أفرادُ الإمامِ البخاريّ (9):
حُمْلُ السِلاحِ في الحَرَمِ المكّي الشريفِ!؟
بِسْمِ اللهِ الرَحْمَنِ الرَحيمِ
(رَبَّنا: عَلَيْكَ تَوَكَّلْنا، وَإِلَيْكَ
أَنَبْنا، وَإِلَيْكَ الْمَصيرُ.
رَبَّنا: لَا تَجْعَلْنا فِتْنَةً لِلَّذِينَ
كَفَرُوا، وَاغْفِرْ لَنَا.
رَبَّنَا: إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ).
(رَبَّنَا:
افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ، وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِين).
بإسنادي
إلى الإمامِ البخاريّ في كتاب الجمعةِ، باب ما يُكْرَه من حمل السلاح في العيدِ
والحَرَم (966) قال رحمه الله تعالى: حَدَّثَنا
زَكَرِيّاءُ بنُ يَحْيَى، أَبُو السُّكَيْنِ، قالَ: ثَنا الْمُحارِبيُّ «عبدُالرحمن
بنُ محمّد»([1]) قالَ: ثَنا مُحَمَّدُ بنُ سُوقَةَ عَنْ سَعِيدِ بنِ جُبَيْرٍ قالَ: كُنْتُ
مَعَ ابْنِ عُمَرَ حِينَ أَصابَهُ سِنانُ الرُّمْحِ في أَخْمَصِ قَدَمِهِ، فَلَزِقَتْ
قَدَمُهُ بِالرِّكابِ، فَنَزَلْتُ، فَنَزَعْتُها، وَذَلِكَ بِمِنًى.
فَبَلَغَ الْحَجّاجَ، فَجَعَلَ([2])
يَعُودُهُ، فَقالَ [الْحَجّاجُ] ([3]): «لَوْ نَعْلَمُ مَنْ([4])
أَصابَكَ!» فَقالَ ابنُ عُمَرَ: «أَنْتَ أَصَبْتَني»! قالَ: «وَكَيْفَ»؟
قالَ: «حَمَلْتَ السِّلاَحَ في يَوْمٍ لَمْ يَكُنْ يُحْمَلُ
فِيهِ، وَأَدْخَلْتَ السِّلاَحَ ا لحَرَمَ([5])
وَلَمْ يَكُنِ السِلاحُ يُدْخَلُ الحَرَمَ»([6]).
وأَعادَهُ البخاريّ في الحديثِ الذي بعده (967)
قال: حَدَّثَنا أَحْمَدُ بنُ يَعْقُوبَ قالَ:
حَدَّثَنِي إِسْحاقُ بنُ سَعِيدِ بنِ عَمْرِو بنِ سَعِيدِ بنِ الْعاصِ عَنْ
أَبِيهِ قالَ: دَخَلَ الْحَجّاجُ عَلَى ابْنِ عُمَرَ، وَأَنا عِنْدَهُ، فَقالَ([7]):
«كَيْفَ هُوَ؟» فَقالَ: «صالِحٌ»! فَقالَ([8]):
«مَنْ أَصابَكَ»؟
قالَ: «أَصابَني مَنْ أَمَرَ بِحَمْلِ السِّلاَحِ، في
يَوْمٍ لاَ يَحِلُّ فِيهِ حَمْلُهُ» يَعْني الْحَجّاجَ([9]).
مدارُ حديث عبدالله بن عمر في الباب عليه، رواه عنه:
سالم بن عبدالله بن عمر، عند ابن سعدٍ في الطبقات (4: 142)
وسعيدُ بن جبير، عند البخاريّ (966) وابن سعد في الطبقات (4: 140)
وسعيد بن عمرو العاصي، عند البخاريّ (967).
وعطية بن سعدٍ العوفي، عند ابن سعد في الطبقات (4: 140)
وأبو بكر بن عبدالله بن عَوْذٍ المخزوميّ، عند ابن سعدٍ في
الطبقات (4: 140)
ونافع مولى ابن عمر، عند ابن سعدٍ في الطبقات (4: 142).
فهذا الأثر صحيح مشهور، في قصّة مَقتلِ عبدالله بن عُمَر،
رضي الله عنهما.
وقد كان بين الحجّاج وبين عبدالله بن عمر مشاحناتٌ كثيرة،
حتى إنّ الحجّاج هدّده بالقتل!
وقد أوضح ابن سعدٍ في المواضع التي ذكرتها هنا؛ أنّ الذي
طعنه برمحه رجلٌ من أهل الشامِ، من أصحاب الحجّاج، وكانت الإصابةُ يسيرةً بين
أصبعين من أصابعِ قدمه، لكنه كان رمحاً مسموماً - فيما يبدو - فاستشهد ابن عمر
بسبب ذلك.
لعنة الله على الحجّاج، وعلى مَن ولّى الحجّاج، وعلى أنصاره
وأعوانه.
بقي أن نُشير إلى فقه قول ابن عمر في الحديث « لاَ يَحِلُّ
حَمْلُ السِلاحِ في الحَرم».
أخرج الإمام مسلمٌ في الحجّ، باب النهي عن حمل السلاحِ
بمكّةَ، بلا حاجة (1356) من حديث أبي الزبير محمد بن مسلم المكيّ عن جابر بن
عبدالله، رضي الله عنهما قال: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ يَقُولُ: (لَا يَحِلُّ لِأَحَدِكُمْ أَنْ يَحْمِلَ بِمَكَّةَ السِّلَاحَ).
قال القاضي عياض في إكمال المعلم (4: 476): «هذا محمولٌ عند
أهل العلم على حمله لغير ضرورة ولا حاجة، فإن كان خَوْفٌ وحاجةٌ إليه؛ جاز، وهو
قَول مالكٍ والشافعيِّ وعطاءٍ، وكرهه الحسنُ البَصريُّ تمسكاً بظاهرِ هذا الحديث».
خِتاماً: كان حُرمةُ البيتِ الحرامِ قبلَ الإسلامِ أعظمَ
وأقدس، مما هي عليه بعد الإسلام، بسبب استحلالِ الحرمِ من قبل عبدالله بن الزبير
الطامحِ بشدّةٍ إلى المُلكِ، وبسبب حروب ظلمة الأمويين له طيلةَ سنوات!
واللهُ تَعالى أعلَمُ.
(رَبَّنا: ظَلَمْنَا
أَنْفُسَنا، وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنا؛ لَنَكُونَنَّ مِنَ
الْخَاسِرِينَ).
هذا.. وصلّى الله على
سيّدنا محمّد بن عبدالله، وعلى آله وصحبه وسلّم تسليماً
والحَمْدُ
للهِ على كلِّ حالٍ.
([9]) من حديث عبدالله بن عمر رضي الله عنهما: أخرجه البخاري في الأدب
المفرد (528) وابنُ سعدٍ في الطبقات الكبرى (4: 140) وابن أبي شيبة في المصنف
(14389) والفاكهي في أخبار مكة، باب ذكر من كره أن يدخل مكة بالسلاح، والطبراني في
الكبير (13040) والبيهقي في السنن الكبير (10: (9783، 9784) وانظر التحفة [5:
7063] والإتحاف [8: 9356].
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق