اجتماعيات (53):
ضرورةُ كِتمانِ المعاصي!؟
بسم الله الرحمن الرحيم
(رَبَّنَا: عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا، وَإِلَيْكَ
أَنَبْنَا، وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ.
رَبَّنَا: لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلَّذِينَ
كَفَرُوا، وَاغْفِرْ لَنَا.
رَبَّنَا: إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ).
(رَبَّنَا: افْتَحْ
بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ، وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ).
عقب المنشور (52) عن
الترخّصات العدابيّة؛ كتب إليّ أحدهم يقول:
(ما ورد في منشورك عن
الترخصات، أليس مخالفاً للهدي النبويّ: (إذا ابتليتم بالمعاصي؛ فاستتروا)؟
أقول وبالله التوفيق:
قولُ (إذا ابتليتم بالمعاصي؛ فاستتروا) وقول: ((إذا
بُليتُم؛ فاستتروا) ليسا بحديثين مرفوعين، ولا أثرين موقوفين، ولم أقف لهما على
إسناد.
هذا أوّلاً.
ثانياً: أخرج مالك في
كتاب الحدود من الموطّأ (1562) قال: حَدَّثَنِي مَالِك عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ؛
أَنَّ رَجُلًا اعْتَرَفَ عَلَى نَفْسِهِ بِالزِّنَا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَدَعَا لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ بِسَوْطٍ فَأُتِيَ بِسَوْطٍ مَكْسُورٍ فَقَالَ فَوْقَ هَذَا فَأُتِيَ
بِسَوْطٍ جَدِيدٍ لَمْ تُقْطَعْ ثَمَرَتُهُ فَقَالَ دُونَ هَذَا فَأُتِيَ بِسَوْطٍ
قَدْ رُكِبَ بِهِ وَلَانَ فَأَمَرَ بِهِ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ فَجُلِدَ، ثُمَّ قَالَ:
أَيُّهَا النَّاسُ: قَدْ
آنَ لَكُمْ أَنْ تَنْتَهُوا عَنْ حُدُودِ اللهِ.
مَنْ أَصَابَ مِنْ هَذِهِ
الْقَاذُورَاتِ شَيْئًا؛ فَلْيَسْتَتِرْ بِسِتْرِ اللهِ، فَإِنَّهُ مَنْ يُبْدِي
لَنَا صَفْحَتَهُ؛ نُقِمْ عَلَيْهِ كِتَابَ اللَّهِ) وهذا النصّ في رواية أبي مصعب
الزهريّ للموطّأ (1769) وفي رواية محمد بن الحسن الشيباني للموطّأ (698) وثلاثتهم
روَوه مرسلاً هكذا.
ومن طريق مالك أخرجه البيهقيّ
في السنن الصغير (2719) وأورده في معرفة السنن الآثار (13: 72) من دون إسنادٍ،
وقال: « حَدِيثٌ مَعْرُوفٌ عِنْدَنَا، وَهُوَ غَيْرُ مُتَّصِلِ الْإِسْنَادِ
فِيمَا أَعْرِفُهُ».
ثالثاً: أخرج البخاري في
كتاب الأدب من صحيحه (6069) ومسلمٌ في كتاب الزهد من صحيحه (2990) من حديث سالم بن
عبدالله بن عمر، عن أبي هريرة قال: سمعت الرسولَ صلّى الله عليه وسلّم يقول: (كُلُّ
أُمَّتِي مُعَافًى، إِلَّا الْمُجَاهِرِينَ.
وَإِنَّ مِنْ
الْمُجَاهَرَةِ أَنْ يَعْمَلَ الرَّجُلُ بِاللَّيْلِ عَمَلًا، ثُمَّ يُصْبِحَ -
وَقَدْ سَتَرَهُ اللهُ عَلَيْهِ - فَيَقُولَ: يَا فُلَانُ، عَمِلْتُ الْبَارِحَةَ
كَذَا وَكَذَا، وَقَدْ بَاتَ يَسْتُرُهُ رَبُّهُ.
وَيُصْبِحُ هُوَ يَكْشِفُ
سِتْرَ اللَّهِ عَنْهُ).
قال ابن حجر: «الحديث
مصرّحٌ بذمّ مَن جاهر بالمعصية، فيستلزم مدحَ من استتر، ومَن قصد التستّر بها
حياءً من ربّه تبارك وتعالى، ومن الناس؛ مَنّ الله عليه بستره إيّاه».
قال الفقير عداب:
هذا هو المعتمَدُ، وهذا هو
الواجب الاتّباع، والمقصود من المعاصي هنا؛ المتّفق على أنّها من المعاصي، والاستماعُ
إلى الغناء ليس ممّا اتّفق على أنّه معصية!
أخرج البخاريّ في الوصايا
(2767) ومسلم في الإيمان (89) من حديث أبي هريرة، عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (اجْتَنِبُوا السَّبْعَ الْمُوبِقَاتِ!
قَالُوا يَا رَسُولَ اللهِ:
وَمَا هُنَّ؟
قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَآلِهِ وَسَلَّمَ: (1) الشِّرْكُ بِاللهِ (2) وَالسِّحْرُ (3) وَقَتْلُ النَّفْسِ
الَّتِي حَرَّمَ اللهُ إِلَّا بِالْحَقِّ (4) وَأَكْلُ الرِّبَا (5) وَأَكْلُ
مَالِ الْيَتِيمِ (6) وَالتَّوَلِّي يَوْمَ الزَّحْفِ (7) وَقَذْفُ الْمُحْصَنَاتِ
الْمُؤْمِنَاتِ الْغَافِلَاتِ.
وعند أبي داود في الوصايا،
عقب حديث الباب (2874) أخرج حديثَ عمير بن قتادة الصحابيّ بإسناد ضعيف، وفيه: (هُنَّ
تِسْعٌ، فَذَكَرَ مَعْنَاهُ، وزَادَ (8) وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ الْمُسْلِمَيْنِ
(9) وَاسْتِحْلَالُ الْبَيْتِ الْحَرَامِ قِبْلَتِكُمْ أَحْيَاءً وَأَمْوَاتًا).
قال الفقير عداب غفر الله
تعالى له:
عائذٌ بالله أن أرتكب
معصيةً متّفقاً على أنها معصية، سرّاً أو جهراً، وأنا عندما أقول لكم: إنني أجيبكم
من دون خوفٍ ولا وَجلٍ؛ لأمرين اثنين:
أحدهما: تأكيدُ أنني بشرٌ
أخطئ وأصيب، ولست منزّهاً عمّا يعتري البشرَ من ضَعفٍ، ولو اعترفت بذنبٍ؛ فهو من هذا القبيل، وليس محادّةً لله تعالى، أو استخفافاً بحقّه!
والثاني: لأنّ الله تعالى
يشهد، والملكان الموكّلان بي يشهدان؛ أنني ما ارتكبت في حياتي واحدةً من هذه
السبعِ الموبقات، ولا شربت الخمرة والحشيشة، ولا أعرف ما هي، ولا تعاطيت الزنا واللواط، ولا مادون ذلك من
أجنبيّة قط، ولا سرقتُ، ولا غصبتُ، ولا شهدت بالزور!
نعم مارست التدخين من عام (1968) حتى العام (1973) ثم أقلعتُ عنه تماماً، وتبت إلى الله توبة نصوحاً ودليل نصحها؛ أنني ما تعاطيته أبداً، طيلةَ خمسين سنة!
باختصار شديدٍ: لم أفعل
شيئاً ممّا هو معصيةٌ قطعاً، سوى آفات هذا اللسان، فقد جرحت به كثيرين وكثيراتٍ، وتبت
عن ذلك توبةً نصوحاً، منذ سنين طويلة!
وأسأل الله تعالى أن يكون
قَبِلَ توبتي، وأسأله من فضلِه وكرمه ولطفه؛ أن يجزي عني مَن أسأتُ إليهم بلساني!
نعم كنت أعصي والدي
كثيراً، وليس قليلاً، لكن بصمتِ أصحابِ القُبور!
كان والدي يحبّني كثيراً
جدّاً جدّاً، ويثق بشجاعتي وتميّزي أيضاً.
لكنّه كان يخاف عليّ
كثيراً، فكان يمنعني من حضور دروس العلماء والمشايخ، ويضربني على ذلك يوميّاً
تقريباً.
وأصَرَّ إصراراً بالغاً
على تركي المدرسةَ نهائيّاً، حتى أتوجّه وُجهةً أخرى سوى العلم!
لكنني عاندته وأصررت على
متابعة تحصيلي العلمي، إلى منتهى ما استطعت، وما أكرمني الله تعالى به.
وقد تراجع والدي عن موقفه، بعدما غادرت سوريّا عام (1975) وبقي راضياً عني هو ووالدتي الفاضلة، منذ ذلك التاريخ، حتى وفاة والدتي عام (1981) وحتى وفاة والدي عام (2012) رضي الله عنهما.
وعندما زراتني والدتي عام (1980) في مكّة المكرّمة؛ نزلت بصحبتها إلى الحرم المكيّ الشريف، وطلبت منها أن تسامحني، فسامحتني وبكت عند الملتزم، ورضيت عني الرضا التامّ.
وعندما زارني والدتي في موسم حجّ (1403 هـ) نزلت معه إلى الحرم المكيّ الشريف، وطلبت منه أن يسامحني، فسامحني مرّاتٍ عديدة ثم أمسكني من رقبتي، وقال لي: (أسألك بالله تعالى أن تسامحني أنت يا ابني من كلّ قلبك فقسوتي عليك سببها حبّي لك وخوفي عليك، وهذا ما أفهمه يا ابني، فأنا رجل أمي عاميّ).
أمّا أكل مال اليتيم؛ فلم يُوكّلني أحدٌ بالإنفاق على أيتامٍ أصلاً، لكنّ أخي الشهيد غسّان، استشهد عام (2003م) فبقيت أقدّم لأولاده كفايتهم، حتى نهاية عام (2020م) إذ غدَوا رجالاً، ولهم من الرزق ما يكفيهم.
وأخي الشهيد غازي، سُجن
منذ العام (2012) ثمّ قتله الظالمون المجرمون في السجن، فبقيت أقدّم لأولاده
كفايتهم ، حتى نهاية عام (2020) للسبب ذاته،
وفاءً وحبّاً، واحتساباً عند الله تعالى، رحمهم الله تعالى أجمعين.
]رَبَّنا:
ظَلَمْنَا أَنْفُسَنا، وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنا؛ لَنَكُونَنَّ
مِنَ الْخَاسِرِينَ[.
هذا.. وصلّى الله على سيّدنا محمّد بن عبدالله،
وعلى آله وصحبه وسلَّم تَسليماً
والحمد لله على كلّ حال.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق