ضرائب النسب الشريف [2023 [1]:
تَوثيقُ
أنسابِ أشراف العراق!؟
بسم الله الرحمن الرحيم
(رَبَّنَا:
عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا، وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا، وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ.
رَبَّنَا: لَا
تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا، وَاغْفِرْ لَنَا.
رَبَّنَا:
إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ).
(رَبَّنَا:
افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ، وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِين).
كتب
إليَّ أحدُ الإخوةِ يقول: سمعتُ من أحدِ تلامذتك يقول: إنّكَ أنتَ مَن سعيتَ في
توثيق أنساب أشرافِ العراق، فهل تحدّثنا عن هذه القصّة رجاءً، ولكم الشكر ؟!
أقول
وبالله التوفيق:
آليتُ
على نفسي أنْ لا أتحدّث عن شيءٍ من حياتي التي قضيتها في العراقِ، فإن وُجد لديّ
وقتٌ؛ سجّلت أبرز أحداثِ عشر سنواتٍ (1992 - 2002) في كتاب!
لأنّ
العراقيَّ لا يتقبّل أن يكون أحدٌ أعلى يداً منه، ويأبى أن يكون لأحدٍ عليه فضلٌ
أو منّة، ومن النادر أن تجد فيهم شاكرين!
كنت
أعطي عميدَ كليّتنا الدكتور عبدالحكيم السعديّ مبلغاً شهريّاً؛ ليساعد به
الأساتذةَ الذين يقبلون المساعدةَ، فغضب مني مرّةً وقال لي: «أفهمني
لخاطر الله، لماذا تصنع أنت هذا الشيء، لماذا
هذه الأموال تنفقها في رأس كلِّ شهر»؟
قلت
له: سبحان الله العظيم!
الناس
كادت تكفُر من الفقر، وتسألني لماذا؟!
ألم
تحدّثني أنت أنّ أكثر الناس عوناً للناس وصدقاتٍ؛ هم الكبيسات «آل
الكبيسيّ» فما الفرق بيني وبينهم؟
قال:
آل الكبيسي عراقيّون، أمّا أنت فغريب، والعراقي لا يقبل أن يمُنّ عليه غريب!
والله
يمكن العراقيون يَقتلونك غداً يا شيخ عداب... إلخ!
قلت
له وأنا أضحك: إذا قتلني أهل العراق؛ فدمي في عنقك يا حكيم، أنا قلتُ لك مراراً
وتكراراً: أنا لا أرغب أن تقول لهم: «هذه هدية من الشيخ عداب» فالله يعلم من صاحب
الهدية!
قال:
تماما تمام، من أين لي أنا المال حتى أعطيهم، لا والله أخلّص رقبتي، وشوف خلاصك
أنت بينك وبينهم!
هذه
هي الحقيقة المرّةُ، التي انطبعت في قلبي عن هذا الشعبِ الفريدِ العجيب!
بدأ
الحصار الدولي على العراق ، في عام (1990) وكلما طالُ أمدُه؛ ازدادت قسوة الحياة
على الناس، وساءتْ أخلاق كثيرين منهم، أو بعضهم!
حتى
إنّ بعض أساتذةِ الجامعاتِ؛ باعوا مكتباتهم، وبعض الناس باعوا أبواب بيوتهم
ليطعموا أولادهم، والرئيس يبني القصورَ الفارهةَ والمساجدَ الجوامع العظيمة، كما
يقول أهل العراق!
كان
الرئيس صدّام حسين؛ يخصّ بعضَ وجهاء العراقِ ببعضِ الامتيازات الاقتصادية، ويخصُّ
بعضاً منهم بعددٍ معلومٍ من براميل النفط المخفّضة الأسعار، في كلِّ شهر؛ لينتفعوا
منها في تغطية نفقاتهم الكبيرة!
كان
واحدٌ من هؤلاء الوجهاءِ من أشراف العراق، وكان يقوم على عملِه في النفطِ بعضُ
تلامذته، وهو من الأشرافِ أيضاً!
اتُّهم
هذا التلميذُ - أقول: اتُّهِمَ، ولا أقول: فَعَلَ! - بتزويرِ عددِ براميلِ النفطِ
الممنوحة لشيخه، كما اتُّهم بتزوير توقيع الرئيس صدّام حسين!
اعتقلت
الأجهزةُ الأمنيّةُ هذا التلميذَ الشريف، ووجّهت إليه هذه التهمة، وشاع خبرُ في
بغداد؛ بأنّ الرئيس صدّام حسين سيحكم على هذا التلميذ بالإعدام!
اتّصل
بي الشريف الوجيهُ - رحمه الله تعالى - فحضرت إليه، فوجدته يبكي، ويقول: تلميذُنا
هذا بريء، إنّما وَجّهوا إليه هذه التهمة؛ لينالوا مني!
قلت
له: ماذا تريد مني؟
قال:
افعل ما تستطيع لعلّك تنقذ رقبة أخيك من حبلِ المشنقة!
ذهبتُ
إلي بيتي، وكتبت رسالةً قاسيةً إلى الرئيس صدّام حسين، ثمّ صليت ركعتين ثمّ قرأتها،
فعدّلْتُ فيها!
ثمّ
قرأتُها بعد التعديل، فوجدتها قاسيةً، فقلت أزورُ سادتي أولياءَ بغداد!
قمت
بزيارة جديّ عبدالقادر الجيلاني، وقرأت عليه الرسالةَ، فلم يُجبني بشيءٍ!
ثم
زرتُ سيّدي أبا حنيفةَ، وقرأت عليه الرسالةَ، فلم يجبني بشيء!
ثم
زرت جدّي موسى الكاظم - باب الجوائج - وقرأت عليه الرسالةَ، فلم يجبني بشيءٍ،
رحمهم الله تعالى!
رجعتُ
إلى بيتي حزيناً؛ لأنني لن أستطيعَ إرسالَ الرسالة، إذ إننا نحن الصوفيةَ لا
نتصرّف إلّا بإذنٍ من أحدِ أولياء الله تعالى، الأحياء أو الأموات؛ لأنهم عندنا
أحياء!
ولا
يحسبّن أحدٌ هذا الإذنَ أكثرَ من انشراحٍ قلبيٍّ، وشعورٍ بالرضا!
صلّيت
العشاءَ في البيت، ثمّ صليتُ الاستخارةَ ثلاثَ مرّاتٍ، أو أربع!
نُمتُ
بعد حينٍ من الوقت، فرأيت في منامي أحد الصالحين - سوى من ذكرتُ - يقول لي: احذف
الكلمةَ الخشنةَ، وأوصل الرسالةَ غداً باكراً!
راجعتُ
الرسالةَ، فوجدتُ فيها جملةَ «وربَّ مُتَّهَمٍ أولى
بالنفطِ والثروات ممّن اتّهمه ويُريد معاقبته» فعدّلتُها، ثمّ صليت ركعتين، ثمّ
أوصلتها إلى اللواء «عبد حمود» ليسلمها إلى الرئيس صدّام.
مرّ
ثلاثةُ أيّام؛ لم يُرسل إليَّ الرئيسُ أحداً موافقاً أو معاتباً، كما جرت عادته
عقب كلّ رسالةٍ أرسلُها إليه.
فقرّرتُ
أن أبلّغَ الرئيس رسالتي من على المنبر!
خطبت
خطبةً طويلةً، جاهرتُ فيها برفضي أيَّ عقوبةٍ توقعها المحكمة العسكرية على هذا
التلميذ، وكان ممّا قلته: يا سيادةَ الرئيس: إنّ الله تعالى ابتلاكَ بحُكمنا
وابتلانا بحكمك!
ابتلاك
بحكمنا؛ ليُظهر لنا حكمتك وعدلك واجتهادك في توصيل الحقوق إلى أصحابها!
وإذا
كان المسؤولون عن أمنِ البلادِ، يوصلون إليكَ أنّنا بخير ونعمة وسعادةٍ؛ فإنهم
كاذبون» وشرحت له أوضاع الناس، وكان فيما
قلت: إنّ عمر بن الخطاب رضي الله عنه لم يقطع يدَ السارقِ في عامِ الرمادة، بشبهة
الحاجة (ودَرْءُ الحدود بالشبهات) مقصدٍ من مقاصد التشريع!
ثمّ
يجب أنْ لا نغفلَ بأنّ للأشرافِ آل محمّدٍ صلّى الله عليه وآله وسلّم حقوقاً في
النفط والغاز والذهب واليورانيوم وسائر المعادنِ، غصباً عمّن يأبى ذلك من أدعياء
العلم.
وإنني
أناشدُ الرئيس صدّام حسينٍ الهاشميّ الحسينيّ أن يرفع هذه الظلاماتِ عن كواهلنا -
نحن آل البيت - إذ هو ليس مطالباً أن يبقى متحمّلاً إثماً مضى عليه أربعة عشر
قرناً، بسبب حرمان الولاة والسلاطين آلَ البيت من حقوقهم!
أناشدك
يا سيادةَ الرئيس أن توثّق أنسابَ الأشراف، وأن تدفع إليهم حقوقَهم التي كتبها لهم
الله تعالى في كتابه، ومضى عليها عمل رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم طيلةَ
حياته!
إذا
أدّيتم إلينا حقوقنا، ثم غدر أحدٌ منّا بهذه الأمةِ، بخيانةٍ أو نهبٍ أو سرقةٍ؛
فأقيموا عليه الحدَّ الشرعيّ، أو ما ترونهم أنتم من عقوبةٍ حسب قوانينكم الثورية!
تصوّر
يا سيادةَ الرئيسَ أن يأتي مقتدرٌ قويٌّ يغصبِ مِن قريبك مزرعةً له تبلغ مائةَ
دونم، ويزرعها ويأكل خيراتها ويطرد صاحبها منها، فيضطرّ صاحب المزرعة الأصليّ أن
يعمل عاملاً في مزرعة غيرها، وإذا كان عجوزاً كبيراً؛ يذهب فيتسوّل أصحاب الإحسان!
فإذا
ما مضى العجوز صاحب الحقِّ إلى مزرعته، وقطف منها سلّةً من الثمار؛ طالب مغتصب
المزرعة بإنزال عقوبة النُهبَةِ عليه!
هذا
هو حالنا مع حكّام الأمّة، طيلةَ تاريخها يا سيادةَ الرئيس، فإلى متى ولماذا؟
وإذا
لم تقم أنت برفع هذا الحيفِ والظلم والجور، بل والغصب عنهم، وأنت سيّدهم وكبيرهم
وقائدهم، فمن سيقوم بذلك يا ترى؟
[جميع
هذا الكلام بالمعنى من الذاكرة، والخطبة مع أكثر من (450) خطبةً أخرى، لدى الشريف
المقرئ محمد المعموريّ، حفظه الله تعالى]!
كانت
الخطبةُ طويلةً وشديدةً - وكان الرئيس صدّام يستمع إلى خطبتي مباشرةً، كما حدّثني
رجاله الذين يرسلهم إليّ!
قٌبيلَ
صلاة المغربِ بقليل؛ جاءني وفدٌ من قِبَل الرئيس إلى البيت، وقال لي كبيرهم بغضبٍ
وحنَقٍ: ما هذا الذي تصنعه يا شيخ عداب؟
قلت
له: ماذا صنعت؟
قال:
صنعتُ ما لم يصنعه أحدٌ غيرك، ما هذا الكلام الذي لم نسمعه في حياتنا؟
خمس
إيه ونفط إيه ويورانيوم، ليش هو ربنا تعالى خلقكم غير البشر؟!
المواطنون
كلّهم شيء واحدٌ، والمؤمنون كلهم سواسية كأسنان المشط!
قلت
له: هذا الكلام من عندك، أم من عند الرئيس صدام؟
قال:
كلامي وكلامه واحد!
قلت
له: إذا كان هذا كلامَك؛ فهو باطلٌ، ولا يساوي قليلاً ولا كثيراً!
وإن
كان الرئيس أوصاك أن توصل إليّ هذا الكلام؛ فأبلغوه أن يستمع إلى الخطبةَ فالجواب
هناك!
قال
أحدُ الثلاثةِ الذين معه: لا لا، السيد الرئيس القائد لم يقل شيئاً من هذا الكلام!
السيّد
الرئيس كتب إليك هذه الأسئلة، فأجبه عليها مشكوراً!
قرأت
الأسئلةَ الثلاثةَ، وأجبت عليها، واعتذرت إليه عن توصيل كلامي إليه، من على
المنبر؛ لأنّه مضى أيّامٌ ولم يردّ عليّ، وأنا خشيت أن يُقتَل الرجل المتّهم
المسجون!؟
ثمّ
كتبت إلى السيّد الرئيس برنامج عملٍ لتوثيق أنساب السادة الأشراف، على حسب ما
أفهم، من سنّة وشيعة، عربٍ وأكرادٍ؛ لأنّ ربع أكراد العراق - على الأقلّ - ليسوا
عرباً فحسب، بل هم هاشميّون، عاشوا بين الأكراد، فاقتبسوا لغتهم وطبائعهم.
ومضى
الأمر عدّةَ سنواتٍ، وخرجت من العراق، في شهر تمّوز، أو آب (2002) وما تزال لجانُ التوثيق
مستمرّةً في أعمالِها!
أمّا
أنا فلم أقم بتوثيق نسبي، ولا بحصولي على بطاقة شريفٍ، مع أنّ أهلي في الموصلِ
أكثرُ منهم في حماة بكثير!
هذه
هي قصّةُ توثيقِ أنسابِ أشرافِ العراقِ، من أوّلها إلى آخرِها.
وأيِّ
إنسانٍ عِراقيٍّ أو غير عراقيٍّ، يدّعي أنّ له يداً في لفتِ نظر الرئيس صدّام إلى
هذه المسألةِ؛ فهو مفتر كذّاب، وربّ الأرضِ والسماءِ والسحاب!
والله
المستعان.
(رَبَّنا:
ظَلَمْنَا أَنْفُسَنا، وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنا؛ لَنَكُونَنَّ
مِنَ الْخَاسِرِينَ).
هذا.. وصلّى
الله على سيّدنا محمّد بن عبدالله، وعلى آله وصحبه وسلّم تسليماً.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق