أقوال المجتهدين من العلماء، ثمّ أحكمُ على تلك
الأقوال بما تستحقّه من القَبولِ أو الردّ، من دون التعرّضِ إلى أعيانهم.
مع ضرورةِ التنبيه إلى أنّ الفلسفةَ - كلّ الفلسفة
- وإن كانت تُعنى بالوجود، إلّا أنّ سبيلها إلى ذلك العقلُ وحده، ولأنّ العقول
تتفاوت؛ فستكون نتائجها في تفسير الوجود والحياة متغايرةً من دون شكٍّ، وجميع أضرب
الفلسفة؛ لا توصلُ إلى الإيمانِ الذي أراد الله تعالى من عبادِه أن يؤمنوا به.
ومن منجهي أنا الفقيرُ إلى الله تعالى؛ أنني أتأوّل
كلامَ الله تعالى، وأقلّب وجوه النظرِ في فهمه على أحسن ما أستطيع، وأتأوّل
الثابتَ الصحيح عندي مما نُسبَ ورويَ عن الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم، بفهمي
أنا وفقهي أنا، مستعيناً بفهم علماءِ الأمّة وأذكيائها من المتقدّمين والمتأخرين
والمعاصرين، من دون أن يكون فَهمُ أحدٍ منهم مُلزماً لي في شيءٍ، حتى لو كانوا
مائةَ عالم؛ لأنني تيقّنت أنّ المتأخّر يقلّد المتقدّم تتابعاً، من دون تمحيصٍ ولا
تقويمٍ، في كثيرٍ من الأحيان.
لكنّني لست مطالباً بأن أتأوّل قولَ أيِّ أحدٍ من
البشر، وعلى الذين يتصدّرون للكتابةِ أن يكونوا واضحين، شجعاناً، يقدّمون ما لديهم
بمنتهى الصراحة والوضوح! وبناءً على هذا؛
فلا أجدني متحمّساً لتأويل قول أحدهم: (ما في الجبّة إلا اللهُ) أو قول الآخر: (سبحاني
ما أعظم شاني) أو قول ثالث:
وما الكلب والخنزير إلّا إلهه = وما الحقّ إلّا
راهبٌ في كنيسة
أو قول غيره: (سبحان من أظهر الأشياءَ، وهو عينُها).
أو قوله: (ما وصفنا الحقَّ بوصفٍ؛ إلّا كنا نحن ذلك
الوصفَ).
أو قوله: فما نظرت عيني إلى غير وجهه = ولا سمعت
أذني خِلافَ كلامه
ظاهرُ هذا
الكلام كلّه؛ كفرٌ بواح، لا نقرؤه، ولا نقرئه، ولا نقرّه، ولا نتأوّله!
قال الإمامُ الذهبيُّ في النبلاء (23: 48): وَمِنْ
أَرْدَأِ تَوَالِيفِ ابن عربي؛ كِتَابُ «الفُصُوْصِ» فَإِنْ كَانَ لاَ كُفْرَ
فِيْهِ؛ فَمَا فِي الدُّنْيَا كُفْرٌ، نَسْأَلُ اللهَ العَفْوَ وَالنَّجَاةَ،
فَوَاغَوْثَاهُ بِاللهِ»!
ختاماً: بمناسبةِ مطالبتي من بعضكم بالتوبة؛ فإنني أذكّر
إخواني القرّاء بما قاله أحدُ أئمّة التصوّف، في معالمِ التوبةِ النصوحِ، رجاءَ أن
نتوبَ إلى الله جميعاً وَفقها.
قال أبو الفَيضِ ذو النون بن إبراهيم المصريّ
الإخميميّ (ت: 245 هـ) رضي الله عنه وقد سئل عن التوبة؟!
«التَّوْبَةُ: اسْمٌ جَامِعٌ لِمَعَانٍ سِتَّةٍ:
أَوَّلُهُنَّ: النَّدَمُ عَلَى مَا مَضَى!
الثَّانِي: الْعَزْمُ عَلَى تَرْكِ الذُّنُوبِ فِي
الْمُسْتَقْبَلِ.
الثَّالِثُ: أَدَاءُ كُلِّ فَرِيضَةٍ ضَيَّعْتَها،
فِيمَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ اللهِ تَعَالَى.
الرَّابِعُ: أَدَاءُ الْمَظَالِمِ إِلَى
الْمَخْلُوقِينَ، فِي أَمْوَالِهِمْ وَأَعْرَاضِهِمْ.
الْخَامِسُ: إِذَابَةُ كُلِّ لَحْمٍ ودَمٍ نَبَتَ مِن
الحَرامِ.
السَّادِسُ: إِذَاقَةُ الْبَدَنِ أَلَمَ
الطَّاعَاتِ، كَمَا ذَاقَ حَلَاوَةَ الْمَعْصِيَةِ»
نقلاً عن مفاتيح الغيب للإمام فخر الدين الرازي (3:
471) رحمه الله تعالى.
أسألُ الله تعالى أن يتوب علينا توبةً نصوحاً،
ترضيه تعالى، ويرضى بها عنا ويسامحنا أجمعين.
(رَبَّنا: ظَلَمْنَا
أَنْفُسَنا، وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنا؛ لَنَكُونَنَّ مِنَ
الْخَاسِرِينَ).
هذا.. وصلّى الله على
سيّدنا محمّد بن عبدالله، وعلى آله وصحبه وسلّم تسليماً.
والحمد لله على كلّ حال.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق