الاثنين، 10 مارس 2025

          تقويمُ الكتب الإسلامية:

العوامل النفسيّة المؤثّرة على الناقد!؟

بسم الله الرحمن الرحيم

(رَبَّنا: عَلَيْكَ تَوَكَّلْنا، وَإِلَيْكَ أَنَبْنا، وَإِلَيْكَ الْمَصيرُ.

رَبَّنا: لَا تَجْعَلْنا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا، وَاغْفِرْ لَنَا.

رَبَّنَا: إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ).

(رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ، وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِين).

من الكتبِ التي اقتنيتها من معرض الكتاب العربيّ في استانبول، قبلَ أيّامٍ معدوداتٍ؛ كتابُ «العوامل النفسيّة المؤثّرة في حكم الناقد على الراوي» للدكتور مسعود محروس كونيّ، صدر عن مؤسّسة نماء للبحوث والدراسات، عام (2022م).

جاء الكتابُ في (216) صفحة، أوضح فيها الباحثُ أبرزَ العوامل النفسيّة التي تطرأ على الناقدِ في علوم الجرح والتعديل، في تقويمه لهذا الراوي أو ذاك!

وذكر من بين العوامل النفسيّة؛ كلامَ الأقرانِ بعضهم ببعض، والغضب، والتحامل، والمحاباة، والمبالغة، والاختلاف في التوجّه الفكريّ، والاجتهاد الفقهيّ.

ومن ذلك مسألةُ قول الراوي بخلق القرآن، ومسألة مخالطة الراوي للسلطان بنصح أو عمل، ومسألة أخذ الراوي الأجرة على التحديثِ، ومسألة تناول الراوي النبيذَ على مذهب الكوفيّين.

وقد جمع الباحثُ معلوماتٍ مفيدةً كثيرةً، في مباحثِ كتابه، لكلّ عاملٍ من هذه العوامل النفسيّة.

بيد أنّه كان مسوّغاً لكلّ ما صدر عن النقّاد من تنطّع وتشدّدٍ وضيق صدر، بدعوى أنهم بشرٌ من البشر!

ذكرَ الباحثُ دوافعَ وأسبابَ كلام الأقرانِ، بعضهم في بعض (ص: 46) وحصرها في ثلاثة دوافع: الحسد، والمنافسة، والعداوة والمنافرة، ثم قال:

«ويقف القارئ لهذه المواقف متعجّباً ومتسائلاً: أليس من الأولى أن يكون المطفئ لنيران هذه الأدواء؛ هم أهل العلم؟

فلماذا يقع بينهم ما يقع بين الناس، وهم أهل الاقتداء، والأمر بالمعروفِ، والنهي عن المنكر؟

لا تعدو الإجابةُ على هذا التساؤل كونهم بشراً غيرَ معصومين».

أقول: ممّا ينبغي ملاحظتُه هنا؛ أنّ أحدَ الطرفين هو الحاسد، وهو الذي يثير حفيظَةَ المحسود، ويدفعه إلى الكلام فيه دفعاً.

فالحاسدٌ إنسانٌ ناقصٌ، قليلُ التزكية، قليلُ التربية الإيمانيّة، ولا يجوز بحالٍ من الأحوالِ أن يُعتذر عنه، بمثل ما اعتذر كاتب هذا الكتاب، بقوله (ص: 46): «الحسد قلّما ينفكّ عنه أحدٌ من الناس، إلّا مَن عَصم الله، وهو مرض من الأمراض، يقع فيه العلماء وغيرهم».

هذا كلام غير دقيق، فالمؤمن الصالح؛ لا يحسد أحداً على شيءٍ، بعدما يقرأ قول الله تعالى: (وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ) وقوله الكريم (أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ)؟

ما دام الحسدُ شرّاً، يُستعاذ منه، وما دام اللهُ تعالى هو الذي فاضل بين عباده في الرزق والعلم والمنزلة، فعلام تحسد الناسَ؟

أليس الحسدُ في باطنه، اعتراضاً على الله تعالى في أقداره وأفعاله؟

قصة صغيرة بالمناسبة:

كنت أعملُ في الكويت «دهّاناً» وكان كفيلي المحسن الفاضل عبدالله المطوّع القناعي «أبو بدر» وقد حدّثني هو أنّه أحد أغنياء الكويت العشرة.

استمع إلى محاضرة لي، فأعجب بها، فطلب مني أن أزوره في مكتبه في اليوم التالي!

تركت عملي، وزرته، فأثنى عليّ كثيراً، ثم اعتذر مني بعدم انتباهه لما لديّ من علم، وأخرج من مكتبه ظرفاً مختوماً، لم أر ما في داخله، وقال: هذه خمسة آلاف دينار كويتيّ، استعن بها على عملك، وأشرفْ على العمّال، والتفت إلى علمك!

وإذا احتجتَ إلى خمسة آلاف دينار أخرى؛ فأنا حاضر!

قلت له: أنا لا أحسن إدارةَ المالِ يا أبا بدر، أنا طالب علمٍ، أعمل بهذه المهنة لأعيش من ورائها، ريثما يهيّئ الله لي عملاً مناسباً، أستقرّ فيه.

ربما أخذت نقودك هذه، فخسرتُها غداً، أو بعد غدٍ، فمن أين آتيك بخمسة آلاف، أو عشرة آلاف دينار، لا لا يا أبا بدر، أنا هكذا بخير وعافية، ودخلي في كلّ شهر ممتاز، لا يسرّني أن أكون مديناً لأحدٍ بدينارٍ واحد!

قال: لا يا أبا محمود لا، هذه هدية لك، أنت رجل عالم، وحقّك علينا كبير كبير، وهذا بعض حقّك علينا والله!

قلت له: لا والله لا أمسكها بيدي، ولا أقبل منها ديناراً، لكن ما دمت تراني طالب علم؛ فساعدني بالقبولِ في إحدى جامعات السعودية؛ لأكمل دراستيّ، بارك الله تعالى لك في أهلك ومالك.

واستدعاني مرة أخرى في رمضان، فأنفق في ليلةٍ واحدة قرابةَ نصف مليون دينارٍ كويتيّ!

تأثرت كثيراً، حتى بكيتُ، ولم أتمالك نفسي، إعجاباً بفضله وكرمه!

عندما انتبه إليّ؛ قال: لا تَغترَّ يا أبا محمود، والله ما هو بكرمٍ، إنما هو الزكاة وثلث الوالد!

لم أحْسُد أبا بدر، ولم أتطلّع إلى ماله، ولم أقل لو أنه أعطاني كما يعطي الجمعيّات الخيريّة!

بل هو عرض عليّ عشرة آلاف دينار، فرفضت جازماً، وعن طيب خاطر!

عودٌ على بدء:

في إحدى مسائل الاختلاف الفكريّ، وهي مسألة خلق القرآن؛ عرض الباحث للمسألة منذ ابتداء نشأتها (ص: 99) وجعلَ محورَ الحقّ في مسألة خلق القرآن؛ رأيَ أحمد ابن حنبل الخطأ أصلاً، بل لم يكن أحمدُ يَعرف ما يريد!

إذا قلتَ: القرآن مخلوقٌ؛ فأنت كافر!

وإن قلت: القرآن غير مخلوق؛ فأنت مبتدع!

وإن قلت: لفظي بالقرآن مخلوق؛ فأنت جهميّ.

وإن قلت: القرآن كلام الله تعالى، ولم تقل شيئاً؛ فأنت واقفيّ، والواقفيّ شرٌّ من الجهميّ!

هل هذا موقفُ رجلٍ عالم، يعرف ما يُريد؟

والكلام الذي يقولونه في تفسير موقف أحمدَ؛ ليس إلّا من أجل التسويغ السخيف، وعدم تجرّئهم على القول بأنّ أحمدَ لم يكنْ يعرف هذه المسألةَ، ولا يعرف كيف يجيب بها!

ومن جهلِ الأمّة وتعصّبها؛ تفخيمُ وتعظيم أحمد ابن حنبلٍ؛ لأنه خالفَ السلطان الهاشميّ، وإسقاط مثل الحسين الكرابيسيّ الإمام الفقيه الجبل!

قال الحافظ الذهبيّ: «ولا ريب في أنّ ما ابتدعه الكرابيسيّ، وحرّره في مسألة التلفظ، وأنه مخلوق؛ هو حق، لكن أباه أحمد لئلّا يتذرّع إلى القول بخلق القرآن، فسدّ الباب؛ لأنك لا تقدر أن تُفرز التلفظ من الملفوظ، الذي هو كلام الله، إلّا في ذهنك».

انتبه أخي القارئ إلى قول الذهبيّ: «ابتدعه الكرابيسيّ» ثم إلى قوله بعد كلمات «هو حقّ» تقديس أحمد هي المشكلة في عقولهم!

أمّا اعتذاره عن أحمد؛ فهو بارد متكلَّف، لو كان أحمد يعرف هذا المعنى لقالَه أصلاً، ما الذي يمنعه من قوله؟

عندما قال الكرابيسيّ «تلفّظك بالقرآن؛ غير الملفوظ» بلغ قولُه أحمدَ، فقال: «هذه بدعة»!

فلمّا علم الكرابيسيّ بقول أحمدَ؛ قال: «أيّ شيءٍ نعمل بهذا الصبيّ؟

إن قلنا: مخلوق؛ قال: بدعة!

وإن قلنا: غير مخلوق؛ قال: بدعة»!

وقد تنطّع الإمام أحمد في هذه المسألة إلى درجةٍ مزعجة!

نقل عنه ابن شاذان الهمذاني أنه قال: «من قال: لفظه بالقرآن مخلوق؛ فهو جهميٌّ مخلّد في النار، خالدًا فيها، ثم قال: وهذا شرك باللهِ العظيم» طبقات الحنابلة (1: 109).

وقال أبو بكر السراج: سألتُ أحمدَ عن رجل يقول: القرآن مخلوق؟ فقال: كافر!

وسألته عمّن يقول: لفظي بالقرآن مخلوق؟ قال: جهمي» طبقات الحنابلة (1: 270).

وقال ابن هانئ في مسائله (1865): وسمعت أحمد يقول: أخزى اللهُ الكرابيسي، لا يُجالَسُ، ولا يكلّم، ولا تُكتب كتبه، ولا يجالسُ من جالسه» وذكره بكلام كثير.

وقيل له ما لا أحصي: مَن قال: القرآن مخلوق؛ فهو عندك كافر؟

قال: نعم، هو عندي كافر».

وفي كتاب الإبانة لابن بطة (1: 338): قال المرّوذيُّ: قلت لأبي عبدالله: إن الكرابيسي يقول: من لم يقل: لفظي بالقرآن مخلوق؛ فهو كافر؟

قال: بل هو كافر، مات بِشر المريسيُّ، وخلَفَه حسينٌ الكرابيسي».

بمجرّد أن نقل له المرّوذيُّ قولاً عن الكرابيسيّ؛ رماه بالكفر!

ولو كان أهل الحديثِ في تلك الأيّام، يَعقِلون شيئاً من العلوم العقليّة؛ لقدّموا حسيناً الكرابيسيّ، ولم يلتفتوا إلى قول أحمدَ الذي كان يتخبّط في هذه المسألة غايةَ التخبّط، في الوقت الذي لا تستحقّ الجدالَ بها أصلاً!

الإمامان علي ابن المدينيّ ويحيى بن معين؛ قالا بخلق القرآن، خَوفاً من تَعذيب ابن أبي دُؤاد المعتزليّ الظالم، ثم اعتذرا من أحمد بعذرهما؛ فلم يقبل عذرهما، وأمر بترك الرواية عنهما، وقد ظلّ إلى آخر عمره مستمسكاً بهذا الموقف الباطل من أساسه!   

وقد أطال الباحث في مسألة خلق القرآن، ثم عقد مبحثاً عن تصوّر الإمام أحمد للخِلاف في مسألة خلق القرآن، ليس تحته سوى الاعتذار البارد!

الكتاب بوجهٍ عامٍّ مفيد، لكنّ الباحثَ من أتباع المنهج السلفيّ، فيما ظهر لي، وأتباع المنهج السلفيّ يعظمون أهل الحديثِ، مع أنّ أكثرَهم عامّةٌ، يحسنون «حدّثنا، وأخبرنا» ولا يُحسنون شيئاً وراء ذلك!

فكرة الكتابِ جيّدة جديدةُ الطرح، كما قال مقدّم الكتاب، الدكتور عبدالرزاق أبو البصل، لكنّ معالجة الموضوع تسويغية وتفسيرية، ولم تخرج بنتائج حُكميّة على أفعال أولئك الظالمين من النقّاد!

والبحثُ الذي نحتاجه أكثرَ من هذا البحث؛ هو «الدوافعُ النفسيّة وراء تحديثِ الرواة بأحاديثهم» ومن أمثلة ذلك:

(1) حديث أنس بن مالك: (لا يحب الأنصار إلّا مؤمن، ولا يبغضهم إلّا منافق) أخرجه البخاري (3783) ومسلم (75)!

(2) وحديثه (توفي رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم، ولم يحفظ القرآن إلّا أربعة، كلهم من الأنصار) أخرجه البخاريّ (3810) ومسلم (2465).

(3) وحديثُه بزيارة الرسول صلّى الله عليه وآله وسلم لأمّ أنس وخالته، ونومه عندهما، وكانت خالتُه تُفلي رأسَ رسول الله من القَمْلِ، أخرجه البخاريّ (2789) ومسلم (1912)!

ما دوافعُه وراءَ هذا كلّه؟

وهل تُقبل أحاديثُه هذه وأمثالها، بعد أن ظهر فيها تعصّبه الشديد لقومه الأنصار؟

وأحاديث أم المؤمنين عائشة، التي فيها أنّه كان يحبّها أشدّ الحبّ، وأنّ الناس كانوا يتحيّنون دورها حتى يتحفوا الرسول بهداياهم.

وكيف نوفّق بين أحاديثها التي من هذا الطراز، وبين نزولِ القرآن العظيم محذّراً لها ومهدّداً ومُوعداً، من مثل قوله تعالى (وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثًا فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ وَأَظْهَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَنْ بَعْضٍ فَلَمَّا نَبَّأَهَا بِهِ قَالَتْ مَنْ أَنْبَأَكَ هَذَا قَالَ نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ (3) إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا وَإِنْ تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلَاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلَائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ (4) عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِنْكُنَّ مُسْلِمَاتٍ مُؤْمِنَاتٍ قَانِتَاتٍ تَائِبَاتٍ عَابِدَاتٍ سَائِحَاتٍ ثَيِّبَاتٍ وَأَبْكَارًا (5) [التحريم].

هل يتناسبُ أن يصدر هذا التهديد المرعبُ، تجاه زوجةٍ كان زوجها كَلِفاً بها؟

وموقف ابن الزبير من مسألة المتعة، وتهديده ابن عباس بأنه سيرجمه لو فعلها، هل هذا الموقف الذي لم يقل به أحدٌ غيره؛ أثرٌ من آثار ولادته مِن نكاح متعة، كما روى ذلك أبو داود الطيالسيّ في مسنده (1742) والنسائيّ في السنن الكبرى (5515) والمستخرج على صحيح مسلم (2873) وشكّ مسلم في صحيحه (1238) فقال: «لَا أَدْرِي مُتْعَةُ الْحَجِّ أَوْ مُتْعَةُ النِّسَاءِ»؟

وهل تركُ ابن الزبير الصلاةَ على الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم في خطب الجمعة، فقد جاء عن غير واحدٍ من معاصريه أَنَّهُم قَالَ: كَانَ مِنْ أَعْظَمِ مَا أَنْكَرَ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ تَرْكُهُ ذِكْرَ رسول الله صلى الله عليه وسلم في خُطْبَةِ الجمعة!

وَقَوْلُهُ حِينَ كُلِّمَ فِي ذَلِكَ: «إِنَّ لَهُ أُهَيْلَ سُوءٍ، إِذَا ذُكِرَ اسْتَطَالُوا وَمَدُّوا أعناقهم لذكره» أهكذا هم بنو هاشم «أُهَيْلَ سُوءٍ».

الدوافع النفسيّة التي تصاحبُ رواياتِ بعضِ الصحابةِ والتابعين والرواة؛ تحتاج إلى درسٍ عميقٍ، بعيداً عن التسويغ والاعتذار، فنحن نريد الوقوفَ على الحقيقة؛ لنلتزمها وندين الله بها، ومعاذ الله أن يكون هدفُنا ردَّ السنّة، أو الطعنَ في الصحابة، أو التشكيك بعدالتهم، كما يتفلسف الغوغاء الرعاع!

(رَبَّنا: ظَلَمْنَا أَنْفُسَنا، وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنا؛ لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ).

هذا.. وصلّى الله على سيّدنا محمّد بن عبدالله، وعلى آله وصحبه وسلّم تسليماً.   

والحَمْدُ للهِ على كلِّ حالٍ.

الأحد، 9 مارس 2025

  في سَبيلِ العلم:

الخطابُ العَقديُّ والخطابُ الدَعَويُّ!؟

بسم الله الرحمن الرحيم

(يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ، وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ؛ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ (269) [البقرة].

(ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ، وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ.

إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ، وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (125) [النحل].

(قُلْ: هَذِهِ سَبِيلِي، أَدْعُو إِلَى اللهِ عَلَى بَصِيرَةٍ - أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي - وَسُبْحَانَ اللهِ!

وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (108) [يوسف].

(وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ، إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ، وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللهِِ، عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ، وَإِلَيْهِ أُنِيبُ (88) [هود].

(اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى (43) فَقُولَا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً، لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى (44) [طه].

قال لي صاحبي: قرأتُ لك كلاماً لم أفهمْه، تَقول: هناك خطابٌ عقديٌّ، وخطابٌ قضائيٌّ، وخطابٌ دعويّ، كيف أفرّق بين هذه الخطاباتِ الثلاثةِ التي تدّعيها؟

أقول وبالله التوفيق:

أوّلاً: الخطاب العقديّ: هو الخطابُ الإيمانيّ، الذي تتميّز به إحدى الجماعاتِ الإنسانيّةِ عن غيرها.

فهناك خطابٌ إسلاميٌّ عامُّ، يدخل تحتَه جميعُ من يؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر.

وهناك خطابٌ إسلاميٌّ سنّيٌّ، يدخل تحته جميعُ من يؤمن بما تقدّم، مضافاً إليه «القدر، خيره وشرّه من الله تعالى، إلى جانبِ اعتقادهم بعدالةِ جميع من ثبتت صحبتُة مع النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم.

وهناك خطابٌ إسلاميّ شيعيٌّ، يؤمن أتباعُه بأركان الإيمان الخمسةِ السابقةِ، ويؤمنون بالعدل والتوحيد، بدلاً من «القَدَرِ».

وفي ضوء تلك المعتقداتِ؛ يكون الفَصْلُ بين المؤمن بها، وغيرِ المؤمن بها، ويسمّي القرآنُ الكريم غيرَ المؤمن بها ضالّاً وكافراً.

يقول الله تبارك وتعالى: (قُلْ يَاأَيُّهَا الْكَافِرُونَ (1) لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ (2) وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ (3) وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ (4) وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ (5) لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ (6) [الكافرون].

ويقول تعالى: (وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللهِ  وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا (136) [النساء].

ويقول جلَّ شأنُه: (لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا: إِنَّ اللهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ.

قُلْ: فَمَنْ يَمْلِكُ مِنَ اللهِ  شَيْئاً، إِنْ أَرَادَ أَنْ يُهْلِكَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً (17) [المائدة].

(لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا: إِنَّ اللهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ، وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا إِلَهٌ وَاحِدٌ!

وَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ؛ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (73) [المائدة].

هذا خطابٌ عقديّ صريحٌ واضح، لا يحتاجُ إلى بيانٍ، ويوجَّه هذا الخطابُ إلى المؤمنين المسلمين، في درسِ العقيدة، ودروس التعليم، ولا يواجَه به المدعّوون ابتداءً.

ثانياً: الخطابُ القضائيّ: هو الخطابُ الذي يُظهرُ صاحبَ الحقِّ من المتخاصمَيْن، أو المتخاصِمِينَ، من الذي عليه أداءُ الحقِّ له.

قال الله تعالى: (وَهَلْ أَتَاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرَابَ (21) إِذْ دَخَلُوا عَلَى دَاوُودَ فَفَزِعَ مِنْهُمْ!

قَالُوا: لَا تَخَفْ خَصْمَانِ بَغَى بَعْضُنَا عَلَى بَعْضٍ، فَاحْكُمْ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ، وَلَا تُشْطِطْ!

وَاهْدِنَا إِلَى سَوَاءِ الصِّرَاطِ (22) إِنَّ هَذَا أَخِي، لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً، وَلِيَ نَعْجَةٌ وَاحِدَةٌ؛ فَقَالَ: أَكْفِلْنِيهَا، وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ (23) قَالَ: لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ إِلَى نِعَاجِهِ، وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ الْخُلَطَاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ، إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ، وَقَلِيلٌ مَا هُمْ!

وَظَنَّ دَاوُودُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ، فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ، وَخَرَّ رَاكِعاً وَأَنَابَ (24) فَغَفَرْنَا لَهُ ذَلِكَ، وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنَا لَزُلْفَى وَحُسْنَ مَآبٍ (25) يَادَاوُودُ: إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ، فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ، وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ،  إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ  لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ، بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ (26) [سورة ص].

(وَدَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ، إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ، وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ (78) فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ، وَكُلّاً آتَيْنَا حُكْماً وَعِلْماً (79) [الأنبياء].

هذه أحكامٌ قضائيّةٌ يُوجّهها القاضي - وهو الحاكمُ - أو المفتي إلى المتخاصمَين.

ثالثاً: الخطابُ الدعويُّ: هو الخطابُ المتّسقُ مع المصلحة الشرعيّة، ويشمل مقاصدَ الشريعةِ ومكارمها وسدَّ الذرائع، وإليك بعضُ أمثلةِ ذلك:

(1) عندما تُحاورُ أناساً غير مسلمين؛ فلا يصحّ في الخطابِ الدعويّ أن تقول لهم: (يا أيها الكافرون) أو (لقد كفر الذين قالوا: إنّ الله هو المسيح بن مريم) ابتداءً.

إنّما عليك ضبطَ أعصابك تماماً، فلا تتسرّع بسبِّ معظّميهم، لأنك متى فعلتَ ذلك؛ أنهيتَ الحِوارَ بينك وبينهم من جهةٍ، ومن جهة أخرى قد تتسبّبُ بسبِّهم أعظمَ مُعظّم لديك.

قال الله تعالى: (وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ،  فَيَسُبُّوا اللهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ.

كَذَلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ، ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ مَرْجِعُهُمْ، فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (108) [الأنعام].  

(2) يتعيّن عليك توظيفَ معاني الحكمةِ، كلَّ معنىً منها في موطنه الصحيح.

قال الله تعالى:

(ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ، وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ!

 إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ، وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (125) [النحل].

(قُلْ: هَذِهِ سَبِيلِي، أَدْعُو إِلَى اللهِ عَلَى بَصِيرَةٍ - أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي - وَسُبْحَانَ اللهِ، وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (108) [يوسف].

(3) تتخيّر من معاني الحكمةِ ما يناسب دينَ المدعوّين، وأفكارهم.

فإذا كنت تخاطب المسيحيين مثلاً، فتقول لهم:

(آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (46) [العنكبوت].

(لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا؛ الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا، وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا، الَّذِينَ قَالُوا: إِنَّا نَصَارَى.

ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَاناً، وَأَنَّهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ (82) [المائدة].

رابعاً: إذا كنت تحاور مسلماً مُنحرفاً - في نظرك - فيجب أن تتذكّر أمرين:

الأوّل: قول الرسول صلّى الله عليه وآله وسلم: (وَ اللهِ لَأَنْ يَهْدِيَ اللهُ بِكَ رَجُلاً وَاحِداً، خَيْرٌ لَكَ مِنْ أَنْ يَكُونَ لَكَ حُمْرُ النَّعَمِ) أخرجه البخاري في صحيحه (2942) ومسلم في صحيحه (2406)

ويجب أن يكون قصدُك هدايةَ أخيك المسلم الضالّ، وليس إهانَتَه، ولا الانتصارَ عليه!

والأمر الثاني: أنْ تفهَم نفسيّةَ المخاطَبِ، ومنزلته من العلم، فتخاطِبَه على حسب مستواه العقلي والعلميّ.

قال الإمام عليّ عليه السلام: (حَدِّثُوا النَّاسَ بِمَا يَعْرِفُونَ، أَتُحِبُّونَ أَنْ يُكَذَّبَ اللهُ وَرَسُولُهُ) أخرجه البخاري (127).

وقال الصحابيّ الجليل عبدالله بن مسعودٍ، رضي الله عنه: (مَا أَنْتَ بِمُحَدِّثٍ قَوْماً حَدِيثاً لَا تَبْلُغُهُ عُقُولُهُمْ، إِلَّا كَانَ لِبَعْضِهِمْ فِتْنَةً) أخرجه مسلم في مقدمة صحيحه (ص: 11).

ومن الجميلِ أن تُفتّشَ عن جسورٍ بينك وبين محاورِك، الذي ترغب بهدايته.

أمثلة ذلك:

بين جميعِ فرق المسلمين مشتركاتٌ كثيرة، يمكنك أن توظّفها بجملة واحدة: نحن إخوةٌ مسلمون، بيننا مشتركاتٌ كثيرةٌ، وما يجمعنا أكبر بكثيرٍ ممّا يفرّقنا، وحسبنا أنّ جميعنا يشهد أن لا إله إلّا الله وأنّ محمّداً رسول الله، وجميعنا نؤمن بهذا القرآن العظيم.

فإنْ كان محاورُك شيعيّاً إماميّاً مثلاً، وسبق لك أن تعرّفت إلى بعض شيوخ الإمامية، فقل له: نحن يجب أن لا يكون بيننا حواجزُ وحدودٌ، ويجب أن لا يتربّص بعضنا ببعض!

أنا حضرتُ على السيّد فلانٍ، والسيّد علّان، وبيننا حوارات كثيرةٌ، وأنا أعدّه شيخي، ونحن المسلمين جميعنا شيعةُ آل بيت الرسولِ صلّى الله عليه وآله وسلّم، بل إنّ أهلَ السنّة أكثرُ تشيّعاً لآل البيت من الشيعة الإماميّة أنفسهم؟

سيقول لك مستغرباً: كيف ذلك؟

قل له: أنتم تعظّمون الرسولَ صلّى الله عليه وآله وسلّم والسيدة خديجة والسيدة فاطمة والحسن والحسين، وتسعةً من ذرية الحسين، عليهم السلام!

ولو أنّك تصفّحت «سيرَ أعلام النبلاء» للإمام الذهبيّ السنيّ؛ لوجدته عظّم هؤلاء الأئمة الذين تعظّمون، وزاد عليكم تَعظيم مثلِ الإمام زيد بن عليّ بن الحسين، والإمام يحيى بن زيد، والإمام محمّد بن عبدالله بن الحسن، المعروف بالنفس الزكيّة، وعشراتٍ من أئمة آل البيت سواهم.

وليس هذا فحسب، بل إنّ أهل السنّة يحترمون ذريّة الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم؛ ويصلّون عليهم؛ لأنهم وصيّة الرسول!

فقد أخرج البخاري (3369) ومسلم (407) - وهما أجلّ كتابين من كتب الحديثِ، عند أهل السنةّ؛ أنّ الرسول صلّى الله عليه وآله وسلم قال:

(قُولُوا: اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَأَزْوَاجِهِ وَذُرِّيَّتِهِ، كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَأَزْوَاجِهِ وَذُرِّيَّتِهِ، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ) وأنتم لا تصلّون على أزواجه ولا على ذريّته، فمن أكثر حبّاً لآل البيتِ نحن أم أنتم؟

وأنا الفقير أستخدم هذا الأسلوبَ في خطابي الدعويّ، وفي خطابي الاجتماعيّ.

عندما كنتُ معلّماً في سلطنة عُمان، التي ينتشر فيها المذهبُ الإباضيّ؛ كنت أقول لطلّابي: ليس بيني وبينكم كبير خلافٍ، لو أنّكم غيّرتم موقفَكم من الصحابة رضي الله عنهم، وخاصّة موقفَكم من عثمان وعليٍّ، رضي الله عنهما.

وعندما كنت في العراق وخارج العراق؛ أكثرُ من قولي: «أنا شيعيّ» وأقصد المعنى المتقدّم!

وأقول: «بيد أنني لست رافضيّاً، فأنا لا أؤمن بالنصّ والتعيين والعصمة وانحصار الإمامة في ذرية الحسين، ولا أؤمن بالبداء ولا بالرجعة ولا بالمهديّ».

فإذا كنت لا أؤمن بكلّ مُعتقدات الشيعةِ الإماميّة هذه، فماذا بقي؟!

بقيَ أنّك أدخلتَ نفسَكَ في مسمّى التشيّعِ العامّ!

ألا ترى أنّ الشيعةَ الإماميّةَ يتعاطفون كثيراً، حتى مع الذين يكفّرونهم ممّن يُحشَر تحت عنوان الشيعة؟

هم يُكفّرون الإسماعيليّةَ، وما تفرّع عنها من القرامطةِ السبعيّةِ، ومن الفاطميين، ومن البُهرةِ، ومن النزاريّة (آغا خان) ومن الدروزِ، ويكفّرون «النصيريّة» لكنهم يصطفّون معهم إذا خاصموا أهلَ السنّةِ، وينصرونهم بالحقِّ وبالباطلِ على حدٍّ سواء!

وهؤلاء الإماميّةُ ينطبق عليهم الحديثُ الواردُ عن رسولُ الله صلّى الله عليه وآله وسلّمَ أنّه قال: (مَثَلُ الَّذِي يُعِينُ قَوْمَهُ عَلَى غَيْرِ الْحَقِّ؛ كَمَثَلِ بَعِيرٍ رُدِّيَ فِي بِئْرٍ، فَهُوَ يَنْزِعُ مِنْهَا بِذَنَبِهِ) أخرجه الإمام أحمد (3801) وحسّنه بعض أهل العلم، وله عدّة شواهد.

خامساً: يجب وجوباً علميّاً - لا عقائديّاً ولا قضائيّاً - على من يقرأ صفحتي هذه أن ينتبه إلى أنّ العالمَ مطالَبٌ دائماً أن يكون خطابُه دعويّاً، يَجمع ولا يفرّق، حتى في أشدّ الأزماتِ بين فِرَق المسلمين؛ لأنّ كلامَ العالم عند من يُتابعه أو يتّبعه «فتوى» وأكثر العوامّ لا يفهمون من كلمة «هذا كافر» إلّا أنّه حلالُ الدم، يجوز قتلُه من قِبَل أيِّ مسلم!

وربما تشجّع ذلك العاميُّ، وذهب فقتل ذلك المكفَّرَ، فيكون العالمُ شريكَ هذا الجاهلِ في قتلِ إنسانٍ، لا يَحلّ قتلُه؛ لأنّ القتلَ لا يكون إلّا بعد محاكمةٍ شرعيةٍ عادلةٍ، ثمّ يقوم بالتنفيذ رجال الأمن المختصّون، وليس ذلك لكلّ واحد!

وحتى لا يتزيّد عليَّ بعضُ الجهّال الموتورين؛ فأنا من أكثر المتضرّرين من النظامِ المجرم السابق، ففي معارك الثورة الأخيرة (2012 - 2025) قتلَ النظامُ المجرم:

شقيقي الشهيد غازي.

وولدي الشهيد علي.

وابن شقيقي الشهيد حسام بن غسّان.

وابن شقيقيّ الشهيد محمود بن غسّان.

وابن عمي أحمد بن عدنان.

وابن عمي عمر بن نصر.

وابن عمي ماهر بن ضرار.  

وآخرين لا تحضرني أسماؤهم.

سادساً: مفهوم «الثأر» ليس مفهوماً إسلاميّاً، إنّما هو مفهوم جاهليّ باطل !

قَتلَ النظامُ المجرمُ المارقُ من أسرتي اثني عَشر شهيداً، في معارك الثورة هذه، فهل أقومُ أنا فأقتلُ اثني عشر رجلاً، أو أكثرَ أو أقلَّ من موظفي النظامِ السابق، بدعوى أنّ لي ثأراً عند النظام؟

ربما هناك من يفعل ذلك، بيد أنّ هذا ليس مشروعاً، وفاعلُ ذلك سيحاسبُ في الدنيا والآخرة!

أمّا في الدنيا؛ فلأنّ القِصاصَ تقوم به السلطةُ التنفيذيّة، ولست أنا.

وأمّا في الآخرة؛ فلأنّك قتلتَ رجلاً، لا تدري أهو قاتلُ ابنِكَ أو شقيقكَ أم لا، على افتراض أنّك وليُّ الدم؟

ختاماً: يجب على العوامّ أن يَتّبعوا العلماءَ، لا أن يقوموا هم بتصنيفِ العلماء: هذا صديقٌ وهذا عدوٌّ.

من حقّ العاميّ أن يقول: أنتَ قلتَ كذا وكذا يا عداب، ما تقصد بهذا؟

فأقول له: أقصد كِيتَ وكِيتَ!

ولأنْ أكونَ مخطئاً في سبيلِ جمعِ الكلمةِ، وتخفيفِ الاحتقانِ؛ خير ألفَ مرّةٍ من أن أقول كلاماً يقودُ إلى قتلِ مَن لا يستحقّ القتلَ، أو يُشعلُ فتنةً، في بلدنا الذي لا يحتمل مزيداً من الخراب والقتل والدمار.

مَع أنّ قلبي يَمتلئ قهراً وغيظاً وألماً من هذه الطائفةِ «النصيريّة» التي قتلت أحبابي ظلماً وعدواناً وعنصريّةً وقرمطيّة، ولا يَدينُ أكثرُ المنتسبين إليها بأيّ دينٍ!

ألا ترى كيف يرفضُ جميعُهم الحكمَ الإسلاميَّ، ويفضّلون الحكمَ العلمانيَّ الكافر؟

إنّا للهِ وإنّا إليه راجعون.

والحمدُ للهِ على كلِّ حالٍ.

السبت، 8 مارس 2025

   بعيداً عن السياسة:

خطابٌ صريحٌ مفتوح إلى الأقلّيات في سوريّا!؟

بسم الله الرحمن الرحيم

إذا عُدنا إلى مصدر إحصائيّ تقريبيّ محايدٍ، مثل «ويكيبيديا الحرّة» نجد أعداد الطوائف في سوريا، عام (2006م) على النحو الآتي:

عدد سكّان سوريّا التقريبيّ، عام (2023م) ثلاثةٌ وعشرون مليون نسمة ونصف المليون.

المسلمون السنّة (69%).

المسلمون الشيعة الإماميّة والإسماعيليّة (2%).

النُصيريون العلويون (16%).

المسيحيّون بمذاهبهم وأعراقهم (10%).

الموحّدون الدروز (3%).

اليَزيديّون قُدّر عددهم عام (1987م) ما بين (12000 - 15000) نسمة.

ولو أننا سلّمنا بهذه الإحصائيّات - تَقريباً للبحثِ والتوضيح - فيكون عددُ أهل السنة أكثرَ من خمسةَ عشرَ مليونَ نسمة!

فنسبة (69%) إلى (16%) تعني أنّ أهلَ السنّة في سوريّا خمسةُ أضعاف عدد النصيريين فيها!

ويكون عدد أهل السنّة سبعةَ أضعافِ المسيحيين في سوريّا.

وبقيّة الطوائف قليلةُ العدد جدّاً، بالنسبةِ إلى أهل السنّة!

ووَفقَ النظام الديمقراطيّ البرلمانيّ - وعلى سبيل المحاصصة الطائفيّةِ، المرفوضة تماماً منّي ومن الأكثريّة السنيّة - يكون عددُ أعضاء البرلمان السوريّ (230) عضواً، منهم (161) نائبّاً من نصيبِ أهل السنّة، بينما يكون نصيبُ النصيريّين (36) نائباً، ويكون نصيب الدروز (6 - 7) نوّاب!

فإقدامُ النصيريّين على سَلبِ الحكمِ من الأكثريّة السوريّة بدعمٍ وتأييدٍ خارجيٍّ؛ دمّر سوريّا عن بكرةِ أبيها، وخلّف أكثرَ من مليوني شهيدٍ من أهل السنّة، وأكثر من مائتي ألف قتيلٍ من النصيريين!

ولتعرف الإجرام الذي صنعه النظام النصيريّ في سوريّا؛ يكفي أن تعلمَ بأنّ سعرَ الدولار في بداية انقلابِ البعث النصيريّ، عام (1963م) كان ثلاثَ ليراتٍ وستّين قرشاً سوريّاً!

بينما وصل سعر الدولار، قبل سقوط النظام النصيريّ بشهر (2024م) إلى ستّة عشر ألفَ ليرةٍ سورية فحسب!

إنّ الأقلّياتِ عاشت مع الأكثريّة العربيّة السنيّةِ في سوريا، سنينَ طويلةً، لم نكن ننظر إليهم على أنهم أقلّيات، إنّما كان أهل السنّة يقولون:

الطائفة العلوية الكريمة.

الطائفة المسيحية الكريمة.

الطائفة الدرزيّة الكريمة.

واللهُ يَشهد على صدق كلامي؛ أنّني رضعتُ من امرأتين مسيحيّتين، ومن امرأتين نُصيريّتين، في السنتين الأُولَيَين من عمري في هذه الدنيا!

كانت والدتي رحمها الله تعالى من صواحب الدين، تحفظ كتاب الله تعالى، ولديها إجازتان في إقرائه للآخَرين!

فلو كان لديها شعورٌ طائفيٌّ، أوتمييزٌ عِرقيّ؛ ما كانت ستأمَن المسيحيّات والنصيريّات على حياتي، بكلّ تأكيد؟

أيها المواطنون العلويون والمسيحيون والدروز، والآخرون: الضامنُ الوحيدُ لاستقرار سوريّا؛ هو حكمُ الأكثريّةِ العربيّةِ السُنيّة فيها، وقد ثبت لنا ولكم طيلةَ ستّين عاماً؛ أنّ أكبر طوائف الأقلّيات «النصيريّة» لم تحكم سوريّا، ولم تَسُسْها، إنّما قتلت شعبها، ودمّرت مدنها وقراها، وأفقرتها، حتى لا تكاد تجد فيها مكتفياً بدخله الشهريّ!

لا تخافوا من أهل السنّة في سوريّا، فقد انتصَرتْ ثورتهم، واستلموا زمام الأمورِ في دمشق، ودخلوا جميع مدنِ الطائفة العلويّةِ، فلم يقتلوا أحداً، ولم يَسْبوا امرأةً، ولم يخطفوا طفلاً، كما صنع مجرموكم أيّام كانوا يحكمون!

بيد أنّ قادتكم السفلةَ؛ تأبى نفوسُهم الوضيعةُ إلّا الغدرَ والخيانةَ والتبعيّةَ للأجنبيّ!

قاموا بانقلاب (6 - 8) آذار (2025) وقتلوا من رجال الأمن في الساحل السوريّ، أكثرَ من (140) شهيداً، تلبيةً لتحريضِ قوىً أجنبيّةٍ، لا تريد بهم ولا بسوريّا خيراً البتّة!

ومن المعلوم لدى جميع الأممِ، أنّ الخروج على الدولةِ؛ خِيانةٌ عظمى، وجزاء مرتكبيه في الإسلام، وفي الوطن العربيّ كلّه؛ الإعدامُ!

وأنا لست سياسيّاً، ولا أعرف أيَّ أحدٍ من النظام السياسيّ الحاكم الجديد في سوريّا البتّةَ!

بيد أنّ شعبَكم العلويَّ في الساحل يقول: «إنّ رجال الأمن والجيش السوريّ؛ كانوا غايةً في الأدب والتهذيبِ، لم يسيؤوا إلى كبيرٍ في الساحلِ، ولا إلى صغير» قبل انقلابكم المشؤوم!

أيّها المواطنون من مكوّناتِ الشعب السوريّ: راجعوا أنفسكم، وانظروا في مصلحتكم، وارحموا أبناءكم ونساءكم وشيوخكم، وكونوا على يقينٍ أنّ أهلَ السنّة أرحم بكم، من بعضكم ببعض!

وإنْ أبيتم؛ فأنتم خارجون على دولةِ الأكثريّة السنيّة، ومن حقّها آنئذٍ أنْ تحصدكم حصدَ الهَشيم!

ولن يَنفعكم يومئذٍ «إيرانُ» ولا «الصهاينةُ» ولا إرهابيّو «قسد» العملاءُ، ولا غيرهم!

وأرجو خالصَ الرجاءِ أنْ لا تَنتفخوا كثيراً، ولا تَبيعونا شجاعةً وبسالةً وإقداماً، فأهلُ السنّة أبناء قبائل عربيّةٍ أصيلةٍ، جميعها تتمتّع بالشجاعةِ والشكيمةِ والفداء، وما جرى في اليومين الماضيين كافٍ لمن كان له قلب، أو ألقى السمعَ وهو شهيد!

إنّكم تَعلمون يقيناً؛ أنّكم مفرّقين ومجتمعين؛ لا تتجرّؤون على بعضِ ما تفعلون، لولا استقواؤكم بأعداء الإسلامِ، وأعداء سوريّا وأهلها الطيّبين!    

ألا هل بلّغتُ؟

اللهم فاشهد.

والحمد لله على كلّ حال.

 

  بعيداً عن السياسة:

أيّها النُصيريّةُ العلويّون!

لا تُصدّقوا الروافضَ فهم يكفّرونكم!؟

بسم الله الرحمن الرحيم

إنّ النظامَ الإيرانيَّ نظامٌ طائفيٌّ رافضيّ مغالٍ، ولو كان يرغب في اتّباعِ أهل البيت حقّاً؛ لكوّنَ لجاناً علميّةً، تنقِّي هذا التراثَ  الطائفيَّ المنكَر المتناقضَ والواهي!

وما هدفُ هذا النظام من «تصدير الثورة» سوى التوسّع الفارسيّ، وإغراق المجتمع العربيّ المسلم بالبدع والضلالاتِ التي غمرت معظم ذاك التراثَ البغيض!

ومَن ظنّ بأنّ ما في (الكافي) للكلينيّ، وما في بحار الأنوار للمجلسيّ الرافضيّ، هو مذهب آل البيت وثقافتهم؛ فهو كاذب مفترٍ، أو جاهلٌ أرعن، والنتيجةُ في الحالين سواء!

وهم يستغلّونَ (شيعةَ العربِ) في العراق وسوريّا ولبنان واليمن؛ ليكونوا وَقوداً في سبيل التمدّد الفارسيّ الرافضيّ!

والمذهبُ النُصيريّ الشيعيُّ الإماميُّ؛ معدودٌ عند الفرقةِ الإماميّة الرافضيّةِ، في المذاهبِ المُغاليةِ، التي خرجت من الإسلام.

وإليك أخي القارئ الكريم عدداً من النصوصِ القديمةِ والمعاصرةِ، المصرّحةِ بكُفر محمّد بن نُصيرٍ النميريّ، وكُفرِ الطائفة النصيريّة التي تنتسب إليه.

  أوّلاً: جاء في كتاب «فرق الشيعة» للحسن بن موسى النوبختي، المتوفى في حدود (310 هـ) (ص: 95): «وقد شذّت فرقة من القائلين بإمامة علي بن محمد الهادي المكنى بأبي الحسن، في حياته، فقالت بنُبُوّة رجلٍ يُقال له: محمد بن نصير النميري، وكان يَدّعي أنّه نبيٌّ بَعثه أبو الحسن «علي الهادي» العسكري عليه السلام، وكان يَقول بالتناسخِ، ويغلو في أبي الحسنِ، ويقول فيه بالربوبية، ويقول بإباحة المحارم، ويحلّل نِكاحَ الرجالِ بَعضهم بَعضاً في أدبارهم، ويَزعم أنّ ذلك من التواضع والتذلّلِ في المفعولِ به، وأنه من الفاعلِ والمفعولِ به إحدى الشهواتِ الطيّبات، وأنَّ الله عز وجل لم يحرم شيئاً من ذلك».

ونقل هذا الكلامَ أبو عمرٍو الكشيّ في رجاله (ص: 370) من دون نسبته إلى النوبختيّ.

زاد سعدُ بنُ عبدالله الأشعريّ القمّي في كتابه فرق الشيعة (ص: 93) قال:

أخبرني بذلك أبو زكريّا يحيى بن عبدالرحمن عن محمّد بن نُصيرٍ؛ أنّه رآه عياناً وغُلامٌ له على ظهره.

قال أبو زكريّا: لقيتُه فعاتبتُه، فقال: إنّ هذا من اللذات، وهو من التواضع لله وترك التجبّر» انتهى.

ولا يخفى أنّ النوبختيَّ والقُمّيَّ، كليهما ثقتان عند الشيعة، والقميّ يروي عن محمّد بن نصيرٍ بواسطة رجلٍ واحد، كما تقدّم!

جاء في كتاب الرجال للحسن بن علي بن داود الحِلّي (ص: 269): محمّد بن نُصَير النُمَيْريُّ؛ غال إليه يُنسَب النُصيرية.

وجاء في رجال الشيخ عليّ الخاقانيّ (ص: 207): «محمد بن نصير النميري، كان من أصحاب أبى محمّدٍ الحسن بن عليٍّ العسكريّ، فلما تُوفيَ عليه السلام؛ ادّعى مَقامَ أبي جعفرٍ محمّد بن عثمان، أنّه صاحبُ إمام الزمان «المهديّ» وادّعى أنّه بابُه، ففضحه الله تعالى بما ظهر منه، من الإلحاد والجهل».

وفي رجال الكشيّ (ص: 384): «قال نصر بن الصباح : الحسن بن محمد المعروف

بابن بابا ، ومحمد بن نصير النميري ، وفارس بن حاتم القزويني ، لعن عليُّ بنُ مُحمّدٍ الهادي العَسكريُّ عليهما السلام هؤلاءِ الثلاثةَ ».

وقال المجلسي في بحار الأنوار (25: 285) والسيّد الخوئيّ (معاصر): في معجم رجال الحديث (18: 249): «محمد بن نُصير النميري ، من أصحاب أبي محمد الحسن عليه السلام ، فلما توفي ادّعى البابية لصاحب الزمان عليه السلام ، ففضحه الله بما ظهر منه من الإلحاد والغلو والتناسخ، وكان يَدّعي أنه رسولٌ نَبيٌّ، أرسله عليُّ بن محمّدٍ عليهما السلام، وكان يقول بإباحة المحارم».

وقال ابنُ شهرآشوب بعد ما ذكر عبدَالله بن سبأ: «ثم أحيا ذلك رَجلٌ اسمه محمدُ بن نُصير النُميري ، زعم أنّ الله تعالى لم يَظهر إلا في هذا العصر، وأنه عَليٌّ وحدَهَ!

فالشرذمة النُصيريةُ ينتمون إليه، وهم قومٌ إباحيّة تركوا العباداتِ والشرعيّاتٍ، واستحلّوا المَنهياتِ والمحرّماتِ.

ومن مقالهم أن اليهود على الحقِّ، ولسنا منهم، وأنّ النصارى على الحق، ولسنا منهم».

وقال السيّد الخوئيّ في موضع آخر من معجمه (18: 247): «تقدّم في الرواياتِ أنّ النميريَّ قد كفَرَ وألحدَ، وخرجَ عن الإسلام، فكيف يُمكن - وهو على هذه الحال - أن تَروي الشيعةُ عنه رواياتٍ؟ الله العالم»!

وحتّى لا يقالَ: إنّ هذا الكلامَ من الماضي المتشنّج؛ أنقل إليكم شهاديتن من كاتبين إماميّين معاصرَين لنا.

فقد جاء في كتابِ «النَفيس في بيان رزيّة الخميس» للشيخ عبدالله دَشتيّ (ص: 73) أّن النصيريّة كانوا «يساندون النصارى في الحروب الصليبية، ويفتحون الثغور لهم».

وقال: «وقد بيّنا أنّ علماء السنةِ والشيعةِ صرّحوا بأن النُصيريةَ ليسوا من الشيعةِ، بل هم خارجون على الإسلام».

وقال السيّد هاشم الهاشميّ في كتابه «أضواءٌ على عِلمي الدرايةِ والرجال» (ص: 596):

«النصيريّة هم أصحابُ محمّد بن نصير النميريّ، كان يقول: الربُّ هو عليُّ بن محمّد العسكريّ، وأنّه هو « محمّد بن نصير» نَبيٌّ مِن قِبَلِه... وكان يقول بالتناسخِ، ويقول بإباحةِ المحارمِ، وتحليل نكاح الرجال بعضهم بعضاً في أدبارهم... وقد صدر فيه وفي معتقداتِه لعنٌ من الإمامِ العسكريّ» انتهى باختصار.

ختاماً: بعضُ رؤسائكم - معشرَ النصيريّين - قالوا: إنّ (80%) من أولادنا كانوا جنوداً لدى نظامِ آل الأسدِ البائد، في الجيش والأمن والاستخبارات، وغيرها من المواقعِ الإجراميّة!

وهذا يعني أنّكم أنتم الذين أجرمتم في حقِّ الأكثريّةِ المسلمة السنيّة، فخربتم ديارهم سوريّا، وقتلتم شبابهم، وصنعتم العجائب في تعذيبهم والتنكيل بهم!

ومع هذا فقد أطلقت القيادةُ الجديدةُ في سوريّا شعار «مَن سلّم سلاحَه؛ فهو آمن» ما عدا المجرمين القتلة، الذين لا بدّ من محاسبتهم ومحاكمتهم على جرائمهم!

ألا ترون كم هم متسامحون معكم، في الوقت الذي كنتم فيه مجرمين قتلةً حاقدين، بعدما اغتصبتم الحكمَ، طيلةَ إحدى وستّين سنةً من عمر الزمان؟

إنني أُهيبُ بكم  - معشر النصيريّينَ - أن تتعاونوا مع النظامِ الجديدِ، وأن تسلّموا القتلة المجرمين منكم، وأنتم تعرفونهم «كلباً ضارياً وراءَ كلبٍ ضارٍ» لتنعموا بالأمان والسلام والاستقرار، أنتم وأولادكم ونساؤكم!

وقد تبيّن لكم من وراءِ انقلابكم الخاسرَ هذا، أنّ اللئامَ الذين دفعوكم إلى القيام به؛ لم تكونوا عزيزين عليهم، ولم تكن دماؤكم محترمةً لديهم، وأنّكم في النهايةِ لن تستطيعوا مواجهة (20) مليون مسلمٍ سنيّ، نهضوا نهضةَ رجلٍ واحدٍ، لو أرادوا إبادتكم عن آخركم؛ لاستطاعوا، إذْ لا يوجد أحد منهم ليس لديه عندكم ثأرٌ أو ثاراتٌ!

وأنا الفقير «عداب الحمش» قَتلتم من أسرتي الصغيرة (آل الحمش) سبعة عشر شهيداً، حتى عام (1982م) وقتلتم من هذه الأسرة اثني عشرَ شهيداً - منهم وَلدي وشقيقي - في هذه الثورةِ الصابرةِ التي انتهت بسحقكم وإذلالكم والدوسُ على أنوفكم اللعينة المجرمة الحاقدة!

أنا مسلم من أهل العلم، لا أجيزُ القصاص من مجهولين، ولا أقول بالثأرِ، فهو منهجٌ جاهليّ، اخترعه أسلافكم الروافض (يا لثاراتِ الحسين) عليه السلامُ!

إنّما أترك حقوقي وحقوقَ أسرتي إلى يوم القيامةِ، يوم الحسابِ القادم حتماً، يومها:

(يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ.. إِلَّا مَنْ أَتَى اللهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ).

هذا.. وصلّى الله على سيّدنا محمّد بن عبدالله، وعلى آله وصحبه وسلّم تسليماً.

والحمد لله على كلّ حال.

 

 

الخميس، 6 مارس 2025

           مَسائلُ حديثيّةٌ:

هل يتناول سحورَه بعدَ أذان الفجر ؟!

بسم الله الرحمن الرحيم

(رَبَّنَا: عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا، وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا، وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ.

رَبَّنَا: لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا، وَاغْفِرْ لَنَا.

رَبَّنَا: إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ).

(رَبَّنَا: افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ، وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِين).

استمعتُ إلى عددٍ من المسموعاتِ، وشاهدتُ بعض مقاطع «الفيديو» يقول أصحابها الجهّال: «إذا أذّن المؤذّن لصلاة الفجرِ في رمضانَ؛ فلا تمسك عن الطعامِ والشراب، حتى تكتفي منهما» ويستدلّون على ذلك بحديثِ أبي هريرةَ الذي أخرجه الإمام أحمد ابن حنبلٍ في مسنده (10629) قال: حَدَّثَنَا رَوْحُ بنُ عُبادةَ القيسيُّ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بنُ سلمةَ البصريُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بن علقمةَ الليثيِّ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بنِ عبدالرحمن بن عوفٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (إِذَا سَمِعَ أَحَدُكُمُ النِّدَاءَ - وَالْإِنَاءُ عَلَى يَدِهِ - فَلَا يَضَعْهُ حَتَّى يَقْضِيَ حَاجَتَهُ مِنْهُ).

ومن حديثِ عبدالأعلى بن حمّادٍ الباهليّ عن حمادِ بن سلمة، به مرفوعاً؛ أخرجه أبو داود في كتاب الصومِ من سننه (2350) والدارقطنيّ في سننه (2182) وأخرجه من حديثِ عبدالواحد بن غياثٍ عن حمّادِ بن سلمةَ الحاكمُ في المستدرك (729، 740، 1552) والبيهقيّ في السنن الكبير (5106) وفي الخلافيات (1119) فحمّادٌ مدارُ الحديث!

قال ابن أبي حاتمٍ في العلل (2: 235): «سألتُ أَبِي عَنْ حديثٍ رَوَاهُ رَوْحُ بْنُ عُبَادة عَنْ حمَّادٍ عن محمد بن عَمْرو، عَنْ أَبِي سَلَمة، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النبيِّ صلّى الله عليه وآله وسلّم أَنَّهُ قَالَ: (إِذَا سَمِعَ أَحَدُكُمُ النِّدَاءَ وَالإِنَاءُ عَلَى يَدِهِ؛ فَلاَ يَضَعْهُ حَتَّى يَقْضِيَ حَاجَتَهُ مِنْهُ).

قلتُ لأَبِي: وَرَوَى رَوْحٌ أَيْضاً عَنْ حمَّادٍ، عَنْ عَمَّارِ بْنِ أَبِي عَمَّار، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عن النبيِّ صلّى الله عليه وآله وسلّم، مِثْلَهُ، وَزَادَ فِيهِ (وَكَانَ المُؤَذِّنُ يُؤَذِّنُ إذا بَزَغَ الفَجْرُ).

فقال أبو حاتم: «هذانِ الحديثانِ؛ لَيسا بِصَحِيحَينِ:

أمَّا حديثُ عمَّار: فَ«يُروى» عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَوْقُوفٌ.

والحديثُ الآخَرُ «يعني حديثَ الباب»؛ لَيْسَ بِصَحِيحٍ».

قال الفقير عداب: عِلّةُ هذا الحديثِ في ضعف حفظِ محمّد بن عَمرِو بن علقمة الليثيِّ.

ترجمه الترمذيّ في علله الصغير، ونقل تضعيفه عن يحيى بن سعيدٍ القطّان.

وترجمه العقيلي في الضعفاءِ (4: 109) ونقل كلامَ يحيى القطّان.

وترجمه المزيّ في تهذيب الكمال (26: 216) ونقل توثيقه عن النسائيّ، ونقل عن يحيى بن معين قوله: «ما زال الناس يتقون حديثه» قيل له، وما علة ذلك؟ قال: كان يحدث مرةً عَن أبي سلمة بالشيءِ من رأيه، ثم يحدث بِهِ مرة أخرى عَن أبي سلمة عَن أبي هُرَيْرة.

وَقَال إبراهيم بن يعقوب السعدي الجوزجاني: ليس بقويٍّ في الحديث.

وقال أبو حاتمٍ: « صَالِح الحديث، يكتب حديثه، وهو شيخ».

وترجمه مُغلطاي في إكماله (10: 301) ونقل عن ابن سعدٍ قولُه: «كان كثيرَ الحديث، يُستضعف».

قال الفقير عداب: أخرج له البخاريُّ ثلاثَ متابعاتٍ (782، 2040، 2356، 3856) وأخرجَ له مسلمٌ ثماني متابعاتٍ، ولم يحتجَّا به في حديثٍ واحدٍ!

خلاصةُ القولِ: إنّ حديثَ الباب ضعيفٌ، تفرّد به محمد بن عمرو بن علقمةَ، وهو ممّن لا يقبلُ ما انفرد به من الحديث.

والضعيفُ من الحديثِ وما لَم يُروَ سيّان، لا يجوز الاحتجاج به في الدين أبداً!

أمّا فقه المسألةِ؛ فخلاصتُه: قول الله تبارك وتعالى: (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْل(.

ونحنُ لسنا من العارفينَ بالمواقيتِ، إنّما هي من مهامِّ لجانٍ مخصوصةٍ في وزارات الأوقافِ والشؤون الإسلاميّة.

وقد سألتُ عدداً من المسؤولين عن هذه المسألةِ في السعودية والأردنّ والعراق؟

فقال جميعهم: «إنّنا لا نُوجّه المؤذّنَ بأذان الفجرِ، إلّا بعد ظهورِ الفجر الصادق».

فيكونُ قد تبيّن لتلك اللجانِ (الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ)!

ويكونُ الأذانُ بعد دخولِ وقتِ الفجرِ، لا قبلَه، وهو الوقتُ الذي يجب أن نمسك فيه عن الطعام والشراب والنساءِ إلى الليلِ.

فليحذَرْ شبابُنا من متابعةِ أولئك الجهّالِ، الذين لا يحسنون قراءَة الحديثِ، فضلاً عن تخريجه ونقده، ومع هذا يتطاوَلون ويتجرّأون على الفُتيا، فيُبطلون صيامَ الناسِ، لمجرّد قراءتهم أو سماعهم «صححه الألباني» أو «حسّنه الأبانيّ» والشيخ الألبانيُّ ليس حُجّةً في نقدِ الحديثِ ومعرفةِ علله.

والله تعالى أعلم.

والحمد لله على كلّ حال.