من عبر التاريخ [2023] (1):
خيانةُ عبدالله بن العبّاس
رضي الله عنهما!؟
بسم الله الرحمن الرحيم
(رَبَّنَا: عَلَيْكَ
تَوَكَّلْنَا، وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا، وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ.
رَبَّنَا: لَا تَجْعَلْنَا
فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا، وَاغْفِرْ لَنَا.
رَبَّنَا: إِنَّكَ أَنْتَ
الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ).
(رَبَّنَا: افْتَحْ
بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ، وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِين).
استمعتُ إلى أحدِ فُجّار الرافضةِ - عليه من الله
ما يستحقّ - يتّهم حَبرَ الأمّة الإمامَ عبدالله بن عبّاس بشتّى التهم الخبيثةِ التي
هو وقَبيلُه أولى بها، والله !
حتى زعم أنّ أئمةَ الرافضةِ يصفونه بالخائن الخاسر!
وأفصح هذا الخبيثُ عن بغضه لعبدالله بن عبّاس
وكراهيته له!
أقول وبالله التوفيق:
استدلّ هذا الرافضيّ اللعينُ بنصٍّ في نهج
البلاغةِ، يوبّخ فيه أميرُ المؤمنين أحدَ وُلاتِه على غَصْبِه مالَ الأمّة الذي
استأمنه عليه أمير المؤمنين عليه السلام.
وأنا سأسوق النصّ بتمامِه؛ لما فيه من بلاغةِ
الإمام عليّ، وما فيه من الورع والتقوى والترهيب والترغيب، والقِيَمِ والمبادئ
الإسلامية العالية، التي تليق بأمير المؤمنين، ويليق بها.
جاء في نهج البلاغة (ص: 499) ما نصّه:
ومن كتاب له «عليه
السلام» إلى بعض عماله:
أَمَّا بَعْدُ: فَإِنِّي
كُنْتُ أَشْرَكْتُكَ فِي أَمَانَتِي([1]) وَجَعَلْتُكَ
شِعَارِي وَبِطَانَتِي، وَلَمْ يَكُنْ مِنْ أَهْلِي رَجُلٌ أَوْثَقَ مِنْكَ فِي
نَفَسِي، لِمُوَاسَاتِي([2]) وَمُوَازَرَتِي([3]) وَأَدَاءِ
الاَْمَانَةِ إِلَيَّ.
فَلَمَّا رَأَيْتَ
الزَّمَانَ عَلَى ابْنِ عَمِّكَ قَدْ كَلِبَ([4]) وَالْعَدُوَّ
قَدْ حَرِبَ([5])
وَأَمَانَةَ النَّاسِ قَدْ خَزِيَتْ([6]) وَهذهِ
الأُمّة قَدْ فُتِنَتْ وَشَغَرَتْ([7]) قَلَبْتَ
لاِبْنِ عَمِّكَ ظَهْرَ الِمجَنِّ([8]) فَفَارَقْتَهُ
مَعَ الْمُفَارِقِينَ، وَخَذَلْتَهُ مَعَ الْخَاذِلِينَ، وَخُنْتَهُ مَعَ
الْخَائِنِينَ، فَلاَ ابْنَ عَمِّكَ آسَيْتَ([9]) وَلاَ
الاَْمَانَةَ أَدَّيْتَ.
وَكَأَّنكَ لَمْ تَكُنِ
اللهَ تُرِيدُ بِجِهَادِكَ، وَكَأَنَّكَ لَمْ تَكُنْ عَلَى بَيِّنَة مِنْ رَبِّكَ،
وَكَأَنَّكَ إِنَّمَا كُنْتَ تَكِيدُ([10]) هذِهِ
الأُمّة عَنْ دُنْيَاهُمْ، وَتَنْوِي غِرَّتَهُمْ([11]) عَنْ
فَيْئِهِمْ([12])
!
فَلَمَّا أَمْكَنَتْكَ
الشِّدَّةُ فِي خِيَانَةِ الأُمّةِ؛ أَسْرَعْتَ الْكَرَّةَ، وَعَاجَلْتَ
الْوَثْبَةَ، وَاخْتَطَفْتَ مَا قَدَرْتَ عَلَيْهِ مِنْ أَمْوَالِهِمُ
الْمَصُونَةِ لأرامِلِهِمْ وَأَيْتَامِهِمُ، اخْتِطَافَ الذِّئْبِ الأزَلِّ([13]) دَامِيَةَ([14]) الْمِعْزَى([15]) الْكَسِيرَةَ([16]) فَحَمَلْتَهُ
إِلَى الْحِجَازِ رَحيِبَ الصَّدْرِ بِحَمْلِهِ، غَيْرَ مُتَأَثِّم([17]) مِنْ
أَخْذِهِ، كَأَنَّكَ - لاَ أَباً لِغَيْرِكَ([18]) -
حَدَرْتَ([19])
إِلَى أَهْلِكَ تُرَاثَكَ([20]) مِنْ
أَبِيكَ وَأُمِّكَ، فَسُبْحَانَ اللهِ! أَمَا تُؤْمِنُ بِالْمَعَادِ؟ أَوَ مَا
تَخَافُ نِقَاشَ([21]) الْحِسَابِ!
أَيُّهَا الْمَعْدُودُ -
كَانَ - عِنْدَنَا مِنْ ذَوِي الاَْلْبَابَ، كَيْفَ تُسِيغُ([22]) شَرَاباً
وَطَعَاماً، وَأَنْتَ تَعْلَمُ أَنَّكَ تَأْكُلُ حَراماً، وَتَشْرَبُ حَراماً،
وَتَبْتَاعُ الإمَاءَ، وَتَنْكِحُ النِّسَاءَ مِنْ مَالِ الْيَتَامَى
وَالْمَسَاكِينِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْـمُجَاهِدِينَ، الَّذِينَ أَفَاءَ اللهُ
عَلَيْهِمْ هذِهِ الاَْمْوَالَ، وَأَحْرَزَ بِهِمْ هذِهِ الْبِلاَدَ؟!
فَاتَّقِ اللهَ، وَارْدُدْ
إِلَى هؤُلاَءِ الْقَوْمِ أمَوَالَهُمْ، فإِنَّكَ إِنْ لَمْ تَفْعَلْ، ثُمَّ
أَمْكَنَنِي اللهُ مِنْكَ لاَُعْذِرَنَّ إِلَى اللهِ فِيكَ([23]) وَلأضْرِبَنَّكَ
بِسَيْفِي الَّذِي مَا ضَرَبْتُ بِهِ أَحَداً إِلاَّ دَخَلَ النَّارَ!
ووَاللهِ لَوْ أَنَّ
الْحَسَنَ وَالْحُسَيْنَ فعَلاَ مِثْلَ الَّذِي فَعَلْتَ؛ مَا كَانَتْ لَهُمَا
عِنْدِي هَوَادَةٌ([24]) وَلا
ظَفِرا مِنِّي بَإِرَادَة، حَتَّى آخُذَ الْحَقَّ مِنْهُمَا، وَأُزِيحَ الْبَاطِلَ
عَنْ مَظْلَمَتِهِمَا.
وَأُقْسِمُ بِاللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ؛ مَا
يَسُرُّنِي أَنَّ مَا أَخَذْتَهُ مِنْ أَمْوَالِهِمْ حَلاَلٌ لِي، أَتْرُكُهُ
مِيرَاثاً لِمَنْ بَعْدِي!
فَضَحِّ رُوَيْداً([25]) فَكَأنَّكَ
قَدْ بَلَغَتَ الْمَدَى([26]) وَدُفِنْتَ
تَحْتَ الثَّرَى([27]) وَعُرِضَتْ
عَلَيْكَ أَعْمَالُكَ بِالمَحَلِّ الَّذِي يُنَادِي الظَّالِمُ فِيهِ
بِالْحَسْرَةِ، وَيَتَمَنَّى الْمُضَيِّعُ الرَّجْعَةَ ]ﭥﭦﭧﭨ[ [سورةُ
ص] ([28])
! وَالسَّلامُ» انتهى الكتاب.
أورد المجلسيّ هذا الكتابَ في مواضع عديدة من بحار
الأنوار، منها (33: 499) فما بعدها.
ونقل عن ابن أبي الحديد في شرح النهج ما نصّه:
«وقد
اختلف الناس في المكتوبِ إليه هذا الكتابُ، فقال الأكثرون: إنّه عبدُالله بن العبّاس
رحمه الله، ورووا في ذلك رواياتٍ واستدلّوا عليه بألفاظٍ من ألفاظِ الكتاب».
وساق
ابن أبي الحديدِ القرائن التي استدلّ بها الرافضة على اتّهام ابن عبّاس بالخيانة،
ثم قال:
«وقال آخرون - وهم الأقلّون - هذا لم يَكُنْ، و لا
فارقَ عبدُالله بن عبّاس عليّاً عليه السلام، ولا بايَنَه، و لا خالفَه، و لم يَزَلْ
أميراً على البصرةِ، إلى أن قُتِل عليّ.
قالوا: و يَدلُّ على ذلك ما رَواه أبو الفرج علي بن
الحسين الأصفهانيّ من كتابه الذي كتبه إلى معاوية من البصرةِ لمّا قُتِل عليٌّ عليه
السلام.
قالوا: كيف يكون ذلك، و لم يخدعْه معاويةُ و يَجرَّه
إلى جهته، وقد علمتم كيف اختدع كثيرينَ من عمّال أمير المؤمنين، و استمالهم إليه
بالأموال، فمالوا، و تركوا أميرَ المؤمنين فما بالُ معاويةَ - وقد علم النَبوةَ
التي حَدثَتْ بينَهما - لم يَستَمِلْ ابنَ عبّاس، ولا اجتذَبه إلى نفسِه؟
وكلُّ من قَرأ السيرَ، وعرفَ التَواريخَ؛ يَعرفُ مُشاقّةَ
ابنِ عباسٍ لمعاويةَ، بعد وفاةِ الإمام عليّ
عليه السلام، وما كان يلقاه به مِن قوارعِ الكلامِ، وشديدِ الخصام، وما كان
يُثني به على أمير المؤمنين، و يَذكرُ خصائِصَه وفضائِلَه، ويَصدع به مِن مَناقبه
ومآثره!
فلو كان بينهما غُبارٌ أو كَدَرٌ؛ لما كان الأمرُ
كذلك، بل كانت الحالُ تَكون بِالضدِّ لما اشتُهِر من أمرهما، وهذا عندي هو الأمثل
و الأصوبُ».
قال الفقير عداب: هذا النصّ هكذا في شرح ابن أبي
الحديد، غيرُ معلومِ المرسَلِ إليه.
فالرافضة الذين يبغضون جميع أصحاب الرسولِ صلّى
الله عليه وآله وسلّم، وأهلَ بيته أجمعين، سوى أهلِ الكساء؛ رجّحوا ترجيحاً أنّ
الكتابَ من أمير المؤمنين إلى عبدالله بن العباس رضي الله عنهم.
وسبق أن نشرتُ منشوراً مطوّلاً، أوضحتُ فيه أنّ
كتاب نهج البلاغة غير ثابتِ النسبةِ إلى أمير المؤمنين، عند الرافضة أنفسهم.
وقد بحث السيّد محمّد رضا السيستانيّ مسألة حجيّةِ
نصوص نهج البلاغة في كتابه قبساتٌ من علم الرجال (2: 142 - 148) ثم ختم بحثَه
بقوله:
«والحاصلُ أنْ ليس كلّ ما في نهج البلاغة، ممّا
يُقطع بثبوته عن الإمام عليه السلام.
نعم هو على الإجمالِ يتضمّن خُطبه وكلامه عليه
السلام.
وبذلك يظهر الخَدْشُ فيما ذكره بعض المخالفين، من
أنّ نهج البلاغة قطعيُّ الثبوت عند الشيعة، فصار بصدد الاستدلال بما ورد فيه على
خلافهم» انتهى.
ونحن - أهلَ الحديث - إنّما نثبتُ المتنَ الذي يصحّ
إسنادُه، إذا خلا ذلك المتن عن المنكَر، وكلّ نصٍّ غريبٍ يتّهم أحد أئمّة
المسلمين، جاءنا من غير إسنادٍ صحيح؛ لا يجوز لنا أن نتّهم ذلك الإمام بمضمونه، بل
ولا نلتفتُ إلى ذلك النصّ أبداً.
والإمامُ عبدالله بن عبّاس رضي الله عنهما؛ أوثق
عندنا من جميع شيعةِ أمير المؤمنين المعاصرين له، ومَن جاء بعده، هو والحسنان، رضي
الله عنهم.
قال
الإمام الذهبيّ في ترجمته من سير أعلام النبلاء (3: 331): «عَبْدُاللهِ بنُ
عَبَّاسٍ البَحْرُ أَبُو العَبَّاسِ الهَاشِمِيُّ (ع) حَبْرُ الأُمَّةِ،
وَفَقِيْهُ العَصْرِ، وَإِمَامُ التَّفْسِيْرِ، أَبُو العَبَّاسِ عَبْدُاللهِ بْنُ
العَبَّاسِ عَمِّ رَسُوْلِ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بنِ عَبْدِ
المُطَّلِبِ شَيْبَةَ بنِ هَاشِمٍ، وَاسْمُهُ عَمْرُو بنُ عَبْدِ مَنَافٍ بنِ
قُصَيِّ بنِ كِلاَبِ بنِ مُرَّةَ بنِ كَعْبِ بنِ لُؤَيِّ بنِ غَالِبِ بنِ فِهْرٍ
القُرَشِيُّ، الهَاشِمِيُّ، المَكِّيُّ، الأَمِيْرُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ».
فانظر
إلى كلام الذهبيّ، الذي يتّهمونه بالنصبِ، وانظر إلى كلام الرافضةِ فيه، عاملهم الله
تعالى بعدله، وهو المستعان على الظالمين الفاجرين.
(رَبَّنا: ظَلَمْنَا
أَنْفُسَنا، وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنا؛ لَنَكُونَنَّ مِنَ
الْخَاسِرِينَ).
هذا.. وصلّى الله على
سيّدنا محمّد بن عبدالله، وعلى آله وصحبه وسلّم تسليماً.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق