مَسائلُ حديثيّةٌ (7):
تسبيحُ اللهِ تعالى عَدَدٌ أمْ وَزنٌ؟!
قال
لي: هل حديث الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم (سُبْحَانَ اللهِ
وَبِحَمْدِهِ، عَدَدَ خَلْقِهِ، وَرِضَا نَفْسِهِ، وَزِنَةَ عَرْشِهِ، وَمِدَادَ
كَلِمَاتِهِ) صحيحٌ؟
طبعاً،
ستقول لي: هو صحيحٌ؛ لأنّه في صحيح مسلم!
وإذا
كان صحيحاً عندك؛ فكيف نفهم وزنَ التسبيحِ، وقد فهمنا عدده؟
أقول
وبالله التوفيق:
بإسنادي
إلى الإمام مسلمٍ في كتاب الذِكْرِ والدعاءِ، باب التسبيحِ أوّلَ النهار، وعند
النوم (2726) قال رحمه الله تعالى: حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بنُ سَعِيدٍ وَعَمْرٌو
النَّاقِدُ وَ«محمّد بن يحيى» ابْنُ أَبِي عُمَرَ، وَاللَّفْظُ لابنِ أَبِي عُمَرَ
قَالُوا: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ «بنُ عُيينةَ» عَنْ مُحَمَّدِ بنِ عبدِ الرَّحْمَنِ
مَوْلَى آلِ طَلْحَةَ، عَنْ كُرَيْبٍ «بن أبي مُسلمٍ، مولى ابن عبّاسٍ» عَنِ ابْنِ
عَبَّاسٍ، عَنْ جُوَيْرِيَةَ «أمّ المؤمنين» أَنَّ النَّبِيَّ صلّى الله عليه وآله
وسلّم خَرَجَ مِنْ عِنْدِهَا بُكْرَةً، حِينَ صَلَّى الصُّبْحَ، وَهِيَ فِي
مَسْجِدِهَا، ثُمَّ رَجَعَ بَعْدَ أَنْ أَضْحَى، وَهِيَ جَالِسَةٌ، فَقَالَ: (مَا
زِلْتِ عَلَى الحَالِ الَّتِي فَارَقْتُكِ عَلَيْهَا؟) قَالَتْ: نَعَمْ.
قَالَ النَّبِيُّ صلّى الله عليه وآله وسلّم:
(لَقَدْ قُلْتُ بَعْدَكِ أَرْبَعَ كَلِمَاتٍ، ثَلاثَ مَرَّاتٍ، لَوْ وُزِنَتْ
بِمَا قُلْتِ مُنْذُ اليَوْمِ؛ لَوَزَنَتْهُنَّ: سُبْحَانَ اللهِ
وَبِحَمْدِهِ، عَدَدَ خَلْقِهِ، وَرِضَا نَفْسِهِ، وَزِنَةَ عَرْشِهِ، وَمِدَادَ
كَلِمَاتِهِ).
وبه
إلى مسلمٍ فيه، قال: حَدَّثَنَا أَبو بَكْرِ بنُ أَبِي شَيْبَةَ وَأَبو كُرَيْبٍ «محمد بن
العلاءِ الهمدانيّ» وَإِسْحَقُ «بن راهويه» عَنْ
مُحَمَّدِ بنِ بِشْرٍ «العَبديّ» عَنْ مِسْعَرِ «بن كِدامٍ» عَنْ مُحَمَّدِ
بنِ عبدِ الرَّحْمَنِ «التيميّ» عَنْ أَبِي رِشْدِينَ «كريبٍ
مولى ابن عبّاسٍ» عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ جُوَيْرِيَةَ قَالَتْ:
مَرَّ بِهَا رَسولُ اللهِ e حِينَ صَلَّى صَلاةَ
الغَدَاةِ، أَوْ بَعْدَمَا صَلَّى الغَدَاةَ فَذَكَرَ نَحْوَهُ.
غَيْرَ
أَنَّهُ قَالَ: (سُبْحَانَ اللهِ عَدَدَ خَلْقِهِ،
سُبْحَانَ اللهِ رِضَا نَفْسِهِ، سُبْحَانَ اللهِ زِنَةَ
عَرْشِهِ، سُبْحَانَ اللهِ مِدَادَ
كَلِمَاتِهِ).
وصحّحه
ابن خزيمة وأبو عوانةَ وابن حبّان، وقال الترمذيّ: حسن صحيح.
مدار
حديث الباب على مُحَمَّدِ بنِ عبدِ الرَّحْمَنِ التيميّ مولاهم، رواه عنه:
سُفْيَانُ
بنُ عيينةَ، عند مسلم (4905) وأحمد (2334) وعبد بن حميد في المنتخب (704) وابن أبي
عاصم في الآحاد والمثاني (3108) والطحاوي في شرح مشكل الآثار (6033) والطبراني في
الدعاء للطبراني (1742) والطبراني في المعجم الكبير (162، 163).
وشعبةُ
عند أحمد (26758، 27421) وابن خزيمة في كتاب التوحيد (1: 394) وَابْن حِبّانَ في
صَحيحِهِ (828) والترمذي (3555) والنسائي في المجتبى (1352) وفي السُنَنِ الكُبْرى
(1275، 9991، 9992) وفي عمل اليوم والليلة له (164) وابن ماجه (3808) وابن أبي
عاصم في الآحاد والمثاني (3107) وأبي يعلى الموصلي في مسنده (7068) والطبراني في
المعجم الكبير (160) والطبراني في الدعاء للطبراني (1742) وأبي نعيم في الحلية (7:
162).
وعبدُالرحمن
بن عبد الله المسعودي عند أحمد (3308) والترمذي (3555)
والنَسائيّ في السُنَنِ الكُبْرى (9990) والبزار في مسنده (5211) والطحاوي في شرح
مشكل
وَمِسْعَرُ
بنُ كِدامٍ، عند مسلم (2726) وأبي عوانة في مستخرجه (20: 410) وابن أبي شيبة في
مصنفه (30008) وإسحاق بن راهويه في مسنده (2077) وابن ماجه (3808) وابن أبي عاصم
في الآحاد والمثاني (3106) والنَسائيّ في السُنَنِ الكُبْرى (9993) والطبراني في
المعجم الكبير (161) والطبراني في الدعاء للطبراني (1741) والبيهقي في الأسماء
والصفات (628).
ورجالُ
إسنادِ الحديثِ؛ ثقاتٌ، ما عدا محمّد بن عبدالرحمن مولى آل طلحةَ بن عبيدالله
التيميّ، فقد اختلف فيه نقّاد الحديث.
فوثّقه
عددٌ منهم، وصحح له مسلم وابن خزيمة وأبو
عوانةَ وابنُ حبّان.
وترجمه
المزيّ في تهذيبه (25: 615) وقال: «قَال أَبُو زُرْعَة وأبو حاتم وأبو داود: صالح
الحديث، وقال النسائيّ: لا بأس به».
ولم
يخرّج البخاريّ له في صحيحه أيَّ حديثٍ، لكنه أثنى عليه في تاريخه الكبير (1: 146)
فقال: «قال لنا عليُّ ابن المدينيِّ عن ابن عُيَيْنَة: كان أعلَمَ مَن عِندنا
بالعربية».
وللحديث
شاهدٌ من حديث سعدِ بن أبي وقّاص، رضي الله عنه، أخرجه ابن حبّان في صحيحه (837)
وفيه (سُبْحَانَ اللهِ عَدَدَ مَا خَلَقَ فِي السَّمَاءِ، وَسُبْحَانَ اللهِ عَدَدَ
مَا خَلَقَ فِي الْأَرْضِ، وَسُبْحَانَ اللهِ عَدَدَ مَا هُوَ خَالِقٌ).
وفي
الحديثِ قصّةٌ تُشيرُ إلى أنّ محمّد بن عبدالرحمن حفظ حديثه!
قال
ابن حجر في مقدمة الفتح (ص: 363): «قالَ أَحْمد ابن حَنْبَلٍ: إِذا كانَ فِي
الحَدِيث قصَّةٌ؛ دَلّ على أَنّ راويَه حفظه، وَالله أعلم».
خلاصةُ
الحكم على إسنادِ الحديث: إسناده حسن، في أحسن أحواله، والحديث الحسن لا يثبت به
حلال ولا حرامٌ، فضلاً عن إثبات عقيدةٍ، فتنبّه!
أمّا
استشكال السائل جملةَ (زنَةَ عرشِهِ) فالله تعالى وصف عرشه بأنه عظيم، وأنه كريم،
ووصفَ الهدهدُ عرشَ بلقيس بقوله: (وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ) وأقرّه القرآن الكريم.
فهل
عظمةُ العَرشَ تَعني ضخامَته وثِقلَ وزنه، إضافةً إلى إتقان صنعِه وجمالِه؟
هذا
موضوع طويلٌ، يحتاج إلى شرحِ الآياتِ الكريمة التي ورد فيها ذكرُ العرش.
مثلما
يحتاج إلى تخريج الأحاديث التي ذُكِر فيها العرش؛ لنعلم ما إذا كان العرشُ جُرْماً
له أبعادٌ، أم إنّه كنايةٌ عن سَعةِ مُلك الله تبارك وتعالى.
والله تعالى أعلم
(رَبَّنا: ظَلَمْنَا أَنْفُسَنا، وَإِنْ لَمْ
تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنا؛ لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ).
هذا.. وصلّى الله على سيّدنا محمّد بن عبدالله،
وعلى آله وصحبه وسلّم تسليماً.
والحمد
لله على كلّ حال.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق