مَسائلُ حَديثيّةٌ (68):
وَساوسُ الشيطانِ ليست صريحَ الإيمان!؟
بسم الله الرحمن الرحيم
(رَبَّنا: عَلَيْكَ تَوَكَّلْنا، وَإِلَيْكَ
أَنَبْنا، وَإِلَيْكَ الْمَصيرُ.
رَبَّنا: لَا تَجْعَلْنا فِتْنَةً لِلَّذِينَ
كَفَرُوا، وَاغْفِرْ لَنَا.
رَبَّنَا: إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ).
(رَبَّنَا: افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا
بِالْحَقِّ، وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِين).
سألني أحد الإخوةِ أصدقاء «الفيس» قال: سمعتُ أحد
المشايخ يشرح حديثاً نسبه إلى الصحيحين؛ أنّ الصحابة رضي الله عنهم قالوا للرسول
صلّى الله عليه وآله وسلّم: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّا نَجِدُ فِي أَنْفُسِنَا
شَيْئاً «يعني من الوسوسة» مَا نُحِبُّ أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهِ، وَأَنَّ لَنَا مَا
طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ.
فَقَالَ الرسولُ: (قَدْ وَجَدْتُمْ ذَلِكَ)؟
قَالُوا: نَعَمْ!
قَالَ الرسولُ: (ذَاكَ صَرِيحُ الْإِيمَانِ).
قال الخطيب: ولا أدلّ على ذلك، من أنّ الوسوسة لا
تُبطل الصلاة.
فليتكم - يا شيخنا - تفيدوننا عن صحّة هذا الحديثِ
أوّلاً، ثمّ كيف تكون الوسوسةُ صريحَ الإيمان، وهناك حديث آخر يقول: إنّ الوسوسةَ
من كيدِ الشيطان.
فالوسوسة صريح الإيمان، أم من كيدِ الشيطان»؟
أقول وبالله التوفيق:
بإسنادي إلى الإمامِ مسلمٍ في كتاب الإيمان، باب
بيانِ الوسوسةِ في الإيمان، وما يقوله من وجدها (132) قال رحمه الله تعالى: حَدَّثَنِي
زُهَيْرُ بنُ حَرْبٍ: حَدَّثَنَا جَرِيرُ «بنُ عبدالحميدِ الضبيّ» عَنْ سُهَيْلِ
«بن أبي صالحٍ» عَنْ أَبِيهِ «ذكوان» عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَال: جَاءَ نَاسٌ
مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم، فَسَأَلُوهُ: «إِنَّا نَجِدُ
فِي أَنْفُسِنَا مَا يَتَعَاظَمُ أَحَدُنَا أَنْ يَتَكَلَّمَ بِهِ».
قَال «الرسول»: (وَقَدْ وَجَدْتُمُوهُ)؟ قَالُوا:
«نَعَمْ» قَال: (ذَاكَ صَرِيحُ الإِيمَانِ).
وحَدَّثَنَا مُحَمّد بنُ بَشَّارٍ: حَدَّثَنَا
ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ عَنْ شُعْبَةَ (ح).
وحَدَّثَنِي
مُحَمّد بنُ عَمْرِو بنِ جَبَلَةَ بنِ أَبِي رَوَّادٍ وَأَبُو بَكْرِ بنُ إِسْحَقَ
قَالا: حَدَّثَنَا أَبُو الجَوَّابِ عَنْ عَمَّارِ بنِ رُزَيْقٍ، كِلاهُمَا عَنْ
الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلّى
الله عليه وآله وسلّم، بِهَذَا الحَدِيثِ([1]).
مَدارُ حديثِ
أبي هريرة في الباب عليه، رواه عنه:
أبو صالحٍ ذكون
السمّان، عند مسلم (132) وأحمد في مسنده (9156) وأبي داود السجستاني (5111) وابنِ
أبي عاصمٍ في السنة (654) والبزّار (9221) والنسائي في عمل اليوم والليلة (665) وغيرهم.
وعِياضُ بن
عبدالله بنِ أبي سرحٍ، عند ابن أبي الدنيا في مكارم الأخلاق (22).
وأبو سلمةَ بنُ
عبدالرحمن بن عوفٍ، عند أحمد (9694) وابنِ أبي عاصمٍ في السنّة (662) والبزّار في
مسنده (7955) ومحمد بن نصر في تعظيم قدر الصلاة (776) وغيرهم.
فالحديثُ صحيحٌ
مستفيضٌ عن أبي هريرة، لا يسعنا التشكيك في صحّته.
وقبل إكمال
الكلام على حديث أبي هريرة؛ نخرّج حديث عبدالله بن مسعودٍ في الباب نفسه.
بإسنادي إلى
الإمام مسلم، في الكتاب والباب نفسيهما (133) قال: حَدَّثَنَا يُوسُفُ بنُ
يَعْقُوبَ الصَّفَّارُ: حَدَّثَنِي عَلِيُّ بنُ عَثَّامٍ عَنْ سُعَيْرِ بنِ
الخِمْسِ، عَنْ مُغِيرَةَ «بنِ مِقْسَمٍ» عَنْ إِبْرَاهِيمَ «بن يزيد النخعيّ»
عَنْ عَلْقَمَةَ «بنِ قيسٍ النخعيّ» عَنْ عَبْدِاللهِ «بن مسعودٍ» قَال: سُئِلَ
النَّبِيُّ صلّى الله عليه وآله وسلّم عَنْ الوَسْوَسَةِ؟ قَال: (تِلْكَ مَحْضُ
الإِيمَانِ).
مَدارُ حديث
عبدالله بن مسعودٍ في الباب على عَليِّ بْنِ عَثّامٍ العامريِّ، رَواهُ عَنهُ:
الحُسينُ بْنُ
مَنصورِ بْنِ جَعْفَرٍ السلميّ، عند الطحاوي في مشكل الآثار (1637)
وَعَبدُالرحمنِ
بْنُ بِشرِ بْنِ الحَكمِ، عند أبي الفضل الزهريّ في حديثِه (553)
وَمُحَمّدُ
بْنُ عَبدِالوَهابِ بن حبيب الفرّاء العبديّ، عند أبي عوانة (297) وابن حبان (149)
وابن مندهْ في الإيمان (347)
وَيوسفُ بْنُ
يَعقوبَ الصفّارُ، عند مسلم (133) والطبراني في الكبير (10: (10024) والمزيّ في
تهذيبه (11: 132) ([2]).
فالحديث مشهور عن عليّ بن عثّام.
- وعليّ بن عثّام الزاهدُ هذا؛
لم يترجمه الذهبيّ في الميزان، وترجمه المزيّ في تهذيبه (21: 57) ونقل حكاياتٍ
كثيرةً في زهده وورعه وحكمته، وقال: قال أبو حاتم: ثقة، وقال الحاكم في تاريخ
نيسابور: أديب، فقيه، حافظ، زاهد، واحد عصره، وكان لا يحدث إلا بعد الجهد، وأكثر
ما أخذ عَنْهُ الحكايات والزهديات والأشعار والتفسير، وأقاويله فِي
الجرح والتعديل.
وزاد
مُغلطاي في إكماله (9: 363): قال الحاكم: مسانيدُ عليٍّ عندنا عزيزة؛ لورعِه
وقلّةِ رواياتِه. للأحاديث، وكان محمد بن يعقوب الحافظ شيخنا يقول: إن كتبه لم تكن
معه بنيسابور، فكان يَتورّع عن الرِوايةِ مِن حِفظِه، وقال ابن ماكولا: كان أحد
الزهاد».
وترجمه ابن حجر في تهذيبه (7: 363) ولم ينقل عن
أحدٍ أدنى غمز فيه، وقال في تقريبه (4768): ثقة فاضل (ت: 228 هـ).
وسُعيرُ بن الخِمسِ التميميّ: ترجمه الذهبيّ في
الميزان (2: 164) وقال: «وثّقه ابن معين، وقال أبو حاتم الرازيّ: لا يحتجّ به».
وترجمه المزيّ في تهذيبه (11: 130) وذكر أنّ ابن
معينٍ وثّقه، وترجمه ابن حبّان في الثقات، ونقل عن أبي حاتم قوله: «يكتب حديثه ولا
يحتجّ به».
وترجمه مغلطاي في الإكمال (5: 377) ونقل عن ابن
سعدٍ قوله: كان رجلاً شريفاً مَأْلَفاً، صاحبَ سنّة وجماعةٍ، وعنده أحاديث.
ونقل عن الترمذي قوله: «ثقة عند أهل الحديث» وهو في
كتابه الجامع (2609).
وترجمه ابن خَلفون في ثقاته وقال: كان رجلا صالحا
فاضلا».
وقال ابن حجر في تقريبه (2432): صدوق، له عند مسلمٍ
حديثٌ واحد، وهو قول أبي زرعة الرازي في ضعفائه (659).
قال الفقير عداب: لا يصحّ عندي الاعتمادُ على أقوال
النقّاد مجرّدةً من دون تعليل، خاصّةً عندما تتعارض!
فرجل وثّقه ابن معين والترمذيّ وابن حبان وابن
خلفون، ويضعّفه أبو حاتم، فيجعل حديثَه بمرتبة الاعتبار، إذا توبع على حديثه؛
قُبل، وإلّا كان حديثاً ضعيفاً؛ يحتاج إلى وقفةٍ طويلة!
خاصّة وأنّ حديث الباب في صحيح مسلم، وفي صحيح أبي
عوانة، وفي صحيح ابن حبّان!
سبيلنا إلى ترجيحِ أحد القولين؛ هو معرفة عدد
رواياته، وتفسيرُ جرحِه، إن وُجد!
بالعودة إلى موسوعة الكتبِ التسعة؛ وجدت له حديثَ
الباب عند مسلم (133) وقد انفرد به عن التسعةِ، كما تقدّم في التخريج.
ووجدت له عند الترمذي حديثين: حسّن أحدهما (2035)
وصحح الآخر (2609) وحديثاً واحداً عند النسائيّ في المجتبى (4087).
لكنني وجدت له في كتب الرواية والأجزاء الحديثيّة (140)
رواية، منها في التوحيد لابن خزيمة (1: 375) و(2: 418) وكتاب التوحيد جزءٌ من
صحيحه، وله حديثان في صحيحه المعروف، وله أحاديث في مستخرج أبي عوانة على الصحيح،
وأحاديث في صحيح ابن حبان.
وهذا يعني أنّ الرجل مقبولٌ لدى أصحاب الصحاح، سوى
البخاريّ، فما موقفه؟
ترجمه البخاريّ في تاريخه (4: 213) ولم يذكره بجرح
أو تعديل.
لكنْ أخرج الترمذي في علله الكبير (589) لسعير بن
الخمس حديثاً، ثمّ قال:
«سَأَلْتُ مُحَمَّدًا عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ
فَقَالَ: هَذَا مُنْكَرٌ, وَسُعَيْرُ بنُ الخِمْسِ كَانَ قَلِيلَ الْحَدِيثِ,
وَيَرْوُونَ عَنْهُ مَنَاكِيرَ».
وقال أبو الفضل بن عمّار الهروي، في كتابه علل
الأحاديث في صحيح مسلم (2): «وَلَيْسَ هَذَا الحَدِيثُ عندنَا بِالصَّحِيحِ؛ لِأَن
جرير بن عبد الحميد وَسليمَان التَّمِيمِيّ روياه عَن مُغيرَةَ، عَن إِبْرَاهِيم
النخعيّ، وَلم يذكرا عَلْقَمَة وَلَا ابْن مَسْعُود.
وسُعيرٌ لَيْسَ هُوَ مِمَّن يحْتَج بِهِ؛ لِأَنَّهُ
أَخطَأ فِي غير حَدِيثٍ، مَعَ قلَّة مَا أسْند من الْأَحَادِيث».
وعقبَ إخراج النسائيّ حديثَ سعير بن الخمس في السنن
الكبرى (10432) قال: خالفه حمّاد بن أبي سليمان!
(10433) أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ
قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ حَمَّادٍ،
عَنْ إِبْرَاهِيمَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
«ذَاكَ مَحْضُ الْإِيمَانِ».
وأشار المزيُّ في تحفةِ الأشراف (7: 107) إلى هذا
الاختلاف في وصل الحديث وإرساله.
قال عداب: غدا واضحاً إذن أنّ سعيرَ بن الخِمس، رجل
صالحٌ، لذلك أطلق عليه «الثقةَ» من أطلق، لكنّه خالف في حديثه هذا مَن هو أوثقُ
منه، فحديثه ضعيف!
وقد يَسأل سائلٌ، فيقول: ما دام إسناده إلى إبراهيم
النخعيّ التابعيّ صحيحاً، ألا يتقوّى مرسله بحديثِ أبي هريرة، إذ لا فرقَ بين
(صريح الإيمانِ) و(محض الإيمان)؟!
خاصّةً وأنّ العلائيَّ حين ترجمه في مراسيله (ص:
20) قال: هُوَ مُكثرٌ من الْإِرْسال، وَجَمَاعَةٌ من الْأَئِمَّةِ صحّحوا
مراسيلَه، وَخصَّ الْبَيْهَقِيُّ ذَلِك بِمَا أرْسلهُ عَن ابْن مَسْعُود!
أقول: أخرج البيهقيّ في المدخل (882) من حديث سليمان
الأعمش قال: «قلت لإبراهيم: إذا حدثتني حديثًا؛ فأسنده لي»!!
قال إبراهيم: «إذا قلت: عن عبدِالله بن مسعود؛
فاعلم أنه عن غير واحد، وإنْ سمّيتُ لكَ أحداً؛ فهو الذي سميتُ».
قال البيهقيّ في الموضع نفسه (884): «قال أحمدُ ابن
حنبلٍ: هذا عذرُ منِ احتجّ بمراسيل إبراهيم النخعي، وليس ذلك بعذر لازم؛ فإنا نجده
يروي عن أكابر أصحاب عبد الله بن مسعود، ثم نجده يَروي عن قوم مجهولين، لا يروي
عنهم غيره، مثل هُنَيّ بن نُويرة، وخزامةَ الطائي، وقَرْثعٍ الضبي، ويزيد بن أوس،
وغيرهم».
وأقول أيضاً: بالاحتمالاتِ لا تثبتُ الأديان، ويبدو
لي أنّ إبراهيم سمع حديثَ أبي هريرةَ، ولم يتسنّ له روايته مطلقاً، أو عن ثقةٍ،
فأرسله كعادته!
ترجمه ابن حجر في التقريب (270) وقال: فقيه ثقةٌ
إلّا أنه يُرسل كثيراً!
خلاصةُ الحكم على حديثِ الباب؛ أنه حديث فردٌ مطلقٌ
ضعيف جدّاً.
ومن الواجبِ هنا؛ أنْ لا نقتصرَ على العناية
الشديدة بالأسانيد، إنّما علينا أن نهتمّ بالمتون مثلَ اهتمامنا بالأسانيد!
قالَ الإمامُ ابْنُ حِبّانَ، عَقِبَ تَخريجِ هذا
الحَديثَ (146): «إِذا وَجَدَ المُسلمُ في قَلبِهِ، أَوْ خَطرَ بِبالِهِ مِنْ
الأَشياءِ التي لا يَحلُّ لَهُ النُّطقُ بِها، مِنْ كَيفيّةِ الباري جَلَّ وَعَلا،
أَوْ ما يَشبَهُ هذِه، فَرَدَّ ذلكَ عَنْ قَلبِهِ بِالإِيمانِ الصَحيحِ، وَتَركَ
العَزمَ عَلى شَيْءٍ مِنها؛ كانَ رَدُّهُ إيّاها مِنْ الإيمانِ، بَلْ هُوَ مِنْ
صَريحِ الإِيمانِ، لا أَنَّ خَطَراتٍ مِثلَها مِنْ الإِيمانِ».
وقال الإمام أبو عبدالله المازريّ في شرحه صحيحَ
مسلم «المُعلم بفوائد مسلم» (1: 313):
« بُوِّبَ على هذا الحديثِ، في بعض نُسَخِ كتاب
مسلم: «بَابٌ الوسوسةُ مَحضُ الإِيمان».
وقال: « قوله: (ذلك محض الإِيمان) لا يَصِحُّ أن يُراد
به أنّ الوسوسةَ هي الإِيمان؛ لأن الإِيمانَ هو اليَقين، وإنما الإِشارة إلى ما
وجدوا من الخوفِ من الله تعالى؛ أنْ يُعاقَبوا على ما وقع في أنفسهم فكأنه يقول: جَزَعُكم
مِن هذا؛ هو محض الإِيمانِ، إذ الخوفُ من الله تعالى ينافي الشكَّ فيه!
فإذا تَقرّر هذا؛ تبيّن أنّ هذا التَبويبَ المذكورَ
غَلَطٌ على مُقتضى ظاهرِه».
وقال الإمام أبو الفرج بن الجوزيّ في كتابه كشف المشكل
من حديث الصحيحين (1: 327): «الْمعْنَى: إنّ الَّذِي يمنعكم من قَبول مَا يلقيه
الشَّيْطَان إِلَيْكُم، حَتَّى يصير ذَلِك وَسْوَسَة، لَا يتَمَكَّن من الْقُلُوب،
وَلَا تطمئِن إِلَيْهَا النُّفُوسُ؛ هو صَرِيح الْإِيمَان، لَا أَن الوسوسة نَفسَها
صَرِيحُ الْإِيمَان؛ لِأَنَّهَا من فعل الشَّيْطَان، فَكيف تكون إِيمَانًا» انتهى؟
يُلاحظُ أنّ متن حديث أبي هريرة، ومتن حديث عبدالله
بن مسعودٍ؛ أبعدُ ما يكونان عن بلاغةِ الرسولِ صلّى الله عليه وآله وسلّم!
وهذا الذي قاله العلماء حقٌّ، لا يجوز غيره، لكن
أين في الحديثين ما يدلُّ عليه؟
أمّا حديث عبدالله بن مسعودٍ؛ فلم يصحّ إليه، فلا
نتعرّضُ إليه بشيءٍ!
وأمّا حديثُ أبي هريرة؛ فهو ثابتٌ عنه، ومن دون
اختلافٍ في لفظه!
فيكون أبو هريرةَ الأميّ؛ قد أحسن فهمَ سؤال
السائلِ أو السائلين، لكنه لم يحسن فهم جوابِ الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم؛
لأنه كما يقول الفقهاء: أبو هريرة لم يكن من الفقهاء!
إنّ من مصائبنا الكارثيّة أننا عندما منحنا
الصحابةَ العدالةَ المطلقة؛ غدونا نلتمس تفسيرَ كلامهم المشكل، وكأنه من متشابه
القرآن الكريم، متجاهلين أنّ أكثرَ الصحابة كانوا أميّين، ومن العوامّ الذين قد
يفهمون المعنى تماماً لأنفسهم، لكنهم لا يستطيعونَ التعبيرَ الدقيقَ عنه!
عندما كنت صغيراً؛ كنت أذهب إلى صلاة الجمعة مع
والدي وعمّي وأبناء عمي.
وكان جدّي يحبّ أن يصلي عند كبار المشايخ، الذين لا
يطيلون الخطبة؛ لأنه كان فوق التسعين، رحمهم الله تعالى!
فعندما نرجع إلى المنزل؛ نجده ينتظرنا، فيسألنا:
ماذا خطب خطيبكم، فيقول له أحدنا: «خطب خطبةً
عظيمةً، ما شاء الله تعالى، حكى حكي، وقال قول؛ حاج هيك» هم جميعهم فهموا الخطبة،
واستمتعوا بها، وزادتهم تقوى ورشاداً، لكنهم لا يستطيعون إعادتها، أو اختصارَها
بدقة.
فاعتبارُ جميع ما يثبت عن الصحابةِ مُسلّماً؛
مشكلةُ المشاكل، وهي أكثر أسباب الاختلافِ العلميّ بين أهل السنة!
ختاماً: إنّ الله تبارك وتعالى يقول: (فَوَسْوَسَ
إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ، قَالَ: يَاآدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ
وَمُلْكٍ لَا يَبْلَى؟ (120) فَأَكَلَا مِنْهَا، فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا،
وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ، وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ
فَغَوَى (121) ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى (122) [سورة
طه].
فوسوسة الشيطان؛ سبب عصيانِ آدم وغوايته، فكيف تكون
صريحَ الإيمان، ومحضه؟
كلّا وألف كلّا!
بل الإيمان، ما قاله العلماء الأفاضل؛ هو اليقين
بالله تعالى، فإذا ما وسوس الشيطان، وقذف في قلب المسلم شيئاً من الشكِّ أوالتساؤل
المريب؛ فعلى المسلم أن يكثر من قوله (لا إله إلّا الله) وقوله: (آمنت بالله وحده)
ومن تلاوة المعوّذتين، وأن يلجأ إلى الله تعالى لصرف كيدِ الشيطان عن قلبه الضعيف!
واللهُ تَعالى أعلمُ.
(رَبَّنا: ظَلَمْنَا أَنْفُسَنا، وَإِنْ لَمْ
تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنا؛ لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ).
هذا.. وصلّى الله على سيّدنا محمّد بن عبدالله،
وعلى آله وصحبه وسلّم تسليماً.
والحَمْدُ للهِ على كلِّ حالٍ.
([1]) مِنْ
حَديثِ أبي صالحٍ ذكوان عن أبي هريرة مَرفوعاً؛ اِنْفردَ بِهِ مُسلمٌ عَنْ
البُخاري، وَأَخرجَهُ أَبو عَوانةَ المُسْتَخْرَج (227) (1: 77) وَأَبو نُعيمٍ في
المُسْتَخْرَج (340) (1: 200) وَأَبو داوُدَ في كِتابِ الأَدبِ، بابُ في رَدِّ
الوَسوسةِ (5111) ومُحَمّد بْن نصرٍ في تعظيم قدر الصلاة (1: 297) وابن منده في
الإيمان (1: 472) (344).
وَمن حديثِ أَبي سَلمةَ بْنُ عَبدِالرحمنِ عن أبي هريرة مرفوعاً؛ أخرجه أَحمدُ في باقي مُسندِ المُكثرينَ (9694) وَالبُخاريُّ في الأَدبِ المُفردِ (1284) وَابنُ أَبي عاصمٍ في السنةِ (662) وَالبزارُ في مُسندِهِ (7955) وَمُحَمّدُ بْنُ نَصرٍ في الصلاةِ (776) وَالطَبرانيُّ في الأَوسطِ (4419) وانظر علل الدارقطنيّ (8: 19) و(8: 204).
([2]) مِنْ
حَديثِ عَليِّ بْنِ عَثامٍ عَنْ سُعيرِ بْنِ الخِمْسِ، بِهِ مَرفوعاً ؛ اِنْفردَ
بِهِ مُسلمٌ عَنْ التِسعةِ, وَأَخرجَهُ ابْنُ حِبّانَ (149) (1: 361) وَأَبو
عَوانةَ في المُسْتَخْرَج (1: 77) (229) وَأَبو نُعيمٍ في المُسْتَخْرَج (342) (1:
200) وَقالَ: صَحيحٌ، وَالنسائيُّ في السننِ الكُبرى (9: (10432) وَمُحمدُ بْنُ
نَصرٍ المَروزيُّ في تَعظيمِ قَدرِ الصَّلاةِ (2: 724) (783) وَالطبرانيُّ في
المُعجمِ الكَبيرِ (10024) (10: 101) وَابْنُ مَنده في الإِيمانِ (1: 474) (347)
وَالبَيهقيُّ في شُعبِ الإِيمانِ (1: 519) (333) وانظر الجمع بين الصحيحين
للحميديّ (318).
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق