ضَرائِبُ النَسَبِ الشَريفِ (2):
ماذا عن
الأشرافِ الأُخَيْضِريّة ؟!
بسم الله الرحمن الرحيم
(رَبَّنَا:
عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا، وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا، وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ.
رَبَّنَا: لَا
تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا، وَاغْفِرْ لَنَا.
رَبَّنَا: إِنَّكَ
أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ).
(رَبَّنَا: افْتَحْ
بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ، وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِين).
سألني أحدُ
الإخوةِ عن الأشراف الأخيضريّةِ في نجدٍ والحجاز؛ هم أنفسهم الذين يُطلِقُ عليهم
أهل نجدٍ «خضيري»
وهل من كتبٍ مطبوعةٍ، تعرّفنا بتاريخهم ؟!
أَقول
وباللهِ التوفيق:
يحسن
الإجابةُ على هذه التساؤلاتِ؛ بفقراتٍ متسلسلة وجيزة!
أوّلاً: نحن
آلَ البيتِ؛ منتشرون في شتّى بقاعِ الأرض، من الصين واليابان شرقاً إلى الأمريكيتين
غرباً، لأسبابٍ عديدةٍ.
وقد كتب
النسّابةُ الشريفُ إبراهيم بن ناصر ابن طباطبا العلويّ كتاباً سمّاه «مُنتقلَة
الطالبيّة» ذكر فيه أسماءَ الأقاليم والبلدان التي رحل إليها الطالبيّون
واستوطنوها.
وقد صدر
الكتابُ عن مؤسّسةِ التاريخ العربيّ ببيروت، عام (1431 هـ).
ثانياً: مع
بداية القرن السادس الهجريّ؛ بدأت حكوماتُ الأعاجمِ (التركُ والفُرسُ والكُرْد)
تفرض على الشعوبِ التي تحكمها مذهباً فقهيّاً معيّناً من المذاهب الإسلاميّة
السائدة في تلك البلاد؛ لأنّ نسبة (999%) من الأعاجم لا يعرفون العربيّة، فطَرْحُ
مسائل الخلافِ العقديّ والفقهيّ عليهم يشوّش عليهم القليلَ الذي يعرفونه من الدين،
ومع مرور الزمان؛ دخلَت حمولاتٌ وبيوتاتٌ من آل البيت في مذاهب البلدان التي
يقيمون فيها، حتى إنني التقيتُ بهاشميّين إباضيّة، في سلطنةِ عُمان.
وكانت إحدى
طالباتي التي أقرأتهنّ شيئاً من القرآن الكريم هناك هاشميّةً، سألتها: أنت هاشميّة
قرشيّةٌ؛ قالت: نعم!
قلت لها:
هاشميّة وإباضيّةٌ كيف؟
قالت: لا
أدري، لكن هذا ما عليه أهلنا منذ قديم الزمان !؟
ثالثاً:
أثراً ممّا تقدّم؛ فقد اختلفت رؤانا الفكريّة والفقهيّة في جواب السؤال الآتي؟
هل قيادةُ
الأمّة حقٌ لذراري السبطين الحسن والحسين عليهما السلام، من دون بقيّة الخلق، كما
يقول السادةُ الزيديّة؟
أو إنّ حقّ
قيادةِ الأمّة للأئمّة الإثني عشرَ، الذين غَيّبَ الإماميّة آخرَهم نظريّاً، وبقيت
الأمّة عندهم من دون إمام حتى جاء إمامَهم الخُمينيُّ، فتبنّى فكرةَ ولايةِ
الفقيه، وقام بثورةٍ شاملةٍ في إيران الفارسيّة؛ أورثت جمهورية إيران الإسلاميّة
الشيعيّة؟
أو إنّ كبارَ
علماءِ وساسةِ آل البيتِ؛ أولى بقيادةِ الأمّةِ من غيرهم، عندما تتكافأ قُدراتُ
الشخصيّات، كما يقولُ الفقير عداب الحمش؟
أو إنّ
كبارَ علماءِ وساسةِ آل البيتِ؛ مثلهم مثل غيرهم من بقيّة المسلمين، ومَن يختاره
أهل الحلِّ والعَقدِ؛ يكون إمامَ الأمة وقائدَهم، كما عليه أهل السنّة بمذاهبهم؟
علماءُ
وسادةُ آل البيت حتى نهايةِ القرنِ الخامس الهجريّ؛ من النادر أن تجدَ فيهم
سنيّاً، إنما كانوا شيعةً زيديّةً أو إسماعيليّةً أو إماميّةً!
وكان
الإماميّةُ عاطلين تماماً في الجانب السياسيّ، نتيجةَ تشريع السفراء المحتالين
المتآمرين لهم بعدم جواز الدخول في السياسةِ، حتى يظهر قائمُ الزمان، الحُجّةُ،
المهديُّ المنتظر، فيكون هو قائدَ الأمّةِ وإمامَها، فكانوا موافقين عمليّاً لأهل
السنّة في هذا الجانب: مَن يتغلّبُ على السلطة؛ يخضعون له خضوع أهل السنّة تماماً!
وفي كلّ
عامٍ منذ عام (328 هـ) وحتى اليوم؛ يخرجَ علينا غير واحدٍ يبشرّ بأنّ المهديّ
سيظهر هذا العام، في موسم الحجّ، ولم يظهر سوى أدعياء المهدويّة الشطّار !؟
رابعاً:
قامت الدولةُ الأخيضريّة الزيديّةُ في الحجاز أوّلاً، ونتيجةَ كثرةِ ضغوطاتِ
الدولة العبّاسية عليها، لما لمكّة المكرّمة والمدينة والمنوّرة من رمزيّةٍ دينية
وسياسيّة؛ انتقلت الدولة الأخيضريّة من إقليم الحجاز إلى إقليم اليمامة، الذي هو
أعمّ من نجدٍ في نظري!
واستمرَّ
حكمها هنالك - بين مدٍّ وجزرٍ في الاتّساع والانحسار، منذ العام (232 هـ) حتى
منتصف القرن السادس الهجريّ (567 هـ).
وكان أوّلَ
أئمّة الدولة الأخيضريّة الزيديّةِ في اليمامةِ وما حولها؛ الإمامُ الناصر لدين
الله إسماعيلُ بن يوسف بن إبراهيم بن موسى الجَون (ت: 252 هـ) رحمهم الله تعالى.
وكان آخرَ
أئمّة الدولةِ الأخيضريّةِ في اليمامة؛ إسماعيلُ بن يوسف بن محمّد بن محمّد «كِرْزاب»
(ت: 495 هـ).
وبقيت
اليمامةُ دون سواها في يد بني الأخيضر بعد محمّد «كِرْزاب»
حتى انتهى مُلكُ وسلطان الأشراف الأخيضريين على يدِ القبائل الإسماعيليّة التي
كانت في البحرين والإحساء ونواحي نجد، عام (567 هـ).
وقد ذكر
النسابة ابن عِنبةَ في كتابه المشهور «عُمدةُ
الطالب في أنساب آل أبي طالب» (ص: 139) أنّ بني يوسف الأخيضر دَخلوا أحلافاً مع
القبائل الكبرى في اليمامة، وقال: إنّ بني يوسفَ الأخيضر تحالفوا مع بني عامر بن
صعصعةَ من قيس عيلان، وهم نحو ألفِ فارس، يحفظون شرفَهم، ولا يُدخلون فيهم غيرَهم،
ولكنهم يجهلون تسلسلَ أنسابهم، ويقال لهم: بنو يوسف!
وأكبرُ
ظنّي أنّ أكثرَ من يُطلِقُ عليهم النجديّون لقب «خضيري» هم من أولئك الأشراف
الأخيضريين الكرام.
خامساً:
أمّا عن الكتب التي ذكرت أنسابَ الأخيضريّين القدامى؛ فأكثر كتب الأنساب!
والكتبُ
التي ذكرت أنسابهم بعد انهيار دولتهم؛ إنما ذكرت أنساب بعضِ المشهورين منهم وحسب!
تصوّر
أخي القارئ أنّ ابن عنبةَ يتحدّث عن ألف فارسٍ من الأشراف الأخيضريين، في منتصف
القرن الثامن تقريباً، وهم حلفٌ مع قبيلةٍ واحدة، دون سائر المتحالفين مع القبائل
الأخرى، فكم أعدادِ ذراريهم في أيّامنا هذه؟!
ومّمن
ذكر أنسابَ بعضهم بعد انقضاء دولتهم؛ السيّد ابنُ عنبة في كتابه عمدةُ الطالب (ص:
134 - 139) والسيّد مهدي الرجائي في كتابه «المُعقّبون من آل أبي طالب» (1: 78 - 82)
والسيّد علوان الحسيني البعلبكي في كتابه بحر الأنساب، وكثيرون غيرهم.
أمّا
الكتب التي تخصّصت بدراسة تاريخِ الدولة الأخيضرية؛ فهناك كتابُ (الإمارة
الأخيضريّة) للباحثِ أيمن بن سعد النفجان، صدرت الطبعة الأولى منه عام (1431 هـ)
عن دار المؤلّف، في عُنيزةَ القصيم، وعلى شبكة الإنترنيت معلوماتٌ قليلة عن
الكتاب، بيد أني لم أقف عليه، إنما قرأت نقولاً منه في الكتابِ الآتي توّاً !
سادساً:
الكتاب النافع الماتع، كتاب (الروضة النديّة في تاريخ وحضارة الدولة الأخيضريّةِ) (232
- 567 هـ) لمؤلّفه الدكتور عبدالحميد بن علي الفقيهيّ، وقد صدرَ قريباً عن مكتبة
الرضوان، عام (1444 هـ) ولم يُذكَر اسم البلد أو المدينة التي فيها هذه المكتبة!
وقد بيع في
مَعرض جُدّة للكتاب بتاريخ (15) ديسمبر عام (2022م) كما في موقع المعرض على
الإنترنيت، وقد أكرمني الله تعالى بنسخة منه.
يقع الكتاب
في (483) صفحةً من القطع الطباعيّ المتوسط (17 × 24).
وقد أدار
المؤلّف كتابه على خمسة فصول، إضافةً إلى مقدّمةٍ وخاتمةٍ وملحق.
ناهيك عن
ثبت المصادرِ المهمّ جدّاً، وثبت مباحث الكتاب.
الفصل
الأوّل: دولةُ بني الأخيضر في الحجاز (ص: 15 - 94).
الفصل الثاني:
دولةُ بني يوسف الأخيضر في اليمامة (95 - 149).
الفصل
الثالث: علاقة دولةُ بني يوسف الأخيضر بالدول والقوى الإقليمية (153 - 230).
الفصل
الرابع: المظاهر الحضاريّةُ في دولةِ بني يوسف الأخيضر (233 - 347).
الفصل
الخامس: ضعف الدولة الأخيضريّةِ وانهيارها (353 - 444).
ملحق ببعض
صور المراجع (ص: 447 - 464).
خاتمة
الكتاب (ص: 465 - 468).
الكتاب مفيد
وثيقٌ، أدعو جميعَ الأشرافِ الكرامِ، وسائرَ المهتمّين إلى قراءة هذا الكتاب
بتأمّل، وليتذكّر القارئ الكريم قصيدةَ أبي البقاء النَفْزيِّ الرندي في رثاء
الأندلس الحبيب، وفيها:
«لكلِّ
شيءٍ إذا ما تمّ نقصانُ
فلا يُغَرَّ
بطيب العيش إنسانُ
هي الأمور
كما شاهدتها دُوَلُ
مَن سرّه
زمنٌ؛ ساءته أزمانُ
وهذه الدار
لا تُبقي على أحدٍ
ولا يدوم
على حالٍ لها شانُ
يمزّق الدهر
حتماً كلَّ سابغةٍ
إذا نَبَتْ
مَشرفيّاتٌ وخُرصانُ
أين .. وأين
.. وأين؟
أتي على
الكلّ أمرٌ لا مردَّ له
حتى قَضَوا،
فكأنّ القومَ ما كانوا ».
والله تعالى
أعلم
(رَبَّنا:
ظَلَمْنَا أَنْفُسَنا، وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنا؛ لَنَكُونَنَّ
مِنَ الْخَاسِرِينَ).
هذا.. وصلّى
الله على سيّدنا محمّد بن عبدالله، وعلى آله وصحبه وسلّم تسليماً.
والحمد لله على كلّ حال.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق