قريباً من السياسةِ (28):
التَوبَةُ عن السِياسَةِ !؟
بسم اللهِ الرحمن الرحيم
(رَبَّنا: عَلَيْكَ تَوَكَّلْنا، وَإِلَيْكَ
أَنَبْنا، وَإِلَيْكَ الْمَصيرُ.
رَبَّنا: لَا تَجْعَلْنا فِتْنَةً لِلَّذِينَ
كَفَرُوا، وَاغْفِرْ لَنَا.
رَبَّنَا: إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ).
(رَبَّنَا: افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا
بِالْحَقِّ، وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِين).
إنّ العلماءَ بشرٌ من البَشَرِ، يفرحون كما يفرح
البشر، ويغضبون كما يَغضب البشر، ويُخدَعون كما يُخدَع البشر، ويخافون مثلما يخاف
البشر!؟
وكلُّ مَن يزعُم أنّه لا يخاف مِن مُخالفةِ السلطاتِ
الحاكمة في بلدِه، أو في أيّ بلدٍ آخر يقيم فيه؛ فزَعمه هذا كاذبٌ مُدّعَى!
وليس المطلوب من العالم أن لا يخاف، إنما المطلوبُ
منه أن لا يَجبُنَ إذا لزمه أن يقول كلمةَ الحقّ!
عِشتُ في بلدي سوريا في ظلّ شكري القوّتلي، وفي ظلّ
عبدالناصر، وفي ظلّ ناظم القدسيّ، وفي ظلّ أمين الحافظ، وفي ظلّ حافظِ الأسدِ،
وتعيش سوريّا الآن في ظلّ ابنه بشّار الأسد!
لم أرَ فرقاً بين شكري القوتلي، وبين غيره، من جهة
انتسابهم إلى الإسلام، جميعهم علمانيون، وجميعهم يحكمون سوريّا بالقوانين
الوضعيّة، والتزام جميعم بتعاليم الإسلام معدومٌ، أو نادر!
غايةُ ما هنالك من خلافٍ حقيقيٍّ أنّ حافظَ الأسد
وابنه بشّار علمانيّان نصيريّان علويّان «من فرقِ الشيعةِ
الإماميّة» وبقيةُ رؤسائنا علمانيون ينتمون بالولادةِ إلى أهل السنة!
أنا الفقيرُ إلى الله تعالى، مذ عَقلتُ الحياةَ
أعلمُ أنّ النصرانيّ كافر، وأنّ اليهوديّ كافر، وأنّ الإسماعيليَ كافر، وأنّ
الدرزيّ كافر، وأن اليزيديَّ كافر، وأنّ النصيريّ العلويّ كافر!
وأنّ الخوارجَ والزيديّة والإماميّة، منهم ضلّال، ومنهم كفّارُ تأويل!
هذا ما علَّمنا إيّاه علماؤنا، وقالوا لنا: هذا
إجماع الأمة، والأمة عند مشايخنا؛ أهلُ السنة فحسب!
ليس في بلادنا سوريّا خوارجُ ولا زيديّة،
والإماميّة في عام (1970) كان عددهم يقرب من مائة ألف إنسانٍ تقديراً، كما حدّثني
شيخي حسن حبنّكة، وشيخي محمد لطفي الفيّومي، ومُعظم الإماميّة في حيّ الأمين
بدمشق!
وجميعُ هذه الفِرقِ كانت أقلّياتٍ قليلةً، لا
تصل بمجموعها إلى (20%) من مجموع عدد سكّان سوريّا، بينما تصل نسبة أهل السنة (80%)
من الشعب السوريّ.
لم يكن أكرم الحورانيّ أكبرَ وأشهرَ زعيمٍ في
مدينة حماة خاصّةً، وفي سوريّا عامّةً على شيءٍ من الدين!
ولم يكن منافسه في مدينة حماة الدكتور
عبدالرحمن العظم على شيءٍ من الدين!
ولم يكن زميله المحامي رئيف الملقي على شيءٍ من
الدين!
لكنهم كانوا ينتمون إلى أهل السنة، مجرّد
انتماء!
فتعصّب لكلّ واحدٍ منهم قومٌ من أهل السنة
وغيرهم، وانتخبوهم ممثلين عن المسلمين السنّة في البرلمان السوريّ!
ليس هذا فحسب، بل قتَل بعضهم بعضاً حبّاً بهم، ودفاعاً عن بعض هؤلاء وغيرهم!
هذا يعني أنّ السوريين لم يكونوا ملتزمين بدين
أهل السنّة، ولا بدين غيرهم، وأقصى ما كان منهم أنّ (10%) منهم كانوا يؤدّون
الصلوات الخمس ويصومون رمضان!
في عام (1973) سألت أحد شيوخي من الإخوان
المسلمين: كم يبلغ عدد سكّان حماة؟
قال: لا أدري والله، لكن لنقل إنّ أهل مدينة
حماة مائةُ ألف نسمة!
قلت له: وكم تقدّر عدد الإخوان المسلمين في
حماة؟
قال: أيضاً لا أدري، لكن لنقل: إنهم ألف بين
صغير وكبير، ما الذي تريد أن تصل إليه؟
قلت له: إذا كان عدد أهل حماة مائة ألف؛ فعليكم
أن تربّوا شبابَكم جميعاً على برنامجٍ قياديٍّ، لا أن تربوهم جنوداً «على السمع
والطاعة في المنشط والمكره» إذ لا يمكن لمن تربّى جنديّاً أن يقودَ مائةً من
الناس!
كانت قيادةُ الإخوان المسلمين تكتم علينا الأمور السياسيّة، فلم نكن نعلم شيئاً، إلّا ما يُلقّنوننا هم إيّاه!
ولم يكن مشايخنا من غير الإخوان المسلمين،
والذين كنّا نتلقى عليهم مبادئ العلوم؛ يتعاطون السياسة، ولا يعرفون عنها إلّا
النزر اليسير.
ولم يكن أساتذتنا في المدارس الابتدائيّة
والإعدادية والثانويّة يعلّموننا شيئاً من السياسةِ داخلَ المدرسة ولا خارجَها.
ولم يكن الإعلام السوريّ يعلّمنا من السياسةِ،
إلّا تمجيد فخامة الرئيس، وتعداد إنجازاته التي هي الكذب الصراح!
ومع هذا كنّا نمارس السياسة الجاهلة، ويضرب
بعضنا بعضاً، وربما طعن بعضنا بعضاً بالخناجر، انتصاراً للإخوان، أو انتصاراً
للإشتراكيّة، أو انتصاراً للناصريّة!
وعندما كبرنا، ودرسنا، وتخرّجنا من الجامعات
والمعاهد العليا؛ ظللنا نمارس السياسةَ، ظنّاً منا أننا نفهم السياسة،! والحقيقة
أنني أنا - ولا أتحدّث باسم زملائي - لا أعرف من السياسةِ شيئاً، على الرغم من أني
قرأت أكثر من مائة كتابٍ في السياسة، وأكثر من مائة وخمسين من مذكرات القادة
السياسيين والعسكريّين!
ولا أظنّ (999%) ينطلقون في الفهم السياسيّ، بأحسن
مما انطلقتُ منه أنا!؟
وجميع المثقفين الذين عرفتهم، والذين أقرأ لهم؛
ينطلقون من منطلق مذهبيّ طائفيّ حاقدٍ!
ومواقفهم على مثل المثل العراقي السائد: (أحبّ
واحْكِ، وأبغِضْ واحْكِ)!!
وأحوال الساسةِ - كل الساسة - متقلّبة، ما بين
حالٍ جيّدةٍ، فنثني عليه وندعو له!
وما بين حال ملتبسةٍ؛ فنُحار ما ذا نقول فيها
وفي صاحبها!؟
وما بين حالٍ غير شرعيّةٍ مطلقاً، فلا نجرؤ على
معارضتها، لأنّنا مشرّدون في بلادِ الآخرين، ونحن ضيوفٌ فيها!؟
في البلد الذي نعيش فيه اليومَ؛ خمور وزنا وفجور وربا
وسفور وعُريّ وتقبيل وضمّ في الشارع وفي المواصلات، ولا يُقام فيها حدٌّ من حدود
الله تعالى، ولا يحاسَب فيها أحد على ترك الصلاة والصيام والزكاة، وقادتها هم
يصرّحون بأنّ دولتهم علمانيّة!
ولا ترى أحداً منّا ينكر من ذلك شيئاً، بل ترى
كثيرين منّا يجعلون حاكمَ البلد هذا حاميَ حمى الإسلام، وناصر الدين، وبعضُنا
يرشّحه ليكون خليفةَ المسلمين!؟
وعلماؤنا - في الجملة - ليسوا احسنَ حالاً من
حكّامنا!
فهذا أحدُ مشايخنا الكبار يحرّض على قتل رئيسٍ
من الرؤساء، ويقول: عليّ ديته!
وهذا الشيخ نفسه يطالبُ الغرب وأمريكا بقتل
وقتالِ الجيش السوريّ، وكأنّ الجيش السوريّ ليس جنوده من هؤلاء المسلمين العوامّ
السنّة!
وهذا الشيخ نفسه يخالف القرآن الصريح والسنّة،
فيزعم أنّ للمرأة الأوربيّة إذا أسلمت أن تبقى على عصمة زوجها غير المسلم، وتعيش
معه في البيت!
وهذا الشيخ نفسه يفتي المسلمين الأمريكان
والأوربيّين؛ بأن يقاتلوا إخوانهم المسلمين في أفغانستان والعراق وغيرهما، إذا
توجّبت عليهم الخدمة العسكرية في بلادهم!
وهذا الشيخ نفسه يفتي بربا النسيئة مَن يريد أن
يبني منزلاً في بلادِ الغرب؛ لأنّ التعامل الربويّ جائزٌ في بلاد الكفّار!
أفلا يجوز لي ولأمثالي من طلبة العلم؛ أن
يُعرضوا عن الحديثِ بالسياسةِ إعراضاً تامّاً!؟
سألني أحد الإخوة الأحبّة - وهو غاضب يكاد
ينفجر من الألم - قائلاً: ما تقول فيما فعلته السعوديّة من إعدام ثمانين مسلماً في
يومٍ واحدٍ، ولماذا لم تكتب منشوراً تندّد بذلك؟
قلت له: إنّ الإعلام السعوديَّ يقول: إنّ هؤلاء
القتلى عُرضوا على ثلاثةَ عشر قاضياً شرعيّاً، وقد استنفدوا مراحل القضاء الثلاث!
وتقول وزارة الداخليّة: إنّ بعضَ هؤلاء قتلوا،
وبعضهم حاولوا القتل، وبعضهم تجّار مخدّرات، وبعضهم تبنّوا الأفكار الضالّة، و بعض هذا كذب وافتراء، إنّما هؤلاء بسطاء لم تعجبهم بعض مواقف الحاكم الظالم، فقتلهم قتله
الله!
قال: لكن قطعاً ذكرت هي عدداً كبيراً لا يستحقون القتل، حتى لو كانت صادقة!
قلت له: نحن لا ندري جانبَ الصدق، من جانب
الكذب، لكننا نعلم أنّ الحكام ظالمون وحسب، والقتلى قد قُتلوا وانتهى الأمر،
وصاروا في ديار الحقّ!
- فإن كانوا مستحقّين للقتل؛ فنسأل الله تعالى
أن يجعل قتلَهم كفّارةً لذنوبهم!
- وإن كانوا غير مستحقّين للقتل؛ فنسأل الله
تعالى أن يتقبّلهم في الشهداء!
خِتاماً:
أرجو من الإخوة الأفاضل روّادِ صفحتي؛ أن لا يسألوني أيَّ سؤالٍ سياسيّ بعد اليوم، عن أيّ
بلدٍ من بلدانِ المسلمين، حتى لا يحرجوني، فلا أنا أفهم بالسياسةِ، ولا حكّامنا
صالحون يقبلون «الرأيَ والرأيَ الآخر» فلماذا نُعرّض أنفسنا إلى سخطهم، من دون
فائدة نقدمها إلى أمتنا وديننا وأوطاننا؟
أسأل الله تبارك وتعالى أن يُصلح حكامنا، وأن
يولّ علينا خيارَنا ممّن يستحقّون الولايةَ، وأن يأخذ الظالمين والفاسقين
والمنافقين والكفّار منهم أخذَ عزيزٍ مقتدر.
(رَبَّنا: ظَلَمْنَا
أَنْفُسَنا، وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنا؛ لَنَكُونَنَّ مِنَ
الْخَاسِرِينَ).
هذا.. وصلّى اللهُ على
سيّدنا محمّد بن عبداللهِ، وعلى آله وصحبه وسلّم تسليماً.
والحمد لله على كل حال.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق